المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثالثة: أعتبارهم مخالفة ولي الأمر فضيلة - شرح مسائل الجاهلية

[صالح الفوزان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌بداية الشرح

- ‌المراد بالكتابيين

- ‌المراد بالجاهلية

- ‌الإجابة عن سؤال: ماالداعي غلى ذكر مسائل الجاهلية

- ‌أعظم مسائل الجاهلية وأخطرها:

- ‌المسألة الأولى: دعاء الأولياء والصالحين

- ‌المسألة الثانية: تفرق أهل الجاهلية في عباداتهم ودينهم

- ‌المسألة الثالثة: أعتبارهم مخالفة ولي الأمر فضيلة

- ‌المسألة الرابعة: التقليد الأعمى ومضاره

- ‌المسألة الخامسة: الاحتجاج بما عليه الأكثرون دون نظر إلى مستنده

- ‌المسألة السادسة: الاحتجاج بما عليه الأقدمون دون نظر إلى مستنده

- ‌المسألة السابعة: الاستدلال بما عليه أهل القوة بأنه هو الحق

- ‌المسألة الثامنة: الاستدلال بأن ما عليه الضعفاء ليس حقاً

- ‌المسألة التاسعة[اقْتِدَاؤُهُمْ بِفَسَقَةِ العُلَمَاءِ وَجُهَّالِ العُبَّادِ

- ‌المسألة العاشرة: رميهم أهل الدين بقلة فهمهم وعدم حفظهم

- ‌المسألتان الحادية عشرة والثانية عشرة: اعتمادهم على القياس الفاسد وإنكار القياس الصحيح

- ‌المسألة الثالثة عشرة: الغلو بأهل العلم والصلاح

- ‌المسألة الرابعة عشرة: نفيهم الحق وإثباتهم الباطل

- ‌المسألة الخامسة عشرة: اعتذارهم عن قبول الحق بعذر باطل

- ‌المسألة السادسة عشرة: اعتياض اليهود عن الثورة بكتب السحر

- ‌المسألة السابعة عشرة: نسبتهم الباطل إلى الأنبياء

- ‌المسألة الثامنة عشرة: انتسابهم إلى الأنبياء مع مخالفتهم

- ‌المسألة التاسعة عشرة: عيب الصالحين بفعل بعض المنسبين غليهم

- ‌المسألة العشرون: اعتقادهم أن أفعال السحرة والكهان من كرامات الأولياء

- ‌المسألة الحادية والعشرون: تعبدهم الله بالصفير والتصفيق

- ‌المسألة الثانية والعشرون: اتخاذهم الدين لهواً ولعباً

- ‌المسالةالرابعة والعشرون: زهدهم في الحق إذا كان عليه الضعفاء

- ‌المسألة الخامسة والعشرون: الاستدلال على كون الشيء باطلاً بسبق الضعفاء إليه

- ‌المسألة السادسة والعشرون: تحريف أدلة الكتاب بعد معرفتها لتوافق أهواءهم

- ‌المسألة السابعة والعشرون: تأليف الكتب الباطلة ونسبتها إلى الله

- ‌المسألة الثامنة والعشرون: رفضهم ما عند غيرهم منالحق

- ‌المسألة التالسعة والعشرون: لا يعملون بقول من يزعمون أنهم يتبعونهم

- ‌المسألة الثلاثون: الأخذ بالافتراق وترك الاجتماع

- ‌المسألة الحادية والثلاثون: عداوتهم للدين الحق، ومحبتهم للدين الباطل

- ‌المسألة الثانية والثلاثون: كفرهم بالحق الذي مع غيرهم ممن لا يهوونه

- ‌المسأةلالثالثة والثلاثون: تناقضهم في الإقرار والإنكار

- ‌المسألة الرابعة والثلاثون: كل فرقة تزكي نفسها دون غيرها

- ‌المسألة الخامسة والثلاثون: تقربهم إلى الله بفعل المحرم

- ‌المسألة السادسة والثلاثون: تقربهم إلى الله بتحريم الحلال وتحليل الحرام

- ‌المسألة السابعة والثلاثون: اتخاذهم الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله

- ‌المسألة الثامنة والثلاثون: إلحادهم في أسماء الله وصفاته

- ‌المسألة التاسعة والثلاثون: الإلحاد في أسماء الله تعالى

- ‌المسألة الأربعون: جحود الرب سبحانه وتعالى

- ‌المسألة الحادية والأربعون: وصف الله بالنقص

- ‌المسألة الثانية والأربعون[الشِّرْكُ فِي المُلْكِ

- ‌المسألة الثالثة والأربعون: جحودهم لقدر الله

- ‌المسالة الرابعة والأربعون: الاعتذار عن كفرهم بأن الله تعالى قدره عليهم

- ‌المسألة الخامسة والأربعون: دعواهم التناقض بين شرع الله وقدره

- ‌المسألة السادسة والأربعون: نسبتهم الحوادث إلى الدهر ومسبتهم له

- ‌المسألة السابعة والأربعون: كفرهم بنعم الله تعالى

- ‌المسألة الثامنة والأربعون: كفرهم بآيات الله جملة

- ‌المسألة التاسعة والأربعون: كفرهم ببعض آيات الله تعالى

- ‌المسألة الخمسون: جحودهم إنزال الكتب على الرسل

- ‌المسألة الحادية والخمسون: وصفهم للقرآن بأنه من كلام البشر

- ‌المسألة الثانية والخمسون: نفيهم الحكمة عن أفعال الله تعالى

- ‌المسألة الثالثة والخمسون: تحيلهم لإبطال شرع الله تعالى

- ‌المسألة: الرابعة والخمسون: الإقرار بالحق، للتوصل إلى دفعه

- ‌المسألةالخامسة والخمسون: تعصبهم لما هم عليه من الباطل

- ‌المسألة السادسة والخمسون: تسميتهم التوحيد شركاً

- ‌المسألتان السابعة والثامنة والخمسون: التحريف ولي الألسنة في كتاب الله تعالى

- ‌المسألة التاسعة والخمسون: تلقيبيهم أهل الجق بالألقاب المنفرة

- ‌المسألتان الستون والحادية والستون[افتراءُ الكَذِب على الله والتَّكذِيب بالحقِّ]

- ‌المشألتان الثانية والستونك استنفار الملوك ضد أهل الحق

- ‌المسألة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والستون: رميهم أهل الحق بما هم برءاء منه

- ‌المسألة الثامنة والستون: مدحهم أنفسهم بما ليس فيهم

- ‌المسلة الحادية والسبعون: تركهم ما أوجب الله عليهم من باب الورع

- ‌المسألتان الثانية والثالثة والسبعون: تقربهم إلى الله بترك الطيبات من الرزق وبترك الزينة

- ‌المسألة الرابعة والسبعون[دَعْوَتُهُمُ النَّاسَ إِلَى الضَّلَالِ

- ‌المسألة الخامسة والسبعون: دعوتهم الناس إلى الكفر، مع العلم

- ‌المسألة السادسة والسبعون: المكر الشديد لتثبيت الشرك ودفع الحق

- ‌المسألة السابعة والسبعون: اقتداؤهم بمن لا يصلح للقدوة

- ‌المسألة الثامنة والسبعون: تناقضهم في محبة الله

- ‌المسألة التاسعة والسبعون: اعتمادهم على الأماني الكاذبة

- ‌المسألة الثمانون: غلوهم في الأشخاص

- ‌المسألة الحادية والثمانون: الغلو في آثار الأنبياء

- ‌المسألة الثانية والثمانون: اتخاذهم لوسائل الشرك

- ‌المسالة الثالثة والثمانون: عكوفهم عند القبور

- ‌المسالة الرابعة والثمانون: تقربهم إلى الله بالذبح عند القبور

- ‌المسألتان الخامسة والسادسة والثمانون: احتفاظهم بآثار المعظمين

- ‌المسال السابعة والثامنة والتاسعة والثمانون، والتسعون: من خصال الجاهلية الباقية في بعض هذه الأمة

- ‌المسألة الحادية والتسعون: قيام مجتمعهم على البغي

- ‌المسالة الثانية والتسعون: الفخر بغير الحق أو بحق

- ‌المسألة الثالثة والتسعون: التعصب الممقوت

- ‌المسألة الرابعة والتسعون: أخذ البريء بجريمة غيره

- ‌المسألة الخامسة والتسعون: تغيير الرجل بنقص في غيره

- ‌المسألة السادسة والتسعون: افتخارهم بأعمالهم الطيبة

- ‌المسألة السابعة والتسعون: افتخارهم بانتسابهم إلى الطيبين مع مخالفتهم لهم

- ‌المسألة الثامنة والتسعون: افتخارهم بصنائعهم على من دونهم في ذلك

- ‌المسألة التاسعة والتسعون: نظرتهم إلى الدنيا نظرة إعجاب

- ‌المسألة المائة: الاستدراك والاقتراح على الله

- ‌المسألة الحادية بعد المائة: احتقارهم للفقراء

- ‌المسألة الثانية بعد المائة: اتهامهم لأهل الإيمان في نياتهم ومقاصدهم

- ‌المسائل: الثالثة، والرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة، والثامنة بعد المائة

- ‌المسالة التاسعة بعد المائة: تكذيبهم لبعض ماأخبرت به الرسل

- ‌المسألة العاشرة بعد المائة: اعتداؤهم على دعاة الحق

- ‌المسألة الحادية عشرة بعد المائة: الإيمان الباطل

- ‌المسألة الثانية عشرة بعد المائة: تفضيلهم الكفر على الإيمان

- ‌المسألة الثالثة عشرة بعدالمائة: خلط الحق بالباطل ليقبل الباطل

- ‌المسألة الرابعة عشرة بعد المائة[كِتْمَانُ الحَقِّ مَعَ العِلْمِ بِهِ]

- ‌املسألة الخامسة عشرة بعد المائة: القول على اله بغير علم

- ‌السمألة السادسة عشرة بعد المائة: تناقض أقوالهم وتضاربها

- ‌المسألة السابعة عشرة بعد المائة: الإيمان ببعض ما أنزل دون بعض

- ‌المسألة الثامنة عشرة بعد المائة: الإيمان ببعض الرسل دون بعض

- ‌المسألة التاسعة عشرة بعد المائة: المحاجة فيما ليس لهم به علم

- ‌المسألة العشرون بعد المائة: تناقضهم في اتباعهم لغيرهم

- ‌المسألة الثانية والعشرون بعد المائة: موالاة الكفار

- ‌المسائل الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والعشرون بعد المائة:اعتمادهم على الخرافات

الفصل: ‌المسألة الثالثة: أعتبارهم مخالفة ولي الأمر فضيلة

‌المسألة الثالثة: أعتبارهم مخالفة ولي الأمر فضيلة

اعتبارهم مخالفة ولي الأمر فضيلة

وطاعته والانقياد له ذلة ومهانة

المسألة الثالثة

[إن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة، والسمع والطاعة له ذل ومهانة، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة، وغلظ في ذلك وأبدى وأعاد.

وهذه المسائل الثلاث هي التي جمع بينها فيما صح عنه في الصحيح أنه قال: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم"1. ولم يقع خلل في دين الناس ودنياهم إلا بسبب الإخلال في هذه الثلاث أو بعضها.]

الشرح

من مسائل الجاهلية: أنهم لا يخضعون لولي الأمر، ويرون أن هذا ذلة، ومعصية الأمير يعتبرونها فضيلة وحرية؛

1 أخرجه مسلم رقم 1715.

ص: 47

ولذلك لا يجمعهم إمام، ولا يجمعهم أمير؛ لأنهم لا يخضعون، وعندهم أنفة وكبر.

فجاء الإسلام بمخالفتهم وأمر بالسمع والطاعة لولي الأمر المسلم؛ لما في ذلك من المصالح، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] فأمر بطاعة ولاة الأمور، والرسول صلى الله عليه وسلم حدد ذلك في غير المعصية، فقال:"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" 1 وقال: "إنما الطاعة في المعروف" 2، فتجب طاعة ولي الأمر في غير معصية الله، إذا أمر بمعصية فلا يطاع، لكن لا يخالف في بقية الأمور، لا يطاع في هذه المسألة خاصة التي فيها معصية، أما بقية الأمور فلا ينتقض بيعته بسبب ذلك، ولا يخالف، ما دام أنه على الإسلام؛ لما في طاعة ولاة الأمور من اجتماع الكلمة، وحقن الدماء، واستتاب الأمن، وإنصاف المظلوم من الظالم، ورد الحقوق إلى أصحابها، والحكم بين الناس بالعدل، حتى ولو كان ولي الأمر غير مستقيم في دينه، حتى

1 أخرجه أحمد في المسند 1/131 وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 7520.

2 أخرجه البخاري بلفظ: "لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف" رقم 7257، ومسلم رقم 1840/39.

ص: 48

ولو كان فاسقاً، ما لم يصل إلى الكفر، كما قال صلى الله عليه وسلم:"اسمعوا وأطيعوا، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم عليه من الله برهان" 1، فما دامت معاصيه دون الكفر، فإنه يُسمع له ويطاع، وفسقه على نفسه، لكن ولايته وطاعته لمصلحة المسلمين.

ولهذا لما قيل لبعض الأئمة: إن فلاناً فاسق لكنه قوي، وإن فلاناً صالح لكنه ضعيف، أيهما يصلح للولاية؟ قال: الفاسق القوي؛ لأن فسقه على نفسه، وقوته للمسلمين. أما هذا الصالح فإن صلاحه لنفسه وضعفه يضر المسلمين.

فيُسمع له ويطاع وإن كان فاسقاً في نفسه، بل وإن جار وإن ظلم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أطع وإن أخذ مالك وضرب ظهرك" 2؛ لأن في طاعته مصلحة أرجح من المفسدة التي هو عليها، ولأن مفسدة الخروج عليه أعظم من مفسدة البقاء على طاعته وهو عاص؛ لأن في الخروج عليه سفكاً للدماء وإخلالاً بالأمن وتفريقاً للكلمة.

وماذا حصل للذين خرجوا على الأمراء وولاة الأمور

1 أخرجه البخاري رقم 7056، ومسلم رقم 1709/42.

2 أخرجه مسلم رقم 1847.

ص: 49

مما قصه التاريخ؟ ماذا حصل لما إن نازغةً من الشذاذ في عهد عثمان رضي الله عنه قاموا وشقوا عصا الطاعة وقتلوا أمير المؤمنين عثمان؟ ماذا حصل على المؤمنين من النكسات إلى الآن؛ بسبب الخروج على أمير المؤمنين وقتله؟ فلا يزال المسلمون يعانون من النكسات المتوالية والمفاسد، وكذلك في حق بقية الولاة الصبر على طاعته وإن كان فيه مفسدة جزئية أخف من مفسدة الخروج عليه؛ فلذلك أوجب النبي صلى الله عليه وسلم طاعته ما لم يخرج عن الإسلام، ولو كان فاسقاً، ولو كان ظالماً، فإنه يصبر على هذه المفاسد الجزئية؛ درءًا للمفسدة العظيمة، وارتكاب أخف الضررين لدفع أعلاهما، هذا شيء معروف. وما من قوم خرجوا على إمامهم إلا كانت المفسدة في الخروج عليه أعظم من المفسدة في الصبر على طاعته.

وهذا فرق ما بين أهل الجاهلية: وأهل الإسلام في مسألة ولاة الأمور، أهل الجاهلية لا يرون الطاعة لولاة الأمور، ويرون ذلك ذلة. وأما الإسلام: فإنه أمر بطاعة ولاة الأمور المسلمين، وإن كان عندهم شيء من الفسق في أنفسهم، أو عندهم ظلم للناس، يصبر عليهم؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين، وفي الخروج عليهم مضار للمسلمين أعظم من المفاسد التي في البقاء على طاعتهم مع انحرافهم

ص: 50

الذي لا يخرجهم عن الإسلام، هذه القاعدة العظيمة التي جاء بها الإسلام في هذا الأمر العظيم. وأما أهل الجاهلية – كما سبق – لا يرون انعقاد ولاية، ولا يرون سمعاً ولا طاعة، ومثلهم الأمم الكافرة الآن، الذين يقولون بالحريات والديمقراطيات، ماذا تكون مجتمعاتهم الآن؟ همجية، بهيمية، قتل وسلب وفساد أعراض، وشر واضطراب أمن، وهم دول كبرى، وعندهم أسلحة، وعندهم مدمرات، لكن حالتهم حالة بهيمية – والعياذ بالله – لأنهم باقون على ما كانت عليه الجاهلية.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة لهم، وأمر بالنصيحة لهم سراً، بينهم وبين الناصح. وأما الكلام فيهم وسبهم واغتيابهم؛ فهذا من الغش لهم؛ لأنه يؤلب الناس عليهم ويفرح أهل الشر، وهذا من الخيانة لولاة الأمور. أما الدعاء لهم وعدم ذكر معائبهم في المجالس، فهو من النصيحة لهم، ومن كان يريد أن ينصح الإمام فإنه يوصل النصيحة إليه في نفسه، إما مشافهة، وإما كتابة، وإما بأن يوصى له من يتصل به ويبلغه عن هذا الشيء؛ وإذا لم يتمكن فهو معذور.

أما أنه يجلس في المجالس أو على المنابر أو أمام أشرطة ويسب ولاة الأمور ويعيبهم، فهذا ليس من النصيحة،

ص: 51

وإنما هو من الخيانة لولاة الأمور، والنصيحة لهم تشمل الدعاء لهم بالصلاح، وتشمل ستر عيوبهم وعدم إفشائها على الناس، وكذلك من النصيحة لهم: القيام بالأعمال التي يكلونها إلى الموظفين، ويعهدون بها إلى الولاة في القيام بها، هذا من النصيحة لولاة الأمور.

ثم قال الشيخ رحمه الله:

وهذه المسائل الثلاث هي التي جمع بينها فيما صح عنه في الصحيح أنه قال: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم"1. ولم يقع خلل في دين الناس ودنياهم إلا بسبب الإخلال في هذه الثلاث أو بعضها.

يقول الشيخ رحمه الله: وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم هذه المسائل الثلاث، يعني: التي تقدّم ذكرها وهي:

المسألة الأولى: أن أهل الجاهلية كانوا يعبدون الأولياء والصالحين، ويقولون:{وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18] .

والمسألة الثانية: أن أهل الجاهلية كانوا متفرقين في

1 تقدم في ص 47.

ص: 52

دينهم ودنياهم.

والمسألة الثالثة: أنهم لا يخضعون لولي الأمر، ويرون ذلك ذلة ومهانة. هذه المسائل الثلاث جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلام وفصل الخطاب في كلمة واحدة، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم"1.

الأولى: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، ويدخل في الشرك عبادة الأولياء والصالحين.

الثانية: أن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، عكس ما كان عليه أهل الجاهلية من أنهم كانوا متفرقين في دينهم ودنياهم، وحبل الله هو القرآن، والاعتصام به هو أن تتمسكوا به، فتعملوا بما أمركم به، وتجتنبوا ما نهاكم عنه؛ لأن القرآن هو المنهج الرباني الكفيل بمصالح العباد في دينهم ودنياهم، فالتمسك به رحمة، وعدم التمسك به عذاب وشقاء.

الثالثة: أن تناصحوا من ولاّه الله أمركم، وهذا بخلاف ما كان عليه أهل الجاهلية الذين لا ينقادون لولي الأمر، وهذا

1 تقدم في ص 47.

ص: 53

فيه الأمر بالانقياد لولي الأمر، ومناصحته وطاعته، وعدم الخروج عليه، وعدم الكلام فيه أما الناس وذكر عيوبه بين الناس، لأن هذا من الخيانة لولي الأمر، ليس هذا من النصيحة، وإن كان بعض الناس يزعم أن هذه نصيحة، فهذه ليست نصيحة، وإنما هذا تشهير وشر، وإلقاء للعداوة بين الوالي والرعية، وليس فيه مصلحة أبداً، بل هو مضرة محضة.

ثم بيّن – رحمه الله – أن الخلل الذي يقع في دين الناس ودنياهم، إنما سببه الإخلال بهذه الثلاث أو الإخلال ببعضها وهو الشرك بالله، والتفرق، والخروج على ولي الأمر.

ص: 54