الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة والعشرون: الاستدلال على كون الشيء باطلاً بسبق الضعفاء إليه
…
الاستدلال على كون الشي باطلاً بسبق الضعفاء إليه
المسألة الخامسة والعشرون
[الاستدلال على بطلانه بسبق الضعفاء، كقوله: {لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11] .
الشرح
من عادات أهل الجاهلية: الاستدلال على بطلان الشيء بسبق الضعفاء إليه، كما قال الله عن المشركين أنهم يقولون:{لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11] يقولون: نحن أهل معرفة، وأهل خبرة، وأهل تفكير، نعرف الأمور، ولما رأينا أن هذا الذي جاء به محمد ليس حقاً، تركناه، ولو كان حقاً لسبقنا إليه، فتركنا له دليل على أنه ليس حقاً.
وهذا من أبطل الباطل؛ لأن الحق ليس اتباعه موقوفاً على طبقة من الناس، بل اتباع الحق منّة يمنّ الله بها على من يشاء من عباده ويوفقه لها. وأتباع الرسل أكثرهم من الضعفاء، كما قال تعالى:{أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111] ،
وقوله: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود: 27] أي: ليس عندهم تفكير. ويزعمون أنهم هم أهل التفكير وأهل العقول، فلو كان ما جاء به نوح صلى الله عليه وسلم حقاً؛ اتبعه أهل الرأي والملأ من الناس، فتركهم له دليل على أنه ليس حقاً. وهذا باطل؛ لأن الغالب أن الذين يكفرون بالحق هم أهل الترف، كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [سبأ: 34] ، وغالب من يتبع الحق الضعفاء والفقراء؛ لأنهم ليس عندهم تكبر.
فالاستدلال على الشيء بأنه حق باتباع الأغنياء له، أو ذوي الجاه، والاستدلال على أنه باطل باتباع الضعفاء، هذا معيار أهل الجاهلية، لا يجوز أن يتخذ ميزاناً يوزن به معرفة الحق من الباطل؛ ولهذا يقول العلماء: الحق لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق.