الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلم الثاني من علوم القرآن: القراءات
قال رحمه الله: وأما القراءات فإنها بمنزلة الرواية في الحديث فلا بد من ضبطها كما يضبط الحديث بروايته، ثم إن القراءات على قسمين: مشهورة، وشاذة، فالمشهورة هي القراءات السبع، وما جرى مجراها كقراءة يعقوب، وابن محيصين، والشاذة ما سوى ذلك.
وإنما بنينا هذا الكتاب على قراءة نافع المدني لوجهين: أحدهما: أنها القراءة المستعملة في بلادنا بالأندلس وسائر بلاد المغرب الأخرى؛ والآخر: الاقتداء بالمدينة شرفها الله؛ لأنها قراءة أهل المدينة، وقال مالك بن أنس:«قراءة نافع سنة» ، وذكرنا من سائر القراءات ما فيها فائدة في المعنى والإعراب، وغير ذلك، دون ما لا فائدة فيه زائدة، واستغنينا عن استيفاء القراءات؛ لكونها مذكورة في الكتب المؤلفة فيها، وقد صنَّفنا فيها كتباً نفع الله بها، وأيضاً فإنا لما عزمنا في هذا الكتاب على الاختصار حذفنا منه ما لا تدعو إليه الضرورة، وقد ذكرنا في هذه المقدمات باباً في قواعد أصول القراءات (1).
العلم الثاني من العلوم: علم القراءات، وقد ذكر المؤلف عن القراءات أنها بمنزلة الحديث، ويريد بذلك أن الطريق إليها الرواية، لكن لا شك أن طريقة تلقي القراءات تختلف عن طريقة تلقي الأحاديث،
(1) التسهيل 1/ 63، 64.
فالأحاديث إذا كانت تنفع فيها الوجادة وغيرها، فإن القراءات لا ينفع فيها إلا المشافهة فقط: إما عرضاً وإما سماعاً، فلا يمكن أخذها من غير هذين الطريقين إطلاقاً، وكذلك ضبط ألفاظ القرآن في منتهى الدقة تماماً بحيث لا يقع فيه خلل بخلاف ضبط ألفاظ الحديث فقد يقع فيه الخطأ من الناقل، فضبط روايات القرآن أصح وأعلى وأدق من ضبط روايات الحديث.
قوله رحمه الله: (وإنما بنينا هذا الكتاب على قراءة نافع).
أفادنا المؤلف أن كتابه مبني على قراءة نافع (ت117هـ) برواية قالون (ت220هـ)، وهي قراءة أهل المدينة، لذا فإنه يلزم في طباعة هذا التفسير أن يكون مرسوماً بهذه الرواية، ليتوافق مع التفسير، ولو طبع بقراءة حفص (ت180هـ) فسيقع فيه خلل في التفسير، فتكون الآية على قراءة حفص (ت180هـ)، والتفسير على قراءة قالون (ت220هـ).
ثم ذكر سبب الأخذ بقراءة قالون: الأول: (أنها القراءة المستعملة في بلادنا بالأندلس وسائر بلاد المغرب)، وهذا يفيدنا في تاريخ القراءات، ففي القرن الثامن الذي هو عصر المؤلف كانت قراءة قالون هي المستخدمة في تلك البلاد، ولا تزال كذلك إلى الآن.
ثم قال: (الآخر: الاقتداء بالمدينة شرفها الله؛ لأنها قراءة أهل المدينة) حيث روى عن نافع (ت117هـ) راوياه: ورشٌ (ت190هـ) وقالون (ت220هـ)، وورش عَرَضَ ما عنده، وقالون قرأ بالقراءة العامة التي ارتضاها نافع، وأقرأ بها أهل المدينة وغيرهم.
ثم ذكر قول الإمام مالك بن أنس (ت179هـ): «قراءة نافع سنة» (1)، ومالك هو إمام أهل المدينة، ولهذا يقتدي به المالكية من أهل المغرب في اعتماد قراءة نافع.
(1) السبعة لابن مجاهد، ص62.
وقد أشار المؤلف إلى ضابط لطيف فيما يحتاجه المفسر من هذا العلم، فقال:(وذكرنا من سائر القراءات ما فيها فائدة في المعنى، والإعراب، وغير ذلك، دون ما لا فائدة فيه زائدة)، وهذا يعني أن المفسر لا يحتاج كل علم القراءات في التفسير، يحتاج منه الاختلاف الذي يكون مرتبطاً ببيان المعنى، ومن الأمثلة على ما لا نحتاجه في التفسير من القراءات قوله تعالى:{وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات: 19] فـ (تخشى) قرئ بالفتح والإمالة، وهذه ليس لها أثر في التفسير.
مثال آخر: في قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] فيها قراءتان ـ كما ذكر الشوكاني (1) وغيره ـ: الأولى: بالفك وهو الإظهار، والثانية: بالإدغام، وهذا ليس له أثر في التفسير.
لكن قوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24]{بِضَنِينٍ} : (ببخيل)، و (بظنين) بالظاء (بمتهم)، فيه أثر في التفسير؛ لأن المعنى يختلف.
مثال آخر: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67] قرئت (تَهْجُرُون) من (هجر)، وقرئت (تُهْجِرُون) من (أهجر)، وهذا له أثر في المعنى.
والمقصد أن اختلاف القراءات إذا كان له أثر في المعنى فلا شك أنه من التفسير، وإذا لم يكن له أثر في المعنى فيكون من خصوصيات علم القراءات، ولذا لا يلزم المفسر أن يكون عالماً بتفاصيل علم القراءات؛ ولا نطلب من المفسر أن يكون مقرئاً، كما لا نطلب من المقرئ أن يكون مفسراً.
ومن ثَمَّ، فلا يقال للمفسر: ماذا قرأ نافع؟ وماذا قرأ قالون؟ وكيف
(1) فتح القدير 5/ 181.
تقرأ هذه؟ بل هذا يطلب من المقرئ فهذه مهمته، ومهمة المفسر أن يبين الفرق بين (هجر) و (أهجر) في (تَهْجُرُون) و (تُهْجِرُون)، والفرق بين (سُكِرَت) و (سُكِّرَت) والفرق بين (بضنين) و (بظنين)، والفرق بين (يُعَذِّبُ) و (يُعَذَّبُ) في قوله:{فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ} [الفجر: 25].
وكأن ابن جزي يريد أن يقول: ما له فائدة فيما يتعلق بالمعنى والإعراب وما قرب منه فإنه يأخذ به؛ مثل: البلاغة، لكن ما سوى ذلك فإنه يتركه؛ لأن المرجع فيها كتب القراءات؛ ولذلك قال:(واستغنينا عن استيفاء القراءات لكونها مذكورة في الكتب المؤلفة فيها) فهو انتخب من علم القراءات ما له علاقة بالمعنى والإعراب وما قرب من ذلك.
ثم ذكر تأليفه في هذا العلم، وله رحمه الله كتاب مطبوع في قراءة نافع (ت117هـ) برواية قالون (ت220هـ).
ثم ذكر سبب الاختصار وأنه عمد إليه، حيث قال:(فإنا لما عزمنا في هذا الكتاب على الاختصار حذفنا منه ما لا تدعو إليه الضرورة وقد ذكرنا في هذه المقدمات باباً في قواعد أصول القراءات)، وسيذكر المؤلف عند حديثه عن مصادره في هذا الكتاب: كتاب المهدوي (ت440هـ) الذي توسع في القراءات فجعلها من صلب الكتاب، وذكرها على طريقة كتب القراءات، فالمهدوي رحمه الله بنى كتابه على علوم منها: علم التفسير وعلم الإعراب وعلم القراءة، فيذكر القراءة ويوجهها، ويذكر قضايا في الأداء وغيرها.