الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع
فنون العلم التي تتعلق بالقرآن
قال رحمه الله: اعلم أن الكلام على القرآن يستدعي الكلام في اثني عشر فناً من العلوم وهي: التفسير، والقراءات، والأحكام، والنسخ، والحديث، والقصص، والتصوف، وأصول الدين، وأصول الفقه، واللغة، والنحو، والبيان (1).
ذكر المؤلف بعض العلوم المرتبطة بالقرآن، وهي عند الزركشي والسيوطي «أنواع علوم القرآن» ، والمؤلف سمَّاها:«فنون العلم التي تتعلق بالقرآن» ، وهذا من باب الاصطلاح، وقد ذكر المؤلف منها اثني عشر علماً.
يلاحظ أن المؤلف جعل التفسير من «فنون العلم التي تتعلق بالقرآن» ، ثم نبَّه على أن العلوم الأخرى إما أنها أدوات تعين على التفسير، وإما أن لها تعلق ولو بوجه بالتفسير.
ويحسن قبل أن ندخل في موضوع الفنون أن نقول: لو تأملنا هذه العلوم الاثني عشر: «وهي التفسير، والقراءات، والأحكام، والنسخ، والحديث، والقصص، والتصوف، وأصول الدين، وأصول الفقه، واللغة، والنحو، والبيان» ، فإننا سنجد فيها ثلاث قضايا:
(1) التسهيل 1/ 62.
الأولى: التصوف ليس من علوم القرآن بل هو نتاج علمٍ وثمرته، فإدخاله في فنون العلم فيه إشكال، ولا أدري لماذا أدخله هنا؟
الثانية: هذه العلوم منها ما هو منبثق من القرآن، ومنها ما يشاركه فيها غيره، فعلم القراءات مثلاً لا يمكن أن نأخذه من غير القرآن، فهو علم منبثق من القرآن، أما الناسخ والمنسوخ فليس علماً خاصاً بالقرآن بل تشاركه السنة، ففيها ناسخ ومنسوخ، والقرآن فيه ناسخ ومنسوخ، والجامع بين السنة والقرآن أنهما نصَّان تشريعيان، فبالنظر إلى الكتاب على أنه نص تشريعي تأتي معه السنة، فعلم الناسخ والمنسوخ ليس خاصاً بالقرآن ولا بالسنة بل هو لهما معاً، ومنهما نشأ العلم المترتب على الفقه فيهما، وهو علم أصول الفقه. وعالم أصول الفقه عندما يستنبط فإنه يستنبط من القرآن والسنة، فما أُخذ من كتب أصول الفقه وأضيف إلى كتب علوم القرآن لا يعني أنه فضلة في علوم القرآن وأصل في أصول الفقه.
والمشاهد أن هناك تشابهاً فيما كتبه من كَتَب في علوم القرآن ومن كَتَب في أصول الفقه، وسبب ذلك أن مَن كَتَب في أصول الفقه أسبق في التحرير ممن كتب في علوم القرآن، فجاء الذي يكتب في علوم القرآن مثل الزركشي (ت794هـ) في (برهانه) أو السيوطي (ت911هـ) في (إتقانه) أو غيرهما، ونقل مادة أصول الفقه في الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والمطلق والمقيد وغيرها، ووضعها عنده في أنواع علوم القرآن.
ولو نُظِر إلى هذه العلوم على أنها من علوم القرآن لظهر عندنا مسائل مغايرة لما هو معروف في كتب أصول الفقه.
على سبيل المثال: إذا رجعنا إلى مسائل (العموم والخصوص) في كتب علوم القرآن، فإننا سنجد أن البحث فيها بحث أصولي بحت؛ أي: أنه يغلب عليه جانب الأحكام الذي هو مادة أصول الفقه.
ولا تجد الذين بحثوا في علوم القرآن تعرضوا للتفسير بالمثال، وكونه لا يُعدُّ تخصيصاً، ولو نظرت إلى تفسير السلف لوجدت تفسير العموم بالمثال كثير عندهم، وسبب ذلك أن تفسير العموم بالمثال ليس من مباحث أصول الفقه، فلم يذكروه، ثم إن من كتب في علوم القرآن غفل عن ذلك، مع كثرة تطبيقاته في تفسير السلف.
هذا مثال من الأمثلة التي تدل على أننا لو بحثنا هذه العلوم التي لها علاقة بأصول الفقه من جهة علوم القرآن فسنظفر بأمثلة وموضوعات ومعلومات ليست موجودة في أصول الفقه، فاستقاء علوم القرآن من كتب أصول الفقه دون تحرير المسائل المختصة بالتفسير جعل في كتب علوم القرآن قصوراً (1).
الثالثة: هذه العلوم التي ذكرها منها ما لا يقوم التفسير إلا به فهو مما يحتاجه المفسر، ومنها ما يحتاج جزءاً منه، ومنها ما ليس له علاقة بالتفسير وإنما له علاقة بعلم آخر، وسيتبين ذلك بالتفصيل عند الحديث عن كل علم من هذه العلوم.
والمقصد أن من المهم لطالب علم التفسير ولمن يقرأ في علوم القرآن أن يتنبه للفروق بين الموضوعات وما الذي يحتاجه في حال التفسير الذي هو بيان معاني كلام الله؟ وما الذي يحتاجه بعد التفسير؟ فليس كل ما كُتِبَ في كُتُبِ التفسير يمكن أن يحكى لطلاب العلم؛ لأن فيه أشياء تعد فضلة، فهناك معلومات تكون مضافة لكتب التفسير وهي من المعلومات التي تأتي بعد التفسير، فما هو القدر الذي نحتاجه من هذه المعلومات؟
(1) مما يحسن أن يوجَّه إليه الطلاب في البحوث التطبيقية أن يستخرجوا مسائل علوم القرآن من خلال كتب المفسرين، وأن يجتهدوا في استدراك المسائل المتعلقة بأنواع علوم القرآن مما لم يذكره علماؤنا السابقون رحمهم الله.
هذه المعلومات هي التي يتمايز بها العلماء في مناهجهم؛ ولذا صار عندنا اتجاهات مختلفة: اتجاه عقدي، واتجاه فقهي، واتجاه نحوي، وغيرها، فكل واحد من هؤلاء تميز بميزة لم تكن عند الآخر أضافها إلى كتابه، أما المادة التفسيرية، فالغالب أن يكون بينهم تقارب، وإن كان هناك اختلاف في الاختيار.
فإن قال قائل: هل هذه فقط هي علوم القرآن التي ذكرها المؤلف؟
الجواب: لا، وإنما ذكر المؤلف بعضها، ويمكن أن يستدرك على هذا علوم كثيرة جداً، فلو قال قائل مستدركاً: أمثال القرآن، واستدل بقوله سبحانه وتعالى:{وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَاّ الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43] على أنها من العلوم المهمة التي يجب أن يعلمها المفسر وغير المفسر بناء على دلالة الآية، فإن هذا صواب.