المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الباب الثامن القراءات قال: الباب الثامن في جوامع القراءات، وهي على نوعين: - شرح مقدمة التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي

[مساعد الطيار]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشرح

- ‌سبب تأليفه للكتاب ومقاصده

- ‌الباب الأولنزول القرآن الكريم

- ‌جمع المصحف وكتابته

- ‌ترتيب السور

- ‌نقط المصحف

- ‌أسماء القرآن

- ‌الباب الثانيالسور المكية والمدنية

- ‌الباب الثالثفي المعاني والعلوم التي تضمَّنها القرآن

- ‌الباب الرابعفنون العلم التي تتعلق بالقرآن

- ‌العلم الأول من علوم القرآن: التفسير

- ‌الإجماع والاختلاف في التفسير

- ‌الفرق بين التفسير والتأويل

- ‌العلم الثاني من علوم القرآن: القراءات

- ‌العلم الثالث: أحكام القرآن

- ‌العلم الرابع: النسخ

- ‌العلم الخامس: الحديث

- ‌العلم السادس: القصص

- ‌العلم السابع: التصوف

- ‌العلم الثامن: أصول الدين

- ‌العلم التاسع: أصول الفقه

- ‌العلم العاشر: اللغة

- ‌العلم الحادي عشر: النحو

- ‌العلم الثاني عشر: علم البيان

- ‌الباب الخامسأسباب الخلاف بين المفسرين ووجوه الترجيح

- ‌وجوه الترجيح

- ‌الباب السادسطبقات المفسرين

- ‌الباب السابعفي الناسخ والمنسوخ

- ‌الباب الثامنالقراءات

- ‌الباب التاسعالوقف

- ‌الباب العاشرالفصاحة والبلاغة وأدوات البيان

- ‌الباب الحادي عشرإعجاز القرآن

- ‌الباب الثاني عشرفي فضائل القرآن

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ ‌الباب الثامن القراءات قال: الباب الثامن في جوامع القراءات، وهي على نوعين:

‌الباب الثامن

القراءات

قال: الباب الثامن في جوامع القراءات، وهي على نوعين: مشهورة، وشاذة.

المشهورة: القراءات السبع، وهو حرف نافع المدني، وابن كثير المكي، وأبو عمرو بن العلاء البصري، وابن عامر الشامي، وعاصم، وحمزة والكسائي، الكوفيَيْن، ويجري مجراهم في الصحة والشهرة: يعقوب الحضرمي، وابن محيصن، ويزيد بن القعقاع.

والشاذة ما سوى ذلك، وإنما سميت شاذة؛ لعدم استفاضتها في النقل، وقد تكون فصيحة اللفظ، وقوية المعنى.

ولا يجوز أن يقرأ بحرف إلا بثلاثة شروط: موافقته لمصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، وموافقته لكلام العرب ولو على بعض الوجوه، أو في بعض اللغات، ونقله نقلاً متواتراً أو مستفيضاً.

واعلم أن اختلاف القراء على نوعين: أصول، وفرش الحروف.

فأما الفرش: هو ما لا يرجع إلى أصل مطّرد، ولا قانون كلي، وهو على وجهين: اختلاف في القراءة باختلاف المعنى، وباتفاق المعنى.

وأما الأصول: فالاختلاف فيها لا يغير المعنى، وهي ترجع إلى ثمان قواعد:

الأولى: المدّ وهو في حروف المد الثلاثة، ويزاد فيها على المد الطبيعي بسبب الهمزة أو التقاء الساكنين.

الثانية: الهمز وأصله التحقيق، ثم قد يخفف على سبعة أوجه:

ص: 229

إبدال واو أو ياء أو ألف، وتسهيل بين الهمزة والواو، وبين الهمزة والياء، وبين الهمزة والألف، وإسقاط.

الثالثة: الإظهار والإدغام، والأصل الإظهار ثم يحدث الإدغام في المثلين، أو المتقاربين، وفي كلمة، وكلمتين. وهو نوعان: إدغام كبير انفرد به أبو عمرو، وهو إدغام المتحرك، وإدغام صغير لجميع القراء، وهو إدغام الساكن.

الرابعة: الإمالة وهي: أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء، والأصل الفتح، ويوجب الإمالة: الكسرة، والياء.

الخامسة: الترقيق والتفخيم، والحروف على ثلاثة أقسام: مفخم في كل حال، وهي حروف الاستعلاء السبعة، ومفخم تارة، ومرقق أخرى، وهي الراء واللام والألف، فأما الراء: فأصلها التفخيم وترقق للكسر والياء، وأما اللام: فأصلها الترقيق وتفخم لحروف الإطباق، وأما الألف: فهي تابعةٌ للتفخيم والترقيق لما قبلها، والمرقق على كل حال سائر الحروف.

السادسة: الوقف، وهو على ثلاثة أنواع: سكون جائز في الحركات الثلاثة، والرَّوم في المضموم والمكسور، وإشمام في المضموم خاصة.

السابعة: مراعاة الخط الوقف.

الثامنة: إثبات الياءات وحذفها وتسكينها وفتحها (1).

المؤلف رحمه الله قال عن القراءات: (وهي على نوعين: مشهورة وشاذة)، ثم ذكر القراءات السبع، ووصفها بأنها مشهورة، وجعل قراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي (ت205هـ)، وابن محيصن محمد بن

(1) التسهيل 1/ 88 - 91.

ص: 230

عبد الرحمن (ت132هـ)، ويزيد بن القعقاع أبو جعفر المدني (ت130هـ)، جعلها تجري مجراهم في الصحة والشهرة.

وهذا الاختيار لقراءة ابن محيصن دون خلف بن هشام (ت229هـ) المعروف بـ «خلف العاشر» مخالف لما هو عليه الحال عند غير المؤلف، فقراءة ابن محيصن تُعدُّ في الشواذِّ، وليست قريبة من قراءة السبعة فتأخذ هذا الحكم.

وابن جزي له كتابان في القراءات: «المختصر البارع في قراءة نافع» ، وكتاب:«أصول القراء الستة غير نافع» ، وهذا يعني أنه مشارك في هذا العلم، وقوله هذا بحاجة إلى وقفة؛ ليُنظر فيها حال أسانيد هذه القراءة ورتبتها عند أهل عصره.

وقراءة ابن محيصن (ت132هـ) هي ضمن أربع قراءات تُروى كاملة عن أصحابها بالإسناد، وهي: قراءة الحسن البصري (ت110هـ)، وقراءة سليمان بن مهران الأعمش (ت 148هـ)، وقراءة اليزيدي؛ أبو محمد يحيى بن المبارك (ت202هـ).

قال المؤلف في وصف القراءة الشاذة: (وإنما سُمِّيت شاذَّة لعدم استفاضتها في النقل، وقد تكون فصيحة في اللفظ، وقوية المعنى).

وقوله هذا يشير إلى أنها قد تكون قبل انعدام استفاضتها لها شأن آخر، لكن النقل تخلَّف عنها من جهة الاستفاضة، فلم ترقَ إلى القراءات التي وصفها بأنها «مشهورة» ، وهو وصف جعله مقابل لوصف الشذوذ.

وهذا الضابط الذي ذكره للشذوذ يشير إلى أن هناك قراءات كثيرة أُهملت، فلم تبلغ حدَّ الاشتهار، وهذا مكان بحث لأولي القراءات، إذ هذا الأمر يحتاج إلى تحرير، وهو «مراحل تشذيذ القراءات القرآنية» ، ولو تأملتَ تاريخ القراءة وتدوينها لوجدت الآتي:

1 -

منذ عهد أبي بكر إلى صدر خلافة عثمان (سنة 25 تقريباً)، لم

ص: 231

يكن يُحكى الشذوذ بين الصحابة في قراءاتهم المختلفة، وإن كان قد يقع بينهم استدراكات على قراءة بعضهم.

2 -

بعد نسخ المصاحف ـ في عهد عثمان ـ من مصحف أبي بكر، وقع إلزام الناس بوجوه القراءة الثابت بقاؤها في العرضة الأخيرة، وأمر عثمان بطرح ما سواها، ولذلك أمر بحرق المصاحف.

ومن هنا بدأ تبيُّن القراءة المقبولة من القراءة غير المقبولة.

3 -

بقي بين يدي الناس بعض القراءات التي تسللت عبر روايتها إما مفردة، وإما كاملة كـ «القراءات الأربع» ، وهذه القراءات حكم العلماء عليها بالشذوذ لأحد أسباب أشار إليها المؤلف؛ كأن تخالف رسم مصحف عثمان، أو أن تكون منقولة بطريقة أقلَّ من الطرق المشهورة، وغالب ما يقع عليه أحد هذين الوصفين فإن العلماء لا يتلقونه بالقَبول.

والمؤلف قد أشار إلى ذلك في قوله: (ولا يجوز أن يقرأ بحرف إلا بثلاث شروط:

1 -

موافقته لمصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه.

2 -

وموافقته لكلام العرب ولو على بعض الوجوه أو في بعض اللغات.

3 -

ونقله نقلاً متواتراً أو مستفيضاً).

إن كان يقصد بالشرط: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، فإن بعض هذه المذكورات فيها نظر من جهة تسميتها بالشروط، وإذا ورد النقل المتواتر أو المستفيض، فإن الشرطين المذكورين قبله تبع له، ذلك أن الأصل في ثبوت القرآن هو الحفظ القلبي (1)، والرسم إنما هو زيادة في الضبط، بحيث لو تُصُوِّر عدم

ص: 232

وجوده فإنه لا يقع خلل في نقل القرآن؛ لأن أغلب من نزل عليهم القرآن كانوا يستظهرونه، ولم يكونوا أهل عناية بكتابته لسببين:

الأول: قوة الحفظ والاستظهار عندهم.

الثاني: قلَّة أدوات الكتابة عندهم.

لكن هذا الرسم أفاد ـ مع تقدم الزمن ـ في ضبط القرآن، وصار معياراً لردِّ بعض القراءات الشاذَّة؛ إذ ليس كل القراءات الشاذة تخالف رسم المصحف.

الشرط الأول: موافقته لمصحف عثمان بن عفان:

مما يلاحظ في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم ينشط لكتابة القرآن إلا عندما جاء إلى المدينة، وقد كتبه مفرَّقاً على اللخاف والأكتاف والسُّعُف وغيرها، ثم لما توفي صلى الله عليه وسلم جمعه أبو بكر، ثم في عهد عثمان نُسِخَت المصاحف من مصحف أبي بكر.

فالقاعدة المعتمدة على المسألة التاريخية لحفظ القرآن وتدوينه: أن الرسم متأخر عن القراءة، وأن القراءة أصل والرسم فرع، وأنه لا يلزم أن يكون الرسم ـ دائماً ـ موافقاً للفظ، وهذا ليس في تدوين القرآن ولا في الإملاء الذي بين يدينا اليوم، بل هذا معروف في جميع لغات العالم، فالمرسوم لا يلزم أن يطابق جميع الملفوظ، بل قد يوجد أحرف زوائد أو أحرف ناقصة، وأهل كل لغة يعرفون ذلك من لغتهم ولا يحتاجون فيها إلى معلم خارجي يبين لهم ذلك، وإنما يحتاج ذلك من لم تكن لغته مثل لغتهم.

وإذا عرفنا هذه القاعدة نعلم أن كل ما يقال من نقص الرسم أو أن الرسم سبب في الخطأ في القراءة فهو باطل.

وإذا نظرت إلى مزاعم المستشرقين من أن هناك خطأ في رسم

ص: 233

الصحابة بوجود نقص أو زيادة، أو أن بعض القراء أخطأ؛ لأنه قرأ هذا الرسم أو خالف ذاك الرسم، فإنه يمكن القول بأن هذا جهل مركب؛ لأنه لا يوجد في أي لغة من اللغات من ينطلق من المرسوم، بل الأصل أن ينطلق من المقروء وإن وقع بينه وبين المرسوم اختلاف.

مسائل في قول المؤلف: (موافقته لمصحف عثمان):

الأولى: الموافقة لمصحف عثمان معتبرة ولو احتمالاً؛ لأن بعض الكلمات كتبت بوجهٍ واحد، وقرئت بأكثر من وجه، كلفظة (الصراط) في سورة الفاتحة، فقد قرئت بالسين والصاد.

الثانية: إن بعض الكلمات لها (أداء صوتي) لا يمكن أن يرسم، ولم يجتهد الصحابة في ضبطه، وهذا يدلُّ على أن الأصل هو المقروء من الصدور، ومن ذلك لفظة:«الصراط» في سورة الفاتحة، فقد قرئت بوجه ثالث، وهو إشمام الصاد زاياً، وهذه القراءات الثلاث (بالصاد وبالسين وبإشمام الصاد زاياً) كلها ثابتة ومقروء بها، وقد اتفقت المصاحف على كتابة هذه اللفظة بالصاد، ومن عِلَل ذلك أن الصاد هي الأصل، وأن اللفظة لو كُتبت بالسين لم يكن لقراءة الإشمام وجه ظاهر في هذه اللفظة.

والمقصود أن مما يجب أن يُتنبَّه له أنه ليس كل مقروء يمكن كتابته؛ لأنه قد يكون متعلقاً بأمور صوتية، والأمور الصوتية ـ من مدٍّ وإدغام وفكٍّ وإبدال وتسهيل وإمالة وغيرها ـ مما لا يمكن رسمه، ولذا كان من علماء علوم القرآن بعد جيل الصحابة أن أدخلوا علم ضبط المصاحف، وكان بدأ شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى ما نراه اليوم في مصاحف المسلمين.

الثالثة: أن بعض الاختلافات في الرسم تبع للمصحف الذي أرسل إلى ذلك القطر أو ذاك، ويكون رسم كل مصحف على حسب القراءة

ص: 234

التي يقرأ بها قراء ذلك المصر، فقوله تعالى:{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد: 24]، جاء الرسم موافقاً لمن يثبت الضمير {هُوَ} ، والمصحف الذي يقرأ به هؤلاء يكون هذا اللفظ مثبتاً فيه، لكن لو كتبنا المصحف على رواية من يحذف (هو)، فإننا نحذفها ولا نثبتها، قال ابن مجاهد: «قرأ نافع وابن عامر: (إِنَّ اللهَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[الحديد: 24]، ليس فيها هو، كذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام.

وقرأ الباقون: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد: 24]، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة والعراق) (1).

الرابعة: لم يحرص الصحابة على تدوين كافة وجوه الاختلاف في الرسم، بل إن بعض الكلمات كُتبت على وجه واحد، وهي تقرأ بعدة وجوه قرائية، وهذا يدلُّ ـ أيضاً ـ على أن الأصل هو المقروء من الصدور، وليس المرسوم، ومن ذلك أن المصاحف اتفقت على رسم واحد في قوله تعالى:{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24]، فرسموها بالضاد، وهي تقرأ على وجهين بالضاد وبالظاء، لذا فإنها تكتب في جميع المصاحف على جميع الروايات بالضاد بخلاف المسألة السابقة التي ثبت أن الصحابة كتبوها على وجهين، ولو أشير لمن يقرأ بالظاء بوضع حرف ظاء صغير فوقها، لجاز، ولكان هذا من باب الضبط.

الرابعة: الرسم ليس توقيفياً؛ أي: ليس مأخوذاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يدخل في باب الإجماع، فهو إجماع من الصحابة.

وإذا نظرنا إلى تاريخ تدوين المصحف، فإنه سيتبين لنا أنه قبل نسخ المصاحف ـ وكذا أثناءها ـ كان هناك اختلاف في المرسوم كما كان

(1) السبعة في القراءات لابن مجاهد، تحقيق د. شوقي ضيف ص627.

ص: 235

الحال في اختلافهم في المقروء، ثمَّ إن الأمر استقر على مرسوم المصاحف العثمانية التي نسخوها من مصحف أبي بكر رضي الله عنه، وبهذا يمكن القول بأنه قد انعقد الإجماع على مرسوم مصاحف عثمان رضي الله عنه.

وأما تحليل الاختلاف في الرسم، فإنه أمر سهل جدّاً، وليس اختلافهم بدعاً في هذا الأمر، بل لا يزال الاختلاف في المرسوم «الإملاء» قائماً إلى اليوم، والأمر في ذلك أنه يدخل في باب اختلاف التنوع، فالإملاء في بعض المرسوم له أكثر من وجه، وهو اصطلاح يختلف من كاتب إلى آخر، ومن عصر إلى عصر، وإذا أخذناه من هذا الباب هان الأمر وسهُل، ولم يكن هناك تعنيف ولا تثريب، ولظهر لنا أن كل ما وُجِّه من نقد لمرسوم المصاحف العثمانية من الصحابة أنفسهم ـ كالمروي عن عائشة ـ إنما هو من هذا الباب، إذ كلٌّ حكم بما يعرف، وأنكر ما لا يعرف، وهذا أمر يوجد في المرسوم وفي القراءة وفي الأحكام وفي غيرها.

لذا نقول: إنما اعترض الصحابي على الرسم؛ لأنه حكم بما يعلم، والرسم الآخر لم يعرفه فحكم بخطئه، وإذا كان الأمر كذلك فإن الجواب عن مثل ذلك أن يقال: إن اعتراض الصحابي لكونه لم يعلم بالوجه الآخر لا يعني أن ما اعترض عليه أنه خطأ محض، بل نقول: إن ما جهله هو قد علمه غيره.

أما ما روي عن عثمان من قوله: «إن فيه لحناً وستقيمه العرب بألسنتها» (1)، فإنه ضعيف لا يُحتجُّ بمثله، غير أن له توجيهاً يسلم به من الفهم الذي وقع فيه بعض الناس؛ إذ كيف يُتصوَّر أن عثمان يرى الخطأ في مرسوم كتاب الله ويسكت عنه، ولا يأمر بتعديله، ثم أين الصحابة من هذا؟!

(1) المصاحف، لابن أبي داود (طبعة دار البشائر) 1/ 228.

ص: 236

ويمكن توجيه مراد عثمان رضي الله عنه أنه قصد باللحن أن صورة الكتابة في بعض المواطن تختلف عن طريقة اللفظ والقراءة، وأن العرب سيقيمونه بقراءتهم فهم لن يقرأوا «الربو» بالواو كما كتبت وإنما بالألف؛ لأن المقروء عندهم هو الأصل.

الشرط الثاني: موافقته لكلام العرب ولو على بعض الوجوه أو في بعض اللغات:

أما شرط موافقته لكلام العرب فإنه لا يدخل في مصطلح الشرطية؛ لأنه إذا ثبتت القراءة وتواترت، فإنها حجة عربية بذاتها (1).

الشرط الثالث: ونقله نقلاً متواتراً أو مستفيضاً:

قول المؤلف في الشرط الثالث (نقله نقلاً متواتراً أو مستفيضاً)، فيه إشارة إلى اختلاف نوعي النقل، وهما التواتر والاستفاضة، وكأنه يشير إلى ما قيل من أن القراءات السبع متواترة، وأن القراءات الثلاثة المتممة مشهورة، والله أعلم.

ومفهوم التواتر في القراءات فيه أمور مشكلة، والبحث فيها لا يؤثِّر على صحة نقل القرآن، وإنما المراد من بحثها تبيُّن وجه هذه القراءات على مرِّ العصور، خصوصاً في الأزمنة الأولى قبل اشتهار تدوين القراءات وانتشارها في الأمصار.

وهذا الموضوع من الدِّقة بمكان، بحيث إنه يحتاج في علاجه إلى باحث ماهر يستطيع أن يخرج بنتائج وافرة تدعم حفظ القرآن بما أوكل الله به المسلمين من حفظه؛ إذ كانوا هم السبب الذي جعله الله من تمام حفظ القرآن، فهيأ لهم سبل ذلك الحفظ، فبقي القرآن يتلى

(1) ينظر في هذا: تنبيه الدكتور عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ في كتابه النفيس «حديث الأحرف السبعة» ، ص146، ط: دار النشر الدولي.

ص: 237

على مرِّ العصور، وفي جميع الأقطار، جيلاً بعد جيل، وما زاد أحد فيه شيئاً، ولا نقصوا منه شيئاً، وفي ذلك عبرة لمن يطعن في نقل القرآن ـ لو كان يعتبر ـ ذلك أن البشر لو تمالؤوا على حفظ كتاب مثله فإنهم لا يستطيعون ذلك، وشاهد ذلك تلك المخطوطات التي تكون للكتاب الواحد، فانظر كم هي الفروق التي تقع بينها؟

وإن كتاب الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم يتميز عن غيره من كتب الله بميزة الحفظ من النقص والزيادة والتحريف والتبديل، أما كتب الله السابقة، فهي إما من المفقود الذي لا يعرف له أثر، وإما مما استُحفظ عليه البشر، ووكلت المهمة إليهم، فما قاموا بها، بل وقع التبديل والتحريف عندهم، كما وردت الإشارة إليه في القرآن في قوله تعالى:{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيدِيهِمْ وَوَيلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79]، وقوله:{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46] ولا يمكن أن تجد كتاباً من كتب اليهود والنصارى مما ينسبونه إلى أنبيائهم عليهم السلام هو باللغة التي نزل بها، بل كلها مترجمة، ولا يوجد منها شيء بلغته الأولى، مما أعطى مجالاً لمن استُحفظوا على هذه الكتب أن يقع عندهم التحريف والتبديل، أما القرآن فإنه يتلى باللغة نفسها التي نزل بها، فلله الحمد والمنة.

والمقصود: أنه لا خوف علينا نحن المسلمين من نقاش هذا الموضوع، وإنه إن لم يزدنا قناعة بما عندنا، فإنه لن يغير من الواقع شيئاً، والله الموفق.

ومشكلة مصطلح التواتر، وظهوره بين المتكلمين مشكلة معروفة، وقد أحدثت مشكلات علمية في علم الحديث والاعتقاد وغيرهما، وانجرَّ ذلك على أسانيد القراءة، وغيرها، مما يحتاج إلى إعادة النظر في مفهوم

ص: 238

هذا المصطلح، وإلى تحرير المراد به في كل علم، وإلى استبداله بما يتناسب مع طبيعة كل علم، بحيث لا يبقى غامضاً موهماً، وتُحمَّل بعض القضايا العلمية عليه، وهي لا تحتمله أصلاً، إذ كم هُدم من معلومات بسبب القول به على اصطلاح المتكلمين.

وقضية التواتر في القراءات فيها إشكالية من جهة أن في الأسانيد التي تنسب إلى القراء أفراداً، فحمزة (ت156هـ) قد ينفرد ـ مثلاً ـ ببعض الألفاظ، فهذا التي انفرد به تعدُّ آحاداً؛ ولهذا إذا أردنا أن نتعامل مع القراءات بأسلوب مصطلح التواتر الموجود في كتب أصول الفقه سنصطدم بمثل هذا الأمر.

والأولى أن ننظر في القراءات نظراً تاريخياً، فهؤلاء السبعة لا نجد أحداً من العلماء المتخصصين يخالف في أن قراءاتهم كانت مشهورة، ومتلقاة بالقبول عندهم، وهذا يعني أن العلماء ارتضوها بضابط الشهرة وضابط القبول، وهذان الضابطان صحيحان.

وإذا نظرنا إلى بعض القراءات تاريخياً، فإننا سنجد بعضها مشتهرة لكنها غير مقبولة؛ كالقراءات الأربع المتممة للعشر.

لكن لا يمكن أن تكون مقبولة وهي غير مشتهرة، وعندي أن ضابط الشهرة أدق من ضابط التواتر، فالقراءة المقبولة هي التي اشتهرت وتلقاها العلماء بالرضى والقبول، فابن مجاهد (ت324هـ) لما اختار هؤلاء السبعة لم يخالفه أحد في الاختيار مما يدل على أن الأئمة السبعة قد اتفقت الأمة على إمامتهم وأنهم أهل لنقل القراءة، وما أضيف فيما بعد إليهم يكون داخلاً ضمن قراءاتهم، وهو قليل، وقد تلقته الأمة بالقبول.

ومن تأمَّل تاريخ القراءات، واعتمد على المصطلحات التي يذكرها علماء القراءات المتقدمين، لا يجد لفظة «تواتر» ، وإنما يجد «قراءة

ص: 239

العامة»، «القراءة المستفيضة» ، «القراءة المشهورة» «القراءة التي عليها قَرَأَة الأمصار» .

وهذه المصطلحات التي يتعامل بها أهل القراءة المتقدمين بحاجة إلى دراسة، لمعرفة واقعها عند أصحاب الشأن، والنظر في مدى الحاجة إلى ذلك التغيير الذي طرأ على هذه المصطلحات التي كانت مشتهرة بين القراء.

وهنا نحتاج إلى دراسة الاعتراض على القراءات عند المتقدمين، وكيفية الخلوص منه إلى القول بالتواتر عند المتأخرين.

وموضوع الاعتراض على القراءات مما لا خفاء فيه، لكن البحث والتحرير فيه قليل جدّاً.

ومن أمثلة ذلك:

1 -

روى البخاري بسنده عن ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَرَأَيْتِ قَوْلَهُ: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف: 110] أَوْ كُذِبُوا. قَالَتْ: بَلْ كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ. فَقُلْتُ: وَاللهِ لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ وَمَا هُوَ بِالظَّنِّ. فَقَالَتْ: يَا عُرَيَّةُ، لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ. قُلْتُ: فَلَعَلَّهَا أَوْ كُذِبُوا. قَالَتْ: مَعَاذَ اللهِ لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا، وَأَمَّا هَذِهِ الآيَةُ قَالَتْ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ، وَطَالَ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ، وَاسْتَاخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَتْ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ كَذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُ اللهِ» (1).

فهذه عائشة رضي الله عنها لم تر قراءة «كُذِبوا» بالتخفيف، واعتمدت ما تعرفه

(1) صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، ورقم الحديث (3389).

ص: 240

من قراءة التثقيل، ورأت أن في قراءة التخفيف معنى غير لائق بالأنبياء عليهم السلام فمنعته، واعترضت على قراءة التخفيف لأجل ما تحتمله من هذا المعنى.

2 -

روى الحاكم في المستدرك بسنده ـ ورواه غيره ـ عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: قرأ عبد الله رضي الله عنه: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12] بضم التاء (عجبتُ)، قال شريح:«إن الله لا يعجب من شيء إنما يعجب من لا يعلم» ، قال الأعمش: فذكرت لإبراهيم فقال: إن شريحاً كان يعجبه رأيه إن عبد الله كان أعلم من شريح، وكان عبد الله يقرؤها:«بل عجبتُ» (1).

فشريح اعترض على قراءة الضم، وظنَّ أن صفة العجب لا تجوز على الله، وقد اعترض عليه الأعمش بكون قراءة الضم هي قراءة عبد الله بن مسعود، وعبد الله لم يعترض على معنى هذه القراءة مما يدل على أنه يقول بمعنى هذه القراءة.

ونقد القراءات استمرَّ عند العلماء، ولم يخلُ ابن مجاهد في كتابه «السبعة» من نقد القراءات، ففي قراءة ابن عامر (ت118هـ) {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117، آل عمران: 59، مريم: 35] قال: «واختلفوا في قوله: {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117] في نصب النون وضمها فقرأ ابن عامر وحده {كُنْ فَيَكُونُ} بنصب النون.

قال أبو بكر: وهو غلط، وقرأ الباقون «فيكونُ» رفعاً) (2).

وقال: «قوله: {كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59] قرأ ابن عامر وحده «كن فيكونَ» بالنصب.

قال أبو بكر: وهو وهم» (3).

(1) أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب التفسير، ورقم الحديث (3661).

(2)

السبعة ص169.

(3)

السبعة ص206، 207.

ص: 241

وقال: «قوله: {كُنْ فَيَكُونُ} [مريم: 35].

قرأ ابن عامر وحده كن «فيكونَ» نصباً وهذا خطأ في العربية» (1).

وهذا الذي انتقده ابن مجاهد واعترض عليه قبله غيره من العلماء، وعلى قبولهم سار العمل.

وبعد: فإن النظر في تاريخ القراءات يعطي أمرين مهمين:

الأول: أن اعتماد التواتر الأصولي لا يصلح في القراءات؛ لأنه قد ثبت وجود أفراد في قراءات السبعة، ولا يوجد أسانيد متواترة لها، وهذا معلوم لا يرتاب فيه من يعرف أسانيد القراءات.

والمقصود أن اعتماد الوارد من الأسانيد لا يكفي في بعض أفراد القراءات السبعة أو العشرة في حكاية التواتر فيها، بل إن اعتماد مصطلح التواتر الأصولي مشكل فيها بلا ريب.

الثاني: أن اشتهار القراءة، وتلقي علماء هذا الشأن لها بالقبول لها يكفي، لذا لا ترى في علماء الأمة من بقي على إنكار قراءة من القراءات السبع أو المتممة للعشر، بل تلقتها الأمة بالقبول، وهذا التلقي أقوى من القول بالتواتر الأصولي الذي لا ينضبط مع علم القراءات.

وهذا ظاهر لمن تأمل تاريخ القراءات، ومما يشير إلى ذلك موقفهم من ابن مقسم (ت:354) وابن شنبوذ (ت:328)، وإنكارهم لمذهبهما الذي خرجا به عن المشهور من مذاهب العلماء في تلقي القراءات.

والمقصود ألا نلتزم بمصطلح التواتر الأصولي، بل نقول بأن القرآن وصل إلينا بالنقل المستفيض، وهذه العبارة التي يذكرها ابن جرير الطبري (ت310هـ) كثيراً في كتابه، وكذا ابن مجاهد (ت324هـ)، والداني (ت444هـ)، ومكي (ت437هـ) وجمهور علماء القراءة المتقدمين، أما لفظ

(1) السبعة ص409.

ص: 242

التواتر فلم يذكروه، وإنما عبروا بالاستفاضة والشهرة، أو بأنها نقل العامة أو اتفاق العامة.

فإن قال قائل: إن بعض العلماء حصل منهم إنكار لبعض القراءات كما وقع من الطبري (ت310هـ) رحمه الله تعالى حيث أنكر قراءة ابن عامر (ت118هـ).

نقول: إنكاره لقراءة ابن عامر (ت118هـ) سببه: أن السند الذي عنده فيه مشكلات من جهات، ومنها:

1 -

أنه لا يُعرف أن أحداً أخذ القراءة على عثمان، والطريق الذي رواه ابن عامر عن المغيرة عن عثمان بن عفان.

2 -

أن في سند قراءة ابن عامر رجلاً مجهولاً من أهل الشام لا يُعرف بالنقل عند أهل النقل، وهو عراك بن خالد المري.

وإذا نظرت إلى الأسلوب العلميِّ الذي سلكه الطبري، فإنك ستجده صحيحاً؛ لأن الطبري لم يعترض على قراءة ابن عامر اعتباطاً، بل اعترض بحجة علمية معتبرة.

لكن هذا الذي جهله الطبري من رجال السند عرفه غيره، فأهل الشام تلقوا قراءة ابن عامر بالقبول، أما قول الطبري رحمه الله تعالى فغير مقبول في هذا وإن كان إماماً في التفسير وفي القراءات وغيرها، فنحن نحترم العالم، لكننا لا نقبل قوله ما دام خطأً.

وهذا يدعونا ألا نحكم على العلماء المتقدمين بأنهم ردوا قراءة متواترة ـ أي: متواترة بالنسبة لنا ـ فلا نقول ـ عندما ردَّ بعض علماء البصرة كالمبرد (ت285هـ) قراءة حمزة (ت156هـ){الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1]: إن المبرد ردَّ قراءة متواترة؛ لأننا يلزمنا أن نُثبت أنه كان يرى تواترها، ثم ردَّها بعد حكمه بتواترها، ولو كان الأمر كذلك لصحَّ التشنيع عليه؛ لكنه لم يحكم بتواترها فنقول: إنه ردَّ قراءة متواترة.

ص: 243

وهذا يعني أننا حينما نخطّئ العالمَ المتقدمَ على أنه ردَّ قراءةً متواترةً؛ نخطِّئه بمصطلحٍ حدث بعده، ونخطئه بقضية علمية لم تثبت عنده، ونحن لم نبحث عن سبب تخطئته هو للقراءة لكي نفسِّر هذا الأمر ولا نبرره، وهذا مما لا تكاد تجد أحداً من الباحثين حرص على بيانه، وهو مهم جدّاً.

ومن يتتبَّع التاريخ سيجد أن الاعتراض على بعض القراءات موجود منذ عهد الصحابة وتتابع من جاء بعدهم على ذلك، لكن لا نقول إن فلاناً قد ردَّ قراءة متواترة إلا إذا ثبت أنه يثبت أنها متواترة ثم يردها، ومن ثَمَّ لا نقول ـ مثلاً ـ: إن عائشة ردَّت قراءة متواترة، وذلك لأنه لم يثبت عندها أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بها، إذا لا يُتصوَّر أن تثبت عندها القراءة ثُمَّ تردُّها.

ومما يقرب من مبحث الاعتراض على القراءة موضوع «الترجيح بين القراءات» ، وهو قديم الوجود، وقد نشأ مع اختيار الأئمة للقراءات، والاختيار جزء من الترجيح، وغالباً ما يكون الاختيار والترجيح مبنياً على علَّه معينة دعت ذلك إلى هذا الاختيار أو الترجيح، وهذا العمل لم يكن فيه أي ضير عند العلماء، ولم يصدر المنع في الترجيح بين القراءات والتشديد في ذلك إلا متأخراً.

وهي مسألة لها تعلق بتفاضل كلام ـ الله سبحانه وتعالى من وجه، والتفاضل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أخبر عن فضل بعض سور القرآن وآيه في غير ما حديث.

ثمَّ نشأ عن هذا مسألة أخرى أيضاً، وهي هل بعض الجمل أو الآي أبلغ من بعض؟

والقول الصواب في هذا أنه لما كان كلام الله سبحانه وتعالى منزل على كلام العرب، فإنه سيقع التفاضل في البلاغة من جهة، وتقرير ذلك: أن كلام الله كلَّه أبلغ ما يكون، وهو في المرتبة العليا من البلاغة بلا ريب،

ص: 244

لكنه في ذاته يمكن أن يكون بعضه أبلغ من بعض؛ لأنه جارٍ على سَنَنِ كلام العرب، وكلام العرب يتفاضل في البلاغة.

أما قول المؤلف رحمه الله: (واعلم أن اختلاف القراء على نوعين: أصول، وفرش الحروف .....)، فهذا ليس له علاقة أو أثر فيما يتعلق بالتفسير، وكلام المؤلف فيها جيد ففيه استيعاب لجمهور ما يتعلق بمسائل علم القراءات، ولذا لن نتكلم عنها.

ص: 245