الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة عشرة: اعتذارهم عن قبول الحق بعذر باطل
…
اعتذارهم عن قبول الحق بعذر باطل
المسألة الخامسة عشرة
[اعتذارهم عن اتباع ما آتاهم الله بعدم الفهم، كقوله {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [البقرة: 88]، {يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ} [هود: 91] ، فأكذبهم الله، وبين أن ذلك بسبب الطبع على قلوبهم، وأن الطبع بسبب كفرهم] .
الشرح
أي: اعتذروا عن قبول الحق بأنهم لا يفهمونه، كما ذكر الله سبحانه وتعالى عن اليهود، لمّا دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام، قالوا:{قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 88]، {غُلْفٌ} يعني: عليها غلاف، لا يصل إليها كلام الرسول، ولا تطمئن قلوبهم إلى كلامه، فاتخذوا هذا حجة في تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم. هذا هو المعنى المشهور للآية.
والمعنى الثاني: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} يعني: أنها مملوءة من العلم، فلسنا بحجة إلى كلام أحد، فليسوا – بزعمهم -
بحاجة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالله جل وعلا يبين أن العلة ليست ما يقولون، بل العلة أن الله لعنهم بسبب كفرهم، يعني: طردهم وأبعدهم عن رحمته، فصاروا لا يقبلون الحق بسبب كفرهم، فالباء سببية، فصاروا لا يفقهون قول الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم لا يلتفتون إليه ولا يعبأون به؛ لأن الله صرفهم عقوبة لهم، كما قال تعالى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5] ، فمن لم يقبل الحق ابتلاه الله بالباطل، وصار بعد ذلك لا يقبل الحق، لأنه يفسد قلبه، والعياذ بالله، كما قال تعالى:{بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 88]، {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 160، 161] ، هذا في اليهود، وقولهم:{قُلُوبُنَا غُلْفٌ} هذا ليس صحيحاً، وإنما الله صرفها؛ عقوبة لهم، وإلا أصل القلب أنه على الفطرة، يقبل الحق بفطرته، لكن إذا فسدت الفطرة صار لا يقبل الحق، مثل الأرض إذا فسدت وصارت سبخة، فإنها لا تنبت؛ لأنها فسدت، كذلك القلب إذا فسد صار لا يقبل الحق.
وكذلك قوم شعيب عليه الصلاة والسلام، مع أنه أفصح الأنبياء وأبينهم خطاباً، حتى لقب بخطيب الأنبياء؛ لقوة
فصاحته وتأثيره، وبلاغة كلامه عليه الصلاة والسلام، ومع هذا {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [هود: 91] ، فهم لا يفقهون كلام شعيب؛ لأن الله سبحانه وتعالى طمس على قلوبهم، مثل ما حصل لبني إسرائيل، وهذه سنة الله جل وعلا، أن من تكبر عن الحق ولم يقبله إذا بلغه، فإنه يبتلى بفساد القلب؛ عقوبة له.
وكذلك كفار قريش، ماذا قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم؟ {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} [فصلت: 5] .
فالكفار طريقتهم واحدة، يقابلون دعوات الرسل بأنهم لا يفهمون كلامهم، هل هذا لقصور في بلاغ الرسل؟ لا، لكن لقصور في استعدادهم بسبب كفرهم وإعراضهم وعدم التفاتهم وعدم رغبتهم في الخير.