المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الباب التاسع الوقف قال: الباب التاسع: في المواقف، وهي أربعة أنواع: موقف - شرح مقدمة التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي

[مساعد الطيار]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشرح

- ‌سبب تأليفه للكتاب ومقاصده

- ‌الباب الأولنزول القرآن الكريم

- ‌جمع المصحف وكتابته

- ‌ترتيب السور

- ‌نقط المصحف

- ‌أسماء القرآن

- ‌الباب الثانيالسور المكية والمدنية

- ‌الباب الثالثفي المعاني والعلوم التي تضمَّنها القرآن

- ‌الباب الرابعفنون العلم التي تتعلق بالقرآن

- ‌العلم الأول من علوم القرآن: التفسير

- ‌الإجماع والاختلاف في التفسير

- ‌الفرق بين التفسير والتأويل

- ‌العلم الثاني من علوم القرآن: القراءات

- ‌العلم الثالث: أحكام القرآن

- ‌العلم الرابع: النسخ

- ‌العلم الخامس: الحديث

- ‌العلم السادس: القصص

- ‌العلم السابع: التصوف

- ‌العلم الثامن: أصول الدين

- ‌العلم التاسع: أصول الفقه

- ‌العلم العاشر: اللغة

- ‌العلم الحادي عشر: النحو

- ‌العلم الثاني عشر: علم البيان

- ‌الباب الخامسأسباب الخلاف بين المفسرين ووجوه الترجيح

- ‌وجوه الترجيح

- ‌الباب السادسطبقات المفسرين

- ‌الباب السابعفي الناسخ والمنسوخ

- ‌الباب الثامنالقراءات

- ‌الباب التاسعالوقف

- ‌الباب العاشرالفصاحة والبلاغة وأدوات البيان

- ‌الباب الحادي عشرإعجاز القرآن

- ‌الباب الثاني عشرفي فضائل القرآن

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ ‌الباب التاسع الوقف قال: الباب التاسع: في المواقف، وهي أربعة أنواع: موقف

‌الباب التاسع

الوقف

قال: الباب التاسع: في المواقف، وهي أربعة أنواع: موقف تام، وحسن، وكاف، وقبيح. وذلك بالنظر إلى الإعراب والمعنى، فإن كان الكلام مفتقراً إلى ما بعده في إعرابه أو معناه، وما بعده مفتقراً إليه كذلك لم يجز الفصل بينهما، والوقف على الكلام الأول قبيح، وذلك الفصل بين كل معمول وعامله، وبين كل ذي خبر وخبره، وبين كل ذي جواب وجوابه، وبين كل موصولٍ وصلته، وإن كان الكلام الأول مستقلاًّ يفهم دون الثاني إلا أن الثاني غير مستقل إلا بما قبله. فالوقف على الأول كافٍ، وذلك في التوابع والفضلات كالحال، والتمييز، والاستثناء، وشبه ذلك، إلا أن وصْل المستثنى المتصل آكد من المنقطع، ووصل التوابع والحال إذا كانت أسماء مفردة آكد من فصلها إلا إذا كانت جملة، وإن كان الكلام الأول مستقلاًّ والثاني كذلك، فإن كانا في قصة واحدة فالوقف على الأول حسن، وإن كانا في قصتين مختلفتين فالوقف تام. وقد يختلف الوقف باختلاف الإعراب أو المعنى، ولذلك اختلف الناس في كثيرٍ من المواقف، ومن أقوالهم فيها راجح ومرجوح وباطل، وقد يقف لبيان المراد وإن لم يتم الكلام.

تنبيه: هذا الذي ذكرنا من رعي الإعراب والمعنى في المواقف استقر عليه العمل، وأخذ به شيوخ المقرئين، وكان الأوائل يراعون رؤوس الآيات فيقفون عندها لأنها في القرآن كالفِقَر في النَّثْرِ والقَوافِي في الشعر،

ص: 246

ويؤكد ذلك ما أخرجه الترمذي (1) عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته يقول: «الحمد لله رب العالمين» ثم يقف «الرحمن الرحيم» ثم يقف (2).

ذكر المؤلف عدداً من أنواع الوقف وهي: الوقف التام والحسن والكافي والقبيح، وسأرتب هذه المصطلحات، وأذكر تعريفاتها على المشهور عن أهل هذا الفنِّ، ثم أذكر أمثلة موضحة لها ليتمَّ المراد.

أولاً: الوقف التام:

ذكر المؤلف الوقف التام، فقال:(وإن كان الكلام مستقلاًّ والثاني كذلك، فإن كانا في قصة واحد فالوقف على الأول حسن، وإن كانا في قصتين مختلفتين فالوقف تام).

وهو كذلك عند الجمهور، وهو ما كان الاستقلال فيه تاماً بين الجملتين كالوقف على قوله سبحانه وتعالى:{الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5]، ثم البدء بقوله:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 6] فهذه الجملة ليس لها علاقة من جهة الإعراب أو المعنى بالآية التي قبلها؛ لأن ما قبلها قصة عن الذين آمنوا، وهذه بداية قصة عن الكفار.

وضابط الوقف التام أن تستقل الجملة الثانية بالابتداء استقلالاً تاماً يفهم منها المخاطب الانقطاع التام كأغلب مواطن النداء بـ {يَاأَيُّهَا} فإنه يدل على الانفصال التام بين ما قبلها وما بعدها.

(1) التسهيل 1/ 92، 93.

(2)

أخرجه الترمذي، كتاب فضائل القرآن، برقم (2923).

ص: 247

ثانياً: الوقف الكافي:

ذكر المؤلف وصفه للوقف الكافي، فقال:(وإن كان الكلام الأول مستقلاًّ يفهم دون الثاني إلا أن الثاني غير مستقل إلا بما قبله. فالوقف على الأول كافٍ، وذلك في التوابع والفضلات كالحال والتمييز والاستثناء وشبه ذلك إلا أن وصل المستثنى المتصل آكد من المنقطع، ووصل التوابع والحال إذا كانت أسماء مع ذاتٍ آكد من وصلها إلا إذا كانت جملة)، وهذا الذي قاله أشبه بالوقف الحسن عند الجمهور؛ لأن التوابع ألصق بالوقف الحسن والقبيح من غيرهما.

الوقف الكافي عند الجمهور:

هو ما كان فيه ارتباط من جهة المعنى وليس من جهة الإعراب كالوقف عند قوله: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} [البقرة: 7] فهناك ارتباط في المعنى بين الجملتين، لكن من حيث الإعراب هي جملة إعرابية تامة، ومن ضوابط الوقف الكافي وجود الروابط اللفظية غير الإعرابية مثل الضمائر في {قُلُوبِهِمْ} ، و {سَمْعِهِمْ} فهي تدلُّ أن الحديث عن سابقين في هذا السياق.

مثال آخر: الوقف عند قوله: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} ، ثم البدء بقوله:{وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل: 34] ففيه ارتباط بما قبله من جهة المعنى؛ سواء كان قوله: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} من كلام الله أو من كلام بلقيس على حسب الخلاف الوارد عند المتأخرين في التفسير.

فائدة:

لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ابن مسعود (ت32هـ) أن يقرأ عليه سورة النساء، ووصل إلى قوله تعالى:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «حسبك

ص: 248

الآن»، وقطع ابن مسعود القراءة، وهذا القطع على وقف كافٍ، وليس على وقف تامٍّ؛ لأن بعده قوله تعالى:{يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42]، وهذا مرتبط بما قبله من جهة المعنى؛ لأن السياق لم ينتهِ في الحديث عن هذا الموقف العظيم، وإنما يكون الوقف التامُّ على قوله تعالى:{وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} ؛ لأن الذي بعده النداء الدال على التمام، وهو قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 41 - 43]، وهذه جملة جديدة منفصلة انفصالاً تاماً عما قبلها.

ثالثاً: الوقف الحسن:

ذكر المؤلف الوقف الحسن بقوله: (وإن كان الكلام مستقلاًّ والثاني كذلك، فإن كانا في قصة واحدة فالوقف على الأول حسن، وإن كانا في قصتين مختلفتين فالوقف تام). وهذا الذي قاله في الوقف الحسن هو الوقف الكافي عند الجمهور، قالوا: هو ما يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده لارتباطه به من جهة الإعراب؛ كالوقف عند قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: 2]، فالحسن هو ما كان معنى الجملة الموقوف عليها تاماً من جهة الإعراب، لكن لا يحسن البدء بما بعده؛ لأن ما بعدها مرتبط بها من جهة الإعراب؛ كالبدء بقوله:{رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

رابعاً: الوقف القبيح:

الوقف القبيح عند المؤلف: (فإن كان الكلام مفتقراً إلى ما بعده في إعرابه أو معناه، وما بعده مفتقراً إليه كذلك لم يجز الفصل بينهما، والوقف على الكلام الأول قبيح)، ويمكن أن يتلخَّص في الوقف القبيح نوعان:

ص: 249

1 -

الفصل بين متلازمين؛ كالفصل بين كل معمولٍ وعامله وبين كل ذي خبر وخبره، كما في قوله سبحانه وتعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: 2]، فمن قرأ وقال:{الْحَمْدُ} ، ثم سكت، فإن الوقف لا يُفهم معنى، فالحمد مبتدأ لم يجئ خبره، وفصله عن خبره فصل بين أمرين بينهما ترابط شديد.

وكذلك في قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} لو وقفت على {رَبِّ} فلن يُفهم معنى من هذا الوقف.

2.

إدخال ما ليس من الجملة فيها، وهذا لم يذكره المؤلف، وهو الوقف على كلمة تدخل في حكم ما قبلها وهي خارجة عنه، كما لو وقف على في قوله تعالى:{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى} [الأنعام: 36]، فالوقف هنا قبيح؛ لأنك تثبت للموتى سماعاً، والسماع إنما هو للذين يسمعون فقط.

خلاصة:

الخلاف في مواطن الوقوف وفي أنواعها كثيرٌ جدّاً، لكن هذه الوقوف الأربعة هي التي تذكرها أغلب كتب الوقوف، وهي مرتبطة بالإعراب والمعنى كما يأتي:

أولاً: إذا وجد الرابط الإعرابي فعندنا احتمالان في نوع الوقف:

الأول: أن يكون الوقف حسناً، إن كان الموقوف عليه جملة تامة بنفسها.

الثاني: أن يكون الوقف قبيحاً، إن كان الموقوف عليه جملة ناقصة في الإعراب.

ثانياً: إذا انعدم التعلق الإعرابي فعندنا في الوقف احتمالان:

الأول: أن يكون تاماً، وذلك إذا انعدم الارتباط بالمعنى، وكان كل كلام مستقلٍّ بذاته.

ص: 250

الثاني: أن يكون كافياً وذلك إن وجدت الروابط اللفظية غير الإعرابية؛ كالضمائر.

قول المؤلف: (وقد يختلف الوقف باختلاف الإعراب أو المعنى)، وهذا كثير، وهو أحد أسباب الاختلاف في الوقف التام والوقف الكافي في كثير من مواضعه على رأي الجمهور في تعريف الوقف الكافي، بل قد يكون الاختلاف في موطن بين مواقف ثلاثة:«التام والكافي والحسن» ، ومن ذلك ما ورد في قوله تعالى:{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التغابن: 1]، قال زكريا الأنصاري في المقصد:«{وَمَا فِي الأَرْضِ} حسن، وقال أبو عمرو: «كاف، وقيل: تام» (1)، ولا شكَّ أن مثل هذا الاختلاف مبني على الاختلاف في النظر في الإعراب والمعنى.

قول المؤلف: (ولذلك اختلف الناس في كثيرٍ من المواقف، ومن أقوالهم فيها راجح، ومرجوح، وباطل)، أما الباطل، فإدراكه أسهل من إدراك الراجح من المرجوح؛ لأنه يقع الخلاف في الوقف ـ كما سبق ـ ويحتاج الأمر إلى مرجحات.

ومن باب الفائدة، فإن كلام المؤلف هذا يشير إلى أمر مهم، وهو أن الوقف والابتداء من آثار فهم المعنى «التفسير» ، والعجيب أن يستملح بعض القراء بعض الوقوفات الباطلة، ويرتكب في هذا مخالفة معنى الآية ونظمها، كمن يقف على لفظة {فِيمَ} من قوله تعالى:{فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} [النازعات: 43]، ثم يبتدئ بقوله:{أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} على أنه خطاب مبتدأ موجه للنبي صلى الله عليه وسلم على معنى: أنت يا محمد من ذكراها، ويستدل لذلك بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار

(1) المقصد لأبي زكريا الأنصاري، طبعة دار المصحف ص85.

ص: 251

بالوسطى والسبابة» (1).

والمعنى الصحيح لهذه الآية: في أيّ شيء أنت من ذكر الساعة والبحث عن شأنها، إنما أنت منذر من يخاف هذه الساعة.

قول المؤلف: (وقد يقف لبيان المراد، وإن لم يتم الكلام).

هذا الوقف يسميه بعض من كتب في الوقف والابتداء وقف البيان، وهو أن يقف ليبين معنى لا يبين إلا بالوقوف عليه، أو أن يقف على كلمة وكأنه واقف واصل؛ أي: بلا قطع نفس.

والأول أولى، وهو شبيه بالوقف اللازم عند السجاوندي، وعلامته في المصحف (م) كما في الوقف على قوله:{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} [الأنعام: 36]، لكن عدم تمام الكلام لا يكون إلا إذا كان من قبيل الوقف الكافي، أما إذا كان من قبيل الوقف القبيح، فإنه لا يمكن أن يوجد وقف بيان يصح الوقف عليه لأجل بيان معنى ما؛ لأن القبيح لا يمكن أن لا يكون قبيحاً، والله أعلم.

ويمكن التمثيل له بقوله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 29]. فالوقف على لفظ الجلالة (يعلمه الله) وقف بيان؛ لأن الفعل {يَعْلَمْهُ} مجزوم بإن الشرطية، والفعل «ويعلمُ» في الجملة التي بعدها مرفوع، وهو مستأنف، وليس معطوفاً على الفعل السابق، فالوقف يبين الفرق بين الفعلين في الإعراب.

(1) أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:(بعثت أنا والساعة كهاتين)، ورقم الحديث (6503).

ص: 252