الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3)
الثالث من شعب الإيمان
«وهو باب في الإيمان بالملائكة»
والإيمان بالملائكة ينتظم معاني:
أحدها: التصديق بوجودهم.
والآخر: إنزالهم منازلهم، وإثبات أنّهم عباد الله وخلقه كالإنس والجنّ مأمورون مكلّفون لا يقدرون إلاّ على ما يقدرهم الله تعالى عليه، والموت جائز عليهم ولكن الله تعالى جعل لهم أمدا بعيدا، فلا يتوفّاهم حتى يبلغوه، ولا يوصفون بشيء يؤدّي وصفهم به إلى إشراكهم بالله تعالى جدّه، ولا يدعون آلهة كما ادّعتهم الأوائل.
والثالث: الاعتراف بأنّ منهم رسل الله يرسلهم إلى من يشاء من البشر.
وقد يجوز أن يرسل بعضهم إلى بعض، ويتبع ذلك الاعتراف بأن منهم حملة العرش، ومنهم الصافّون، ومنهم خزنة الجنّة، ومنهم خزنة النّار، ومنهم كتبة الأعمال، ومنهم الّذين يسوقون السّحاب، وقد ورد القرآن بذلك كله أو بأكثره. قال الله تعالى في الإيمان بهم خاصة:
وروينا عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإيمان فقال:
«أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله» .
فصل
قال الحليمي رحمه الله تعالى: من الناس من ذهب إلى أنّ الأحياء العقلاء النّاطقين فريقان: إنس وجنّ؛ وكل واحد من الفريقين صنفان: أخيار
وأشرار فأخيار الإنس يدعون أبرارا، ثم ينقسمون إلى رسل وغير رسل، وأشرارهم يدعون فجّارا، ثم ينقسمون إلى كفّار وغير كفّار.
وأخيار الجنّ يسمّون ملائكة، ثم ينقسمون إلى رسل وغير رسل.
وأشرارهم يدعون شياطين، ثم قد يستعار هذا الاسم لفجار الإنس تشبيها لهم بفجار الجنّ.
وقد يحتمل هذا التفسير وجها آخر، وهو: أنّ الجنّ منهم سكان الأرض ومنهم سكان السماء. فالذين هم سكان السّماء: يدعون الملأ الأعلى، ويدعون الملائكة. والذين هم سكّان الأرض هم الجن بالإطلاق وينقسمون إلى أخيار وفجار ومؤمنين وكافرين.
وإنّما قيل للملأ الأعلى ملائكة لأنّهم مستصلحون للرسالة التي تسمّى الولا.
وأكثر الناس على أنّ الملك أصله مالك، وإنّ ملأك مقلوب، وأنه قيل لواحد الملائكة مالك بمعنى أنّه موضع للرسالة بكونه مصطفى مختارا للسماء أن يسكنها إذ كانت الرسالة منها تأتي سكان الأرض.
ومن ذهب إلى هذا قال: أخبر الله عز وجل أنه أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم فسجدوا إلاّ إبليس فلو لم يكن من الملائكة، لم يكن لاستثنائه منهم معنى، ثم قال تعالى في آية أخرى:{إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} . فأبان أن المأمورين بالسجود كانوا طبقة واحدة إلا أنّ إبليس لما عصى ولعن صار من الجن الذين يسكنون الأرض.
وأيضا إن الله عز وجل أخبر عن الكفار الذين قالوا إنّ الملائكة بنات الله، فقال تعالى:
{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} [الصافات:158].
فدلّ ذلك على أن الملائكة من الجن وأنّ النسب الذي جعلوه بين الله تعالى وبين الجن قولهم: الملائكة بنات الله: تعالى عما قالوا علوا كبيرا.
وأيضا فإن الإنس هم الظاهرون والجنّ هم المجتنّون والملائكة مجتنون.
وأيضا فإن الله تعالى لما وصف الخلائق قال:
{خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ} [الرحمن:14،15].
فلو كانت الملائكة صنفا ثالثا لما كان يدع أشراف الخلائق فلا يتمدّح بالقدرة على خلقه.
قال ومن خالف هذا القول قال: إنّ سكان الأرض ينقسمون إلى إنس وجنّ، فأما من خرج عن هذا الحد لم يلحقه اسم الإنس وإن كان مرئيا ولا اسم الجنّ وإن كان غير مرئي.
والذي يدل على أنّ الملائكة غير الجنّ أنّ الله عز وجل لما أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم فسجدوا إلاّ إبليس أخبر الله عز وجل عن سبب مفارقته الملائكة فقال:
{إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف:50].
فلو كان كلّهم جنّا لاشتركوا في الامتناع عن السجود، ولم يكن في أنّ إبليس كان من الجن ما يحمله على أن لا يسجد. وفي هذا ما أبان انّ الملائكة خير، والجن خير وانهما فريقان شتى. وإنّما دخل إبليس في الأمر الذي خوطبت به الملائكة لأنّ الله تعالى قد أذن له في مساكنة الملائكة ومجاورتهم بحسن عبادته وشدة اجتهاده فجرى في عدادهم، فلما أمرت الملائكة بالسجود لآدم، دخل في الجملة الملك الأصلي والملحق بهم غير ان مفارقته الملائكة في أصل جبلته حملته على مفارقتهم في الطاعة فلذلك قال الله عز وجل:
{إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف:50].
وأما قول الله عز وجل:
{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} [الصافات:158].
فيحتمل أن ذلك تسميتهم الأصنام الهة، ودعواهم أنها بنات الله عز وجل، وتقرّبهم بعبادتها إلى الله عز وجل، وذلك حين كان شياطين الجن
يدخلون أجوافها ويكلّمونهم منها، فكانوا ينسبون ذلك الكلام إلى الله عز وجل، فقال الله تعالى:
{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} .
لأنّهم يسمّون الأصنام لمكان تكليم الجنة إياهم من أجوافها آلهة وادعوا أنّها بنات الله فأثبتوا بين الله تعالى وبين الجنة نسبا جهلا منهم.
141 -
قال البيهقي رحمه الله وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في التفسير لهذه الآية.
أنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي، ثنا إبراهيم بن الحسين، ثنا آدم، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله تعالى:
{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} [الصافات:158].
قال: قال كفار قريش: الملائكة بنات الله تعالى فقال لهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه: فمن أمهاتهم؟ فقالوا بنات سروات الجن، فقال الله عز وجل:
{وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات:158].
يقول: إنها ستحضر للحساب قال: والجنّة هي الملائكة.
وروينا عن قتادة أنه قال: جعلوا الملائكة بنات الله من الجن وكذب أعداء الله.
وعن أبي عمران الجوني قال: قالت اليهود: إن الله صاهر الجن فخرجت الملائكة.
وروينا عن الكلبي أنه قال: يقول ذلك لقولهم الملائكة بنات الله يقول الله عز وجل:
141 - أخرجه الطبري في التفسير (23/ 69) من طريق ورقاء به، وفي الدر المنثور (5/ 292) عزاه السيوطي لآدم بن أبي أياس، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والمصنف في الشعب عن مجاهد.
محضرون النار الذين قالوا الملائكة بنات الله.
قال: ويقال نزلت هذه الآية في الزنادقة وذلك أنهم قالوا خلق الله الناس والدواب والأنعام فقال إبليس لأخلقنّ خلقا أضرهم فخلق الحيات والعقارب والسباع فذلك قوله تعالى:
{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} [الصافات:158].
قالوا هو إبليس أخزاه الله، تعالى الله عما يشركون.
142 -
أخبرناه أبو عبد الرحمن الدهان، أنا الحسين بن محمد بن هارون، أنا أحمد بن محمد بن نصر، ثنا يوسف بن بلال، ثنا محمد بن مروان، عن الكلبي فذكره.
قال الحليمي رحمه الله تعالى: وأما قول الله عز وجل.
{خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ} [الرحمن:14،15].
فإنما هو بيان ما ركبه من خلق متقدم فلم تدخل الملائكة في ذلك لأنهم مخترعون، قال الله عز وجل لهم:«كونوا» ، فكانوا كما قال للأصل الذي منه خلق الجن والأصل الذي خلق منه الإنس هو التراب والماء والنار والهواء:«كن» فكان، فكانت الملائكة في الاختراع كأصول الجنّ والإنس لا كأعيانهم فلذلك لم يذكروا معهم. (والله أعلم).
قال البيهقي رحمه الله تعالى: وأبين من هذا كله في أن الملائكة صنف غير الجن حديث عائشة رضي الله عنها.
143 -
وذلك ما أخبرنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي، أخبرنا أبو حامد بن الشرقي، ثنا محمد بن يحيى، وأبو الأزهر وحمدان السلمي، قالوا: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة (رضي الله
143 - أبو حامد بن الشرقي هو: أحمد بن محمد بن الحسن النيسابوري (سير 15/ 37)، ومحمد بن يحيى هو الذهلي، وحمدان السلمي هو: أحمد بن يوسف السلمي.
أخرجه مسلم ص (2294).
عنها) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«خلقت الملائكة من نور، وخلق الجانّ من مّارج من نّار وخلق آدم ممّا وصف لكم» .
رواه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق.
وفي فصله بينهما في الذكر دليل على أنه أراد نورا آخر غير نور النار والله تعالى أعلم.
144 -
أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أنا أبو بكر القطان، ثنا إبراهيم بن الحارث البغدادي، ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا زهير بن محمد، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
قال البيهقي رحمه الله تعالى فهذا إن ثبت يدل على مفارقة هؤلاء القبيلة غيرهم من الملائكة في التسمية.
وزعم مقاتل بن سليمان: أن خلق إبليس وخلق هؤلاء وقع من نار السموم ومن مارج من نار، وهم كانوا خزّان الجنة، رأسهم إبليس؛ وكانوا أهل السماء الدنيا فهبطوا إلى الأرض حين اقتتلت الجن الذين كانوا سكان الأرض، وهم الذين أوحى الله عز وجل إليهم:
{إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30].
وزعم الكلبي: أنهم كانوا خزّان الجنان، يقال لذلك الجنة (الجن) اشتق لهم اسم من الجنة، وكان مع إبليس أقاليد الجنان وخلقه من مارج من نار وهي نار لا دخان لها فاقتتل الجن بنو الجان فيما بينهم، فبعث الله تعالى إبليس من السماء الدنيا في جند من الملائكة، فهبطوا إلى الأرض فأخرجوا الجن بني
144 - إبراهيم بن الحارث البغدادي (سير 13/ 23).
الجانّ منها، وألحقوهم بجزائر البحر وسكنوا الأرض وهم الذين قال الله عز وجل لهم.
{إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} .
ولم يعن به الملائكة الذين في السّماء،
قال البيهقي رحمه الله تعالى فعلى هذا يحتمل إن كان خلق هؤلاء أيضا وقع من مارج من نار، أن يكونوا إنما يسمّون الجن لما ذكره الكلبي أو لموافقتهم الجن في أصل الخلقة، وخلق غيرهم من الملائكة (وقع من نور)، كما روينا من حديث عائشة. وقوله:
{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} [الصافات:158].
يحتمل أن يكون المراد به هذه القبيلة التي يقال لها الجن دون غيرهم من الملائكة).
والله تعالى أعلم قال الحليمي رحمه الله تعالى: ومما يدلّ على مفارقة الجن الملائكة أنّ الله عز وجل أخبر أنّه يسأل الملائكة يوم القيامة عن المشركين فيقول لهم:
{أَهؤُلاءِ إِيّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ} [سبأ:40]
فيقول الملائكة:
{سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ، بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} [سبأ:41].
فثبت بهذا أن الملائكة غير الجن.
فقال الشيخ رحمه الله ويحتمل أن يكون هذا التبري من الملأ الأعلى الذين كانوا لا يسمون جنّا. والله أعلم.
145 -
أخبرنا أبو الحسين بن بشران، نا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا
145 - أبو إسحق هو: عمرو بن عبد الله السبيعي.
أخرجه ابن جرير في التفسير (14/ 21) من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن عمرو بن الأصم به.-
أحمد بن منصور، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن أبي إسحق، عن عمرو بن عبد الله الأصم، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
146 -
أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبا أبو عمرو بن السماك، ثنا حنبل بن إسحق، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا عباد، عن سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
«كان اسم إبليس عزازيل وكان من أشراف الملائكة من ذوي الأربعة الأجنحة ثمّ أبلس بعد» .
147 -
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى، قالا: ثنا أبو العباس بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا وكيع، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
«كان إبليس من خزّان الجنّة وكان يدبّر أمر سماء الدّنيا» .
148 -
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى، قالا: ثنا أبو العباس
145 - وعزاه السيوطي في الدر المنثور (4/ 98) للطيالسي، والفريابي، وابن ج رير، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، والمصنف في الشعب عن ابن مسعود رضي الله عنه.
146 -
حنبل بن إسحاق (ت 273)(سير 13/ 51)، سعيد بن سليمان هو أبو عثمان الواسطي (تقر يب)، عباد هو: ابن العوام أبو سهل الواسطي (تقريب)، وسفيان بن حسين هو: ابن الحسن أبو محمد (تقريب)، ويعلى بن مسلم هو ابن هرمز.
عزاه السيوطي في الدر المنثور (1/ 50) لابن أبي الدنيا في كتاب مكايد الشيطان، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في كتاب الأضداد، والمصنف في الشعب.
147 -
حبيب بن أبي ثابت (ت 129)(تقريب).
عزاه ال سيوطي في الدر المنثو ر (1/ 50) لوكيع وابن المنذر، والمصنف في الشعب.
148 -
يعقوب هو: ابن سفيان القمي.
أخرجه المصنف في الأسماء والصفات ص (316 و 317) بنفس الإسناد، ومن حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما.
الأصم، ثنا السري بن يحيى، ثنا عثمان بن زفر، ثنا يعقوب القمّي، عن جعفر، عن سعيد بن جبير في قوله:
{كانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف:50] قال: كان من الجنانين الّذين يعملون في الجنّة.
قال الحليمي رحمه الله: ثم إن الملائكة يسمّون روحانيين-بضم الراء- وسمّى الله عز وجل جبريل عليه السلام «الرّوح الأمين» و «روح القدس» .
وقال: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا} [النبأ:38].
فقيل: إن المراد به جبريل عليه السلام. وقيل: إنه ملك عظيم سوى جبريل يقوم وحده صفا والملائكة صفا.
ومن قال هذا قال: الرّوح جوهر، وقد يجوز أن يؤلف الله سبحانه أرواحا، فيجسّمها، ويخلق خلقا ناطقا عاقلا.
وقد يجوز أن تكون أجسام الملائكة على ما هي عليه اليوم مخترعة، كما اخترع عيسى وناقة صالح عليهما السلام.
وقال بعض الناس إن الملائكة روحانيّون-بفتح الراء-بمعنى أنهم ليسوا محصورين في الأبنية والظلل ولكنهم في فسحة وبساطة.
وقد قيل إن ملائكة الرحمة هم الروحانيون، وملائكة العذاب هم الكرّوبيون فهذا من الكرب، وذاك من الروح والله تعالى أعلم.
قال البيهقي رحمه الله: وذكر وهب بن منبه أن الكروبيين سكان السماء السابعة يبكون وينتحبون.
وقد ذكرنا الأخبار التي وردت في تفسير الروح والملك الذي يسمّى روحا في الثالث عشر من كتاب «الأسماء والصفات» .
وقد تكلم الناس قديما وحديثا في المفاضلة بين الملائكة والبشر. فذهب ذاهبون إلى أنّ الرسل من البشر أفضل من الرسل من الملائكة، والأولياء من البشر أفضل من الأولياء من الملائكة. وذهب آخرون إلى إنّ الملأ الأعلى مفضّلون على سكان الأرض ولكل واحد من القولين وجه.
149 -
وقد أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو حامد بن بلال، ثنا أبو زرعة الرازي، حدثنا هشام بن عمار، ثنا عبد ربّه بن صالح القرشي، ثنا عروة بن رويم، عن الأنصاري أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان» .
قال البيهقي رحمه الله وقال فيه غيره عن هشام بن عمار بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري وفي ثبوته نظر.
ومن قال في الملائكة هم قبيلان أشبه أن يقول في هذا: أراد القبيل الذي كان منهم إبليس دون الملأ الأعلى وهم الأشراف والعظماء والله تعالى أعلم.
وروينا عن عبد الله بن سلام أنّه قال:
إنّ أكرم خليقة الله تعالى على الله سبحانه أبو القاسم صلى الله عليه وسلم قال بشر قلت رحمك الله فأين الملائكة قال: (فنظر إليّ وضحك فقال: يا ابن أخي! وهل تدري ما الملائكة؟ إنّما الملائكة) خلق كخلق الأرض، وخلق السّماء، وخلق السّحاب، وخلق الجبال، وخلق الرّياح، وسائر الخلائق وإنّ أكرم الخلائق على الله تعالى أبو القاسم صلى الله عليه وسلم.
وذكر الحديث.
150 -
أخبرناه أبو الحسن المقرئ، أنا الحسن بن محمد بن إسحاق، ثنا يوسف بن يعقوب، ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، ثنا مهدي بن ميمون، ثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن بشر بن شغاف، عن ابن سلام فذكره.
149 - الأنصاري قيل هو جابر بن عبد الله الأنصاري كما في تهذيب الكمال (ص 927).
150 -
مهدي بن ميمون هو الأزدي أبو يحيى، ومحمد بن عبد الله بن أبي يعقوب هو التيمي، وبشر بن شغاف، وابن سلام هو عبد الله بن سلام كلهم من رجال (التقريب).
أخرجه المصنف في دلائل النبوة (5/ 485) بنفس الإسناد.
151 -
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ببغداد، ثنا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا عباس بن عبد الله التّرقفي، حدثنا حفص بن عمر، عن الحكم، عن عكرمة قال سمعت ابن عباس رضي يقول:
«إنّ الله عز وجل فضّل محمّدا صلى الله عليه وسلم على أهل السّماء وعلى الأنبياء قالوا يا ابن عبّاس ما فضله على أهل السّماء؟ قال لأنّ الله عز وجل قال لأهل السّماء:
{وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ} [الأنبياء:29].
وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم:
{إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} [الفتح:1،2].
قالوا يا ابن عباس! ما فضله على الأنبياء؟ قال لأنّ الله عز وجل يقول:
{وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم:4].
وقال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم:
{وَأَرْسَلْناكَ لِلنّاسِ رَسُولاً} [النساء:79].
فأرسله الله تعالى إلى الإنس والجن.
وكذلك رواه إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه وليس بالقوي.
ومن قال بالقول الآخر عارضه بقوله عز وجل:
{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ} [الزمر:65].
151 - عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري أبو محمد (ت 417)(سير 17/ 386)، وعباس بن عبد الله الترفقي هو أبو محمد (ت 267)(سير 13/ 12)، وحفص بن عمر هو ابن ميمون العدني، والحكم بن أبان هو أبو عيسى، وعكرمة، وإبراهيم بن الحكم بن ابان الأربعة من رجال التقريب.
أخرجه المصنف في دلائل النبوة (5/ 486 - 487) بنفس الإسناد.
إلاّ أن يقول قائل: الخطاب وقع إليه والمراد به غيره، أو يقول إن كان هو المراد به فقد أمنه بالآية التي قرأها ابن عباس فيما روي عنه.
152 -
أخبرنا أبو طاهر الفقيه، ثنا أبو حامد بن بلال، ثنا أبو الأزهر، ثنا أبو قتيبة، ثنا حماد بن سلمة عن أبي المهزم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
«المؤمن أكرم على الله من الملائكة» .
كذا رواه أبو المهزم عن أبي هريرة موقوفا وأبو المهزم متروك.
153 -
أخبرنا الاستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر من أصله، ثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد العمروي إملاء، ثنا أبو بكر محمد بن حمويه بن عباد السراج، ثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الغفار بن عبيد الله، ثنا عبيد الله بن تمام السلمي، عن خالد الحذاء، عن بشر بن شغاف، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
تفرد به عبيد الله بن تمام.
152 - أبو المهزم هو يزيد بن سفيان.
-أخرجه ابن ماجة (3947) من طريق الوليد بن مسلم عن حماد بن سلمة به.
وانظر الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر رقم (780) بترقيمي.
وقال البوصيري في الزوائد:
إسناده ضعيف لضعف يزيد بن سفيان أبي المهزم.
153 -
عبد القاهر بن طاهر أبو منصور (سير 17/ 572)، وأحمد بن محمد بن أحمد هو العمرزي أبو العباس، ومحمد بن حيويه بن عباد هو أبو بكر السراج، وعبيد الله بن تمام السلمي قال في الجرح روى أحاديث منكرة.
-أخرجه الطبراني كما في ابن كثير (5/ 95)، الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (4/ 45) من طريق عبيد الله بن تمام به.
وقال ابن كثير: وهذا حديث غريب جدا.
وانظر الكاف الشاف رقم (780) بترقيمي، والديلمي (6331) بترقيمي.
وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 82) للطبراني في الكبير وقال الهيثمي فيه عبيد الله بن تمام.
قال البخاري: عنده عجائب. ورواه غيره عن خالد الحذاء موقوفا على عبد الله بن عمرو وهو الصحيح.
154 -
أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد، ثنا ابن أبي قماش، ثنا وهب بن بقية عن خالد الحذاء عن بشر بن شغاف عن أبيه-قال- قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول:
ليس شيء أكرم على الله عز وجل من ابن آدم قلت الملائكة؟ قال أولئك بمنزلة الشّمس والقمر أولئك مجبورون.
155 -
حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الدّيبلي، ثنا محمد بن علي بن زيد الصائغ، ثنا سعيد بن منصور، ثنا الحارث بن عبيد الأيادي، عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«بينا أنا قاعد إذ جاء جبريل عليه السلام فوكز بين كتفيّ فقمت إلى شجرة فيها مثل وكري الطّير فقعدت في أحدهما، وقعد في الآخر فسميت وارتفعت
154 - وهب بن بقية هو الواسطي أبو محمد (ت 196).
155 -
عبد الله بن يوسف الأصبهاني أبو محمد (ت 409)(تذكرة الحفاظ 3/ 1049)، محمد بن علي بن زيد الصائغ أبو عبد الله (ت 287)(سير 13/ 428)، أبو عمران الجوني هو عبد الملك.
أخرجه البزار (كشف الأستار) 1/ 47 (58) أبو نعيم في الحلية (2/ 316) من طريق سعيد بن منصور به.
وقال البزار:
وهذا لا نعلم رواه إلاّ أنس ولا رواه عن أبي عمران إلاّ الحارث، وكان بصريا مشهورا.
والحديث في مجمع الزوائد (1/ 75) وقال الهيثمي رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح.
وقول المصنف: «ورواه حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني .... » الخ.
أخرجه البغوي في شرح السنة (13/ 247) من طريق حماد بن سلمة به.
وقال البغوي هذا مرسل اه.
ومحمد بن عمير بن عطارد ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
حتّى إذا سدّت الخافقين وأنا أقلب طرفي، ولو شئت أن أمسّ السّماء مسست فالتفتّ، فإذا جبريل عليه السلام كأنّه حلس لا طئ فعرفت فضل علمه بالله عز وجل عليّ».
ورواه حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن محمد بن عمير بن عطارد عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: صلى الله عليه وسلم:
156 -
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو عبد الله بن عبد الله الزاهد الأصبهاني، ثنا أبو السّريّ موسى بن الحسن بن عباد، ثنا حبيش بن مبشر الفقيه، قال كنّا عند يزيد بن هارون-فذكر قصة، ثم قال يزيد ثنا حماد بن سلمة، أخبرنا أبو عمران الجوني عن محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب التميمي عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
157 -
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أبو أسامة عبد الله بن أسامة الكلبي، ثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى، ثنا ابن
156 - موسى بن الحسن بن عباد أبو السري (ت 287)(سير 13/ 378)، وحبيش بن مبشر (ت 258)، يزيد بن هارون (ت 206).
أخرجه ابن عساكر عن محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب التميمي عن أبيه كما في الكنز 12/ 412 [35448].
157 -
عبد الله بن أسامة الكلبي أبو أسامة (الجرح 5/ 10)، ومحمد بن عمران بن أبي ليلى، وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن بن أبي ليلى، والحكم هو ابن عتيبة أبو محمد الكندي، ومقسم هو ابن بجرة ويقال ابن نجدة أبو القاسم. الأربعة من رجال (التقريب).
أخرجه الطبراني، وأبو الشيخ في العظمة، والمصنف في الشعب بسند حسن كما في الدر المنثور (1/ 91 و 92).
أبي ليلى عن الحكم. عن مقسم، عن ابن عباس قال:
«بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل عليه السلام يناجيه إذ انشقّ أفق السّماء فأقبل جبريل يتضاءل ويدخل بعضه في بعض، ويدنو من الأرض، فإذا ملك قد مثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا محمد! إنّ ربّك يقرئك السّلام ويخيّرك بين أن تكون نبيّا ملكا، وبين أن تكون نبيّا عبدا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأشار جبريل إليّ بيده أن تواضع، فعرفت أنّه ناصح فقلت عبدا نبيّا، فعرج ذلك الملك إلى السّماء. فقلت يا جبريل! قد كنت اردت أن أسألك عن هذا فرأيت من حالك ما شغلني عن المسألة، فمن هذا يا جبريل؟ قال هذا إسرافيل خلقه الله يوم خلقه بين يديه، صافنا قدميه، لا يرفع طرفه، بينه وبين الربّ سبعون نورا، ما منها نور يدنو منه إلاّ احترق، بين يديه اللّوح المحفوظ فإذا أذن الله من السّماء أو في الأرض، ارتفع ذلك اللّوح يظرب جبينه، فينظر فيه فإن كان من عملي أمرني به، وإن كان من عمل ميكائيل أمره به، قلت يا جبريل على أيّ شيء أنت؟ قال على الرّياح والجنود. قلت على أيّ شيء ميكائيل؟ قال على النّبات. قلت:
على أيّ شيء ملك الموت؟ قال على قبض الأنفس، وما ظننت أنّه هبط إلا بقيام السّاعة، وما ذاك الذي رأيت مني إلا خوفا من قيام الساعة».
قوله بينه وبين الرب سبعون نورا يحتمل أن يريد بينه وبين عرش الرب.
158 -
أخبرنا أبو محمد بن يوسف، أنا أبو حفص عمر بن محمد الجمحي بمكة، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن سابط قال:
159 -
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن الحسن، أنا حاجب بن أحمد، ثنا
159 - حاجب بن أحمد هو: ابن يرحم بن سفيان بن نصر بن عبد الله أبو محمد الطوسي، أبو معاوية هو: محمد بن حازم الضرير.
أخرجه الطبري في التفسير (23/ 71) من طريق الأعمش به.
محمد بن حماد، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق، قال: قال عبد الله:
«إنّ من السّموات لسماء ما فيها موضع شبر إلاّ وعليها جبهة ملك أو قدماه ثمّ قرأ:
{وَإِنّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} [الصافات:165،166].
160 -
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ومحمد بن موسى، قالا ثنا أبو العباس بن يعقوب، ثنا يحيى بن أبي طالب، أنا عبد الوهاب بن عطاء، أنا حميد الطويل، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث، عن أبي، أنّه سأل كعبا عن قوله الله:
{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:20].
{وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت:38].
«فقال: هل يؤذيك طرفك؟ قال: لا، قال: فهل يؤذيك نفسك؟ قال:
لا، قال: فإنّهم ألهموا التّسبيح، كما ألهمتم النّفس والطّرف».
161 -
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا أبو معاوية، عن أبي إسحاق الشيباني، عن حسان بن المخارق، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال: قلت لكعب: أرأيت قول الله:
159 - وعزاه السيوطي في الدر المنثور (5/ 293) لعبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والمصنف في الشعب.
160 -
يحيى بن أبي طالب (تهذيب الكمال ص 870) فيمن روى عنه عبد الوهاب، وإسحاق بن عبد الله بن الحارث ثقة (تقريب)، وعبد الله بن الحارث هو ابن نوفل (تقريب).
أخرجه ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة، والمصنف في الشعب عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن كعب، كما في الدر المنثور (4/ 315).
وأخرجه الطبري في التفسير (17/ 10) من طريق إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن أبيه عن ابن عباس عن كعب به.
161 -
أخرجه الطبري في التفسير (17/ 10) من طريق أبي معاوية به.
{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ}
قال البيهقي: ومن قال فالأول زعم أنهم خلقوا بلا شهوة فمن يعبد الله وطينه معجون بالهوى والشهوة كانت عبادته أفضل، ألا ترى من ابتلي من الملائكة بالشهوة كيف وقع في المعصية؟ وذكر قصة هاروت وماروت.
162 -
أخبرنا الشيخ أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي، أنا
162 - موسى بن جبير هو الأنصاري مولى بني سلمة، وسعيد بن سلمة هو ابن أبي الحسام.
-أخرجه أحمد 2/ 134 عن يحيى بن أبي بكير به.
وقال ابن كثير في التفسير 1/ 198 بعد أن ساقه بإسناد أحمد:
وهكذا رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن أبي بكير به.
وهذا حديث غريب من هذا الوجه ورجاله كلهم ثقات من رجال الصحيحين إلا موسى بن جبير هذا وهو الأنصاري السلمي مولاهم المديني الحذاء روى عن ابن عباس وأبي أمامة بن سهل بن حنيف ونافع وعبد الله بن كعب بن مالك روى عنه ابنه عبد السّلام وبكر بن مضر وزهير بن محمد وسعيد بن سلمة وعبد الله بن لهيعة وعمرو بن الحارث ويحيى بن أيوب روى له أبو داود وابن ماجة وذكره ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل ولم يحك فيه شيئا من هذا ولا هذا فهو مستور الحال وقد تفرد به عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروي له متابع من وجه آخر عن نافع كما قال ابن مردويه حدثنا دعلج بن أحمد حدثنا هشام حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا سعيد بن سلمة عن موسى بن سرجس عن نافع عن ابن عمر سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره بطوله.
قلت: قال شاكر رحمه الله في تحقيق مسند أحمد (9/ 31) عن هذه المتابعة إنها ضعيفة فإن عبد الله بن رجاء الغداني ثقة صدوق من شيوخ البخاري لكنه كان كثير الغلط والتصحيف.
وسعيد بن سلمة بن أبي الحسام ضعفه النسائي وقال أبو حاتم سألت ابن معين عنه فلم يعرفه حق معرفته.
وموسى بن سرجس لم يعرف حاله.
والحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 5/ 68،6/ 313 و 314 وقال في الموضع الأول-
أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، ثنا العباس بن محمد الدوري وإبراهيم بن الحارث البغدادي، قالا: ثنا يحيى بن بكير، ثنا زهير بن محمد، عن موسى بن جبير، عن نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
كذا رواه زهير بن محمد، عن موسى بن جبير، عن نافع.
ورواه سعيد بن سلمة، عن موسى بن جبير.
163 -
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب، أنا محمد بن يونس بن موسى، ثنا عبد الله بن رجاء، ثنا سعيد بن سلمة، عن موسى بن جبير، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
162 - رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح خلا موسى بن جبير وهو ثقة وكذلك قال في الموضع الثاني إلا أنه لم ينسبه فيه للبزار.
163 -
محمد بن يونس بن موسى أبو العباس البصري (ت 286)، وموسى بن عقبة هو ابن أبي عياش القرشي أبو محمد المدني (ت 141).
تفرد المصنف بإخراجه في الشعب كما في الدر المنثور (1/ 97).
{وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ} [البقرة:102] الآية.
ورويناه من وجه آخر عن مجاهد، عن ابن عمر موقوفا عليه وهو أصح فإنّ ابن عمر إنما أخذه عن كعب.
164 -
أخبرنا أبو طاهر الفقيه، ثنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان، ثنا أحمد بن يوسف السلمي، ثنا محمد بن يوسف، قال ذكر سفيان عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر عن كعب قال:
قال عبد الله: قال كعب: فما استكملا يومهما الذي نزلا فيه حتى أتيا فيه ما حرم عليهما. وهذا أشبه أن يكون محفوظا.
164 - أخرجه عبد الرزاق في تفسيره عن الثوري به كما في تفسير ابن كثير (1/ 199) وقال ابن كثير: ورواه ابن جرير من طريقين عن عبد الرزاق به ورواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عصام عن مؤمل عن سفيان الثوري به.
ورواه ابن جرير أيضا حدثني المثنى حدثنا المعلى وهو ابن أسد حدثنا عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة حدثني سالم أنه سمع عبد الله يحدث عن كعب الأحبار فذكره. فهذا أصح وأثبت إلى عبد الله بن عمر من الاسنادين المتقدمين وسالم أثبت في أبيه من مولاه عمر فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل والله أعلم.
وروي في ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ومن قال بالقول الآخر أشبه أن يقول إذا كان التوفيق للطاعة والمعصية من الله عز وجل، وجب أن يكون الأفضل من كان توفيقه له وعصمته إياه أكثر، ووجدنا الطاعة التي وجودها بتوفيقه، وعصمته من الملائكة أكثر فوجب أن يكونوا كذلك.
وذكر الحليمي رحمه الله توجيه القولين ولم أنقله، واختار تفضيل الملائكة، وأكثر أصحابنا ذهبوا إلى القول الأول والأمر فيه سهل، وليس فيه من الفائدة إلا معرفة الشيء على ما هو به وبالله التوفيق.
165 -
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى، قالا ثنا أبو العباس الأصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، وعن عمير مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال:
«إنما قوله جبريل وميكائيل كقوله عبد الله وعبد الرّحمن» .
166 -
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، ثنا أبو الحسين عبد الصمد بن علي بن مكرم البزار ببغداد، ثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي،
165 - أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سفيان عن الأعمش به كما في تفسير ابن كثير (1/ 190).
166 -
عبد الصمد بن علي بن [محمد بن] مكرم البزار أبو الحسين (خط 11/ 41)، وإسحاق بن محمد الفروي (ت 226)، عبد الملك بن قدامة الجمحي (ضعيف)(تقريب).
أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 87 و 88)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة رقم (255) كلاهما من طريق إسحاق بن محمد الفروي به.
وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه وقال الذهبي منكر غريب وما هو على شرط البخاري، عبد الملك ضعيف تفرد به وقال ابن كثير في التفسير (8/ 297):
هذا حديث غريب جدا بل منكر نكارة شديدة وإسحاق الفروي روى عنه البخاري وذكره ابن حبان في الثقات وضعفه أبو داود والنسائي والعقيلي والدارقطني وقال أبو حاتم الرازي: «كان صدوقا إلا أنه ذهب بصره فربما لقن وكتبه صحيحة وقال مرة هو مضطرب وشيخه عبد الملك بن قدامة أبو قتادة الجمحي تكلم فيه أيضا والعجب من الإمام محمد بن نصر كيف رواه ولم يتكلم عليه ولا عرّف بحاله ولا تعرض لضعف بعض رجاله؟!
غير أنه رواه من وجه آخر عن سعيد بن جبير مرسلا بنحوه ومن طريق آخر عن الحسن البصري مرسلا قريبا منه.
ثنا إسحاق بن محمد الفروي، حدثنا عبد الملك بن قدامة الجمحي، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه عن عبد الله بن عمر:
«أنّ عمر بن الخطّاب جاء والصّلاة قائمة فذكر قصّة امتناع أبي جحش الليثي عن الصّلاة مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم وفيها أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: اجلس حتّى أحدّثك بغنى الرّبّ تبارك وتعالى عن صلاة أبي جحش إنّ لله في سمائه ملائكة خشوعا لا يرفعون رؤوسهم حتّى تقوم السّاعة، فإذا قامت (السّاعة)
(1)
، رفعوا رؤوسهم، قالوا ربّنا ما عبدناك حقّ عبادتك، وإنّ لله في السّماء الثّانية ملائكة سجودا، لا يرفعون رؤوسهم حتّى تقوم السّاعة فإذا قامت السّاعة، رفعوا رؤوسهم، ثمّ قالوا ربّنا ما عبدناك حقّ عبادتك».
قال البيهقي رحمه الله تعالى قد أخرجته بطوله في مناقب عمر رضي الله عنه.
167 -
أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، ثنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا عبيد بن شريك، ثنا ابن أبي مريم، ثنا عبد الله بن فرّوخ، أخبرني أسامة بن زيد، حدثني أبان بن صالح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:
(1)
في نسخة (القيامة).
(4)
الرابع من شعب الإيمان
وهو باب في الإيمان بالقرآن المنزل على نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم
«وسائر الكتب المنزلة على الأنبياء صلوات الله عليهم
أجمعين»
قال الله تعالى:
وقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة:
285].
وقال: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [البقرة:
4].
وغير ذلك من الآيات في هذه المعنى.
وروينا في حديث ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإيمان فقال:
«أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله» .
والإيمان بالقرآن يتشعب شعبا: فأولاها بأنه كلام الله تبارك وتعالى وليس من وضع محمد صلى الله عليه وسلم ولا من وضع جبريل عليه السلام.
الثانية: الاعتراف بأنه معجز النظم لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لم يقدروا عليه.
والثالثة: اعتقاد أن جميع القرآن الذي توفي النبي صلى الله عليه وسلم عنه هو هذا الذي في مصاحف المسلمين لم يفت منه شيء، ولم يضع بنسيان ناس، ولا ضلال صحيفة، ولا موت قارئ، ولا كتمان كاتم، ولم يحرّف منه شيء، ولم يزد فيه حرف، ولم ينقص منه حرف. فأما الوجه الأول فإن الله عز وجل قال:
{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82].
وقال: {وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ} . [الأنعام:155].
وقال: {لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً} [النساء:166].
وقال: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء:192،194].
وقال: {إِنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2].
ومعناه: والله أعلم، أنزلنا الرسول المودّى له به، فيكون الرسول منتقلا من علوّ إلى سفل مؤديا للكلام الذي حفظه وذلك بيّن في الآية قبلها وهو أنه أخبر أنه نزل به الرّوح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم (فيكون جبريل عليه السلام منتقلا به من مقامه المعلوم إلى الأرض موديا له إلى محمد صلى الله عليه وسلم وأخبر في الآية قبلها أنه أنزله بعلمه، وفي الآية قبلها أنه من عنده لا من عند غيره، وقال:
{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54].
ففصل بين المخلوق والأمر ولو كان الأمر مخلوقا لم يكن لتفصيله معنى وقال:
{لَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} [طه:129].
والسبق على الاطلاق (يقتضي) سبق كل شيء سواه وقال:
{إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:40].
فلو كان قوله مخلوقا تعلق بقول آخر، وذلك حكم ذلك القول حتى يتعلق بما لا يتناهى، وذلك محال.
قال الأستاذ أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك رحمه الله فيما عسى أن يقال على هذا من السؤال الكلام على الحقيقة لا ينقل عنه إلا بدليل وقوله «كن» أمر بتكوين للمعدوم لا أمر تكليف بمنزلة قوله:
{كُونُوا حِجارَةً} [الإسراء:50].
و {كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ} [البقرة:65].
ويكون قوله «كن» متعلقا بما يكون في الوقت الذي يكون في المعلوم أنه يكون فيه فلا يكون ذلك الوقت إلاّ كان كما يكون نفسه سامعا للصوت وقت وجود الصوت. وإن كان قبل ذلك سامعا أيضا إلا أنه يتعلق بالصوت وقت وجوده في أنه سمعه حينئذ لا قبله. والفاء في قوله «فيكون» لا تقتضي أن يكون للتعقيب مع ما علق عليه لأن ذلك جواب «إنما» فكأنه قال لا يكون قوله «كن» متعلقا بما يكون إلا كان في الحال التي علم أنه يكون فيها، وأن لا يوجب استقبال لأن ذلك مع ما بعده بمنزلة المصدر كما كان قوله:
{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:184].
معناه والصيام خير لكم وذلك لا يقتضي استقبالا. قلنا وقد قال الله عز وجل في إثبات صفة الكلام لنفسه ونفي النفاد عنه:
وإنما ذكرها بلفظ الجمع على طريق التعظيم كقوله:
{إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظُونَ} [الحجر:9].
قال البيهقي رحمه الله قال:
{وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً} [النساء:164].
فوكده بالتكرار وأخبر الله عز وجل بما كلم به موسى فقال:
{يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} إلى قوله: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:12،41].
وقال: {يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ} [الأعراف:144].
فهذا كلام سمعه موسى عليه السلام من ربه باسماع الحق إياه بلا ترجمان كان بينه وبينه، ودله بذلك على ربوبيته، ودعاه إلى وحدانيته وعبادته وإقامة الصلاة لذكره، وأخبره أنه اصطفاه لنفسه واصطفاه برسالاته وبكلامه وأنه مبعوث إلى خلقه، فمن زعم أنه إنما سمعه من غير الله عز وجل فقد زعم أن غير الله ادعى الربوبية لنفسه، ودعا موسى إلى وحدانية نفسه وذلك كفر. وإن زعم أن ذلك الغير دعا إلى الله، كذّبه قوله:
و {إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي} .
ولكان ذلك الغير يقول: «ربي وربك فاعبده» دلّ على أنه إنما سمعه ممن له الربوبية والوحدانية، ولأن الأمّة اجتمعت مع سائر أهل الملل على أن موسى كان مخصوصا بفضل كلام الله عز وجل. ولو كان إنما سمعه من مخلوق لم يكن له خاصية، ولا مزية ولا فضل ولا شبه أن يكون من سمعه من جبريل أكثر خاصية منه لزيادة فضل جبريل على صوت يخلقه الله عز وجل في الوقت لموسى.
وقد روينا في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة مناظرة آدم وموسى قال:
168 -
أخبرنا أبو علي الرّوذباري، أنا أبو بكر بن داسة، ثنا أبو داود، ثنا محمد بن كثير، ثنا إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة، عن سالم-يعني ابن أبي الجعد-عن جابر بن عبد الله، قال:
168 - أخرجه أبو داود (3734) عن محمد بن كثير عن إسرائيل، والترمذي (2925) عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن كثير عن إسرائيل كلاهما عن عثمان بن المغيرة-به وقال الترمذي- حسن صحيح.
وأخرجه ابن ماجة (201) والحاكم في المستدرك (2/ 612) من طريق إسرائيل-به.
وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
وروينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
وفي رواية أخرى:
«ليس بكلامي ولا كلام صاحبي ولكنّه كلام الله عز وجل!» .
وروينا عن عامر بن شهر أنه قال:
«كنت عند النّجاشي فقرأ ابن له آية من الإنجيل فضحك فقال أتضحك من كلام الله عز وجل!»
وروينا عن خبّاب بن الأرت أنه قال:
«تقرّب ما استطعت واعلم أنّك لن تتقرّب إلى الله بشيء، أحبّ إليه من كلامه» .
وروينا عن ابن مسعود أنه قال:
«أصدق الحديث كلام الله عز وجل» .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال:
«لو أنّ قلوبنا طهرت لما شبعنا من كلام الله تعالى» .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:
«ما حكّمت مخلوقا إنّما حكّمت القرآن» .
وعن ابن عباس:
«أنّه صلّى على جنازة فقال رجل اللهمّ ربّ القرآن العظيم اغفر له فقال
ابن عبّاس ثكلتك أمّك! إنّ القرآن منه، أنّ القرآن منه»
وقد ذكرنا أسانيد هذه الآثار في كتاب «الصفات» مع سائر ما ورد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه والتابعين وأتباعهم.
169 -
أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي في «التاريخ» ، ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني، أخبرنا أبو أحمد محمد بن سليمان بن فارس، حدثنا محمد بن إسمعيل البخاري قال الحكم بن محمد أبو مروان الطبري: حدثناه سمع ابن عيينة قال: أدركت مشيختنا منذ سبعين سنة منهم عمرو بن دينار يقولون: «القرآن كلام الله ليس بمخلوق» .
كذا قال البخاري عن الحكم.
ورواه سلمة بن شبيب عن الحكم بن محمد قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: سمعت مشيختنا منذ سبعين يقولون فذكر معنى هذه الحكاية.
170 -
أخبرنا أبو منصور الفقيه، أنا أبو أحمد الحافظ، أخبرنا أبو عروبة السلمي، قال أخبرنا سلمة بن شبيب فذكره.
وكذلك رواه غير الحكم بن محمد عن سفيان.
قال البيهقي رحمه الله: مشيخة عمرو بن دينار جماعة من الصحابة منهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن الزبير، وأكابر التابعين.
وروينا هذا القول عن علي بن الحسين، وجعفر بن محمد الصادق، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، وسفيان بن عيينة، وحماد بن زيد، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن إدريس الشافعي، ويحيى بن يحيى، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد، ومحمد بن إسماعيل البخاري في مشيخة أجلّة سواهم، وإنما أحدث هذه البدعة الجعد بن درهم ومنه كان
(169 و 170) -أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد رقم (1) بترقيمي عن الحكم بن محمد الطبري- به.
يأخذ جهم، فذبحه خالد بن عبد الله القسري يوم الأضحى.
قال الأستاذ أبو بكر بن فورك رحمه الله: لو كان كلام الباري جلّ وعزّ محدثا كان قبل حدوثه موصوفا بأنه يمنع منه، كما لو كان غير عالم كان موصوفا بجهل وآفة مانعة منه ولو كان كذلك (لما) صحّ أن يتكلم في حال، كما لا يصح أن يعلم لو كان لم يزل غير عالم، فوجب أنه لم يزل متكلما لما لم يلحق به أضداد الكلام من السكوت والخرس والطفولية.
وإن شئت قلت: كلام الله سبحانه لو كان مخلوقا كان يجب أن يكون موصوفا بضده قبل خلقه له لاستحالة أن يخلو الحي من الكلام وضده، وضد الكلام لو كان قديما لم يجز عدمه، وكان يؤدي إلى إحالة وصفه بالأمر والنهي والخبر وذلك خلاف الدين.
ولأن الكلام لو كان مخلوقا كان لا يخلو من أن خلقه في نفسه أو في غيره أو في لا شيء ويستحيل أن يخلقه في لا شيء لأنه عرض والعرض لا يقوم بنفسه ويستحيل أن يخلقه في نفسه لاستحالة أن يكون محلا للحوادث، ويستحيل أن يخلقه في غيره لأنه لو كان مخلوقا في غيره لكان مضافا إلى ذلك الغير بأخص أوصافه كسائر الأعراض التي هي علم وقدرة وحياة إذا خلقها في غيره ولو كان كذلك لم يكن كلاما لله ولا أمرا له.
فإن قيل: يكون كلاما له كما يكون فعله تفضلا له وإن كان في غيره.
قيل: التفضل هو اسم يعم أجناسا، ونحن قلنا يضاف إليه بأخص أوصافه فإن كان قوة أضيفت إلى ما خلقت فيه وإن كان سمعا وبصرا فكذلك، فقولوا بأنه يضاف إليه باسم الأمر والنهي بلفظ الكلام والقول، فإن لم يضيفوه لا بالأخص ولا بالأعم ولا إلى الجملة ولا إلى المحل فقد افترق الأمر فيهما.
فإن قيل لو كان كلامه غير مخلوق لكان لم يزل مخبرا:
{إِنّا أَرْسَلْنا نُوحاً} [نوح:1].
ولم يزل يرسل، ذلك كذب. قيل: أو ليس قد قال:
{وَقالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} [إبراهيم:
22].
ولم يقل بعد أفهو كذب؟ فإن قال معناه سيقول.
قيل ذلك قوله:
{إِنّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ} [نوح:1].
في أزله خبرا عن أن «سنرسل نوحا» قبل إرساله، فإذا أرسل يكذب خبرا عن إرساله أنه وقع من غير أن يحدث خبرا، كما أن علمه بأن سيكون الدنيا علمه بأنه كائن، وإذا كان لم يحدث علم، إنما حدث المعلوم والمخبر عنه، دون العلم والخبر.
فإن قالوا: لو كان لم يزل متكلما لكان لم يزل آمرا وأمر من ليس بموجود محال.
قيل من قال من أصحابنا لم يزل آمرا فهو يقول لم يزل آمرا له يكون على معنى إذا خلقت وبلّغت، وكمل عقلك، فافعل كذا، كأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يأتي بعده. ومن قال لم يزل غير آمر وإنما يكون كلامه أمرا لحدوث معنى، فنقول لا يجب إذا كان لم يزل متكلما أن يكون لم يزل آمرا لأن حقيقة الكلام غير حقيقة الأمر، ولم يكن كلاما لأنه أمر وإنما كان كلاما لأنه مسموع يفيد معاني المتكلم، وينفي السكوت والخوص، ويكون أمرا لعلة الإفهام أن كذا يلزمه أن يفعله.
فإن قيل: لو كان لم يزل متكلما لكان هاذيا إذ لا يسمع كلامه أحد.
قيل أليس المسبّح لا يسمع كلامه أحد، ولا يكون هذيا،. فإن قيل: الله يسمعه. قيل: فهو يسمع الهذيان أيضا، ولا يخرجه من أن يكون هذيانا ولأن معنى الهذيان أنه كلام لا يفيد وكلام الله يفيد المعاني الجليلة.
فإن احتجّ محتجّ بالحروف، وتأخر بعضها عن بعض، وفي ذلك دلالة على الحدث وكلام الباري ليس بحروف وإنما هو معنى موجود قائم بذاته يسمع وتفهم معانيه والحروف تكون أدلة عليه، كما تكون الكتابة امارات الكلام ودلالات عليه. وكما يعقل متكلما لا مخارج له ولا أدوات كذلك يعقل له كلاما ليس بحروف ولا أصوات وقوله:
{ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء؛2].
دليلنا، لأنه لولا أن في الأذكار ذكرا غير محدث ما كانت له فائدة كما أن من قال جاءني رجل له رأس ما كانت له فائدة إذ لا يخلو منه رجل.
ومعنى الذكر كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أو نفس الرسول لأنه هو الذي يأتي في الحقيقة وأما النسخ والتبديل والحفظ فكل ذلك راجع إلى الأحكام وإلى القراءة الدالة على الكلام لا إلى عين الكلام وكذلك التبعيض إنما هو في القراءة الدالة عليه والقراءة غير المقروء كما أن ذكر الله غير الله وقوله:
{إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا} [الزخرف:3].
يريد به سمّيناه كقوله: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً} [الزخرف:19].
يعني وصفوا الملائكة إناثا-
قال الحليمي رحمه الله وقوله عز وجل:
{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة:40].
{وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ} [الحاقة:42].
وقال: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير:19 - 21].
فإنما معناه إنه لقول رسول كريم أي قول تلقاه عن رسول كريم، أو قول سمعه عن رسول كريم، إذ نزل به عليه رسول كريم، وقد قال في آية أخرى:
{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ} [التوبة:6].
فأثبت أن القرآن كلامه ولا يجوز أن يكون كلامه وكلام جبريل معا فدل أن معناه ما قلنا.
قال البيهقي رحمه الله: والمقصود من تلك الآية تكذيب المشركين فيما كانوا يزعمون من وضع النبي صلى الله عليه وسلم هذا القرآن، ثم قد أخبر الله عز وجل أنه هو
الذي نزل به الروح الأمين عليه السلام على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جبريل نزل به من عنده وبالله التوفيق.
وأما الوجه الثاني وهو الاعتراف بأنه معجز النظم فقد مضى الكلام فيه، والإعجاز عند أكثر أصحابنا يقع في قراءة القرآن فنظم حروفه ودلالاته في عين كلامه القديم ولما كان الجن والإنس عاجزين عن الإتيان بمثله، والملائكة أيضا عاجزون عن الإتيان بمثله لأنه في قول أكثر أهل العلم ليس من جنس نظوم كلام الناس ولا يهتدى إلى وجهه (ليحتذى) ويمثل وهو كتركيب الجواهر لتصير أجساما، وقلب الأعيان، إذ كما لا يقدر عليه الجن والإنس لا يقدر عليه الملائكة؛ وإنما وقع التحدي عليه للجن والإنس دون الملائكة لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أرسل إلى الجن والإنس دون الملائكة وفي ذلك ما أبان أن نظم القرآن ليس من عند جبريل ولكنه من عند اللطيف الخبير وهذا معنى كلام الحليمي رحمه الله. الوجه الثالث: فبيانه أن الله عز وجل ضمن حفظ القرآن فقال:
{إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظُونَ} [الحجر:9].
وقال: {وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:41،42].
فمن أجاز أن يتمكن أحد من زيادة شيء في القرآن أو نقصانه منه أو تحريفه فقد كذّب الله في خبره وأجاز الخلف فيه وذلك كفر.
وأيضا فإن ذلك لو كان ممكنا لم يكن أحد من المسلمين على ثقة من دينه ويقين مما هو متمسك به لأنه كان لا يأمن أن يكون فيما كتم من القرآن أوضاع، بنسخ شيء مما هو ثابت من الأحكام أو تبديله بغيره،
وبسط الحليمي رحمه الله الكلام فيه فصح أن من تمام الإيمان بالقرآن الاعتراف بأن جميعه هو هذا المتوارث خلفا عن سلف لا زيادة فيه ولا نقصان منه وبالله التوفيق.