الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سَنَةُ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ]
[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ
فَفِي صَفَرٍ مِنْهَا أَمَرَ الْأَمِينُ أَنْ لَا يَتَعَامَلُوا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي عَلَيْهَا اسْمُ الْمَأْمُونِ وَنَهَى أَنْ يُدْعَى لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ، وَأَنْ يُقْتَصَرَ عَلَى الدُّعَاءِ لَهُ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ النَّاطِقِ بِالْحَقِّ.
وَفِيهَا تَسَمَّى الْمَأْمُونُ بِإِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَفِي رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْهَا عَقَدَ الْأَمِينُ لِعَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ الْإِمَارَةَ عَلَى الْجَبَلِ، وَهَمَذَانَ، وَأَصْبَهَانَ، وَقُمَّ وَتِلْكَ الْبِلَادِ، وَأَمَرَهُ بِحَرْبِ الْمَأْمُونِ وَجَهَّزَ مَعَهُ جَيْشًا كَثِيرًا، وَأَنْفَقَ فِيهِمْ نَفَقَاتٍ عَظِيمَةً، وَأَعْطَاهُ مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، وَلِوَلَدِهِ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَأَلْفَيْ سَيْفٍ مُحَلًّى، وَسِتَّةَ آلَافِ ثَوْبٍ لِلْخِلَعِ.
وَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ مِنْ بَغْدَادَ فِي أَرْبَعِينَ أَلْفَ فَارِسٍ وَمَعَهُ قَيْدٌ مِنْ فِضَّةٍ؛ لِيَأْتِيَ بِالْمَأْمُونِ فِيهِ. وَخَرَجَ الْأَمِينُ مَعَهُ مُشَيِّعًا، فَسَارَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى الرَّيِّ فَتَلَقَّاهُ الْأَمِيرُ طَاهِرٌ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَكَانَتْ بَيْنَهُمْ أُمُورٌ آلَ الْحَالُ فِيهَا إِلَى أَنِ اقْتَتَلُوا، فَقُتِلَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى، وَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ، وَحُمِلَ رَأْسُهُ وَجُثَّتُهُ إِلَى
الْأَمِيرِ طَاهِرٍ، فَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى وَزِيرِ الْمَأْمُونِ ذِي الرِّيَاسَتَيْنِ. وَكَانَ الَّذِي قَتَلَ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: طَاهِرٌ الصَّغِيرُ فَسُمِّيَ ذَا الْيَمِينَيْنِ لِأَنَّهُ أَخَذَ السَّيْفَ بِيَدَيْهِ الثِّنْتَيْنِ، فَذَبَحَ بِهِ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ فَفَرِحَ بِذَلِكَ الْمَأْمُونُ وَذَوُوهُ.
وَانْتَهَى الْخَبَرُ إِلَى الْأَمِينِ وَهُوَ يَصِيدُ السَّمَكَ مِنْ دِجْلَةَ، فَقَالَ: وَيْحَكَ، دَعْنِي مِنْ هَذَا؛ فَإِنَّ كَوْثَرًا قَدْ صَادَ سَمَكَتَيْنِ، وَلَمْ أَصِدْ بَعْدُ شَيْئًا. وَأَرْجَفَ النَّاسُ بِبَغْدَادَ، وَخَافُوا غَائِلَةَ هَذَا الْأَمْرِ، وَنَدِمَ مُحَمَّدٌ الْأَمِينُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ نَكْثِ الْعَهْدِ، وَخَلْعِ أَخِيهِ الْمَأْمُونِ وَمَا وَقَعَ مِنَ الْأَمْرِ الْفَظِيعِ. وَكَانَ رُجُوعُ الْخَبَرِ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ فِي شَوَّالٍ مِنْهَا.
ثُمَّ جَهَّزَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جَبَلَةَ الْأَبْنَاوِيَّ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ إِلَى هَمَذَانَ لِيُقَاتِلُوا طَاهِرَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ مُصْعَبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيَّةِ، فَلَمَّا اقْتَرَبُوا مِنْهُمْ تَوَاجَهُوا، فَتَقَاتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَكَثُرَتِ الْقَتْلَى بَيْنَهُمْ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، ثُمَّ انْهَزَمَ أَصْحَابُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَبَلَةَ فَلَجَئُوا إِلَى هَمَذَانَ فَحَاصَرَهُمْ بِهَا طَاهِرٌ حَتَّى اضْطَرَّهُمْ إِلَى أَنْ دَعَوْا إِلَى الصُّلْحِ، فَصَالَحَهُمْ وَأَمَّنَهُمْ وَوَفَّى لَهُمْ، وَانْصَرَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَبَلَةَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ رَاجِعِينَ، ثُمَّ غَدَرُوا بِأَصْحَابِ طَاهِرٍ، وَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ وَهُمْ غَافِلُونَ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا، وَصَبَرَ لَهُمْ أُولَئِكَ، ثُمَّ نَهَضُوا إِلَيْهِمْ فَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ فَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوا أَمِيرَهُمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ