الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية والخمسون: نفيهم الحكمة عن أفعال الله تعالى
…
نفيهم الحكمة عن أفعال الله
المسألة الثانية والخمسون
[القَدْحُ فِي حِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى] .
الشرح
الله جل وعلا وصف نفسه بالحكمة، وأنه حكيم. والحكمة: وضع الشيء في موضعه، فالحكيم هو: الذي يضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها.
والله جل وعلا وصف نفسه بالحكمة وأنه حكيم، والحكيم: ذو الحكمة البالغة.
وكذلك المخلوقات كلها مبنية على الحكمة، ما خلق الله شيئاً إلا لحكمة، ما خلق الله شيئاً عبثاً، خلق السموات لحكمة، وخلق الأرضين لحكمة، وخلق الجبال لحكمة، وخلق العوالم الجن والإنس والبهائم والحشرات، كل شيء خلقه الله لحكمة. وإذا تدبرت إتقان المخلوقات ونتائجها عرفت حكمة الله جل وعلا، وأن خالقها حكيم ذو حكمة بالغة {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50] ، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرض وَمَا
بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص: 27] .
والله جل وعلا حكيم في خلقهن وحكيم في أمره ونهيه وتشريعه، لا ينهى عن شيء إلا وفيه مضرة خالصة أو راجحة، ولا يأمر بشيء إلا وفيه مصلحة خالصة أو راجحة. ومن حكمته سبحانه وتعالى: أنه يحاسب الخلائق، فيجازي المحسن بإحسانه، ويجازي المسيء بإساءته، ولا يترك الناس بدون جزاء كل يعما ثم لا يجازى، هذا يخالف الحكمة، ولهذا يقول جل وعلا:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} [الأنبياء:16]، ويقول سبحانه وتعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:27]، ويقول جل وعلا -رداً على الذين ينكرون البعث -:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] ،
{أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة:36] يعني: لا يُؤمر ولا يُنهى ولا يجازى؟!
وأهل الجاهلية ينكرون حكمة الله سبحانه وتعالى في خلقه وأمره، والمعتزلة والأشاعرة ينفون الحكمة في أفعال الله سبحانه وتعالى، فالأشاعرة ينفون الحكمة في أفعال الله سبحانه وتعالى، فالأشاعرة يقولون: الله لا يفعل لحكمة، وإنما يفعل لمشيئة مجردة فقط، لا لحكمة؛ لأن الحكمة معناها: أنه يعمل لغرض، والله منزّه عن الأغراض، ولأن
الحكمة تؤثر عليه فيكون خلقهم من أجل هذه العلة، والله جل وعلا يفعل ما يشاء بمجرد المشيئة والإرادة فقط، لا لحكمة. فينفون الحكمة في أفعال الله وفي شرعه؛ تنزيهاً لله –بزعمهم –عن الأغراض، ولهذا يقولون: يجوز أن يأمر الله بالكفر والفسق والمعاصي، وينهى عن الطاعة وعن إقام الصلاة وعن صلة الأرحام وعلى فعل الخير؛ لأنه يفعل ما يشاء.
ونقول لهم: نعم، يفعل ما يشاء سبحانه، وأن لا يفعل شيئاً إلا لحكمة.
ويقولون: يجوز أن يدخل الله الكافر الجنة، وأن يدخل المؤمن التقي النار؛ لأن هذا راجع إليه، فلا تحكمه العلل.
ونقول: هذا كلام باطل لا يليق بحكمة الله سبحانه وتعالى، فالله جل وعلا يقول:{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [صّ:28]، ويقول:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية:21] فالذين قالوا هذه المقالة وصفوا الله بالسوء والجور، تعالى الله عن ذلك.
فهذا هو مذهب أهل الجاهلية ونفاة الحكمة من الأشاعرة ونحوهم، نسأل الله العافية.