الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ إِنْشَادِ الشِّعْرِ فِي الْمَسَاجِدِ
7317 -
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه ، «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تُنْشَدَ الْأَشْعَارُ فِي الْمَسْجِدِ ، وَأَنْ يُبَاعَ فِيهِ السِّلَعُ وَأَنْ يَتَحَلَّقَ فِيهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى كَرَاهَةِ إِنْشَادِ الشِّعْرِ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ ، فَلَمْ يَرَوْا بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ بَأْسًا إِذَا كَانَ ذَلِكَ الشِّعْرُ مِمَّا لَا بَأْسَ بِرِوَايَتِهِ وَإِنْشَادِهِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، أَنَّهُ وَضَعَ لِحَسَّانٍ مِنْبَرًا فِي الْمَسْجِدِ يَنْشُدُ عَلَيْهِ الشِّعْرَ وَبِمَا رَوَيْنَاهُ مَعَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ حَسَّانٍ رضي الله عنه ، حِينَ مَرَّ بِهِ عُمَرُ رضي الله عنه وَهُوَ يَنْشُدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَزَجَرَهُ. فَقَالَ لَهُ حَسَّانٌ رضي الله عنه قَدْ كُنْتُ أَنْشُدُ فِيهِ الشِّعْرَ لِمَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، وَلَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ أَيْضًا عُمَرُ رضي الله عنه. وَكَانَ حَدِيثُ يُونُسَ الَّذِي قَدْ بَدَأْنَا بِذِكْرِهِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ بِذَلِكَ الشِّعْرَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ أَنْ يُنْشَدَ فِي الْمَسْجِدِ ، هُوَ الشِّعْرُ الَّذِي كَانَتْ قُرَيْشٌ تَهْجُوهُ بِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مِنَ الشِّعْرِ الَّذِي تُؤَبَّنُ فِيهِ النِّسَاءُ ، وَتُزْرَأُ فِيهِ الْأَمْوَالُ ، عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ رِوَايَةِ الشِّعْرِ مِنْ جَوَابِ الْأَنْصَارِ ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه بِذَلِكَ حِينَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ إِنْشَادَ الشِّعْرِ ، حَوْلَ الْكَعْبَةِ. وَقَدْ يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ الشِّعْرَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الْمَسْجِدِ ، حَتَّى يَكُونَ كُلُّ مَنْ فِيهِ أَوْ أَكْثَرُ مَنْ فِيهِ ، مُتَشَاغِلًا بِذَلِكَ كَمَثَلِ مَا تَأَوَّلَ عَلَيْهِ ابْنُ عَائِشَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا ، حَتَّى يُرِيَهُ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عَنْهُمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. فَيَكُونُ الشِّعْرُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، هُوَ خَاصٌّ مِنَ الشِّعْرِ وَهُوَ الَّذِي فِيهِ مَعْنًى مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ ، الَّتِي ذَكَرْنَا ، حَتَّى لَا يُضَادَّ ذَلِكَ مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِبَاحَةِ ذَلِكَ وَمَا عَمِلَ بِهِ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا كَانَ كَمَا ذَكَرْتَ ، فَلِمَ قَصَدَ إِلَى الْمَسْجِدِ؟ وَالَّذِي ذَكَرْتَ مِنَ الَّذِي هُجِيَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
⦗ص: 359⦘
وَالَّذِي أُبِّنَتْ فِيهِ النِّسَاءُ ، وَرُزِئَتْ فِيهِ الْأَمْوَالُ ، مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ ، وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرْتَ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فِي الْمَسْجِدِ ، مَعْنًى. قِيلَ لَهُ: قَدْ يَجْرِي الْكَلَامُ كَثِيرًا ، بِذِكْرِ مَعْنًى ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي جَرَى فِي ذَلِكَ الذِّكْرِ مَخْصُوصًا. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عز وجل:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] . فَذَكَرَ الرَّبِيبَةَ الَّتِي قَدْ كَانَتْ فِي حِجْرِ رَبِيبِهَا ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى خُصُوصِيَّتِهَا ، لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي حِجْرِهِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ ، وَأَخْرَجَهَا مِنْهُ إِذَا لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَسَنَّ مِنْهُ أَنَّهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ ، كَحُرْمَتِهَا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً فِي حِجْرِهِ؟ وَقَالَ عز وجل أَيْضًا فِي الصَّيْدِ {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] . فَأَجْمَعَتِ الْعُلَمَاءُ إِلَّا مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ أَنَّ قَتْلَهُ إِيَّاهُ سَاهِيًا ، كَذَلِكَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ. فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ يُوجِبُ خُصُوصَ الْحُكْمِ. فَكَذَلِكَ مَا رَوَيْنَا مِنْ ذِكْرِهِ الْمَسْجِدَ فِي الشِّعْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْ رِوَايَتِهِ ، لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى خُصُوصِيَّةِ الْمَسْجِدِ بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنَ الْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ ، هُوَ الْبَيْعُ الَّذِي يَعُمُّهُ ، أَوْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ كَالسُّوقِ ، فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ. فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا. قَدْ رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ الْعَمَلِ الَّذِي لَيْسَ مِنَ الْقُرَبِ فِي الْمَسْجِدِ
7318 -
حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، لَيَبْعَثَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ رَجُلًا ، امْتَحَنَ اللهُ بِهِ الْإِيمَانَ ، يَضْرِبُ رِقَابَكُمْ عَلَى الدِّينِ» . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لَا» . فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَنَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ «لَا، وَلَكِنَّهُ خَاصِفُ النَّعْلِ فِي الْمَسْجِدِ» . قَالَ: وَكَانَ قَدْ أَلْقَى إِلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه نَعْلَهُ يَخْصِفُهَا
⦗ص: 360⦘
أَفَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ عَلِيًّا رضي الله عنه عَنْ خَصْفِ النَّعْلِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَأَنَّ النَّاسَ لَوِ اجْتَمَعُوا حَتَّى يَعُمُّوا الْمَسْجِدَ بِخَصْفِ النِّعَالِ ، كَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا. فَلَمَّا كَانَ مَا لَا يَعُمُّ الْمَسْجِدَ مِنْ هَذَا غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَمَا يَعُمُّهُ مِنْهُ ، أَوْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ مَكْرُوهًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ ، وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ ، وَالتَّحَلُّقُ فِيهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مِمَّا عَمَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ ، وَمَا لَمْ يَعُمَّهُ مِنْهُ ، وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ ، فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ