الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سَنَةُ سَبْعٍ وَمِائَتَيْنِ]
[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَمِائَتَيْنِ
فِيهَا خَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِبِلَادِ عَكٍّ فِي الْيَمَنِ، يَدْعُو إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعُمَّالَ بِالْيَمَنِ أَسَاءُوا السِّيرَةَ إِلَى الرَّعَايَا، فَلَمَّا ظَهَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا بَايَعَهُ النَّاسُ، فَلَمَّا بَلَغَ أَمْرُهُ إِلَى الْمَأْمُونِ بَعَثَ إِلَيْهِ دِينَارَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ وَمَعَهُ كِتَابُ أَمَانٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا، إِنْ هُوَ سَمِعَ وَأَطَاعَ، فَحَضَرُوا الْمَوْسِمَ، ثُمَّ سَارُوا إِلَى الْيَمَنِ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، بَعَثَ دِينَارٌ بِكِتَابِ الْأَمَانِ فَقَبِلَهُ وَسَمِعَ وَأَطَاعَ، وَجَاءَ حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِ دِينَارٍ، فَسَارَ مَعَهُ إِلَى بَغْدَادَ وَلَبِسَ السَّوَادَ فِيهَا.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ طَاهِرُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُصْعَبٍ؛ نَائِبُ الْعِرَاقِ بِكَمَالِهَا،
وَخُرَاسَانَ بِكَمَالِهَا، وُجِدَ فِي فِرَاشِهِ مَيِّتًا بَعْدَ مَا صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَالْتَفَّ فِي الْفِرَاشِ، فَاسْتَبْطَأَ أَهْلُهُ خُرُوجَهُ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَخُوهُ وَعَمُّهُ فَوَجَدَاهُ مَيِّتًا، فَلَمَّا بَلَغَ مَوْتُهُ الْمَأْمُونَ قَالَ: لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَدَّمَهُ وَأَخَّرَنَا. وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ خَطَبَ يَوْمًا وَلَمْ يَدْعُ لَهُ فَوْقَ الْمِنْبَرِ، وَمَعَ هَذَا وَلَّى وَلَدَهُ عَبْدَ اللَّهِ مَكَانَهُ، مَعَ إِضَافَةِ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ وَالشَّامِ إِلَى نِيَابَتِهِ، فَاسْتَخْلَفَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى خُرَاسَانَ أَخَاهُ طَلْحَةَ بْنَ طَاهِرٍ سَبْعَ سِنِينَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ طَلْحَةُ فَاسْتَقَلَّ عَبْدُ اللَّهِ بِجَمِيعِ تِلْكَ الْبِلَادِ، وَكَانَ نَائِبُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى بَغْدَادَ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ. وَقَدْ كَانَ طَاهِرُ بْنُ الْحُسَيْنِ هُوَ الَّذِي انْتَزَعَ بَغْدَادَ وَأَرْضَ الْعِرَاقِ بِكَمَالِهَا مِنْ يَدِ الْأَمِينِ بْنِ الرَّشِيدِ وَقَتَلَهُ أَيْضًا وَاسْتَوْسَقَ الْأَمْرُ لِلْمَأْمُونِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ، وَقَدْ دَخَلَ طَاهِرٌ هَذَا يَوْمًا عَلَى الْمَأْمُونِ فَسَأَلَهُ حَاجَةً فَقَضَاهَا لَهُ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونُ وَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ لَهُ طَاهِرٌ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَلَمْ يُخْبِرْهُ، فَأَعْطَى طَاهِرٌ حُسَيْنًا الْخَادِمَ مِائَتَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ حَتَّى اسْتَعْلَمَ لَهُ مَا كَانَ خَبَرُ بُكَائِهِ، فَقَالَ لَهُ: لَا تُخْبِرْ بِهِ أَحَدًا، أَقْتُلُكَ، ذَكَرْتُ مَقْتَلَ أَخِي، وَمَا نَالَهُ مِنَ الْإِهَانَةِ عَلَى يَدَيْ
طَاهِرٍ، وَوَاللَّهِ لَا تَفُوتُهُ مِنِّي. فَلَمَّا تَحَقَّقَ طَاهِرٌ ذَلِكَ سَعَى فِي النُّقْلَةِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَلَمْ يَزَلْ حَتَّى وَلَّاهُ خُرَاسَانَ وَأَطْلَقَ لَهُ خَادِمًا مِنْ خُدَّامِهِ، وَعَهِدَ إِلَى الْخَادِمِ إِنْ رَأَى مِنْهُ مَا يُرِيبُهُ أَنْ يَسُمَّهُ، فَلَمَّا خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ طَاهِرٌ، وَلَمْ يَدْعُ لِلْمَأْمُونِ، سَمَّهُ الْخَادِمُ فِي كَامَخٍ، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ.
وَقَدْ كَانَ طَاهِرُ بْنُ الْحُسَيْنِ هَذَا يُقَالُ لَهُ: ذُو الْيَمِينَيْنِ. وَكَانَ بِفَرْدِ عَيْنٍ، فَقَالَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ بَانَةَ:
يَا ذَا الْيَمِينَيْنِ وَعَيْنٍ وَاحِدَهْ
…
نُقْصَانُ عَيْنٍ وَيَمِينٌ زَائِدَهْ
وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى كَوْنِهِ ذَا الْيَمِينَيْنِ، فَقِيلَ: لِأَنَّهُ ضَرَبَ رَجُلًا بِشِمَالِهِ فَقَدَّهُ نِصْفَيْنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لُقِّبَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ وَلِيَ الْعِرَاقَ وَخُرَاسَانَ.
وَقَدْ كَانَ كَرِيمًا مُمَدَّحًا يُحِبُّ الشِّعْرَ وَيَجْزِي عَلَيْهِ الْجَزِيلَ. رَكِبَ يَوْمًا فِي حَرَّاقَةٍ فَقَالَ فِيهِ شَاعِرٌ:
عَجِبْتُ لِحَرَّاقَةِ ابْنِ الْحُسَيْ
…
نِ لَا غَرِقَتْ كَيْفَ لَا تَغْرَقُ
وَبَحْرَانِ مِنْ فَوْقِهَا وَاحِدٌ
…
وَآخَرُ مِنْ تَحْتِهَا مُطْبِقُ
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَاكَ أَعْوَادُهُا
…
وَقَدْ مَسَّهَا كَيْفَ لَا تُورِقُ
فَأَجَازَهُ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِينَارٍ، وَقَالَ: إِنْ زِدْتَنَا زِدْنَاكَ.
قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ: مَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي بَعْضِ الرُّؤَسَاءِ وَقَدْ رَكِبَ الْبَحْرَ:
وَلَمَّا امْتَطَى الْبَحْرَ ابْتَهَلْتُ تَضَرُّعًا
…
إِلَى اللَّهِ يَا مُجْرِيَ الرِّيَاحِ بِلُطْفِهِ
جَعَلْتَ النَّدَى مِنْ كَفِّهِ
…
مِثْلَ مَوْجِهِ فَسَلِّمْهُ وَاجْعَلْ مَوْجَهُ مِثْلَ كَفِّهِ
قَالَ الْقَاضِي ابْنُ خِلِّكَانَ: مَاتَ طَاهِرُ بْنُ الْحُسَيْنِ هَذَا يَوْمَ السَّبْتِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ. وَكَانَ الَّذِي سَارَ إِلَى وَلَدِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ وَهُوَ بِأَرْضِ الرَّقَّةِ يُعَزِّيهِ فِي أَبِيهِ وَيُهَنِّيهِ بِوِلَايَةِ تِلْكَ الْبِلَادِ، الْقَاضِي يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ عَنْ أَمْرِ الْمَأْمُونِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ غَلَا السِّعْرُ بِبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، حَتَّى بَلَغَ سِعْرُ الْقَفِيزِ مِنَ
الْحِنْطَةِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَبُو عَلِيِّ بْنُ الرَّشِيدِ، أَخُو الْمَأْمُونِ
وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ: بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ، وَجَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَقُرَادٌ أَبُو نُوحٍ، وَكَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، قَاضِي بَغْدَادَ وَصَاحِبُ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي، وَأَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، وَالْهَيْثَمُ بْنُ
عَدِيٍّ، صَاحِبُ التَّصَانِيفِ.
وَيَحْيَى بْنُ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْظُورٍ أَبُو زَكَرِيَّا، الْكُوفِيُّ، نَزِيلُ بَغْدَادَ مَوْلَى بَنِي سَعْدٍ، الْمَشْهُورُ بِالْفَرَّاءِ، شَيْخُ النُّحَاةِ وَاللُّغَوِيِّينَ وَالْقُرَّاءِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النَّحْوِ. وَرَوَى الْحَدِيثَ عَنْ خَازِمِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:«قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] بِالْأَلِفِ» . رَوَاهُ الْخَطِيبُ، قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً إِمَامًا.
وَذُكِرَ أَنَّ الْمَأْمُونَ أَمَرَهُ بِوَضْعِ كِتَابٍ فِي النَّحْوِ فَأَمْلَاهُ، وَكَتَبَهُ النَّاسُ عَنْهُ، وَأَمَرَ الْمَأْمُونُ بِكَتْبِهِ فِي الْخَزَائِنِ، وَأَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّبُ وَلَدَيْهِ وَلِيَّيِ الْعَهْدِ، فَقَامَ يَوْمًا، فَابْتَدَرَاهُ أَيُّهُمَا يُقَدِّمُ نَعْلَيْهِ، فَتَنَازَعَا فِي ذَلِكَ ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يُقَدِّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَعْلًا، فَأَطْلَقَ لَهُمَا أَبُوهُمَا عِشْرِينَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَلِلْفَرَّاءِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ لَهُ: لَا أَعَزَّ مِنْكَ إِذْ يُقَدِّمُ نَعْلَيْكَ وَلِيَّا الْعَهْدِ.
وَرُوِيَ أَنَّ بِشْرًا الْمَرِيسِيَّ أَوْ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ سَأَلَ الْفَرَّاءَ عَنْ رَجُلٍ سَهَا فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ، فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: الْمُصَغَّرُ لَا يُصَغَّرُ. فَقَالَ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ امْرَأَةً تَلِدُ مِثْلَكَ.
وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مُحَمَّدًا هُوَ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَكَانَ ابْنَ خَالَةِ الْفَرَّاءِ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الصُّولِيُّ: تُوُفِّيَ الْفَرَّاءُ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَتَيْنِ.
قَالَ الْخَطِيبُ: كَانَتْ وَفَاتُهُ بِبَغْدَادَ. وَقِيلَ: بِطَرِيقِ مَكَّةَ. وَقَدِ امْتَدَحُوهُ وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ فِي مُصَنَّفَاتِهِ.