الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة عشرة: الغلو بأهل العلم والصلاح
…
الغلو بأهل العلم والصلاح
المسألة الثالثة عشرة
[الغُلُوُّ فِي العُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ، كَقَوْلِهِ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: 171] .
الشرح
وهذه مسألة خطيرة، والغلو معناه في اللغة: الزيادة عن الحد، يقال: غلا القدر، إذا ارتفع فيه الماء بسبب الغليان، ويقال: غلا السعر، إذا ارتفع عن الحد المعروف. فالغلو هو: الزيادة والارتفاع عن الحد المعروف.
والغلو في الشرع هو: الزيادة في رفع شخص فوق منزلته اللائقة به، كالزيادة في حق الأنبياء أو الصالحين، ورفعهم عن قدرهم إلى الربوبية أو الألوهية.
فأهل الجاهلية غلوا في الأشخاص حتى رفعوهم عن قدرهم، إلى أن جعلوهم أرباباً مع الله، كما غلا اليهود في عزير وقالوا: هو ابن الله. وكما غلت النصارى ورفعوا عيسى
ابن مريم- عليه الصلاة والسلام من البشرية والرسالة إلى الألوهية، وقالوا: هو ابن الله. وكذلك قوم نوح لما غلوا في الصالحين، وصوروا صورهم وتماثيلهم، ثم عبدوهم من دون الله، فرفعوهم إلى مرتبة الألوهية {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح:23] جعلوهم آلهة.
وكذلك غيرهم من طوائف المشركين إلى اليوم، يغلون في الصالحين، ويطوفون بقبورهم، ويذبحون لهم، وينذرون لهم، ويستغيثون بالموتى ويستنجدون بهم، يطلبون منهم قضاء الحوائج.
فالغلو يجرُّ أصحابه إلى الشرك، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:"لا تُطْرُوني كما أطرت النصارى ابن مريم" والإطراء هو: الغلو في المدح "إنما أنالا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله"1.
والغلو في الأشخاص من الأنبياء والصالحين، هو الذي أوقع المشركين –من الكتابيين والأميين- في الشرك الأكبر. والواجب أن يُعرف للأشخاص قدرهم اللائق بهم، فيعرف للرسل رسالتهم، ويعرف للصالحين صلاحهم، ويعرف للعلماء علمهم، وأنهم أفضل من غيرهم، ففضل العالم على
1 أخرجه البخاري (رقم 3445) .
العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، ويُنزلون منازلهم، ولا يرفعون فوق منازلهم، قال تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ} [النساء: 171]، وقال تعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة:77]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"1.
فلا يجوز الغلو في المخلوقين، ورفعهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله فيها؛ لأن هذا يجر إلى السرك بالله عز وجل، وكذلك الغلو في العلماء والعباد، قال تعالى عن اليهود والنصارى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] غلوا في علمائهم وعبادهم، حتى اعتقدوا لهم الصلاحية في تحليل الحرام وتحريم الحلال، وتغيير الشرع المطهر.
1 أخرجه النسائي (5/296 رقم 3057) وابن ماجه (3/476 رقم 3029) وأحمد في المسند (1/215، 437) وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 2680) .