الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلم الثامن: أصول الدين
قال رحمه الله: وأما أصول الدين فيتعلق بالقرآن من طرفين أحدهما ما ورد في القرآن من إثبات العقائد، وإقامة البراهين عليها والرد على أصناف الكفار، والآخر أن الطوائف المختلفة من المسلمين تعلقوا بالقرآن، وكل طائفة منهم تحتج إلى مذهبها بالقرآن، وترد على من خالفها، وتزعم أنه خالف القرآن ولا شك أن منهم المحق والمبطل، فمعرفة تفسير القرآن أن توصل في ذلك إلى التحقيق مع التسديد والتأييد من الله والتوفيق (1).
ذكر في أصول الدين مسألتين:
الأولى: ما ورد في القرآن من إثبات العقائد وإقامة البراهين عليها وسبق الحديث عنها حين تكلم عن موضوعات القرآن.
الثانية: أن طوائف من المسلمين تعلقوا بالقرآن، وكل طائفة منها تحتج لمذهبها بالقرآن؛ ولذا فأصول الدين والعقيدة لها أثر في التفسير، ولا بد من ضبط العقيدة لينضبط تفسير الآيات المتعلقة بالعقيدة؛ لأن فهم الآيات المرتبطة بالعقائد تفسيرٌ، ومن الأمثلة المشهورة في ذلك الاختلاف في تفسير قوله سبحانه وتعالى:{وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23]، فمن يقول بأن معنى:{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} : «تنتظر
(1) التسهيل 1/ 68.
ثواب ربها» فهذا فسَّر الآية على وجهٍ باطل، ومن قال:«تنظر إلى ربها» فقد فسَّر على وجه آخر، وهو الوجه الصحيح في معنى الآية.
ولا بد من ضبط الاعتقاد لينضبط التفسير، والآيات المرتبطة بالاعتقاد كثيرة؛ ولهذا قد يقع الخلل عند بعض المفسرين من جهة الاعتقاد كما في إثبات الرؤية في الآية السابقة، ولما كانت العقائد لها تأثير جعل بعض العلماء من شروط المفسر صحة الاعتقاد، لذا لا بدَّ لطالب علم التفسير من معرفة الحق، ومعرفة الباطل، وكيفية الرد على الباطل، وإذا اختلت واحدة منها فسيكون فيه قصور.
ومما يلحظ أن بعض المعاصرين ـ ممن دَرَسَ مناهج العلماء في التفاسير ـ قد حصر مسائل الاعتقاد في باب الصفات الخبرية فقط، وتراه يحكم على عقيدة المؤلف من خلال باب الصفات، وهذا فيه خلل؛ لأن المؤلف قد يقع في بعض الأخطاء في باب دون غيره من الأبواب، فالبغوي (ت516هـ) مثلاً عند قوله سبحانه وتعالى:{الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] قال: «والرحمة إرادة الله تعالى الخير لأهله، وقيل: ترك عقوبة من يستحقها وإسداء الخير إلى من لا يستحق، فهي على الأول صفة ذات، وعلى الثاني صفة (فعل)» .
وقال في تفسير {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7]: «إرادة الانتقام» (1)، وفي «شرح السنة» قال:«وقوله: إِنَّمَا أَنْتِ رحمتي، سمَّى الْجَنَّة رحمة؛ لأن بِهَا تظهر رحمة الله تَعَالَى عَلَى خلقه، كَمَا قَالَ: أرحم بك من أشاء، وإلا فرحمة الله تَعَالَى من صفاته التي لَمْ يزل بِهَا موصوفاً لَيْسَ لِلَّهِ سبحانه وتعالى صفة حادثة، وَلا اسم حادث، فَهُوَ قديم بجميع أسمائه وصفاته جل جلاله، وتقدست أسماؤه» (2)، وقال في تفسير: {بَلْ يَدَاهُ
(1) تفسير البغوي 1/ 55.
(2)
شرح السنة (15/ 257).
مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64]: «ويد الله صفة من صفاته كالسمع والبصر والوجه وقال جل ذكره: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [«كلتا يديه يمين» ] والله أعلم بصفاته، فعلى العباد فيها الإيمان والتسليم.
وقال أئمة السلف من أهل السنة في هذه الصفات: أَمِرُّوها كما جاء بلا كيف» (1).
ولذا لا يُعَدُّ البغوي مخالفاً للمنهج العام، والاستدراك عليه في مثال أو في مثالين لا يخرجه من دائرة السنة والجماعة.
ونسْبةُ العلماء إلى بعض الفرق تحتاج إلى علم وعدلٍ وإنصاف، فلا يستعجل الباحث في مثل هذه الأمور.
وإذ لم يستطع الباحث أن يستقرئ كتاب التفسير، وكذلك كتب العالم الأخرى ـ إن وُجِدت ـ فإنه يستعمل عبارة:(وافق الفرقة الفلانية في كذا)، ولا ينسبه إلى فرقة من الفرق إلا بعد الاستقراء التام، فابن جزي ـ مثلاً ـ ذكر الصفات السبع التي يقول بها الأشاعرة، فإن لم يكن عندي في عقيدته استقراء، فإني أقول: وافق الأشاعرة في إثبات الصفات السبع.
(1) تفسير البغوي 3/ 76، 77.