الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ]
[خِلَافَةُ الْمُعْتَزِّ بِاللَّهِ]
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ
ذِكْرُ خِلَافَةِ الْمُعْتَزِّ بِاللَّهِ ابْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ بَعْدَ خَلْعِ الْمُسْتَعِينِ نَفْسَهُ
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَقَدِ اسْتَقَرَّتِ الْخِلَافَةُ بِاسْمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمُعْتَزِّ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمُتَوَكِّلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُعْتَصِمِ بْنِ هَارُونَ الرَّشِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَهْدِيِّ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، وَقِيلَ: إِنَّ اسْمَ الْمُعْتَزِّ أَحْمَدُ. وَقِيلَ: الزُّبَيْرُ. وَهُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ وَتَرْجَمَهُ فِي " تَارِيخِهِ ". فَلَمَّا خَلَعَ الْمُسْتَعِينُ - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُعْتَصِمِ - نَفْسَهُ مِنَ الْخِلَافَةِ وَبَايَعَ لِلْمُعْتَزِّ، دَعَا الْخُطَبَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ رَابِعَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بِجَوَامِعِ بَغْدَادَ عَلَى الْمَنَابِرِ لِلْخَلِيفَةِ الْمُعْتَزِّ بِاللَّهِ. وَانْتَقَلَ الْمُسْتَعِينُ مِنَ الرُّصَافَةِ إِلَى قَصْرِ الْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ هُوَ وَعِيَالُهُ وَوَلَدُهُ وَجَوَارِيهِ، وَوَكَّلَ بِهِمْ سَعِيدَ بْنَ رَجَاءٍ فِي جَمَاعَةٍ مَعَهُ، وَأَخَذَ مِنَ الْمُسْتَعِينِ الْبُرْدَةَ وَالْقَضِيبَ وَالْخَاتَمَ، وَبَعَثَ بِذَلِكَ إِلَى الْمُعْتَزِّ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ الْمُعْتَزُّ يَطْلُبُ مِنْهُ خَاتَمَيْنِ مِنْ جَوْهَرٍ ثَمِينٍ بَقِيَا عِنْدَهُ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: بُرْجٌ. وَلِلْآخَرِ: جَبَلٌ. فَأَرْسَلَهُمَا. وَطَلَبَ
الْمُسْتَعِينُ أَنْ يَسِيرَ إِلَى مَكَّةَ فَلَمْ يُمَكَّنْ، فَطَلَبَ الْبَصْرَةَ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا وَبِيئَةٌ. فَقَالَ: إِنَّ تَرْكَ الْخِلَافَةِ أَوْبَأُ مِنْهَا. ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي الْمَسِيرِ إِلَى وَاسِطَ فَخَرَجَ وَمَعَهُ حَرَسٌ يُوَصِّلُونَهُ إِلَيْهَا نَحْوٌ مَنْ أَرْبَعِمِائَةٍ.
وَاسْتَوْزَرَ الْمُعْتَزُّ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي إِسْرَائِيلَ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَأَلْبَسَهُ تَاجًا عَلَى رَأْسِهِ. وَلَمَّا تَمَهَّدَ أَمْرُ بَغْدَادَ وَاسْتَقَرَّتِ الْبَيْعَةُ لِلْمُعْتَزِّ بِهَا، وَدَانَ لَهُ أَهْلُهَا وَاجْتَمَعَ شَمْلُهَا، وَقَدِمَتْهَا الْمِيرَةُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَاتَّسَعَ النَّاسُ فِي الْأَرْزَاقِ وَالْأَطْعِمَةِ، رَكِبَ أَبُو أَحْمَدَ مِنْهَا فِي يَوْمِ السَّبْتِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنَ الْمُحَرَّمِ إِلَى سَامَرَّا، وَشَيَّعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ فِي وُجُوهِ الْقُوَّادِ، فَخَلَعَ أَبُو أَحْمَدَ عَلَى ابْنِ طَاهِرٍ خَمْسَ خِلَعٍ وَسَيْفًا، وَرَدَّهُ مِنَ الرُّوذَبَارِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ مَدَائِحَ الشُّعَرَاءِ فِي الْمُعْتَزِّ وَتَشَفِّيَهُمْ بِخَلْعِ الْمُسْتَعِينِ، فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ جِدًّا. فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي الْجَنُوبِ بْنِ مَرْوَانَ فِي مَدْحِ الْمُعْتَزِّ وَذَمِّ الْمُسْتَعِينِ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الشُّعَرَاءِ:
إِنَّ الْأُمُورَ إِلَى الْمُعْتَزِّ قَدْ رَجَعَتْ
…
وَالْمُسْتَعِينُ إِلَى حَالَاتِهِ رَجَعَا
وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُلْكَ لَيْسَ لَهُ
…
وَأَنَّهُ لَكَ لَكِنْ نَفْسَهُ خَدَعَا
وَمَالِكُ الْمُلْكِ مُؤْتِيهِ وَنَازِعُهُ
…
آتَاكَ مُلْكًا وَمِنْهُ الْمُلْكَ قَدْ نَزَعَا
إِنَّ الْخِلَافَةَ كَانَتْ لَا تُلَائِمُهُ
…
كَانَتْ كَذَاتِ حَلِيلٍ زُوِّجَتْ مُتَعَا
مَا كَانَ أَقْبَحَ عِنْدَ النَّاسِ بَيْعَتَهُ
…
وَكَانَ أَحْسَنَ قَوْلَ النَّاسِ قَدْ خُلِعَا
لَيْتَ السَّفِينَ إِلَى قَافٍ دَفَعْنَ بِهِ
…
نَفْسِي الْفِدَاءُ لِمَلَّاحٍ بِهِ دَفَعَا
كَمْ سَاسَ قَبْلَكَ أَمْرَ النَّاسِ مِنْ مَلِكٍ
…
لَوْ كَانَ حُمِّلَ مَا حُمِّلْتَهُ ظَلَعَا
أَمَسَى بِكَ النَّاسُ بَعْدَ الضِّيقِ فِي سِعَةٍ
…
وَاللَّهُ يَجْعَلُ بَعْدَ الضِّيقِ مُتَّسَعَا
وَاللَّهُ يَدْفَعُ عَنْكَ السُّوءَ مِنْ مَلِكٍ
…
فَإِنَّهُ بِكَ عَنَّا السُّوءَ قَدْ دَفَعَا
وَكَتَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُعْتَزُّ مِنْ سَامَرَّا إِلَى نَائِبِ بَغْدَادَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ أَنْ يُسْقِطَ اسْمَ وَصِيِفٍ وَبُغَا وَمَنْ كَانَ فِي رَسْمِهِمَا فِي الدَّوَاوِينِ، وَعَزَمَ عَلَى قَتْلِهِمَا، ثُمَّ اسْتُرْضِيَ عَنْهُمَا، فَرَضِيَ عَنْهُمَا.
وَفِي رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ خَلَعَ الْمُعْتَزُّ أَخَاهُ إِبْرَاهِيمَ الْمُلَقَّبَ بِالْمُؤَيَّدِ مِنْ وِلَايَةِ الْعَهْدِ وَحَبَسَهُ، وَأَخَاهُ أَبَا أَحْمَدَ، بَعْدَمَا ضَرَبَ الْمُؤَيَّدَ أَرْبَعِينَ مَقْرَعَةً. وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ سَابِعُهُ خَطَبَ بِخَلْعِهِ، وَأَمْرَهُ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَقِيلَ: إِنَّهُ أُدْرِجَ فِي لِحَافِ سَمُّورٍ وَأُمْسِكَ طَرَفَاهُ حَتَّى مَاتَ غَمًّا. وَقِيلَ: بَلْ ضُرِبَ بِحِجَارَةٍ مِنْ ثَلْجٍ حَتَّى مَاتَ بَرْدًا. وَبَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ أُخْرِجَ مِنَ السِّجْنِ وَلَا أَثَرَ بِهِ، فَأُحْضِرَ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ فَأُشْهِدُوا عَلَى مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَلَيْسَ بِهِ أَثَرٌ، ثُمَّ حُمِلَ عَلَى حِمَارٍ وَمَعَهُ