المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العلم الخامس: الحديث - شرح مقدمة التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي

[مساعد الطيار]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشرح

- ‌سبب تأليفه للكتاب ومقاصده

- ‌الباب الأولنزول القرآن الكريم

- ‌جمع المصحف وكتابته

- ‌ترتيب السور

- ‌نقط المصحف

- ‌أسماء القرآن

- ‌الباب الثانيالسور المكية والمدنية

- ‌الباب الثالثفي المعاني والعلوم التي تضمَّنها القرآن

- ‌الباب الرابعفنون العلم التي تتعلق بالقرآن

- ‌العلم الأول من علوم القرآن: التفسير

- ‌الإجماع والاختلاف في التفسير

- ‌الفرق بين التفسير والتأويل

- ‌العلم الثاني من علوم القرآن: القراءات

- ‌العلم الثالث: أحكام القرآن

- ‌العلم الرابع: النسخ

- ‌العلم الخامس: الحديث

- ‌العلم السادس: القصص

- ‌العلم السابع: التصوف

- ‌العلم الثامن: أصول الدين

- ‌العلم التاسع: أصول الفقه

- ‌العلم العاشر: اللغة

- ‌العلم الحادي عشر: النحو

- ‌العلم الثاني عشر: علم البيان

- ‌الباب الخامسأسباب الخلاف بين المفسرين ووجوه الترجيح

- ‌وجوه الترجيح

- ‌الباب السادسطبقات المفسرين

- ‌الباب السابعفي الناسخ والمنسوخ

- ‌الباب الثامنالقراءات

- ‌الباب التاسعالوقف

- ‌الباب العاشرالفصاحة والبلاغة وأدوات البيان

- ‌الباب الحادي عشرإعجاز القرآن

- ‌الباب الثاني عشرفي فضائل القرآن

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌العلم الخامس: الحديث

‌العلم الخامس: الحديث

قال المصنف رحمه الله: وأما الحديث فيحتاج المفسر إلى روايته وحفظه لوجهين: الأول: أن كثيراً من الآيات في القرآن نزلت في قومٍ مخصوصين، ونزلت بأسباب قضايا وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، من الغزوات والنوازل والسؤالات، ولا بد من معرفة ذلك لِيُعْلَم فيمن نزلت الآية، وفيما نزلت، ومتى نزلت؟ فإن الناسخ يُبْنَى على معرفة تاريخ النزول لأن المتأخر ناسخ للمتقدم، والوجه الآخر: أنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرٌ من تفسير القرآن، فيجب معرفته لأن قوله عليه السلام مقدم على أقوال الناس (1).

الشرح

هذا العلم الخامس من العلوم التي ذكرها المؤلف، وهو (الحديث)، وقد ذكر قسمين من علم الحديث:

القسم الأول: يمكن أن يطلق عليه ما له حكم الرفع؛ لأنه قال: (إن كثيراً من الآيات في القرآن نزلت في قومٍ مخصوصين، ونزلت بأسباب قضايا وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر كلامه، وهذا إنما يتعلّق بالحوادث التي نزلت في عهده صلى الله عليه وسلم وليست من كلامه صلى الله عليه وسلم، فإذا ورد مثلاً أن الصحابي قال: نزلت هذه الآية في فلان، فالأصل أن هذا له حكم الرفع.

القسم الثاني الذي ذكره: ما يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم من تفسير القرآن مباشرةً، وهو التفسير النبوي، أما قول المؤلف: (إنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم

(1) التسهيل 1/ 66.

ص: 111

كثيرٌ من تفسير القرآن) فإن كان يقصد التفسير النبوي المباشر، ففيه نظر؛ لأن ما رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن كثيراً، وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم لما قرأ:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] قال: «ألا إن القوة الرمي» (1)، وفي قوله:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال صلى الله عليه وسلم: «إن المغضوب عليهم: اليهود، والضالين: النصارى» (2).

وهذه التفسيرات النبوية المباشرة قليلة.

وإن كان مراد المؤلف أوسع من هذا المفهوم، وهو أنه قد يرد في السنة ما يشرح القرآن، وما يرد في السنة على مراتب من أعلاها: أن يكون الحديث النبوي مفسراً للآية بحيث لا يكاد يختلف اثنان أن هذا الحديث يفسر هذه الآية، مثل قوله سبحانه وتعالى:{وَجِيىءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر: 23] بعض المفسرين يذكر الحديث المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه يجاء بجهنم لها سبعون ألف زمام، لكل زمام سبعون ألف ملكٍ يجرونها» (3)، فهذه التفاصيل في مجيء جهنم إنما علمت من جهته صلى الله عليه وسلم.

فإذا ورد في الحديث ما يكون موافقاً لمعنى الآية، وقام المفسِر بحمل الحديث على الآية، فإن هذا ـ بلا شك ـ من عمل المفسر.

وفي بعض الأحيان قد يكون التوافق الشديد بين معنى الآية وبين معنى الحديث واضحاً وضوحاً تاماً، فإذا أدخلنا هذا النوع فلا شك أنه سيكون كثيراً.

وقد قال المؤلف في وجوه الترجيح: (الثاني: حديث النبي صلى الله عليه وسلم

(1) أخرجه مسلم في باب فضل الرمي والحث عليه من حديث عقبة بن عامر، ورقم الحديث (1971).

(2)

أخرجه أحمد في مسنده من حديث عدي بن حاتم، ورقم الحديث (19381) 32/ 124.

(3)

أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفتها ونعيمها من حديث ابن مسعود، ورقم الحديث (2842).

ص: 112

فإذا أراد عليه السلام تفسير شيءٍ من القرآن عولنا عليه، لا سيما إن ورد في الحديث الصحيح)، فإذا وقع خلاف بين المفسرين، وكان عندنا تفسير نبوي مباشر، فلا شك أنه إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يقدم على قول غيره بلا ريب، وهذا بإجماع، لكن إن وقع تفسير النبي صلى الله عليه وسلم في حديث من أحاديثه دون أن يكون هناك نصٌّ أنها تفسير للآية فقد يقع الخلاف، ومن خالف لا يكون مخالفاً للتفسير النبوي، ولكي يتضح الأمر نقول: إذا ورد في تفسير آية حديثٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم يوافق معناه معنى الآية، ولم يفسر به المفسر فترك المفسر له واختياره لقول آخر لا يعد من باب ترك التفسير النبوي؛ لأن المسألة رجعت إلى الاجتهاد.

مثال ذلك: قوله سبحانه وتعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: 42] معلوم أن في الآية قولين:

القول الأول: أن المراد بالساق هنا هي ساق الرب سبحانه وتعالى، ويدل على ذلك حديث رواه البخاري وغيره:«يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة فيبقى كل من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً» (1)، فهذا الحديث في جميع رواياته لم يشر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه يفسِّر الآية.

القول الثاني: أن المراد بالساق: ما تكشفه القيامة من أهوالها وكربها، وهذا قول ابن عباس وبعض تلاميذه.

فصار عندنا تفسيرٌ نحا منحى لغوياً وهو تفسير ابن عباس، وتفسير آخر أخذ بحديث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يعد ابن عباس ومن تبعه مخالفين للتفسير النبوي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هنا لم يفسر هذه الآية، وإنما تشابه ما ذكر صلى الله عليه وسلم مع شيءٍ مما في الآية، وليس كل الآية؛ لأننا لو

(1) صحيح البخاري في كتاب التفسير من حديث أبي سعيد الخدري، ورقم الحديث (4919).

ص: 113

رجعنا إلى الحديث الذي رواه البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري، قال:«قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْواً» ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: «فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُونَ فِى رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ، إِلَاّ كَمَا تُضَارُونَ فِى رُؤْيَتِهِمَا ـ ثُمَّ قَالَ: ـ يُنَادِي مُنَادٍ لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ. فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ. فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ فَمَا تُرِيدُونَ، قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللهِ. فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا. فَيُقَالُ: اشْرَبُوا.

فَيَتَسَاقَطُونَ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ الْيَوْمَ وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ. وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا ـ قَالَ ـ: فَيَاتِيهِمُ الْجَبَّارُ. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا. فَلَا يُكَلِّمُهُ إِلَاّ الأَنْبِيَاءُ فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ. فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقاً وَاحِداً، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَي جَهَنَّمَ». قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الْجسْرُ؟ قَالَ: «مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ، لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ

ص: 114

وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْباً، فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ، قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ، وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِى إِخْوَانِهِمْ يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا.

فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ. وَيُحَرِّمُ اللهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيَاتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَءُوا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ فَيَقُولُ الْجَبَّارُ بَقِيَتْ شَفَاعَتِي. فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ أَقْوَاماً قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ إِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ، فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ، وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ.

فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلُهُ مَعَهُ»، وظاهر من هذا الحديث أن الذين يُكشف لهم ساق الرحمن هم المؤمنون ومن كان يسجد لله رياء وسمعة، أما غيرهم من الكفار ففي النار، وسياق الآية في الكفار، والسورة مكية تخاطبهم، ومن كان يسجد رياءً وسمعة «النفاق» لم يظهر إلا في المدينة؛ لذا لم يتطابق الحديث مع الآية وإنما فيه تشابه في بعض أجزائهما.

ص: 115

والمقصود من هذا أنه حينما يأتي تفسير عن السلف بهذا أو بذاك فلا يكون هناك نكير، فمن ذهب إلى اعتماد الحديث فله رأيه ومصدره، ومن ذهب إلى اعتماد المدلول اللغوي فله رأيه ومصدره، لكن لو ثبت أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم هذا يفسر القرآن، لقلنا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم حدد المدلول اللغوي المناسب والمراد لقوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} .

تنبيه:

لو سلمنا جدلاً أن الآية ليست من آيات الصفات كما يقوله المخالفون ويستدلون بتفسير ابن عباس لها على عدم إثبات الساق له، فنقول: ثبوت ساق الرب سبحانه وتعالى ليس في هذه الآية فقط بل هو ثابت بغيرها، والحديث صريح جداً:«يكشف ربنا عن ساقه» ، وهذا لا تدخله مجازات، وبهذا يتحرر أن تفسير ابن عباس ليس خلاف منهج أهل السنة والجماعة؛ لأنه لم ينكر ثبوت صفة الساق فيُحتجَّ بتفسيره هنا، وثبوت الساق عنده من خلال الحديث النبوي بلا ريب.

لكن المخالف يُنكِرُ صفة الساق ويؤولها سواء في الحديث أو في الآية، وهذا الفرق بين المذهبين، فابن عباس رضي الله عنه ومن ذهب مذهبه لا ينكرون ساق الرب؛ لأنها ثابتة ثبوتاً واضحاً صريحاً في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخيراً، فالحديث النبوي ـ بشقيه سواء أكان تفسيراً نبوياً مباشراً أم كان حديث النبي صلى الله عليه وسلم من غير التفسير ـ من المصادر التي يحتاجها المفسر.

ص: 116