الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثامنة والستون: مدحهم أنفسهم بما ليس فيهم
…
مدحهم أنفسهم بما ليس فيهم
المسألة الثامنة والستون
[دَعْوَاهُمُ العَمَلَ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الحَقِّ كَقَوْلِهِ: {نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} [البقرة: 91] مَعَ تَرْكِهِمْ إِيَّاهُ] .
الشرح
من مسائل أهل الجاهلية: دعوى اليهود العمل بما عندهم من الحق، مع تركهم إياه، كما قال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} [البقرة: 91]، {بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} [البقرة: 91] قيل: معناه: بما أنزل على رسلنا من أنبياء بني إسرائيل؛ لأن هذه الآية في اليهود {قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} [البقرة: 91] أي: ما أنزل على بني إسرائيل، مع أن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لا يخالف ما جاءت به رسلهم {وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ} يعني: غيره، مما أنزل على عيسى ومحمد {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ} [البقرة: 91] فالذي جاء به عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، هو موافق لما جاء به أنبياؤهم من الحق،
ومبيّن لما أدخلوه في كتابهم من التحريف والتكذيب والتضليل، هذا من ناحية.
والناحية الثانية: أنهم غير صادقين في هذه المقالة، بدليل ارتكابهم هذه الجرائم المذكورة في قوله تعالى ردًّا عليهم {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} [البقرة:91،92) ] هذا رد عليهم، فالله رد عليهم بردين: الرد الأول: أنّ ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لا يخالف ما جاء به موسى من توحيد الله وإفراده بالعبادة، وترك عبادة ما سواه؛ بل هو مصدّق لذلك.
والأمر الثاني: أنهم غير صادقين حتى فيما ادعوا أنهم يؤمنون به، حيث عبدوا العجل، وقتلوا الأنبياء، وقولهم:{سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [البقرة: 93] وعدم وفائهم بالميثاق الذي أخذ عليهم، وهذا يتناول كل تعصب مذموم، أن يقول الإنسان: أنا لا أعمل إلا بما هو في مذهبي، أو مذهب إمامي؛ لأنه يجب عل المسلم أن يتبع الحق في مذهبه أو في غير مذهبه، مع إمامه أو مع غيره، يقبل الحق ولا يتعصب التعصب المذموم.
زيادتهم في العبادة ما شرعه الله ونقصهم منها
المسألتان التاسعة والستون والسبعون
[الزِّيَادَةُ فِي العِبَادَةِ، كَفِعْلِهِمْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. وَنَقْصُهُم مِنْهَا، كَتَرْكِ الوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ] .
الشرح
أما زيادتهم في العبادة: فكما يفعلون في يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وهذا اليوم حصل فيه حدث عظيم، هو إغراق فرعون وقومه، وإنجاء موسى عليه السلام وقومه، فهو يوم انتصر فيه الحق على الباطل، وصامه موسى عليه الصلاة والسلام؛ شكراً لله، وبقي صيامه مشروعاً عند المسلمين؛ لأنه لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجد اليهود يصومون هذا اليوم، فسألهم: لماذا يصومونه؟ فقالوا: إنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فيه فرعون وقومه، وصامه موسى ونحن نصومه، فقال عليه الصلاة والسلام:"نحن أحق بموسى منكم" 1فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، وأمر
1 أخرجه البخاري (رقم 2004، 3942، 3943) ومسلم (رقم 1130، 1131) .
بصومه يوم قبله أو ويوم بعده؛ مخالفة لليهود.
هذا هو المشروع في يوم عاشوراء، وهو الصيام، لكن أهل الجاهلية يزيدون فيه على الصيام، فاليهود يجعلونه يوم عيد يزينون فيه بيوتهم، ويزينون فيه أولادهم ونساءهم، ويعتبرونه يوم عيد، فهم زادوا فيه على المشروع، فالزيادة على الصيام في يوم عاشوراء من دين الجاهلية.
وكذلك الرافضة، زادوا في هذا اليوم واعتبروه يوم حزن، ويوم نياحة وندب؛ لأنه اليوم الذي قتل فيه الحسين رضي الله عنه.
وأما نقصهم من العبادة، فكما حصل منهم في الحج، كانوا في الجاهلية يحجون البيت لأنه من بقايا دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لكن أدخلوا في الحج تغييرات وشركيات؛ لأن الله شرع الوقوف بعرفة، فصاروا لا يقفون بعرفة، بل يقفون في مزدلفة، وهذا نقص في العبادة. ولما حج النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يظنون أنه سيقف معهم في مزدلفة، فتجاوز عليه الصلاة والسلام إلى عرفة، ووقف في عرفة، وأعاد الحج على ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}
[البقرة: 199] يعني: من عرفة. وهذا رد على المشركين في وقوفهم بالمزدلفة وكذلك زادوا في التلبية
قولهم: (إلا شريكاً هو لك. تملكه وما ملك) .
وهكذا كل من نقص شيئاً من العبادة، فإنه على دين أهل الجاهلية، وكذلك من زاد في الدين، فإنه على دين أهل الجاهلية، فالبدع والخرافات كلها من دين الجاهلية.