الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ دَخَلَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ هَمَذَانَ وَأَصْبَهَانَ وَمَاسَبَذَانَ، وَمِهْرَجَانَ فِي دِينِ الْخُرَّمِيَّةِ، فَتَجَمَّعَ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرٌ فَجَهَّزَ إِلَيْهِمِ الْمُعْتَصِمُ جُيُوشًا كَثِيرَةً، آخِرُ مَنْ جَهَّزَ إِلَيْهِمْ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُصْعَبٍ فِي جَيْشٍ عَظِيمٍ، وَعَقَدَ لَهُ عَلَى الْجِبَالِ فَخَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَقُرِئَ كِتَابُهُ بِالْفَتْحِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَأَنَّهُ قَهَرَ الْخُرَّمِيَّةَ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَهَرَبَ بَقِيَّتُهُمْ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَعَلَى يَدَيْهِ جَرَتْ فِتْنَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَضُرِبَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ عِنْدَ ذِكْرِ وَفَاتِهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ صَالِحُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَضَحَّى أَهْلُ مَكَّةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَهْلُ بَغْدَادَ ضَحَّوْا يَوْمَ السَّبْتِ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ:
بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ.
وَهُوَ بِشْرُ بْنُ غِيَاثِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَرِيسِيُّ
الْمُتَكَلِّمُ شَيْخُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَأَحَدُ مَنْ أَضَلَّ الْمَأْمُونَ وَقَدْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ يَنْظُرُ أَوَّلًا فِي شَيْءٍ مِنَ الْفِقْهِ، وَأَخَذَ عَنِ الْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ، وَرَوَى الْحَدِيثَ عَنْهُ، وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِمْ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ عِلْمُ الْكَلَامِ، وَقَدْ نَهَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ تَعَلُّمِهِ وَتَعَاطِيهِ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَأَنْ يَلْقَى اللَّهَ الْعَبْدُ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا عَدَا الشِّرْكَ بِاللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِعِلْمِ الْكَلَامِ. وَقَدِ اجْتَمَعَ بِشْرٌ بِالشَّافِعِيِّ عِنْدَمَا قَدِمَ الشَّافِعِيُّ بَغْدَادَ.
وَقَالَ الْقَاضِي ابْنُ خِلِّكَانَ: جَرَّدَ الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَحُكِيَ عَنْهُ أَقْوَالٌ شَنِيعَةٌ، وَكَانَ مُرْجِئِيًّا، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ الْمَرِيسِيَّةُ مِنَ الْمُرْجِئَةِ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ السُّجُودَ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَيْسَ بِكُفْرٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَامَةُ الْكُفْرِ، وَكَانَ يُنَاظِرُ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ، وَكَانَ لَا يُحْسِنُ النَّحْوَ، وَكَانَ يَلْحَنُ لَحْنًا فَاحِشًا، وَيُقَالُ: إِنَّ أَبَاهُ كَانَ يَهُودِيًّا صَبَّاغًا بِالْكُوفَةِ. وَكَانَ يَسْكُنُ دَرْبَ الْمَرِيسِ بِبَغْدَادَ، وَالْمَرِيسُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْخُبْزُ الرُّقَاقُ يُمْرَسُ بِالسَّمْنِ وَالتَّمْرِ. قَالَ: وَمَرِيسُ نَاحِيَةٌ بِبِلَادِ النُّوبَةِ تَهُبُّ عَلَيْهَا فِي الشِّتَاءِ رِيحٌ بَارِدَةٌ. قُلْتُ: ثُمَّ رَاجَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ عِنْدَ الْمَأْمُونِ وَحَظِيَ
عِنْدَهُ، وَقُدِّمَ فِي حَضْرَتِهِ، وَنَفَقَ سُوقُهُ الْكَاسِدُ، وَاسْتُجِيدَ ذِهْنُهُ الْبَارِدُ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذَا الْعَامِ أَوِ الَّذِي قَبْلَهُ فِي قَوْلٍ - صَلَّى عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ يُقَالُ لَهُ: عُبَيْدٌ الشُّونِيزِيُّ. فَلَامَهُ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ، فَقَالَ لَهُمْ: أَلَا تَسْمَعُونَ كَيْفَ دَعَوْتُ لَهُ فِي صَلَاتِي؟ قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنَّ عَبْدَكَ هَذَا كَانَ يُنْكِرُ عَذَابَ الْقَبْرِ، اللَّهُمَّ فَأَذِقْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَكَانَ يُنْكِرُ شَفَاعَةَ نَبِيِّكَ فَلَا تَجْعَلْهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَكَانَ يُنْكِرُ رُؤْيَتَكَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ فَاحْجُبْ وَجْهَكَ الْكَرِيمَ عَنْهُ. فَقَالُوا لَهُ: أَصَبْتَ. وَهَذَا الَّذِي نَطَقَ بِهِ بَعْضُ السَّلَفِ حَيْثُ قَالُوا: مَنْ كَذَّبَ بِكَرَامَةٍ لَمْ يَنَلْهَا.
وَفِي هَذَا الْعَامِ تُوُفِّيَ:
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ التِّنِّيسِيُّ.
وَأَبُو مُسْهِرٍ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ مُسْهِرٍ الْغَسَّانِيُّ الدِّمَشْقِيُّ.
وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَابْلُتِّيُّ.
وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامِ بْنِ أَيُّوبَ الْحِمْيَرِيُّ الْمَعَافِرِيُّ.
رَاوِي
السِّيرَةِ عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ مُصَنِّفِهَا، وَإِنَّمَا تُنْسَبُ إِلَيْهِ فَيُقَالُ: سِيرَةُ ابْنِ هِشَامٍ لِأَنَّهُ هَذَّبَهَا وَزَادَ فِيهَا وَنَقَصَ مِنْهَا، وَحَرَّرَ أَمَاكِنَ، وَاسْتَدْرَكَ أَشْيَاءَ.
وَكَانَ إِمَامًا فِي اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ، وَكَانَ مُقِيمًا بِمِصْرَ، وَقَدِ اجْتَمَعَ بِهِ الشَّافِعِيُّ حِينَ وَرَدَهَا، وَتَنَاشَدَا مِنْ أَشْعَارِ الْعَرَبِ شَيْئًا كَثِيرًا.
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِمِصْرَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي " " تَارِيخِ مِصْرَ " ". وَزَعَمَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.