الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة: الاحتجاج بما عليه الأكثرون دون نظر إلى مستنده
…
الاحتجاج بما عليه الأكثر دون نظر إلى مستنده
المسألة الخامسة
[إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ قَوَاعِدِهِم: الاغتِرَارَ بِالأَكْثَرِ، وَيَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الشَّيْءِ، وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى بُطْلَانِ الشَّيءِ بغُرْبَتِهِ وَقِلَّةِ أَهْلِهِ، فَأَتَاهُمْ بِضِدِّ ذَلِكَ، وَأَوْضَحَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ مِنَ القُرْآَنِ] .
الشرح
من مسائل الجاهلية: أنهم يستدلون بالأكثرين على الحق، ويستدلون بالأقلين على غير الحق، فما كان عليه الأكثر عندهم فهو الحق، وما كان عليه الأقل فهو غير حق، هذا هو الميزان عندهم في معرفة الحق من الباطل. وهذا خطأ؛ لأن الله جل وعلا يقول:{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام:116]، ويقول سبحانه وتعالى:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَْ} [لأعراف: 187]، ويقول سبحانه وتعالى:{وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف:102] ،
إلى غير ذلك. فالميزان ليس هو الكثرة والقلة؛ بل الميزان هو الحق، فمن كان على الحق –وإن كان واحداً- فإنه هو المصيب، وهو الذي يجب الاقتداء به، وإذا كانت الكثرة على باطل فإنه يجب رفضها وعدم الاغترار بها، فالعبرة بالحق، ولذلك يقول العلماء: الحق لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق. فمن كان على الحق فهو الذي يجب الاقتداء به.
والله جل وعلا –فيما قص عن الأمم –أخبر أن القلة قد يكونون على الحق، كما قال تعالى:{وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود: 40] وفي الحديث –الذي عرضت فيه الأمم على النبي صلى الله عليه وسلم رأى النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل، والرجلان، والنبي وليس معه أحد. فليست العبرة بكثرة الأتباع على المذهب أو على القول، وإنما العبرة بكونه حقاً أو باطلاً، فما كان حقاً –وإن كان عليه أقل الناس، أو لو لم يكن عليه أحد، ما دام أنه حق –يُتمسك به فإنه هو النجاة. والباطل لا يؤيده كثرة الناس أبداً، هذا ميزان يجب أن يتخذه المسلم دائماً معه.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما
بدأ" 1وذلك حين يكثر الشر والفتن والضلال، فلا يبقى على الحق إلا غرباء من الناس ونزاع من القبائل، يصبحون غرباء في المجتمع البشري، والرسول صلى الله عليه وسلم بعث والعالم كله يموج في الكفر والضلال، ودعا الناس، فاستجاب له الرجل والرجلان، إلى أن تكاثروا. وكانت قريش –وكانت الجزيرة كلها، وكان العالم كله – على الضلال. والرسول صلى الله عليه وسلم وحده يدعو الناس، والذين اتبعوه قليل بالنسبة للعالم.
فالعبرة ليست بالكثرة، العبرة بالصواب وإصابة الحق. نعم، إذا كانت الكثرة على صواب فهذا طيب، ولكن سنة الله جل وعلا أن الكثرة تكون على الباطل {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} [يوسف: 103] {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116] .
1 أخرجه مسلم (رقم 146) .