الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الدليل على أن الطاعات كلها إيمان
قال الله عز وجل في وصف المؤمنين:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً} إلى قوله: {أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا .. } . [الأنفال:2 - 4].
فأخبر أن المؤمنين هم الذين جمعوا هذه الأعمال. فدل ذلك على أنها من جوامع الإيمان.
قال الحليمي رحمه الله تعالى:
إذا ثبت لك أن الموصوفين في هذه الآية إنما استوجبوا اسم المؤمنين حقا لمكان الأعمال التي وصفهم الله تعالى بها، ولم تكن الأعمال المتعبّد بها هذه وحدها-صحّ أن المراد بذكرها هي وما في معناها من الأعمال المفروضة أو المندوب إليها. «فالصلاة» إشارة إلى الطاعات التي تقام بالأبدان خاصة، «والإنفاق مما رزق الله» إشارة إلى الطاعات التي تقام بالأموال، و «وجل القلب» إشارة الاستقامة من كل وجه. ويدخل فيها إقامة الطاعات والانزجار عن المعاصي.
قال:
والآية فيمن إذا ذكر الله وجل قلبه، وليس ارتكاب المعاصي، ومخالفة الأوامر من امارات الوجل. والآية فيمن إذا تليت عليه آيات الله زادته إيمانا، وليس التخلّف عن الفرائض والقعود عن الواجبات اللوازم من زيادة الإيمان بسبيل، فصحّ أن الذين نفينا أن يكونوا مؤمنين حقا، وأوجبنا أن يكونوا ناقصي الإيمان، غير داخلين في الآية.
قال الله عز وجل:
فقابل بين ما حبّبه إلينا وبين ما كرّه إلينا. ثم أفرد الإيمان بالذكر فيما حبّب، وقابله بالكفر والفسوق فيما كرّه. فدلّ ذلك على أن للإيمان ضدّين، أو أن من الإيمان ما ينقضه الكفر، ومن الإيمان ما ينقضه الفسوق. وفي ذلك ما أبان أن الطاعات كلها إيمان. ولولا ذلك لم يكن الفسوق ترك الإيمان. والله أعلم.
قال الحافظ أبو بكر البيهقي-رحمه الله:
وفصل بين الفسق والعصيان. وفي ذلك دلالة على أن من المعاصي ما لا يفسق به، وإنما يفسق بارتكاب ما يكون منها من الكبائر، أو الإصرار على ما يكون منها من الصغائر. واجتناب جميع ذلك من الإيمان. وبالله التوفيق.
وقال الله تعالى: {وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ} .
وأجمع المفسرون على أنه أراد به: صلاتكم إلى بيت المقدس. فثبت أنّ الصّلاة إيمان. وإذا ثبت ذلك فكل طاعة إيمان إذ لا فرق يفرق بينهما.
قال الإمام أحمد البيهقي:
وقد روينا في الحديث الثابت عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما قدم المدينة قبل بيت المقدس ستّة عشر أو سبعة عشر شهرا ثم حوّلت إلى البيت، وأنه مات قبل أن تحوّل رجال، وقتلوا فلم يدر ما نقول فيهم، فأنزل الله عز وجل:
{وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ. إِنَّ اللهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} [البقرة:
143].
11 -
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو النضر الفقيه ثنا عثمان بن سعيد
11 - أبو النضر الفقيه هو محمد بن محمد بن يوسف الفقيه يأتي في رقم (23) وعثمان بن سعيد الدارمي (ت 280)(سير 13/ 319)، وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي، وزهير هو ابن معاوية، والنفيلي هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل.
والحديث أخرجه البخاري (1/ 95)[40] الفتح عن عمرو بن خالد عن زهير عن أبي إسحاق عن البراء به.
-مسلم ص 374 عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق به.
ولم أجده في مسلم من حديث زهير كما قال البيهقي رحمه الله.
الدارمي ثنا النفيلي ثنا زهير ثنا أبو إسحاق فذكره.
أخرجاه فى الصحيح من حديث زهير بن معاوية.
وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الطّهور من الإيمان.
12 -
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر أحمد بن محمد الأشناني قالا:
أنبا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا أبان بن يزيد، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلاّم، عن أبي سلام، عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:«الطهور شطر الإيمان» .
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث أبان بن يزيد العطار.
13 -
أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الله البيهقي المسديدي فيما قرأت عليه من أصله بخسروجرد قال: أنبا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين البيهقي،
12 - أبو بكر أحمد بن محمد الأشناني (ت 416)(المنتخب من السياق)، أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي (ت 346)(سير 15/ 519) وأبو سلام هو ممطور الأسود.
والحديث أخرجه مسلم ص 203 عن إسحاق بن منصور حدثنا حبان بن هلال حدثنا أبان حدثنا يحيى بن مرفوعا وقال النووي رحمه الله:
هذا الإسناد مما تكلم فيه الدارقطني وغيره فقالوا: سقط فيه رجل بين أبي سلام وأبي مالك والساقط عبد الرحمن بن غنم قالوا والدليل على سقوطه أن معاوية بن سلام رواه عن أخيه زيد بن سلام عن جده أبي سلام عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري وهكذا أخرجه النسائي وابن ماجة وغيرهما.
ويمكن أن يجاب لمسلم عن هذا بأن الظاهر من حال مسلم أنه علم سماع أبي سلام لهذا الحديث من أبي مالك فيكون أبو سلام سمعه من أبي مالك وسمعه أيضا من عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك فرواه مرة عنه ومرة عن عبد الرحمن وكيف كان فالمتن الصحيح لا مطعن فيه.
13 -
ينظر ترجمة (أبو عبد الله الحسين بن عبد الله البيهقي المسديدي أو السديوري أو السديري، وأبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين البيهقي، وداود بن الحسين (سير 13/ 579)، حميد بن زنجويه (ت 247)(سير 12/ 19)، أبو شيخ الحراني هو عبد الله بن مروان الحراني الخراساني (مجروحين 2/ 36، لسان 3/ 356)، ووالد معاوية هو سويد بن مقرن، وعمرو بن مرة هو ابن عبد الله الكوفي وليث هو ابن أبي سليم.
والحديث أخرجه الطيالسي (منحة المعبود)(2110) عن أبي داود عن جرير عن ليث عن عمرو بن مرة عن معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء مرفوعا.
نا داود بن الحسين البيهقي ثنا حميد بن زنجويه النسوي، حدثنا أبو شيخ الحرّاني ثنا موسى بن أعين عن ليث، عن عمرو بن مرّة، عن معاوية بن سويد-قال: أراه قال:-عن أبيه-الشك من أبي شيخ-قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم يوما نتحدث. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أتدرون أيّ عرى الإيمان أوثق؟
فقالوا: الصّلاة؛
فقال: إنّ الصّلاة لحسنة، وما هي بها؛
فقالوا: الجهاد؛
فقال: إن الجهاد لحسن، وما هو به؛
فقالوا: الحجّ؛
فقال: إن الحج لحسن، وليس به؛
فقالوا: الصّيام؛
فقال: الصيّام لحسن، وليس به؛
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أوثق عرى الإيمان أن تحبّ لله وتبغض له».
ورواه جرير بن عبد الحميد، عن ليث بن أبي سليم، عن عمرو بن مرّة عن معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم.
14 -
أخبرناه أبو منصور النخعي بالكوفة ثنا أبو جعفر بن دحيم، ثنا أحمد بن حازم أنبا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير
…
فذكره بإسناده نحوه غير أنه قال في آخره:
فذكروا شرائع الإسلام. فلما رآهم لا يصيبون قال:
«إنّ أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وأن تبغض في الله» .
فجعل هذه الشرائع كلّها من الإيمان. وشاهده في الحبّ والبغض ما:
14 - أبو منصور النخعي هو محمد بن محمد بن عبد الله النخعي.
وانظر الحديث في المصنف لابن أبي شيبة 11/ 48،13/ 229 والإيمان له (110).
15 -
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا محمد بن صالح بن هانئ، وإبراهيم بن عصمة، قالا نا السريّ بن خزيمة نا عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا سعيد بن أبي أيّوب، عن أبي مرحوم عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«من أعطى لله، ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله، وأنكح لله فقد استكمل إيمانه» .
وروى ذلك أيضا في حديث أبي امامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير الإنكاح. فصرّح بأنّ هذه الخصال كلها إيمان، وأبان أن أوثق عرى الإيمان الإخلاص.
16 -
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه، أنبا علي بن عبد العزيز ثنا عبد السّلام بن صالح الهروي ثنا علي بن موسى بن
15 - محمد بن صالح بن هانئ (ت 340)(طبقات السبكي 3/ 174)، إبراهيم بن عصمة (ميزان 1/ 48)، السري بن خزيمة أبو محمد الأبيوردي، وأبو مرحوم هو عبد الرحيم بن ميمون، وأبو أمامة هو صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه.
والحديث أخرجه الترمذي (2521) ان عباس الدوري عن عبد الله بن يزيد به مرفوعا.
وقال أبو عيسى: حديث حسن.
وفي تحفة الاشراف 11301 قال المزي:
قال الترمذي: منكر
-أحمد 3/ 438 و 440 - المستدرك 2/ 164.
وقال المنذري في الترغيب 4/ 23 رواه أحمد والترمذي وقال منكر والحاكم وقال صحيح الإسناد والبيهقي-أي في الشعب-وغيرهم.
وفي تحفة الأحوذي 7/ 224 منكر حسن.
قال الشارح قوله (هذا حديث منكر) وفي بعض النسخ هذا حديث حسن.
وقال: لم يظهر لي وجه كون هذا الحديث منكرا ورواه أبو داود عن أبي أمامة وفي سنده القاسم بن عبد الرحمن الشامي قال المنذري قد تكلم فيه غير واحد
(16 و 17) -أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه الصبغي (ت 342)(سير 15/ 483)، علي بن عبد العزيز البغوي (ت 286)(سير 13/ 348)، أبو محمد عبد الله بن محمد بن موسى بن كعب (سير 15/ 530)، أبو محمد الفضل بن محمد بن المسيب البيهقي (ت 282)(سير 13/ 317)، أبو الصلت الهروي عبد السّلام بن صالح (ت 236)(سير 11/ 446)، ومحمد بن أسلم أبو الحسن الكندي (ت 242)(سير 12/ 195).-
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حدثني أبي عن جعفر عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي-رضي الله عنهم-قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللّسان، وعمل بالأركان» .
17 -
وحدثنا أبو محمد عبيد بن محمد بن مهدي القشيري، أنبا أبو محمد عبد الله بن محمد بن موسى بن كعب، ثنا أبو محمد الفضل بن محمد بن المسيب البيهقي ثنا أبو الصلت الهروي عبد السّلام ومحمد بن أسلم قالا: ثنا علي بن موسى الرضا عن أبيه
…
فذكره بإسناده غير أنه قال:
«الإيمان إقرار باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالجوارح» .
وشاهد هذا الحديث ما مضى في الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدد شعب الإيمان.
وأما قول الله عز وجل:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ
…
}.
فأفرد العمل الصالح بالذكر، وقد قال أيضا:
{إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3].
(16 و 17) -ولينظر ترجمة أبو محمد عبيد بن محمد بن محمد بن مهدي القشيري والحديث أخرجه ابن ماجة (65) وقال الحافظ في النكت الظراف (10076) أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 128 من رواية أبي الصلت ومن رواية أحمد بن عامر الطائي وعلي بن غراب ومحمد بن سهل وهارون بن سليمان الغازي كلهم عن علي بن موسى الرضا به ونقل عن الدارقطني أنه حديث أبي الصلت وأنه هو المتهم به وكل من حدثه به عن علي بن موسى سرقه من أبي الصلت قال الحافظ:
وقد أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في معجمه عن زكريا بن يحيى الساجي عن عبد الغني بن محمد بن الحسن عن عبد الله بن يحيى بن موسى بن جعفر بن محمد عن أخيه علي بن موسى به.
-كنز العمال 1362 (ابن مردويه) وسنده ضعيف.
-وانظر الميزان 5051 تهذيب الكمال ص 832.
-الشريعة الآجري ص 131.
فأفرد التواصي بالحق والتواصي بالصبر بالذكر ولم يدلك ذلك على أنهما ليسا من الأعمال الصالحة، فكذلك قوله:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ} .
لا يدلّ على أن عمل الصالحات ليس بإيمان، وإنما معناه أن الذين آمنوا قبل الإيمان-الناقل عن الكفر-ثم لم يقتصروا عليه ولكنهم ضمّوا إليه الصالحات فعملوها حتى ارتقى إيمانهم من درجة الأقلّ إلى الأكمل.
أو نقول: ان المراد «بالذين آمنوا» الإيمان بالله وبعمل الصالحات الإيمان لله. والإيمانان متغايران على ما بيّنا. فلذلك سمّيا باسمين، والله أعلم.