الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والستون: رميهم أهل الحق بما هم برءاء منه
…
رميهم أهل الحق بما هم برءاء منه
المسائل الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والستون
[رميهم أهل الحق بالصفات الذميمة رميهم إياهم بالفساد في الأرض كما في الآية، وبانتقاص دين الملك وآلهته، وتبديل الدين]
الشرح
من مناهج أهل الجاهلية كذلك: أنهم لا يكتفون بالشكوى إلى أصحاب القوة، والانتقام؛ بل يصفون أهل الإيمان بالمفسدين في الأرض، كما قالوا لفرعون:{أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} [الأعراف: 127] سموا الإصلاح إفساداً. والحق هو العكس؛ أن الإيمان والتوحيد: إصلاح في الأرض، وأن الكفر والمعاصي والفسوق والظلم والطغيان: إفساد في الأرض، فالذي عليه موسى وقومه إصلاح، والذي عليه فرعون وقومه إفساد، لكنهم عكسوا الأمر، فسموا الإصلاح إفساداً، وهذا دأب الكفار والمشركين والمنافقين دائماً، يسمون المصلحين والدعاة إلى الله على بصيرة،
ويسمون المؤمنين الموحدين الذين يدعون إلى توحيد الله وعبادته، يسمونهم بالمفسدين في الأرض.
وهذا شيء مستمر في الناس إلى يوم القيامة، أهل الكفر والظلم والطغيان يسمون المصلحين بالمفسدين، وهذا منحدر من القرون الأولى من وقت فرعون وقومه، وهذا لا يضر أهل الإيمان، ولا يضر أهل الإصلاح، وإن لُقِّبوا بما لُقِّبوا، فكم لقبوا أهل الحق والدعاة إلى الله بالشناعات، لقبوا شيخ الإسلام ابن تيمية بألقاب شنيعة، ولقبوا الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بألقاب شنيعة، وأنه خارجي، وأنه يريد أن يغيّر عقيدة الناس، ويكفّر الناس، إلى آخر ما يقولون، مما هو موجود في كتبهم من الاتهامات والتزوير والشر وهذا موقفهم من كل مصلح.
وأما رميهم إياهم بانتقاص دين الملك، كما قال تعالى:{وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف: 127] الآية، وكما قال تعالى:{إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} [غافر: 26] .
مما عليه أهل الجاهلية – ومن تشبه بهم -: وهو تحريض أصحاب السلطة على المؤمنين والدعاة إلى الله على بصيرة ومنهج سليم بأنهم يفسدون على أصحاب السلطة، دينهم وسياستهم، إذا نصحوهم وأرشدوهم إلى ما فيه صلاحهم
وصلاح ملكهم، كما قال تعالى حكاية عن آل فرعون، وما سعوا به عند فرعون من الوشاية، لما دعاه موسى عليه السلام إلى عبادة الله وحده لا شريك له، التي فيها صلاحه وصلاح ملكه وصلاح رعيته، وقالوا له: إنهم سيفسدون الناس عليك، ولا يكون لك ربوبية ولا إلهية على الناس، ويحولون الناس من عبادتك إلى عبادة الله. وهذا من باب إغراء فرعون بأنه إن ترك هؤلاء فإنهم سيصرفون الناس عن عبادته وربوبيته؛ لأنه قال لهم:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24]، وفي الآية الأخرى:{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38] ففسروا دعوة الرسل بأنها إفساد في الأرض، وأن الكفر إصلاح في الأرض، وهذا من قلب الحقائق، ومن الغش للراعي والرعية، وما أكثر هذا الصنف الذي يقوم بهذه المهمة الشيطانية اليوم، ممن يقودون الناس إلى الهاوية، ويقفون في وجه المصلحين، ويزوّرون الحقائق، ويغرون بالسلطة، وهم بطانة السوء، الذين يحولون بين المسئولين وبين قبول النصيحة.
اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين، وأصلح بطانتهم، واجعلهم هداة مهتدين.
وأما رميهم بانتقاص آلهة الملك، كما في الآية.
فإن هذه المسألة تابعة لما قبلها مما ذكر الله في الآية من خبر آل فرعون، حيث قالوا له:{أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف: 127] يعنون: ألوهيتك على الناس وعبادتهم لك، يقولون: أنت لك شأن، ولك عظمة في الأرض، فلو تركتهم يدعون إلى الله تنقّصوك عند الناس، وأرخصوك عند الناس، فأنت بادر بالقضاء عليهم من أجل أن تبقى لك هيبتك ومكانتك. وهذا من الغش لفرعون، وتعريضه للهلاك.
ويا سبحان الله! يتنقّصون الله جل وعلا رب السموات والأرض، ولا يعيبون هذا على أنفسهم، ويعيبون على موسى وقومه إذا نصحوا فرعون وقومه، ودلوهم على طريق السعادة والنجاة، وبقاء الملك وصلاحه؟! وهكذا تفعل بطانة السوء دائماً وأبداً، ولهذا على الولاة أن يتخذوا البطانة الصالحة الناصحة، ويحذروا من بطانة السوء وأصحاب المبادئ الهادمة، والأفكار المنحرفة، فإنهم يقودونهم إلى الهاوية، كما حصل من بطانة فرعون، حيث أوقعوه في الهلاك والبوار، وحالوا بينه وبين قبول الحق.
وأما رميهم إياهم بتبديل الدين، كما قال تعالى عن فرعون: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ
الْفَسَادَ} [غافر: 26] ورميهم إياهم بانتقاص دين الملك، كقولهم:{وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف: 127] .
فهاتان المسألتان حصلتا من فرعون في حق كليم الله موسى عليه السلام ودعوته، وتحذيره للناس من قبولها، وتظاهره بمظهر الناصح للرعية، وجاءهم عن طريقة النصيحة والمحافظة على الدين، والمحافظة على صلاح الأرض، {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: 26] كما قال أتباعه: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} [الأعراف: 127] ، سموا المصلحين بالمفسدين، والفساد عندهم هو التوحيد وإفراد الله بالعبادة، والصلاح هو الشرك؛ لأن القلوب إذا فسدت رأت الحق باطلاً، والباطل حقاً.
ومن هو الذي يبدّل الدين ويُظهر في الأرض الفساد؟ إنه فرعون الذي بدّل دين التوحيد بالكفر والشرك.
أما موسى عليه الصلاة والسلام، فإنه يدعو إلى الدين الصحيح، الذي خلق الله الخلق من أجله، والذي هو صلاح في الأرض؛ لأن الأرض لا تصلح إلا بعبادة الله وحده لا شريك له، هذا هو صلاح الأرض، أما الشرك فإنه فساد في الأرض، والكفر فساد في الأرض، والمعاصي فساد في الأرض.
المسألتان الثانية والثالثة والسبعون: تقربهم إلى الله بترك الطيبات من الرزق وبترك الزينة
…
الإسلام، فليتجمل باللباس، وليأكل من الطيبات، ويشكر الله عز وجل، وفي الحديث:"إن الله يحب إذا أنعم عبد نعمة أن يرى أثر نعمته عليه" 1لكن يكون ذلك من غير إسراف ولا مخيلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتجمل في جسمه وفي ملابسه، ويخص مقابلة الوفود بمزيد تجمل.
1 أخرجه الترمذي (5/1232- 124 رقم 2824) وقال: هذا حديث حسن وحسنه الألباني في صحيح الجامع (رقم 1887) .
دعوتهم الناس إلى الضلال
المسألة الرابعة والسبعون
[دَعْوَتُهُمُ النَّاسَ إِلَى الضَّلَالِ
بِغَيْرِ عِلْمٍ] .
الشرح
الدعوة إلى الله بغير علم هي من عمل أهل الجاهلية، لأن الله أمر بالدعوة إلى سبيله على بصيرة وبالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
فدعوتهم الناس إلى الضلال، أي: ترغيب الناس في مخالفة الحق قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: 12] فيدعونهم إلى الشرك، وإلى تحريم الحلال وتحليل الحرام بغير حجة، ويدعونهم إلى أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، فهؤلاء دعاة ضلال، والدعاة إلى الحق هم الذين يدعون إلى ما أنزل الله سبحانه وتعالى وإلى ما شرع.
ومن دعاة الضلال اليوم: الذين يدعون الناس إلى
الشرك، وعبادة الأضرحة والقبور، ويدعون الناس إلى البدع والمحدثات في الدين، التي ما أنزل الله بها من سلطان، ويكتبون ويؤلفون ويتكلمون بدعوة الناس إلى إحياء البدع والمحدثات، والذين يدعون الناس إلى الإباحة والفسوق والعصيان، كل هؤلاء دعاة ضلال، حذّرنا الله سبحانه وتعالى منهم ومن طريقتهم، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران:149] .
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران:100]، وقال تعالى:{أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ} [البقرة: 221] وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام:116] ، فبيَّنَ سبحانه أن الكفار على اختلاف مللهم قديماً وحديثاً، جادون في الدعوة إلى الضلال في كل زمان وفي كل مكان، كما قال تعالى:{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89] .
المسألة الخامسة والسبعون: دعوتهم الناس إلى الكفر، مع العلم
…
دعوتهم الناس إلى الكفر، مع العلم
المسألة الخامسة والسبعون
[دَعْوَتُهُمْ إِيَّاهُمْ إِلَى الكُفْرِ، مَعَ العِلْمِ] .
الشرح
وهذا صنف آخر من دعاة الضلال، وهم الذين يدعون إلى صرف الناس عن الحق مع معرفته؛ بغياً وعناداً، والصنف الأول يدعون الناس إلى الباطل وهم لا يعرفون الحق، وكلا الصنفين خطير وهم لا يقولون للناس: اكفروا، وإنما يأتونهم بطريقة مزخرفة، ظاهرها أنها حسنة وباطنها كفر، هكذا دعاة الضلال، وإبليس جاء إلى قوم نوح لما وجدهم قد حزنوا على الصالحين الذين ماتوا، جاءهم بطريق دين، وقال: صَوِّروا صُوَرَهم من أجل إذا رأيتموها أن تنشطوا على العبادة وتذكروا أحوالهم وصلاحهم ودينهم فينشطونكم على العبادة. فهو جاءهم بطريق النصيحة، وطريق الدين، وهو يريد أن هذه الصور تكون أصناماً في النهاية، فكانت أصناماً، لما مات أهل العلم ومات هذا الجيل، جاء جيل جاهل بعدهم، فقال
الشيطان: إن آباءكم ما نصبوا هذه الصور إلا ليعبدوها، وبها كانوا يُسقون المطر، فعبدوها من دون الله عز وجل.
وكذلك دعاة الضلال، لا يأتون للناس بالدعوة إلى الشر المكشوف، إنما يأتونهم بطريقة مزخرفة يحسنونها للناس، ثم في النهاية يحصل لهم مقصدهم، ودعاة الضلال لما دعوا الناس إلى الشرك بعبادة الأضرحة لم يقولوا لهم: اعبدوها، بل قالوا: لهم: هؤلاء أولياء وصالحون، لهم مكانة عند الله، فأنتم تقرّبوا إليهم من أجل أن يقرّبوكم إلى الله، ويكونوا وسائط ووسائل لكم عند الله عز وجل، جاءهم بهذه الطريقة، وهي محبة الصالحين واتخاذهم وسائل ووسائط عند الله عز وجل، فعبدوا القبور والأضرحة بهذه الخديعة الشيطانية، وأشركوا بالله عز وجل. فدعاة الكفر يدعون الناس بأساليب مختلفة، لا يظهر عليها شيء من الانتقاد، ولا يعرفها إلا أهل البصيرة، وقد تبين من هاتين المسألتين أن دعاة الضلال على قسمين. قسم يدعو الناس بغير علم، وقسم يدعو الناس إلى مخالفة الحق وهو يعلمه والأول ضال والثاني فاسق.
المسألة السادسة والسبعون: المكر الشديد لتثبيت الشرك ودفع الحق
…
المكر الشديد لتثبيت الشرك ودفع الحق
المسألة السادسة والسبعون
[المَكْرُ الكُبّارُ، كفِعْلِ قوم نوح]
الشرح
المكر: إيصال المكروه بطريقة خفية وهو نوعان: مكر حسن ومكر سيئ.
والمكر السيئ هو: الحيل الخفية لإيصال الشر لمن لا يستحقه، قال تعالى في قوم نوح:{وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً} [نوح: 22-24] والكبّار هو: العظيم، فهم يمكرون بالناس مكراً عظيماً بهذه الحيل، وهذه الطرق الخبيثة التي يدعونهم بها إلى الشرك، وإذا جاءتهم دعوة التوحيد حذّروهم منها، وقالوا: هؤلاء يريدون أن يترأسوا عليكم، ويريدون أن يتفضلوا عليكم.
فتحسين القبيح للناس، وتقبيح الحسن، هو المكر الكُبّار الذي لا يزال يزاوله دعاة الضلال قديماً وحديثاً؛ لصرف
الناس عن الحق إلى الباطل، وإخراجهم من النور إلى الظلمات، كما قال تعالى:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257] وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112] أي: اتركهم وكذبهم، ولا تلتفت إليهم. فهذا فيه: النهي عن الإصغاء لدعاة الضلال، إلا على سبيل معرفة باطلهم لرده.
المسألة السابعة والسبعون: اقتداؤهم بمن لا يصلح للقدوة
…
اقتداؤهم بمن لا يصلح للقدوة
المسألة السابعة والسبعون
[إِنَّ أَئِمَّتَهُم: إِمّا عالِمٌ فاجرٌ، وإمَّا عابدٌ جاهلٌ، كمَا في قوله: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة: 75-78] .
الشرح
قدوة أهل الجاهلية من اليهود والنصارى وغيرهم: إما عالم فاجر، وهو الذي لا يعمل بعلمه، مثل أحبار اليهود. وإما عابد جاهل، وهو العامل بغير علم، مثل رهبان النصارى، كما قال الله:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] يحلِّلون لهم الحرام، ويحرِّمون عليهم الحلال، ويطيعونهم في ذلك، وفي سورة البقرة يقول تعالى:
{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75] فقوله: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} أي: من بعد ما عرفوا لفظه ومعناه الصحيح، من أجل أهوائهم وأغراضهم وشهواتهم، كما حصل منهم في قصة الزاني في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، حينما زنا رجل من اليهود بامرأة من اليهود، فقالوا: اذهبوا إلى هذا الرجل – يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم يعلمون أن التوراة فيها الرجم، وهم لا يريدون الرجم، لعله يحكم فيهما بحكم أسهل من الرجم، فجاءوا إليه يطلبون منه الحكم على هذا الزاني وهذه الزانية، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال:"ما تجدون في التوراة على من زنى؟ " وفي رواية: "ما تجدون في التوراة في شأن الرجم" قالوا: فيها أننا نُسَوِّدُ وجوههم، ونُركبهم على حمير، ونطوف بهم في الأسواق. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن سلام (لأنه من أحبارهم، وقد أسلم) قال: كذبوا يا رسول الله، فطلب النبي صلى الله عليه وسلم منهم التوراة، فلما أحضروها وضع ابن صوريا أصبعه على آية الرجم، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع أصبعك، فلما رفعه إذا آية الرجم تلوح
في التوراة، فأمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فرجما بالحجارة حتى ماتا 1.
فهذا من تحريف علمائهم لكلام الله، وقد كذبوا على الله سبحانه وتعالى وأخفوا حكمه.
ومن تحريفهم: ما ذكره الله أن الله أمرهم أن يدخلوا الباب سجداً، وأن يقولوا حطة، يعني: حط عنا خطايانا، فأبدلوا حطة بكلمة: حنطة، بالنون، فزادوا في كلام الله ما ليس منه.
والتحريف هو: الزيادة في كتاب الله، أو النقص من كتاب الله، أو تفسير كتاب الله بغير معناه، هذا هو التحريف؛ لأن التحريف إما أن يكون في اللفظ، وإما أن يكون في المعنى، وعلى هذا النمط كل من يحاول تفسير القرآن أو الأحاديث بغير معناهما الصحيح؛ من أجل نصرة مذهبه، أو اتباع شهوته، أو حصول مطعمه، وقال تعالى:{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} [البقرة: 76] الآية، وهذا هو النفاق، والنفاق وتحريف النصوص طريقة اليهود.
ثم قال بعدها: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا
1 أخرجه البخاري رقم 3635، 4556، 6819، 7543، ومسلم رقم 1699، 1700.
أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة: 78] ، هؤلاء هم العُبَّاد الجُهّال، يقرؤون التوراة ولكن لا يعرفون معناها، فيتخذهم هؤلاء، يقرؤون التوراة ولكن لا يعرفون معناها، فيتخذهم هؤلاء أئمة لهم وهم جُهّال، فلا يجوز الاقتداء إلا بعالم عامل، وهؤلاء هم الربانيون. وكذلك العبّاد الجهّال لا يُقتدى بهم، وإن كان عندهم زهد وعبادة، لكنهم على غير طريق صحيح وغير هدىً من الله سبحانه وتعالى.
المسألة الثامنة والسبعون: تناقضهم في محبة الله
…
تناقضهم في محبة الله
المسألة الثامنة والسبعون
[دعواهم مَحَبَّةَ اللهِ، مع تركهم شَرْعَهُ، فطالبهم الله بقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} [آل عمران: 31] .
الشرح
من ضلال اليهود ومن شابههم: دعواهم محبة الله مع أنهم يخالفون أمره سبحانه وتعالى، وعلامة محبة الله: اتباع أمره، كما قال الشاعر
إن المحب لمن يحب مطيع
وهذا كما في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] فاليهود والنصارى يقولون: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18] ، ومع هذا يخالفون شرع الله سبحانه وتعالى، فدل ذلك على كذبهم في دعواهم، حيث طالبهم الله بإقامة الدليل على ما يدعونه من محبته، وذلك باتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فلما لم يفعلوا ظهر كذبهم، وكذلك الصوفية يبنون دينهم على أنهم يحبون الله عز وجل، ويقولون العبادة هي المحبة، فنحن لا نعبد الله خوفاً من ناره، ولا طمعاً
في جنته، وإنما نعبده؛ لأننا نحبه. مع أنهم يخالفون شرع الله سبحانه وتعالى، فلا يتبعون الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما يتبعون مشائخهم، وأصحاب الطرق التي يبايعونهم عليها على السمع والطاعة لهم، وأنهم لا يخالفون لهم أمراً مهما أُمِروا، حتى إنهم يقولون: إن المريد مع شيخه كالميت بين يدي غاسله، ما له اختيار ولا له ما غير ما اختاره شيخه. فأين اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فهم كاذبون في هذه الدعوى.
ولهذا تحدّى الله جل وعلا هؤلاء المدّعين لمحبته بهذه الآية: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] فعلامة محبة الله: اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن وجدت فيه هذه الصفة فإنه صادق في دعواه المحبة، ومن فقد هذه الصفة –وهي الاتباع للرسول –فإنه كاذب في دعواه، فقد ذكر سبحانه دليل المحبة وثمرتها، فدليلها اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وثمرتها نيل محبة الله للعبد، ومغفرة ذنوبه، وكذلك هذا يطّرد في كل من يدّعي محبة الرسول وهو لا يتبعه، كمن يدعون محبة الرسول ويكتبون في الصحف والمجلات: عَلِّموا أولادكم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهم يبتدعون البدع، ويحدثون الموالد، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البدع فهم يدّعون محبته، ويخالفونه في إحداث البدع والخرافات.
المسألة التاسعة والسبعون: اعتمادهم على الأماني الكاذبة
…
اعتمادهم على الأماني الكاذبة
المسألة التاسعة والسبعون
[تَمَنّيهمِ الأَمَانِيَّ الكّاذِبَةَ، كَقَوْلِهِمْ: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} [البقرة: 111] .
الشرح
اليهود والنصارى يعتمدون على الأماني الكاذبة، ويتمنون على الله الأماني، كما ذكر الله تعالى عنهم أنهم قالوا:{لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً} [البقرة: 80] هي أيام عبادتهم للعجل –بزعمهم-، فرد الله عليهم بقوله:{قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 80، 81] فهذا رد على قولهم: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً} [البقرة: 80]، كما رد عليهم في سورة آل عمران: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا
نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [آل عمران:23- 25]، وقال تعالى:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً} [النساء: 123، 124] .
المسألة الثمانون: غلوهم في الأشخاص
…
غُلُوُّهم في الأشخاص
المسألة الثمانون
[اتِّخَاذُ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِم مَسَاجِدَ.]
الشرح
مما عليه أهل الجاهلية من أهل الكتاب وغيرهم: اتخاذ قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، وهذا كان ولا يزال عند اليهود والنصارى، وعند مشركي العرب، وعند المنتسبين إلى الإسلام ممن يعبدون القبور والأضرحة، وأهل الكتاب هم أول من عمل ذلك، قال صلى الله عليه وسلم:"إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد" يعني: مصليات يصلون عندها؛ لأن الصلاة عندها وسيلة إلى عبادتها، وإن كان المصلي يصلي لله، لكن إذا صلى عند القبر واستنجد به واستغاث بهن كما يقال الآن عند الأضرحة؟ هذا من دين الجاهلية، من يهود ونصارى وغيرهم، قال صلى الله عليه وسلم، لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة رضي الله تعالى عنها عما رأتاه في أرض الحبشة من الكنايس وما فيها من التصاوير؛ لأن أم سلمة وأم حبيبة قد هاجرتا إلى الحبشة مع زوجيهما الهجرة الأولى، فرأتا في بلاد الحبشة
الكنائس المزخرفة، بها الصور، فذكرتا ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أولئك قوم إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح، بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله"1.
فمن دين الجاهلية: اتخاذ الأولياء والصالحين أرباباً من دون الله عز وجل، يزعمون أنهم يقربونهم إلى الله زلفى، وأنهم يشفعون لهم عند الله، كما قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18]، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] وهؤلاء لا يعتقدون فيهم أنهم يخلقون ويرزقون ويحيون ويميتون، بل لا يعترفون أن هذا خاص بالله عز وجل، وإنما اتخذوهم وسائط بينهم وبين الله وشفعاء، فصرفوا لهم أنواعاً من العبادات؛ من أجل أن يقرِّبوهم إلى الله زلفى. فهذا دين الجاهلية، وعليه عُبَّاد القبور اليوم، نسأل الله العافية والسلامة.
ومن الغلو في القبور وأصحابها البناء عليها وإسراجها ووضع الستائر عليها والكتابة عليها وتجصيصها وغير ذلك من مظاهر الغلو. ولهذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك كله.
1 أخرجه البخاري (رقم 427، 434، 1341) ومسلم (رقم 528) .
المسألة الحادية والثمانون: الغلو في آثار الأنبياء
…
الغلو في آثار الأنبياء
المسألة الحادية والثمانون
[اتخاذ آثار أنبيائهم مساجد كما ذُكِرَ عَنْ عُمَرَ]
الشرح
من دين الجاهلية: اتخاذ آثار أنبيائهم مساجد، أي يصلون عندها تبركاً بها والفرق بين هذه والتي قبلها: أن التي قبلها غلو في الأشخاص، وهذا غلو في آثار الأشخاص، والآثار: جمع أثر، وهو المكان الذي جلس فيه نبي أو صلى فيه، يتتبعون هذه المواطن فيتعبدون فيها لله عز وجل، يظنون أن الصلاة فيها فيها فضيلة، مثل الذين يذهبون الآن إلى غار حراء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد تعبد فيه قبل البعثة. فهم يذهبون إليه للصلاة والدعاء فيه، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يزوره بعد البعثة، ولا أحد من صحابته الكرام ذهب إلى غار حراء؛ لعلمهم أن ذلك غير مشروع.
كذلك يذهبون إلى غار ثور الذي اختفى فيه النبي صلى الله عليه وسلم
قبل الهجرة، ويصلون فيه، ويضعون فيه الطيب، وربما يرمون فيه النقود.
هذا كله من دين الجاهلية، فالجاهلية هي التي تُعَظِّم آثار أنبيائها، ولهذا يقول عمر رضي الله عنه – لما رأى الناس يذهبون إلى شجرة البيعة -:"إنما أهلك من كان قبلكم أنهم تتبعوا آثار أنبيائهم" ثم أمر بقطع الشجرة، وهذه الأماكن لم يقصدها النبي صلى الله عليه وسلم للتشريع، أما الأماكن التي قصدها النبي صلى الله عليه وسلم للتشريع، مثل صلاته عند مقام إبراهيم، عملاً بقوله تعالى:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة: 125] ، فإنها تشرع الصلاة فيها اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم أما جلوسه في غار حراء، وفي غار ثور، أو جلوسه في الطريق بين مكة والمدينة للاستراحة، فهذا لم يفعله من أجل التشريع، وإنما فعله اتفاقاً وللحاجة.
فيجب أن يُفَرَّق بين هذا وهذا، فالأماكن التي لم يقصدها للتشريع، وإنما مرّ بها أو جلس فيها من باب العادة؛ أو للاستراحة أو صادفته الصلاة وصلى فيها من غير قصد لها، فإنه لا يتخذ هذا المكان الذي صلى فيه الرسول مصلى؛ لأنه فعله لا من باب القصد، وإنما فعله لأن الصلاة أدركته في هذا المكان فصلى فيه، وهذا المكان وغيره سوى من الأرض، ليس له ميزة، ولأن تتبعها يحدث الوثنية فيما بعد بتبرك الناس
به، ويقصدونه من بعيد، ويسافرون إليه، فيحصل في ذلك ما حصل في الأمم السابقة من الشرك، وربما يُبنى عليه، وهناك من يطالبون الآن بذلك، يقولون: ابنوا على الآثار التي مر بها الرسول وجلس فيها، ابنوا عليها من أجل الذكرى. وهذا كلام باطل، نحن لا نفعل شيئاً لم يفعله سلفنا الصالح، لو كان هذا مشروعاً لسبق إليه الصحابة والتابعون ومن بعدهم، وما هلكت الأمم إلا بمثل هذه الأفعال، فإحياء آثار المعظّمين يجر إلى الوثنية، كما حدث في قوم نوح والأمم السابقة، ولا يقال: إن الناس الآن على وعي من دينهم فلا يخاف عليهم؛ لأنها تأتي أجيال جاهلية فيزيّن لها الشيطان الوثنية.
ولأنها لا تؤمن الفتنة على أحد كما قال الخليل عليه السلام {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35] .
المسألة الثانية والثمانون: اتخاذهم لوسائل الشرك
…
اتخاذهم لوسائل الشرك
المسألة الثانية والثمانون
[اتخاذ السرج على القبور] .
الشرح
اتخاذ السرج على القبور: أن يجعل فيها أنوار من المصابيح أو الفوانيس، أو الكهرباء، على شكل قناديل؛ لأجل الزيارة. ولا يجوز هذا؛ لأنه من أسباب الشرك، وإذا احتاج الناس إلى النور من أجل دفن الميت، فإنهم يأتون معه بسراج أو فانوس بقدر الحاجة، أما إنه يجعل في المقبرة أعمدة كهرباء وتنور، فهذا منهي عنه، قال صلى الله عليه وسلم:"لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج" 1، والحديث في السنن، ولعن النبي صلى الله عليه وسلم زائرات القبور يدل على أن المرأة ممنوعة من زيارة المقابر، وإنما زيارة القبور خاصة بالرجال،
1 أخرجه أبو داود 3/362 رقم 3236، والترمذي 2/136 رقم 320، وقال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 5109.
واللعن يفيد أن زيارة المرأة للقبور كبيرة من كبائر الذنوب.
ولعن صلى الله عليه وسلم المتخذين عليها المساجد، أي: الذين يتحرون الصلاة عندها، أو يبنون عليها المساجد، وهذا أشد؛ أو الذين ينورونها لأن هذا وسيلة إلى الشرك، بأن تعبد هذه القبور وتدعى من دون الله عز وجل، فالقبور تترك كما كانت قبور الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لا تسرج ولا يبنى عليها أبنية، وإنما تترك كما هي على حالها، وترفع عن الأرض قدر شبر فقط، ويوضع عليها نصايب؛ لتعرف أنها قبور، ولا يزاد على ذلك، قال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب:" لا تدع قبراً مشرفاً" يعني مرتفعاً: "إلا سويته" 1 يعني: أزلت ارتفاعه وسويته بالأرض؛ لأن إشرافه وارتفاعه يغري الجهال بقصده؛ لأن الشرك أسرع إلى قلوب الجهال من السيل إلى منحدره؛ لأن شياطين الإنس والجن يزينون للناس هذه الأمور ويفتنونهم بها، فإذا كان القبر ليس فيه ما يلفت النظر، ولا يعرف هل هو قبر نبي أو غيره، فهذا أبعد عن الفتنة، أمّا إذا قصد وعظم وجعل عليه بنية وزخارف، ووضع عليه أنوار، فهذا يصرف الأنظار إليه، ويقول الجهال: ما عمل فيه هذا الشيء إلا لأن له سراً، فيقصدونه بالعبادة.
1 أخرجه مسلم رقم 969.
فالواجب أن يتبع في القبور هدي النبي صلى الله عليه وسلم، الذي ليس فيه غلو أو بناء أبنية، أو إيقاد سرج، أو كتابات، أو تجصيص، أو غير ذلك، كما كانت القبور في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
المسالة الثالثة والثمانون: عكوفهم عند القبور
…
عكوفهم عند القبور
المسألة الثالثة والثمانون
[اتخاذ القبور أعياداً]
الشرح
الأعياد جمع عيد، وهو: ما يتكرر ويعود، وهو ينقسم إلى قسمين:
عيد زماني: كعيد رمضان، وعيد الأضحى.
القسم الثاني: عيد مكاني: وهو المكان الذي يجتمع فيه على مدار السنة، أو على مدار الأسبوع، أو على مدار الشهر، يجتمع فيه للعبادة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"لا تجعلوا قبري عيداً" يعني: مكاناً للاجتماع حوله، والعكوف حوله، والتردد عليه، "وصلوا عليّ حيث كنتم، فإن صلاتكم تبلغني" 1 فليس للصلاة على الرسول عند قبره خاصية، بل صَلِّ عليه في أي
1 أخرجه أبو داود 2/366 رقم 2542 وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 7226.
مكان في المشرق أو في المغرب، في أي مكان صَلِّ على الرسول، ويبلغه ذلك.
وتكرار زيارته، والجلوس عنده، من اتخاذه عيداً، وهو يؤول إلى الشرك، فأهل الجاهلية يتخذون قبور الصالحين أعياداً، يجتمعون حولها ويعكفون عندها، كما هو الآن حاصل عند قبر البدوي وغيره، يأتيه الزوار من كل مكان، ويجلسون وينصبون الخيام، ويذبحون الذبائح ويقيمون الأيام، عند قبر البدوي أو غيره، وهذا من دين الجاهلية. وإذا كان قبر الرسول صلى الله عليه وسلم منهياً عن الاجتماع حوله والتردد عليه، فكيف بقبر غيره؟ لأن هذا وسيلة من وسائل الشرك.
ولما سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نذر أن ينحر إبلاً ببوانة – اسم موضع – فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد." قالوا: لا، قال:"هل كان فيها عيد من أعيادهم – أي اجتماع – يجتمعون فيه؟ " قالوا: لا، قال:"أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم"1.
الشاهد: قوله: "هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ " أي:
1 أخرجه أبو داود 3/394 رقم 3313.
عيد مكاني، فدل على أنه لا يجوز اتخاذ مكان مخصص للعبادة، إلا ما خصصه الله ورسوله، كالمساجد ومشاعر الحج والعمرة، وما عداها فالأرض كلها سواء، وكما قال صلى الله عليه وسلم:"جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" 1
1 أخرجه البخاري رقم 335، 438 ومسلم رقم 521، 522، 523.
المسالة الرابعة والثمانون: تقربهم إلى الله بالذبح عند القبور
…
تقربهم إلى الله بالذبح عند القبور
المسألة الرابعة والثمانون
[الذبح عند القبور]
الشرح
قال الله تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] . وقال تعالى: {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 161-162] فالذبح عبادة لله.
والذبح عند القبور: إذا كان تعظيماً لها فهذا شرك أكبر. وإذا كان تعظيماً لله، ولكن فعله عند القبر يظن أنه مشروع، فهذا بدعة ووسيلة إلى الشرك، فلا يجوز الذبح عند القبور حتى ولو كان الذابح لا يعتقد في القبور وإنما يذبح لله؛ لأنه إذا اعتاد الناس الذبح عند القبور آل هذا إلى عبادتها دون الله عز وجل، وكذلك الذبح للجن لاتقاء شرهم أو للعلاج، فهذا
شرك بالله.
أما الذبح للأكل، أو الذبح لإكرام ضيف ويذكر عليه اسم الله، فهذا لا بأس؛ لأنه من العادات لا من العبادات.
أما ذبح الأضحية وذبح العقيقة والذبح الذي يقصد به العبادة، فهذا عبادة لله عز وجل؛ ولا يذبح لمخلوق، تعظيماً له تعظيم عبادة ولا يذبح عند قبر مخلوق؛ لأن هذا يؤول إلى عبادته.
المسألتان الخامسة والسادسة والثمانون: احتفاظهم بآثار المعظمين
…
احتفاظهم بآثار المعظَّمين
المسألتان الخامس والسادسة والثمانون
[التَّبَرُكُ بآثار المعظَّمين، كدار النَّدوة، وافتخار من كانت تحت يده بذلك، كما قيل لحكيم بن حزام: بعت مكرمة قريش؟! فقال: ذهبت المكارم إلا التقوى] .
الشرح
تعظيم آثار المعظمين من العلماء أو من الملوك أو من الرؤساء، بأن تُحيا هذه الآثار وترمم وتصان، فهذا العمل وسيلة من وسائل الشرك، وهذا من دين الجاهلية؛ لأنه يأتي جيل فيما بعد ويقولون – أو يقول لهم الشيطان -: إن آباءكم ما احتفظوا بهذه الآثار إلا لأن فيها بركة وفيها خيراً، فيعبدونها من دون الله؛ لأن الجيل الأول هيأ لهم الأسباب، كما فعل الشيطان مع قوم نوح لما أمرهم بتصوير الصالحين لأجل أن تبعث فيهم النشاط على العبادة، فهم أسّسوا هذا الشيء بنية صالحة، ولكن جاء جيل جُهّال فعبدوها، وهذا من فعل
الجاهلية، هم الذين يعظمون آثار العظماء، ويحافظون عليها ويصونونها، ثم تعبد من دون الله ولو على المدى البعيد.
فلا يقل قائل: الناس الآن على دين صحيح وعلى توحيد.
نقول: لا يقتصر على الوقت الحاضر، وإنما يجب النظر للمستقبل، مع أن الحاضرين لا تُؤمن عليهم الفتنة أيضاً، ولكن المستقبل أشد، فلا يجوز العناية بهذه الآثار، وما هلكت الأمم إلاّ بمثل هذا، وهو أنهم عظّموا آثار كبرائهم حتى صارت أوثاناً في المستقبل، فالواجب على المسلمين التنبه لهذا الأمر.
وذكر الشيخ شاهداً لذلك؛ دار الندوة في مكة، وهي مكان يجتمع فيه أكابر قريش؛ للتشاور في الأمور المهمة.
فلما جاء الإسلام وزالت الجاهلية، بقي مبنى دار الندوة على حاله إلى وقت معاوية رضي الله عنه للتملك والانتفاع بسكناها وتحويلها عن هيئتها، فاشترى هذه الدار من حكيم بن حزام رضي الله عنه، فلام الناس حكيماً على ذلك، قالوا: لِمَ بعت هذا الأثر من آثار أسلافنا، وبعت مكرمة قريش؟ قال: رضي الله عنه: ذهبت المكارم إلا التقوى. وهذا مأخوذ من قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] هذا هو
الجواب السديد الموافق لكلام الله عز وجل، وهذا من نور البصيرة ونور الإيمان.
فدل على أنه لا يجوز الاحتفاظ بالآثار القديمة؛ لأن هذا يؤول إلى الشرك، ولو فيما بعد، والدين جاء بسد الطرق المفضية إلى الشرك.
المسال السابعة والثامنة والتاسعة والثمانون، والتسعون: من خصال الجاهلية الباقية في بعض هذه الأمة
…
من خصال الجاهلية الباقية في بعض هذه الأمة
المسائل السابعة والثامنة والتاسعة والثمانون، والتسعون
[الفَخْرُ بالأحساب، الطعن في الأنساب، الاستسقاء بالأنواء، النياحة على الميت]
الشرح
هذه المسائل الأربع من مسائل الجاهلية، قال صلى الله عليه وسلم:"أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت"1.
والفخر بالأحساب: أن يفتخر الإنسان بأمجاد آبائه وأجداده، وهذا من دين الجاهلية؛ لأنهم كانوا يجتمعون في منى، وبدل أن يذكروا الله عز وجل يذكرون مفاخر آبائهم، قال تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} [البقرة: 200] ، فالواجب ذكر الله
1 أخرجه مسلم رقم 934.
عز وجل، ليس ذكر الآباء والأجداد.
والطعن في الأنساب: كأن يقول: فلان ما له أصل، فلان من قبيلة ليست هي أصيلة، وهذا معناه تنقّص الآخرين، والله جل وعلا يقول:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] فالفخر ليس بالنسب، الفخر إنما هو بالتقوى، ولا ينفعك النسب إذا فقدت التقوى، قال صلى الله عليه وسلم:"من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه" 1، فلا ينفع الإنسان كونه من قريش، ولا كونه من بني هاشم، ولا كونه من بيت الرسول صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن معه عمل صالح لا ينفعه إلا العمل الصالح وتقوى الله عز وجل.
والاستسقاء بالنجوم: اعتقاد أن المطر ينزل من تأثير طلوع النجم أو غروبه، وهذا من دين الجاهلية، فالمطر إنما يحصل بإرادة الله سبحانه وتعالى {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} [الشورى: 28] ، فالله هو الذي ينزل المطر بإرادته ومشيئته وحكمته، وينزله كيف يشاء سبحانه وتعالى، ينزله على أرض، ويمنع منه أرضاً أخرى {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً} [الفرقان:
1 جزء من حديث أخرجه مسلم رقم 2699.
50] ، فالذي يعتقد أن لطلوع النجم أو غروب النجم تأثيراً في نزول المطر، فهذا الاعتقاد شرك، تجب التوبة منه، ويجب نسبة نزول المطر إلى الله جل وعلا.
والنياحة على الميت: والمراد بها: رفع الصوت عند موت الميت؛ جزعاً وتسخطاً، أو ذكر محاسن الميت، فالنياحة من كبائر الذنوب، قال صلى الله عليه وسلم:"النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب" 1، فالنياحة كبيرة من كبائر الذنوب، وهي من أمور الجاهلية، والواجب: الصبر والاحتساب.
ولا يدخل في هذا البكاء على الميت؛ لأنه ليس باستطاعة الإنسان أن يحبسه، والنبي صلى الله عليه وسلم بكى لما مات ابنه إبراهيم، وقال:"إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" 2، وقال صلى الله عليه وسلم:"إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا – يعني اللسان – أو يرحم" 3، فإذا تكلم الإنسان بكلام يرضي الله عند المصيبة، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون،
1 أخرجه مسلم رقم 934.
2 أخرجه البخاري رقم 1303، ومسلم بنحوه رقم 2315.
3 أخرجه البخاري رقم 1304، ومسلم رقم 924.
وحَمِدَ الله وشَكَرَه؛ غفر الله له وجبر مصيبته.
فهذه الأربع من أمور الجاهلية، وهي باقية في الناس، فيجب التوبة منها، ودلّ الحديث على أنه ليس كل من فيه شيء من الجاهلية يكون كافراً، فأمور الجاهلية منها ما هو كفر، ومنها ما هو دون ذلك.
المسألة الحادية والتسعون: قيام مجتمعهم على البغي
…
قيام مجتمعهم على البغي
المسألة الحادية والتسعون
[إِنَّ أَجَلَّ فَضَائِلَهُمُ البَغْيُ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ فِيهِ مَا ذَكَرَ]
الشرح
البغي هو: التعدِّي على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وأهل الجاهلية يعتبرون ذلك من مفاخرهم، ويتمدحون به في أشعارهم ومقالاتهم، فجاء الإسلام بتحريمه والنهي عنه، وأمر بالعدل بين الناس، وشرع لمن بُغي عليه أن يقتص لنفسه؛ حتى يرتدع الباغي وينتصر المظلوم، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [لأعراف:33] ، فقرن البغي مع الفواحش والشرك والقول عليه بغير علم.
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: "إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟ "1.
وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93] وبإقامة هذه الأحكام الربانية استتب الأمن، وسادت المحبة بين المسلمين، وزالت عنهم فوضى الجاهلية وعنجهيتها، والحمد لله رب العالمين.
1 أخرجه البخاري رقم 67، 105، 1739، ومسلم رقم 1679.
المسالة الثانية والتسعون: الفخر بغير الحق أو بحق
…
الفخر بغير الحق أو بحق
المسألة الثانية والتسعون
[إِنَّ أَجَلَّ فَضَائِلَهُمُ الفَخْرُ وَلَوْ بِحَقٍّ، فَنُهِيَ عَنْهُ] .
الشرح
من مسائل الجاهلية: الفخر ولو بحق، فهم يفخرون بأفعالهم وأفعال آبائهم، وهذا منهي عنه؛ لأن الفخر بالأعمال يؤدِّي إلى الإعجاب بالنفس واحتقار الآخرين، وهو منهي عنه، وهو من أفعال الجاهلية، فلا يجوز للمسلم أن يفتخر؛ لأنه مهما بذل ومهما عمل فإنه مقصر، ولا يؤدي كل ما أوجب الله عليه، فحق الله عظيم، وحق الوالدين عظيم، وحق الأقارب عظيم، وعليه حقوق عظيمة، فكيف يفخر الإنسان إذا فعل شيئاً من الإحسان، أو من المعروف، أو من أفعال الخير، مع أنه إنما أتى بشيء يسير؟ هذا في الافتخار فيما بينه وبين الخلق، أما إذا افتخر بأعماله التي بينه وبين الله، فهذا أشد؛ لأنه يؤدي إلى الإعجاب بالعمل، وإلى استكثار العمل، وهذا يبطل العمل.
فالواجب على الإنسان أن يعتبر نفسه مقصراً دائماً وأبداً فيما بينه وبين الله، وهذا واضح، وفيما بينه وبين الخلق أيضاًُ؛ فإنه إذا اعتبر نفسه مقصراً، حمله ذلك على التواضع، وحمله ذلك إلى المزيد من الخير، أما إذا اعتبر نفسه مكمّلاً، وأنه قام بالواجب، فهذا يستدعي أنه يتوقف عن فعل الخير، ويرى أنه قد بلغ النهاية، فيتوقف عن فعل الخير.
والحاصل: أن الافتخار لا ينبغي أن يصدر من مسلم، وإنما هو من أفعال الجاهلية، والنبي صلى الله عليه وسلم –لما ذكر أنه سيد ولد آدم- قال:"ولا فخر" 1 مع أن مقامه هذا لا يساويه فيه أحد، ومع هذا قال "ولا فخر"، نفى عن نفسه الفخر، وإنما أخبر بذلك من باب التحدث بنعمة الله عز وجل والشكر عليها لا من باب الفخر.
1 فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر
…
" أخرجه الترمذي 5/308 رقم 3160 5/587 رقم3624، وقال في الموضعين: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 1468.
المسألة الثالثة والتسعون: التعصب الممقوت
…
التعصب الممقوت
المسألة الثالثة والتسعون
[أنَّ تَعَصُّبَ الإِنْسَانِ لِطَائِفَتِهِ عَلَى الحَقِّ وَالبَاطِلِ، أَمْرٌ لَابُدَّ مِنْهُ عَنْدَهُمْ، فَذَكَرَ اللهُ فِيهِ مَا ذَكَرَ]
الشرح
التعصب المذموم هو الاستمرار على الباطل، مع العلم ببطلانه؛ تكبراً وعناداً ونصرة للشخص أو للقبيلة على حق أو باطل، وهذا من أمور الجاهلية.
ويقول شاعرهم:
غَوَيْتُ وإنْ تَرْشَدْ غزية أَرْشد
…
وما أنا مِنْ غزية إن غَوَتْ
فأنزل الله في ذلك ما أنزل، من قوله تعالى:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} [المائدة: 8] أي: لا يحملكم بغض قوم على ألا تعدلوا في حقهم، ولو كانوا أعداءكم، فالعدل مطلوب مع الأصدقاء ومع الأعداء، قال تعالى:{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: 152] ، فلا تحملك القرابة على أنك تحيف مع قريبك، بل إذا كان مخطئاً
تُغيِّر خطأه، ولا تتابعه بل تنصحه، {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: 152] ، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 8]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [النساء:135] .
فالواجب على الإنسان العدل مع نفسه ومع صديقه ومع عدوه، لا تحمله عداوة أحد أن يظلمه، أو يجور عليه، هذا هو شأن المسلم.
وأما أهل الجاهلية فإنهم يتعصبون لقومهم، ولو كان قومهم ظالمين، فأمرنا الله جل وعلا بمخالفتهم، وأن نقول الحق ولو على أنفسنا وعلى أقاربنا وعلى أصدقائنا وعلى أعدائنا، وقال صلى الله عليه وسلم:"انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"، قالوا: يا رسول الله، ننصره إذا كان مظلوماً، فكيف ننصره إذا كان ظالماً؟! قال:"تمنعه عن الظلم، فذلك نصره" 1فنصره: أن تمنعه من الظلم، وليس نصره أن تساعده على الظلم، فهذا خذلان له.
1 أخرجه البخاري رقم 2443، 2444، 6952.
المسألة الرابعة والتسعون: أخذ البريء بجريمة غيره
…
أخذ البريء بجريمة غيره
المسألة الرابعة والتسعون
[أَنَّ مِنْ دِينِهِمْ: أَخْذَ الرَّجُلِ بِجَرِيمَةِ غَيْرِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18] .
الشرح
من مسائل الجاهلية: أنهم يأخذون الرجل –أي يعاقبونه- بسبب جرم غيره، فأنزل الله تعالى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18] فالذي لم يحصل منه ظلم لا يؤاخذ بظلم غيره، حتى لو كان قريبه ابن عمه أو والده أو ولده، لا يجني جان إلا على نفسه، ولا يؤخذ البريء بجريمة المعتدي، فإذا أُخذ غير المعتدي بعدوان المعتدي، فهذا ظلم وجور لا يقره الإسلام.
والآن في بعض البوادي: إذا حصل اعتداء من شخص من قبيلة، وكان هذا الشخص لا وزن له، لا يقتصون منه، وإنما يقتلون أو ينتقمون من غيره من القبيلة ممن هو أشرف منه
وأعز منه، ولا يأخذون المعتدي، وإنما يأخذون شيخ القبيلة أو من له قيمة أو مقام في القبيلة، وهذا من فعل الجاهلية.
الواجب أن الجريمة تختص بصاحبها، ويقتص من صاحبها، هذا هو العدل
…
{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] .
فالحاصل: أن هذه قاعدة عظيمة: أن الجريمة تختص بمن فعلها، ولا تتناول غيره.
فإن قلت: يرد على هذا أن الله جعل دية الخطأ على العاقلة، ولم يجعلها على القاتل، أليس هذا فيه تحميل لغير المذنب بذنب غيره؟
نقول: لا، هذا من العدل والتعاون، لما كان القاتل خَطَأً غير متعمد، ناسب ذلك أن تعينه عصبته، كما أنهم يرثون ماله لو مات، فكذلك يحملون عنه الخطأ الذي وقع فيه من غير قصد. أما المتعمد للجريمة فهذا يختص جزاؤه به ولذلك لا تحمل العاقلة عمداً.
المسألة الخامسة والتسعون: تغيير الرجل بنقص في غيره
…
تعيير الرجل بنقص في غيره
المسألة الخامسة والتسعون
[تَعْبِير الرَّجُلِ بِمَا فِي غَيْرِهِ، فَقَالَ: "أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟! إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ"]
الشرح
هذا في قصة أبي ذر رضي الله عنه، لما قال في واحد من أفاضل الصحابة من السابقين الأولين إلى الإسلام، قال له: يا ابن السوداء؛ لأن أمه سوداء، قال له صلى اله عليه وسلم:"أَعَيَّرْتَهُ بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية" 1فتعيير الشخص بشيء ليس فيه، وإنما هو في غيره، أو بدناءة نسبه، هو من أمور الجاهلية، وليس كل من كانت فيه خصلة من خصال الجاهلية يكون كافراً.
1 أخرجه البخاري (رقم 30، 6050 ومسلم رقم 1661.
المسألة السادسة والتسعون: افتخارهم بأعمالهم الطيبة
…
افتخارهم بأعمالهم الطيبة
المسألة السادسة والتسعون
[الافْتِخَارُ بِوِلَايَةِ البَيْتِ، فَذَمَّهُمُ اللهُ بِقَوْلِهِ: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ} [المؤمنون:67] .
الشرح
من مسائل الجاهلية: أنهم يفتخرون بقيامهم على المشاعر، بسدانتها وتنظيمها، ورفادة الوافدين إليها، وسقاية الحجيج، فهم يفتخرون بهذا العمل {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} [المؤمنون: 67] أي: بولاية البيت وبخدمة البيت الشريف، وبخدمة الوافدين إليه، يفتخرون بهذا على غيرهم من العرب، فهذا من أمور الجاهلية؛ لأن خدمة بيوت الله عبادة، فلا يجوز الإنسان أن يفتخر بالعبادة؛ لأنه يتقرب بها إلى الله، لا يريد الثناء من الناس والمدح من الناس، بل يحمد الله أن جعله ممن يقومون بهذا العمل، دون أن يتكبر به أو أن يفتخر به.
فهم بدلاً من أن يؤمنوا بالرسول وبالكتاب ويتبعوه، يفتخرون بعملهم في البيت، ويظنون أن هذا يكفيهم عن اتباع
الكتاب واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا وجه الذم لهم؛ أنهم اعتاضوا عن اتباع الكتاب بخدمة البيت، ظناً منهم أنها تكفيهم، فهذا من أمور الجاهلية.
والله جل وعلا يقول: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ} [التوبة: 19] نعم، سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام عمل صالح، ولكن لا يفتخر الإنسان بهذا، ويظن أنه يكفيه، بل عليه أن يسهم بالأعمال الصالحة الأخرى، التي هي أجلّ من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، وهي الجهاد في سبيل الله، والإيمان بالله، والهجرة، وأعمال جليلة.
فالإنسان لا يقتصر على عمل ويظن أنه يكفيه، لا سيما إذا ظن أنه يكفيه عن اتباع القرآن والسنة. والآن هناك من يظنون أن سكناهم في مكة والمدينة تكفيهم عن العمل حتى قال قائلهم: النائم فيه –يعني الحرم – خير من القائم في غيره وهذا غرور من الشيطان.
المسألة السابعة والتسعون: افتخارهم بانتسابهم إلى الطيبين مع مخالفتهم لهم
…
افتخارهم بانتسابهم إلى الطيّبين مع مخالفتهم لهم
المسألة السابعة والتسعون
[الافْتِخَارُ بِكَوْنِهِمْ ذُرِّيَةَ الأَنْبِيَاءِ، فَأَتَى اللهُ بِقَوْلِهِ: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ} [البقرة: 134] .
الشرح
من عمل بني إسرائيل: أنهم يفتخرون بكونهم ذرية الأنبياء، دون أن يتبعوهم، ولا سيما خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وكان الواجب عليهم أن يتبعوه، أما أن يقولوا: نحن ذرية الأنبياء، ويكتفوا بهذا، دون أن يتبعوهم، فهذا رد الله عليه بقوله تعالى:{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ} [البقرة: 134] فالإنسان يُعتبر بعمله هو، لا بعمل غيره، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم أفضل الخلق، ولكن هذا لا يغني عن ذريتهم إذا لم يتبعوهم، فأعمال الأنبياء لهم، وأنتم لكم أعمالكم، وكذلك كل من يفتخر بعمل آبائه وأجداده، وأنهم صالحون وأنهم علماء، ويظن أن هذا يكفيه عن أن يعمل هو،
كالذين ينتسبون إلى أهل البيت، ويظنون أن انتسابهم إلى أهل البيت يكفيهم دون أن يقوموا هم بأعمال صالحة، هذا من هذا القبيل.
وكذلك الذين يتوسلون بعمل النبي، أو بجاه النبي، أو بعمل الأولياء أو الصالحين، ما علاقتهم بعمل غيرهم؟ عملهم لهم، وعملك لك، ولا ينفعك عملهم، يوم القيامة لا أحد ينفع أحداً {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134] ، فهذا فيه رد على الذين يتوسلون بالأولياء والصالحين أو بجاههم، أو يكتفون بانتسابهم إلى الصالحين أو إلى الأنبياء، أو قرابتهم منهم، دون أن يعملوا لأنفسهم، يقول صلى الله عليه وسلم:"يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس عم رسول الله، يا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنكم كمن الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئاً" 1، فالرسول يقول لأقرب الناس إليه:"لا أغني عنكم من الله شيئاً"، فكونكم تنتسبون إلى الرسول، أو قرابة الرسول، أو قرابة الأولياء والصالحين، أو تتوسلون بجاههم،
1 أخرجه البخاري رقم 2753، 3527، 4771) ومسلم رقم 206.
هذا لا ينفعكم شيئاً.
ويوم القيامة يقول الله سبحانه وتعالى: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:19]، وقال تعالى:{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 34- 37] كل مشغول بنفسه؛ حتى إن عيسى عليه السلام يقول: رب، لا أسألك مريم التي ولدتني، نفسي نفسي.
المسألة الثامنة والتسعون: افتخارهم بصنائعهم على من دونهم في ذلك
…
افتخارهم بصنائعهم على من دونهم في ذلك
المسألة الثامنة والتسعون
[الافْتِخَارُ بِالصَّنَائِعِ، كَفِعْلِ أَهْلِ الرّحْلَتَيْنِ عَلَى أَهْلِ الحَرْثِ]
الشرح
الافتخار بالصنائع، التاجر يفتخر بتجارته على الحرفي، وعل النجار وعلى الحداد، والموظف يفتخر بوظيفته على من دونه من الموظفين.
المسلم لا يحتقر من هو دونه، بل لا يحتقر الناس عموماً، فكيف يحتقر المسلمين لأجل حرفهم، وأنها دون حرفته؟ هذا من أمور الجاهلية، كما ذكر الله عن قريش في الرحلتين، فالله سبحانه وتعالى أنعم على قريش بالرحلتين التجاريتين، رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام؛ للتجارة، فهم يفتخرون على الناس بأنهم أصحاب الرحلتين، ويفتخرون على من دونهم من المزارعين وأهل
الحرث.
وهذا يتناول كل من افتخر بصنعته أو وظيفته على من دونه، فالإنسان لا يستكبر.
ومن ذلك: تنقصهم لمن حِرَفُهُمْ صنائعهم ليس مثل حرف أشرافهم، كالحدادين والنجارين، وهذه خصلة لا تزال موجودة في بعض الناس.
ومن هذا الباب: الذين يحتقرون أئمة المساجد والمؤذنين، مع أن وظيفة الإمام هي أفضل الوظائف، وهي عمل الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك وظيفة المؤذن، فأشرف وظيفة هي وظيفة الإمام والمؤذن، فهما أشرف من عمل الوزير، وأشرف من جميع الأعمال.
المسألة التاسعة والتسعون: نظرتهم إلى الدنيا نظرة إعجاب
…
نظرتهم إلى الدنيا نظرة إعجاب
المسألة التاسعة والتسعون
[عَظَمَةُ الدُّنْيَا فِي قُلُوبِهِمْ، كَقَوْلِهِمْ: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31] .
الشرح
من مسائل الجاهلية: عظمة الدنيا في نفوسهم، فالذي عنده دنيا هو العزيز عندهم، والذي ليس عنده دنيا ذليل محتقر عندهم، حتى في الرسالة – التي هي من اختيار الله جل وعلا –يرون أنها يجب أن تكون في الأغنياء، ولا تكون في الفقراء، ويقولون: الله ما وجد إلا يتيم أبي طالب ليرسله؟ (يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31] القريتان: مكة والطائف، وهذا الرجل هو الوليد بن المغيرة في مكة، أو حبيب بن عمرو الثقفي -، وقيل: عروة بن مسعود –في الطائف، يقولون: لو كانت الرسالة في أحد هذين الرجلين؛ لكان هذا أليق بالرسالة، أما أن تذهب ليتيم فقير، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا غير لائق عندهم.
قال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف: 32] أي: يتدخلون في أعمال الله جل وعلا، ويريدون أن يقسموا رحمة الله، ولا يثقون بقسمة الله عز وجل، و {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] .
المسألة المائة: الاستدراك والاقتراح على الله
…
الاستدراك والاقتراح على الله
المسألة المائة
[التَّحَكُّمُ عَلَى اللهِ، كَمَا فِي الآيَةِ السَّابِقَةِ]
الشرح
التحكم على الله يعني: الاقتراح على الله، كما في الآية:{لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} [الفرقان: 32] ويقترحون على الله، ويقولون: كيف يفرق الله القرآن وينزله منجماً، ولم ينزله جملة واحدة؟ يتدخلون فيما لا يعنيهم وفيما لا علم لهم به.
ثم بيّن سبحانه الحكمة في إنزال القرآن مفرقاً، وقال:{كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:33]، وقال تعالى:{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} [الإسراء:106]
وأيضاً لأجل التسهيل لوقت العمل به، ولو نزل القرآن جملة واحدة ما استطاع الناس العمل به وكذلك الله نزله منجماً على حسب الوقائع؛ لأجل أن يبين حكم كل نازلة أو كل حادثة، هذه هي الحكمة في تنزيل القرآن مفرقاً.
ولا يخلو الزمان ممن هم على هذه الشاكلة، يتدخلون في النصوص، ويقترحون على الله ورسوله، أنه لو كان النص كذا، أو كان الحديث كذا وكذا، يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] لا تقترحوا على الله وعلى الرسول، عليكم بالإيمان بالله، والعمل بما أنزل الله، دون الاقتراحات والاعتراضات.
المسألة الحادية بعد المائة: احتقارهم للفقراء
…
احتقارهم للفقراء
المسألة الحادية بعد المائة
[اِزْدِرَاءُ الفُقَرَاءِ، فَأَتَاهُمْ بِقَوْلِهِ: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الأنعام: 52] .
الشرح
هذه سبق لها نظير، وهو أنهم يتركون اتباع الأنبياء؛ لأن الفقراء هم الذين اتبعوهم، {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء:111] أي: الفقراء والذين لا شأن لهم في المجتمع، وهذا من دين الجاهلية، حتى إنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يمنع هؤلاء وأن يجلسوا معهم؛ تكبراً، فأنزل الله تعالى:{وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:52] فلو طردهم عليه الصلاة والسلام لكان من الظالمين.
ثم قال تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا
أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام:53،54] فمن اتبع الحق- ولو كان فقيراً –فهو الكريم عند الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يستحق أن يقابل بالمقابلة الحسنة ويفسح له في المجلس، وأما من أعرض عن الحق واستكبر عنه فهذا لا يستحق التكريم؛ لأنه هو الذي أهان نفسه، فيستحق الإبعاد والإقصاء والهجر.
المسألة الثانية بعد المائة: اتهامهم لأهل الإيمان في نياتهم ومقاصدهم
…
اتهامهم لأهل الإيمان في نهايتهم ومقاصدهم
المسألة الثانية بعد المائة
[رَمْيُهُمْ أَتْبَاعَ الرُّسُلِ بِعَدَمِ الإِخْلَاصِ، وَطَلَبِ الدُّنْيَا، فَأَجَابَهُمْ بِقَوْلِهِ: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 52] ، وَأَمْثَالُهَا] .
الشرح
من أعمال أهل الجاهلية: أنهم يرمون الفقراء بأنهم ما آمنوا إلا من أجل ألان يحصلوا على شيء من مطامع الدنيا، كما قال آل فرعون لموسى عليه السلام هو وهارون:{مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} [المؤمنون: 24] يرمون الأنبياء بأنهم يريدون الشرف والرئاسة، ويرمون فقراء المؤمنين بأنهم يريدون الغنى والثروة باتباعهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فالله جل وعلا قال:{وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}
[الأنعام: 52] فهذا رد عليهم بقولهم في المؤمنين: إنهم يريدون الدنيا، والله عز وجل يقول:{يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} فأثبت لهم الإخلاص.
كفرهم بأصول الإيمان
المسائل: الثالثة، والرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة، والثامنة بعد المائة
[الكُفْرُ بالمَلَائِكَةِ، الكُفْرُ بالرُّسُلِ، الكُفْرُ بالكُتُبِ، الإِعْرَاضُ عَمَّا جَاءَ عَنِ اللهِ، الكُفْرُ باليَوْمِ الآخِرِ، التَّكْذِيبُ بِلِقَاءِ اللهِ] .
الشرح
كل هذه المسائل من أمور الجاهلية، فهم لا يؤمنون بالكتب، ولا يؤمنون بالرسل، ولا يؤمنون بالملائكة، ولا يؤمنون باليوم الآخر، ولا يؤمنون بلقاء الله؛ لأن هذه من أمور الغيب، وهم لا يؤمنون بالغيب، وإنما يؤمن بهذه الأمور من يؤمن بالغيب، فلذلك كفروا بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر؛ ولهذا أثنى الله على الذين يؤمنون بالغيب في أول القرآن فقال: {
…
هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ
…
} [البقرة: 2، 3] ويدخل في ذلك الإيمان
بالله، والإيمان بالملائكة، والكتب، والوحي، والإيمان باليوم الآخر، كل ذلك يدخل في الإيمان بالغيب، والجاهلية لا يؤمنون بالغيب، فلذلك يكفرون بهذه الأمور، ويكفرون بلقاء الله يوم القيامة.
المسالة التاسعة بعد المائة: تكذيبهم لبعض ماأخبرت به الرسل
…
ت كذيبهم لبعض ما أخبرت به الرسل
المسألة التاسعة بعد المائة
[التَّكْذِيبُ بِبَعْضِ مَا أَخْبَرتْ به الرُّسُلُ عن اليوم الآخر، كما في قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ} [الكهف: 105]، ومنها: التكذيب بقوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]، وقوله:{لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 254]، وقوله:{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] .
الشرح
منهم من يكفر باليوم الآخر جملة {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [الأنعام: 29] ومنهم من يؤمن باليوم الآخر، ولكن يجحد بعض الأمور التي تكون فيه، كأن يجحد الحساب أو وزن الأعمال، أو الجنة أو النار، فمنهم من يكفر به جملة، ومنهم من يكفر ببعض ما يكون فيه،
…
فالذي يكفر ببعضه كالذي يكفر به كله، لا فرق؛ لأنه يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ
سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} [الكهف: 103-105]
…
ومنهم من يكذب بالحساب، كما في قوله:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] ، فالدين هنا هو الحساب، وهم يكذبون به، وبالجزاء على الأعمال، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ
…
} [البقرة: 254] وهذا اليوم هو يوم الدين
…
{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] ، إذا لم يكن معك عمل صالح يوم القيامة فإنه لا حيلة لك في ذلك اليوم في النجاة، فلا تجد أعمالاً تباع فتشتريها كما يشتري الإنسان الحوائج في الدنيا
…
{وَلا خُلَّةٌ}
…
فإذا لم تجد أحداً يبيع لك في الدنيا، فيمكن أن يكون لك صديق تذهب إليه، فيعطيك مما عنده، ولكن لا توجد خلة يوم القيامة، ولن ينفعك أحد ولو كان صديقك، ولكن ربما يشفع لك أحد، ويتوسط لك كما في الدنيا، وهذا أيضاً غير موجود يوم القيامة {وَلا شَفَاعَةٌ} .
إذا تقطعت عنك كل الوسائل يوم القيامة، وليس لك حيلة، إلا إذا كان معك عمل صالح قدمته لنفسك، وأعظم ذلك: التوحيد والسلامة من الشرك؛ ولذلك قال تعالى: {وَلا
يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86]، {شَهِدَ بِالْحَقِّ} أي قال: لا إله إلا الله، في الدنيا، ومات عليها، ولا يكفي أن يقول: لا إله إلا الله، بل لا بد أن يعلم معناها، ولذلك قال:{وَهُمْ يَعْلَمُونَ} فلا يكفي مجرد اللفظ من غير فهم للمعنى، ولا يكفي اللفظ ومعرفة المعنى بدون العمل بمقتضاها؛ لأن العلم وسيلة للعمل، فإذا لم يكن مع العلم عمل فلن تنفعك لا إله إلا الله.
المسألة العاشرة بعد المائة: اعتداؤهم على دعاة الحق
…
اعتداؤهم على دعاة الحق
المسألة العاشرة بعد المائة
[قَتْلُ الذين يأمرون بالقسط من الناس]
الشرح
من جملة أعمال اليهود القبيحة: قتل الأنبياء، وقتل الدعاة إلى الله، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] وكذلك من قام في وجه الحق وصد عن سبيل الله، وقتل الدعاة إلى الله، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فإن الآية الكريمة تتناوله؛ لأنه سلك مسلك أهل الجاهلية، فيكون حكمه حكمهم.
المسألة الحادية عشرة بعد المائة: الإيمان الباطل
…
الإيمان بالباطل
المسألة الحادية عشرة بعد المائة
[الإيمان بالجبت والطاغوت]
الشرح
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] ، والجبت، قيل: هو السحر، وقيل: الشيطان، والطاغوت: من تجاوز حدود الله.
وسبب نزول الآية: أن اليهود الذين كانوا بالمدينة لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وعقد معهم المعاهدة على ألا يقاتلوا المسلمين، وأن يدافعوا عن المدينة مَنْ قَصَدها، وأعطوا العهد على ذلك، فلما ضاقوا بالنبي وبأصحابه ذرعاً، ورأوا أن الإسلام ينتصر وينمو، ذهب سادتهم إلى قريش بمكة يستنجدون بهم على الرسول صلى الله عليه وسلم، ويريدون منهم أن يذهبوا معهم القتال النبي صلى الله عليه وسلم، فألهم الله قريشاً أن يسألوا هؤلاء وقالوا لهم: أنتم أهل كتاب، فأينا على الحق، محمد صلى الله عليه وسلم أم نحن؟!
قالوا: ماذا أنتم عليه؟! قالوا: نحن نكرم الضيف، ونصل الأرحام، ونسقي الحجيج، وكذا وكذا، وأما محمد فإنه سبَّ آلهتنا، وعاب ديننا، وخالف دين أجداده، وقطع أرحامنا و
…
و
…
و
…
، فقالوا لهم: أنتم على الحق، ومحمد على باطل. وهم يعلمون أن محمداً على الحق، وهو رسول الله، وأن هؤلاء عبدة أصنام وأوثان، فقال الله فيهم:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} [النساء: 51] ولاحظوا كيف أن الله قال: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} ، مع أن الأمر موافقة في الظاهر فقط، وسماه إيماناً، فدل على أن الموافقة للكفار على ما هم عليه من غير إكراه إيمان بما هم عليه، ولو لم يعتقد بقلبه.
وهناك أناس الآن يقولون: إن الإنسان لا يكفر ولو قال الكفر حتى يعتقد بقلبه، فلو قال كلام الكفر من غير إكراه، وفعل أفعال الكفر، وسب الله ورسوله، وفعل ما فعل، فإنه لا يُكفَّر عند هؤلاء حتى يُعلم ما في قلبه. وهذا مذهب غلاة المرجئة، نسأل الله العافية والسلامة.
فالله وصف هؤلاء بأنهم {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] مع أن ما حصل منهم هو موافقة في الظاهر، وهم في
قلوبهم يعتقدون أنهم خاطئون، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم على الحق، لكن حملهم الكبر والحسد وعداوة الرسول أن يوافقوهم في الظاهر، وكفّرهم الله بذلك.
وهذه دقيقة عظيمة من مسائل التكفير، وفيها رد على من يقول: لا يكفر الإنسان مهما قال: ومهما فعل، ومهما أتى من الكفر، ولو سب الله ورسوله، حتى يعلم أنه في قلبه يوافق على هذا الشيء! نسأل الله العافية من هذا الضلال.
المسألة الثانية عشرة بعد المائة: تفضيلهم الكفر على الإيمان
…
تفضيلهم الكفر على الإيمان
المسألة الثانية عشرة بعد المائة
[تفضل دين المشركين على المسلمين]
الشرح
كما حصل من اليهود مما جاء ذكره في المسألة السابقة.
وهذا يتناول كل من فضل دين الكفر على دين المسلمين، أو ساوى بينهما، ومن ذلك الذين يحاولون التقريب بين الأديان الثلاثة: اليهودية والنصرانية والإسلام، ويقولون: كلها أديان سماوية، يجب التآخي بين أصحابها والتعاون فيما بينهم.
المسألة الثالثة عشرة بعدالمائة: خلط الحق بالباطل ليقبل الباطل
…
خلط الحق بالباطل ليُقبل الباطل
المسألة الثالثة عشرة بعد المائة
[لَبْسُ الحَقَّ بِالبَاطِلِ]
الشرح
من عادة الكفار وأهل الجاهلية من اليهود والنصارى وغيرهم: لَبْسُ الحق بالباطل، واللَّبْسُ هو: الخلط، فهم يخلطون الحق بالباطل؛ من أجل أن يروج الباطل؛ لأنه لو كان الباطل وحده ما قبله أحد، لكن إذا لبس بالحق فإن الأغرار من المؤمنين وقاصري النظر يقبلونه، ويقولون: هذا فيه حق، فيقبلونه كله، أما لو أنهم قبلوا الحق منه فقط وردوا الباطل، كان حسناً، ولكن إذا قبلوه كله فهذا هو الخطأ، فالواجب على أهل النظر وأهل العقول السليمة أنهم لا يقبلون الأشياء على عواهنها، بل يُمَحِّصُونها ويختبرونها، فيقبلون ما كان فيها من حق، ويردون ما كان فيها من باطل.
فالكفار قد يذكرون الحق لا رغبة في الحق، ولا محبة
له، وإنما يذكرونه من أجل ترويج الباطل به، والواجب التنبُّه لهذا الأمر، وهو تمييز الأشياء، وعدم التسرع في قبولها لما يظهر فيها من بريق الحق، حتى تُختبر وتُمحّص، ويُؤخذ ما فيها من حق، ويُردّ ما فيها من باطل، وهذا إنما يعلمه أهل العلم وأهل البصيرة، وأما العوام والجهال –وقاصرو النظر- فينخدعون في مثل هذه الأمور، وتنطلي عليهم، لكم الواجب عليهم أن يسألوا أهل العلم، ويستشيروا أهل النظر قبل قبولها؛ حتى يَسْلَمُوا من التمويه.
كتمان الحق مع العلم به
المسألة الرابعة عشرة بعد المائة
[كِتْمَانُ الحَقِّ مَعَ العِلْمِ بِهِ]
.
الشرح
من مسائل الجاهلية من اليهود والنصارى والوثنيين، وغيرهم من طوائف الكفر: كتمان الحق مع العلم به، وهذا يظهر في أهل الكتاب من اليهود والنصارى أكثر؛ فإنهم يعلمون الحق، ولكنهم يكتمونه، ولا يبينونه للناس؛ من أجل مصالحهم الدنيوية، أو من أجل إرضاء الناس، وأعظم الكتمان أنهم علموا أوصاف محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل، وعلموا صحة رسالته وما جاء به، ومع هذا كتموا ذلك، وأنكروا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، كما ذكر الله تعالى ذلك عنهم في مواضع من القرآن، ومن ذلك: قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [البقرة: 146، 147] ، وهذه الآية
في سياق تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، يعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستكون قبلته الكعبة المشرفة، قبلة إبراهيم عليه السلام، يعلمون هذا في كتبهم، ومع هذا أنكروا تحويل القبلة، وكتموا ما عندهم من العلم في ذلك.
وكذلك كل من كتم حقاً وهو يعلمه من غير اليهود والنصارى، حتى من المسلمين، من كتم الحق ولم يبينه للناس، فإنه على طريقة اليهود والنصارى، كما قال سبحانه وتعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} [آل عمران: 187]، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَإِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 159، 160] . شرط في قبول توبتهم: البيان لما كتموه، فلا تكفي التوبة المجملة، ولكن لا بد من البيان، فيجب على من علم الحق أن يبيّنه للناس، ولا يشتري به ثمناً قليلاً، فيكتمه من أجل أن يحصل على مصلحة من مصالح الدنيا، أو من أجل أن يرضي الناس، فالله أحق أن يخشاه –عز وجل –وأن يرضيه، فلا يجوز كتمان الحق لمن قدر على بيانه وإظهاره، أما من لم
يقدر، أو خاف بالبيان فتنة أكبر، فإنه معذور، لكن من لم يكن عنده مانع من البيان، وإنما كتم الحق من أجل رغبته هو ومصلحته هو، فهذا يلعنه الله ويلعنه اللاعنون.
فهذه صفة اليهود، وهي منطبقة على كل من كتم الحق، من أجل اتباع الهوى، ولم يبينه للناس، وإذا سئل عن حكم مسألة أجاب بغير الحق وهو يعرف الجواب الصحيح، فهذا من كتمان الحق، والله جل وعلا أمر بقول الحق ولو على النفس:{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: 135] ، فيجب بيان الحق في الشهادات وفي غيرها.
وأشد من كتمان الشهادة: كتمان العلم، الذي هو حياة الناس وهدايتهم إلى الصراط المستقيم، فالواجب بيان الحق، وعدم المداهنة، ومن ذلك: إذا رأى الناس على باطل أو خرافات أو شرك، فإنه لا يسكت، بل يجب عليه أن يبين، ولا يترك الناس يقعون في عبادة القبور، وعبادة الأضرحة، ومزاولة البدع المضلة، ويسكت ويقول: ليس لي شأن بالناس، أو يرى الناس يتعاملون بالمعاملات المحرّمة ويسكت، فهذا كتمان للعلم وخيانة للنصيحة، فالله لم يعطك هذا العلم من أجل أن تسكت عليه، وإنما حمّلك إياه من أجل
أن تبينه للناس، وأن تدعو إلى الله على بصيرة، وأن تحاول إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
فلا يسوغ للعلماء أن يسكتوا، وهم يقدرون على البيان، لا سيما إذا رأوا الناس في ضلال وشرك وبدع وخرافات، فلا يسعهم السكوت، فإن سكتوا فإن هذا من كتمان العلم الذي عاب الله به اليهود والنصارى، فكيف إذا قال بخلاف الحق وهو يعلمه، وأفتى بخلافه معتمداً، من أجل إرضاء الناس، أو من أجل تمشية الأمور، أو من أجل أن يساير الناس على ما هم عليه؟!، فالحق أحق أن يتبع، فأنت ترضي الله عز وجل، ولا ترضي الناس وهم على باطل، وفي الحديث:"من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس"1.
1 أخرجه الترمذي 4/609-610 رقم 2419 وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 6097.
املسألة الخامسة عشرة بعد المائة: القول على اله بغير علم
…
القول على الله بغير علم
المسألة الخامسة عشرة بعد المائة
[قاعدة الضلال، وهي: القول على الله بغير علم]
الشرح
قاعدة الضلال، أي: أصل ضلال العالم ومنشؤه، القول على الله بغير علم.
والقول على الله بلا علم أعظم من الشرك؛ ولذلك قال الله جل وعلا: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] فجعل القول على الله فوق الشرك بالله عز وجل، فلا يجوز لأحد أن يقول على الله بغير علم، كأن يقول: إن الله حرم كذا، أو: إن الله أباح كذا، أو: إن الله شرع كذا، وهو غير مشروع، هذا قول على الله بغير علم، والعياذ بالله. أو يفتي وهو لا يعلم، بل يتخرّص، وهذا خطير جداً، وهذا كذب على الله عز وجل:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ}
[الزمر: 32] ، فلا يجوز القول على الله بلا علم.
والرسول صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن شيء لم ينزل عليه فيه وحي يؤجل الإجابة حتى ينزل عليه الوحي من الله عز وجل، فكيف بغيره؟ والعالم يخفى عليه أشياء كثيرة، فإذا لم يكن عندك وضوح في المسألة ودليل من الكتاب والسنة، فقل: لا أدري، ولا ينقص هذا من علمك وقدرك، بل يزيد هذا من قدرك عند الله سبحانه، فقد سئل الأمام مالك رحمه الله عن أربعين مسألة، فأجاب عن بعضها، وقال عن أكثرها: لا أدري، قال له السائل: أنا جئتك من بلاد بعيدة، وتحملت سفراً، وتقول: لا أدري، فقال له الإمام مالك: اركب راحلتك، واذهب إلى البلد الذي جئت منه، وقل للناس: سألت مالكاً، وقال: لا أدري، وهكذا أهل العلم وأهل الخشية من الله عز وجل.
وحتى في التأليف: فالإنسان لا يؤلّف وهو ليس عنده أهلية التأليف، فليتنا سَلِمنا من كثير من المؤلفات والرسائل، ولم تبق لنا إلا الكتب الصحيحة الموافقة للكتاب والسنة، والمشكل أن هذه الكتب والرسائل ستبقى وتضلل أجيالاً بعدك، وتكون أنت المسؤول عنها، الإنسان يتقي الله في فتواه، وفي كتابه، وفي كلامه، وفي حديثه، وفي محاضرته، فلا يقول إلا ما يغلب على ظنه أنه صواب، وأنه موافق الكتاب والسنة.
السمألة السادسة عشرة بعد المائة: تناقض أقوالهم وتضاربها
…
تناقض أقوالهم وتضاربها
المسألة السادسة عشرة بعد المائة
[التناقض الواضح، لما كذَّبوا بالحق، كما قال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: 5] .
الشرح
التناقض هو: تضارب الأقوال واختلافها، فمن ترك الحق فإنه يُبتلى بالتناقض وتضارب أقواله؛ لأن الضلال يتشعب، ولا حد لشعبه. وأما الحق: فإنه شيء واحد لا يتشعب ولا يختلف، والله جل وعلا يقول:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس: 32] ، فمن ترك الحق وقع في الضلال، والضلال متاهة والعياذ بالله، فتجد أصحابه مختلفين فيما بينهم؛ بل تجد الواحد منهم مختلفة آراؤه؛ لأنه ليس عنده هدىً يسير عليه، وإنما يتخبط، تارة يقول كذا، وتارة يقول كذا.
قال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ
مَرِيجٍ} [ق: 5] يعني: مختلف، فأهل الباطل يختلفون فيما بينهم، ويتعادون ويضلل بعضهم بعضاً، أو يكفر بعضهم بعضاً، أما أهل الحق المتمسكون بالحق فإنهم لا يختلفون، وإن اختلفوا عن اجتهاد فإنهم لا يتعادون ولا يتقاطعون، وإذا تبين لهم الصواب رجعوا إليه، وتركوا أقوالهم، قال تعالى:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10]، {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] ، وتجدون الخلاف بين الأئمة الأربعة وبين الفقهاء، ولا أحد منهم ضلّل الآخر أو كفّر الآخر، كل يعمل بحسب ما يظهر له من الدليل، وإذا ظهر أنه مخالف رجع إلى الحق. أما أهل الضلال فليس لهم مرجع يرجعون إليه، وإنما مرجع كل منهم إلى هواه، والأهواء تختلف.
المسألة السابعة عشرة بعد المائة: الإيمان ببعض ما أنزل دون بعض
…
الإيمان ببعض ما أنزل دون بعض
المسألة السابعة عشرة بعد المائة
[الإيمان ببعض المنزَّل دون بعض]
الشرح
الإيمان ببعض المنزل من عند الله عز وجل دون بعض سنة اليهود والنصارى، قال سبحانه وتعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: 83، 84، 85] تؤمنون ببعض الكتاب: وهو فداء الأسير، وتكفرون ببعضه،
وهو القتل والإخراج من الديار فتستحلونه {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 85، 86] هذا جزاء من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر بالبعض الآخر؛ لأن الواجب الإيمان بالكتاب كله، ولا يأخذ الإنسان ما يوافق هواه ويترك ما يخالف هواه ورغبته، هذه صفة اليهود ومن حذا حذوهم من كل من يأخذ من الكتاب ما يوافق هواه، ويترك ما يخالف هواه.
وفي الآية الأخرى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87] أي: إذا جاءهم الرسول بما يوافق أهواءهم قبلوه، وإذا جاءهم بما يخالف أهواءهم رفضوه، ثم يكون موقفهم مع هذا الرسول الذي جاءهم بما لا يهوونه: إما أن يكذبوه، وإما أن يقتلوه، والعياذ بالله.
وفي هذا عظة للمسلمين أن لا يفعلوا مثل فعلهم، فيصيبهم مثل ما أصابهم.
المسألة الثامنة عشرة بعد المائة: الإيمان ببعض الرسل دون بعض
…
الإيمان ببعض الرسل دون بعض
المسألة الثامنة عشرة بعد المائة
[التفريق بين الرسل]
الشرح
التفريق بين الرسل بالإيمان ببعضهم والكفر بالبعض الآخر من صفة أهل الكتاب خاصة، أما الوثنيون والمشركون فلا يؤمنون بالرسل أصلاً، بل يكفرون بالرسل جميعاً، أما اليهود فإنهم كفروا بعيسى عليه السلام، وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، والنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومن كفر بنبي واحد فهو كافر بالجميع؛ لأن الرسل طريقتهم واحدة ودينهم واحد، وهم أخوة، فمن كفر بواحد منهم، فقد كفر بالجميع، فالحجة التي مع الرسول الذي كفر به هي الحجة التي مع الرسل الذين آمن بهم؛ فلا يفرق بينهم، ولهذا يقول جل وعلا: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ
بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136]، {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] .
لا نفرق بين أحد من رسله، فالإيمان بالرسل هو أحد أركان الإيمان الستة، التي جاءت في حديث جبريل، لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني عن الإيمان، قال:"أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" 1، ولا يكفي الإيمان ببعضهم؛ بل لا بد من الإيمان بهم جميعاً، وإلا فمن كفر بواحد منهم فهو كافر بالجميع؛ ولهذا يقول جل وعلا:{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 105]، {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 123] ، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 141] مع أنهم ما كذبوا إلا بنبيهم، فلما كذبوا نبيهم كانوا مكذبين لجميع الرسل.
1 أخرجه البخاري رقم 50 ومسلم رقم 10.
المسألة التاسعة عشرة بعد المائة: المحاجة فيما ليس لهم به علم
…
المحاجّة فيما ليس لهم به علم
المسألة التاسعة عشرة بعد المائة
[مخاصمتهم فيما ليس لهم به علم]
الشرح
أي: أن أهل الجاهلية يجادلون ويخاصمون فيما ليس لهم به علم. والواجب أن الإنسان لا يجادل إلا بعلم، أما ما لا يعلمه فإنه يسكت عنه، قال تعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [يونس: 39] يعني: وحقيقته التي يؤول إليها. وهذا يتضمن ناحيتين:
الناحية الأولى: أن الإنسان لا يدخل فيما لا يعلم، ولا ينكر ما لا يعلم، بل يقول: الله أعلم؛ ولهذا يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه: 114] ، فالإنسان لا يدعي أنه أحاط بالعلم، بل يتقاصر، ويعرف قدر نفسه، ولو كان عنده علم كثير، فما خفي عليه أكثر، والله جل وعلا يقول:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] حتى ينتهي
العلم إلى الله سبحانه وتعالى.
الناحية الثانية: أنه لا ينكر الشيء الذي يعلمه غيره، فإذا كان عند غيرك علم خفي عليك، فلا تنكر ما عند غيرك، فما أحد من البشر أُعطي العلم كله، ولهذا يقول العلماء: هذه العبارة التي يكررونها دائماً: "من حفظ حجة على من لم يحفظ".
والدهريون والمشركون ومعطلة الصفات وسائر أهل الضلال، أنكروا ما أنكروه؛ لجهلهم به، وكونه لا تدركه عقولهم؛ لأنهم لا يؤمنون بالغيب، وبنوا مذاهبهم على القياس الفاسد، فضلوا عن سواء السبيل.
المسألة العشرون بعد المائة: تناقضهم في اتباعهم لغيرهم
…
تناقضهم في اتباعهم لغيرهم
المسألة العشرون بعد المائة
[دعواهم اتباع السلف مع التصريح بمخالفتهم]
الشرح
عامة اليهود والنصارى، وأهل الضلال من المنتسبين إلى الإسلام، كلهم يدّعون أنهم يتّبعون مَن سبقهم من المؤمنين قبلهم، فاليهود يدّعون أنهم من أتباع موسى عليه السلام ومن آمن به، والنصارى يدّعون أنهم يتبعون المسيح عليه السلام ومن آمن به، وأهل الضلال من هذه الأمة يدّعون أنهم يتبعون سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وأتباعهم، وأن ما هم عليه هو مذهب السلف.
وما كل من ادّعى أنه على مذهب السلف أو على منهج السلف تكون دعواه صحيحة؛ حتى يعرض ما عنده على منهج السلف الصالح، فإن طابق فهو على منهج السلف، وإن خالف فإنه ليس على منهج السلف، وإن ادعى هذا. كل الطوائف
الضالة الآن تدّعي أنها على مذهب السلف، ولكنهم ليسوا على منهج السلف؛ لأنهم لا ينطبق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم – في ضابط مذهب السلف -:"من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي" 1 هذا الذي يكون على منهج السلف. أما من خالف هذا فإنه ليس على منهج السلف، وإن ادّعى ذلك، والعبرة ليست بالدعوى، وإنما العبرة بالحقيقة، فالذين يدّعون السلفية كثيرون، لكن لا بد من عرض ما هم عليه على منهج السلف الصالح، فإن طابق فهذا حق، وإن خالف فإنهم ليسوا على منهج السلف الصالح.
وكذلك الذين ينتسبون إلى المذاهب الأربعة وهم يخالفون الأئمة في الاعتقاد، فانتسابهم غير صحيح؛ لأنهم خالفوهم في أهم الأشياء وهو العقيدة.
1 تقدم ص 135.
الصَّدّ عن سبيل الله
المسألة الحادية والعشرون بعد المائة
[صدهم عن سبيل الله من آمن به]
الشرح
الصد عن سبيل الله هو: صرف الناس عن الدخول في دين الله، وهذا عمل الكفار قديماً وحديثاً، من يهود ونصارى ومشركين، فمن مناهج الجاهلية في كل زمان ومكان: الصد عن سبيل الله، والفرق الضالة الآن على هذا النهج، تحاول تضليل المسلمين، وجلبهم إلى نحلهم الباطلة، وكذلك اليهود والنصارى، لا يزالون يحاولون في المسلمين صدهم عن الإسلام، ويقولون: تعالوا نتحاور فيما بيننا، ويقولون بحرية الأديان. هذا من الصد عن سبيل الله عز وجل، هل نحن على شك من صحة ديننا وبطلان دينكم حتى نتحاور معكم؟! لسنا على شك من ديننا، وبطلان ما أنتم عليه.
فهؤلاء يريدون من هذه الدعايات الحوار بين الأديان،
والتعاون بين الأديان، يريدون به الصد عن سبيل الله، هذا مرادهم، وهذا مقصدهم، ولا يزال الكفار إلى الآن يحاولون إضلال المسلمين، ويقتلونهم، ويرشدونهم، ويعذبونهم، من أجل دينهم وصدهم عنه.
وهم الذين يقولون: نتحاور فيما بيننا، ويقولون بحرية الأديان والمعتقدات، لكنهم يقصدون أديانهم ومعتقداتهم، قال الله تعالى:{وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة: 2]، {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217] ، {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89] ، لكنهم يريدون لبس الحق بالباطل، ومساواة الدين الباطل بالدين الحق، ثم لا يثبتون على هذا، بل يريدون إزالة الإسلام، فهم يقتلون المسلمين ويشردونهم من أجل أن يصرفوهم عن دينهم، ويريدون أن لا يبقى على وجه الأرض مسلم، هذه أمنيتهم، وهذا قصدهم.
المسألة الثانية والعشرون بعد المائة: موالاة الكفار
…
موالاة الكفار
المسألة الثانية والعشرون بعد المائة
[مودتهم الكفر والكافرين]
الشرح
من مسائل الجاهلية: أنهم يردون الكفر والكافرين، كما ذكر الله سبحانه وتعالى ذلك عن بني إسرائيل، أنهم اتخذوا الكفار أولياء، قال تعالى:{تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [المائدة: 80] .
وقد حرّم الله موالاة الكفار، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] نهى الله المسلمين أن يفعلوا مثل ما فعل اليهود من موالاة الكفار ومحبة الكفار {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28] ، الأمر واضح في هذا، وأنه تجب معاداة الكفار والبراءة منهم ومن دينهم، والولاء والبراء من أعظم الواجبات في الإسلام.
المسائل الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والعشرون بعد المائة:اعتمادهم على الخرافات
…
اعتمادهم على الخرافات
المسألة الثالثة، والرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة، والثامنة والعشرون بعد المائة
[العِيَافَة، والطَّرْقُ، والطِّيَرَة، والكَهَانَة، والتَّحَاكُمُ إلى الطَّاغُوتِ، وكَرَاهَة التَّزْوِيجِ بين العيدين]
الشرح
العيافة: زجر الطير، وكذلك الطيرة؛ لأنهم في الجاهلية كانوا يتشاءمون بالطيور؛ فإذا رأوها تطير على شكلٍ يكرهونه تراجعوا عما عزموا عليه من أسفارهم وغيرها.
والله جل وعلا أمرنا بالتوكل عليه وحده، والمُضِيِّ فيما فيه مصلحة للإنسان، وإذا أشكل عليه شيء من أموره، أو تردد في شيء، فإنه يصلي صلاة الاستخارة، ويدعو بعدها أن يهديه الله للصواب. وكذلك يستشير أهل الخبرة والمعرفة.
والطرق: الخطُّ، يخط بالأرض، وهذا إنما يكون عند المشعوذين الذين يخطون في الرمل، ويقولن: سيحصل
كذا، سيحدث كذا. وهذا من فعل الجاهلية؛ لأنه من ادِّعاء علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وهو خَرْصٌ وتخمين، ولكن قد يقع ما قالوا؛ من باب الفتنة والاستدراج للناس، فالواجب تجنب هؤلاء والابتعاد عنهم.
والتحاكم إلى الطاغوت هو: التحاكم إلى غير كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من القوانين الوضعية، وحكم العوائد، عوائد البادية وسوالفها، أو علم الكلام والقواعد المنطقية.
وكانوا في الجاهلية يتحاكمون إلى الطاغوت، وهو مشتق من الطغيان، وهو مجاوزة الحد، والمراد به هنا: من حكم بغير ما أنزل الله.
والواجب على المسلمين التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، قال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59] .
وكراهة التزويج بين العيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى، هو من التشاؤم بالأيام المنهي عنه، وهو نوع من الطيرة. وقد شرع الله التزويج في جميع الأوقات، ما عدا حالة الإحرام بحج أو عمرة، ولا يدخل للأيام في نجاح التزويج أو فشله، وإنما هذا بيد الله سبحانه وتعالى. والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.