المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل«في بيان كبائر الذنوب وصغائرها وفواحشها» - شعب الإيمان - ت زغلول - جـ ١

[أبو بكر البيهقي]

فهرس الكتاب

- ‌تصدير

- ‌مخطوطات الكتابوالمطبوع منه

- ‌المقدمة

- ‌مقارنة بين هذا الكتابوالطبعة الوحيدة التي طبعت منه

- ‌منهج العمل في الكتاب

- ‌نبذة عن كتابشعب الإيمان

- ‌نبذة عن الحافظ البيهقيومصنفاته

- ‌وفاته:

- ‌تحقيق تسمية الكتاب

- ‌باب ذكر الحديث الذي ورد في شعب الإيمان

- ‌باب حقيقة الإيمان

- ‌باب الدليل على أن التصديق بالقلب والإقرارباللسان أصل الإيمان، وأن كليهما شرط فيالنقل عن الكفر عند عدم العجز

- ‌باب الدليل على أن الطاعات كلها إيمان

- ‌باب الدليل على أن الإيمان والإسلام علىالإطلاق عبارتان عن دين واحد

- ‌باب القول في زيادة الإيمان ونقصانه وتفاضلأهل الإيمان في إيمانهم

- ‌باب الاستثناء في الإيمان

- ‌باب ألفاظ الإيمان

- ‌فصل فيمن كفّر مسلما

- ‌باب القول في إيمان المقلّد والمرتاب

- ‌باب القول فيمن يكون مؤمنا بإيمان غبره

- ‌باب القول فيمن يصحّ إيمانه أو لا يصحّ

- ‌باب الدعاء إلى الإسلام

- ‌فصل في معرفة الله عز وجل ومعرفة صفاتهوأسمائه

- ‌بيان معاني أسماء الذات

- ‌أسامي صفات الذاتفمن أسامي صفات الذات الذي عاد إلى القدرة

- ‌ومن أسامي صفات الذات ما هو للعلم ومعناه

- ‌ومن أسامي صفات الذات ما يعود إلى الإرادة

- ‌أسامي صفات الفعل

- ‌فصلفي الإشارة إلى أطراف الأدلةفي معرفة الله عز وجل وفي حدث العالم

- ‌فصل«في معرفة الملائكة»

- ‌ذكر حديث جمع القرآن

- ‌فصلوإذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال

- ‌فصل«في بيان كبائر الذنوب وصغائرها وفواحشها»

- ‌فصل«في أصحاب الكبائر من أهل القبلة إذا وافواالقيامة بلا توبة قدموها»

- ‌فصل«فيما يجاوز الله عن عباده ولا يؤاخذهم به فضلا منه ورحمة

- ‌فصل«في القصاص من المظالم»

- ‌فصل«في كيفية انتهاء الحياة الأولى وابتداء الحياة الأخرىوصفة يوم القيامة»

- ‌فصلقد روينا عن ابن عباس أنّه قال:

- ‌فصلقال البيهقي رحمه الله:

- ‌فصل«في معنى قول الله عز وجل»

- ‌فصل«في قوله عز وجل»

- ‌فصل«في فداء المؤمن»

- ‌فصل«في أصحاب الأعراف»

- ‌فصلفيما يحق معرفته في هذا الباب أن تعلم أنّ الجنة والنار مخلوقتان معدّتانلأهلهما

- ‌فصل«في عذاب القبر»

- ‌معاني المحبة

- ‌فصل«في إدامة ذكر الله عز وجل»

- ‌الفصل الثانيفي ذكر آثار وأخبار وردتفي ذكر الله عز وجل

- ‌فصلقال الحليمي رحمه الله تعالى:

الفصل: ‌فصل«في بيان كبائر الذنوب وصغائرها وفواحشها»

283 -

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنا عبد الله بن الحسين القاضي، ثنا الحارث بن أبي أسامة، ثنا يونس بن محمد، ثنا الليث بن سعد، حدثني عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن المعافري ثم الحبلي قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«إن الله سيخلّص رجلا من أمّتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاّ كلّ سجلّ مثل مدّ البصر، ثم يقول أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا ربّ فيقول ألك عذر؟ فيقول لا يا ربّ، فيقول: بلى إنّ لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم. فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، فيقول يا ربّ ما هذه البطاقة مع هذه السجلاّت؟ فيقال إنك لا تظلم؛ قال: فتوضع السجلاّت في كفّة والبطاقة في كفّة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله تعالى شيء» .

ورواه عبد الله بن صالح عن الليث بهذا الإسناد وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«سيصاح يوم القيامة برجل من أمّتي على رؤوس الخلائق ينشر عليه تسعة وتسعين سجلاّ» فذكر الحديث.

‌فصل

«في بيان كبائر الذنوب وصغائرها وفواحشها»

قال الله عز وجل:

{قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ} [الأعراف:37].

وقال: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ} [النساء:

31].

283 - أخرجه الحاكم (1/ 6) بنفس الإسناد وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

وأخرجه الترمذي (2639) من طريق الليث-به.

وقال حسن غريب.

ص: 264

وقال: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ} [النجم:

32].

وقد ورد النبي صلى الله عليه وسلم في عدد الكبائر ما:

284 -

أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي، أنا أبو الحسين أحمد بن عثمان الآدمي، ثنا أبو إسماعيل الترمذي، ثنا الأويسي، ثنا سليمان بن بلال، عن ثور بن زيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«اجتنبوا السّبع الموبقات قالوا: يا رسول الله وما هنّ؟ قال: الشّرك بالله، والسحر، وقتل النّفس الّتي حرّم الله إلاّ بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» .

رواه البخاري في الصحيح عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي.

وأخرجه مسلم من وجه آخر عن سليمان.

قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: وليس في تقييده ذلك بالسبع منع الزيادة عليهن وإنما فيه تأكيد اجتنابهن ثم قد ضمّ إليهن غيرهن.

روينا عن عبيد بن عمير عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم:

«الكبائر تسع» .

فذكرهن وذكر معهن:

«عقوق الوالدين واستحلال البيت الحرام» .

وفي الحديث الثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر فقال:

«الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقال ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر: قوله الزّور-أو قال-شهادة الزّور بدل «قول الزور» ».

وروي في الحديث الثابت عن عبد الله بن عمرو قال:

284 - أخرجه البخاري (4/ 12) عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي-به.

وأخرجه مسلم (1/ 92) من طريق ابن وهب عن سليمان بن بلال-به.

ص: 265

«جاء اعرابيّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما الكبائر؟ قال: «الإشراك بالله» قال: ثم ماذا؟ قال: «عقوق الوالدين» . قال: ثم ماذا؟ قال: «اليمين الغموس» .

وفي الحديث الثابت عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

«من الكبائر شتم الرجل والديه، قالوا: يا رسول الله! وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: «نعم، يسبّ أبا الرجل فيسبّ أباه، ويسبّ أمّه فيسبّ أمّه» .

وفي الحديث الثابت عن عبد الله بن مسعود قال:

قلت يا رسول الله أيّ الذنب أعظم عند الله عز وجل؟ قال: «أن تجعل لله ندّا وهو خلقك، قلت: ثم ماذا؟ قال: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم، قلت: ثم ماذا؟ قال: أن تزاني حليلة جارك» .

وفي الحديث الثابت عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصبة من أصحابه:

«بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان، ولا تعصوا في معروف» .

وقد ورد في الكتاب تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وسائر ما ذكر معهما، وورد فيه تحريم الخمر والميسر، وورد فيه تحريم أكل مال اليتيم، وتحريم أكل الأموال بالباطل، وتحريم قتل النفس، وتحريم الزنا والسرقة، وغير ذلك. وهو في مواضعه مذكور.

وورد في السنة حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم:

«ليس بين العبد وبين الشرك إلاّ ترك الصلاة» .

وإنما أراد والله أعلم تخصيص الصلاة لوجوب القتل بتركها.

وقد أورد الحليمي رحمه الله ما أوردناه ثم قال: وإذا تتبع ما في الكتاب والسنة من المحرمات كثر وإنما أوردنا هذا لنبيّن الصغائر والكبائر بيانا حاويا نأتي به على ما نحتاج إليه في هذا الباب بإذن الله.

فنقول: قتل النفس بغير حق كبيرة فإن كان المقتول أبا أو ابنا أو ذا رحم في

ص: 266

الجملة أو أجنبيا متحرما بالحرمة وبالشهر الحرام فهو فاحشة. وأما الخدشة والضربة بالعصا مرّة أو مرتين فمن الصغائر.

والزنا كبيرة فإن كان بحليلة الجار أو بذات محرم أو لا بواحدة من هاتين لكن بأنه في شهر رمضان أو في البلد الحرام فهو فاحشة. قال الله عز وجل:

{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25].

وأما ما دون الزنا الموجب للحد فإنه من الصغائر فإن كان مع امرأة الأب أو حليلة الابن أو مع أجنبية ايم، لكن على سبيل القهر والإكراه كان كبيرة.

وقذف المحصنات كبيرة وإن كانت المقذوفة أمّا أو أختا أو امرأة زانية كان فاحشة.

وقذف الصغيرة والمملوكة والحرة المتهتكة من الصغائر، وكذلك القذف بالخيانة والكذب والسرقة.

والفرار من الزحف كبيرة فإن كان من واحد أواثنين ضعيفين وهو أقوى منهما، أو اثنين حملا عليه بلا سلاح وهو شاك السلاح فذلك فاحشة.

وعقوق الوالدين كبيرة فإن كان مع العقوق سبّ أو شتم أو ضرب فهو فاحشة، وإن كان العقوق بالاستثقال لأمرهما ونهيهما والعبوس في وجوههما والتبرم بهما مع بذل الطاعة ولزوم الصمت فهذا من الصغائر فإن كان ما يأتيه من ذلك يلجئهما إلى أن ينقبضا عنه فلا يأمرانه ولا ينهيانه، ويلحقهما من ذلك ضرر، فهذا كبيرة.

والسرقة من الكبائر، وأمّا أخذ المال في قطع الطريق فاحشة، ولذلك تقطع يد السارق وتقطع يد المحارب ورجله من خلاف.

وقتل النفس في قطع الطريق فاحشة، ولذلك لا يعمل عفو الوالي عنه إذا قدر عليه قبل التوبة.

وسرقة الشيء التافه الحقير صغيرة، فإن كان المسروق منه مسكينا لا غنى به عما أخذ منه فذلك كبيرة، وإن لم يكن على السارق الحدّ.

وأخذ أموال الناس بغير حق كبيرة فإن كان المأخوذ ماله يفتقر، أو كان أبا

ص: 267

الآخذ أو أمّه، أو كان الآخذ بالاستكراه والقهر فهو فاحشة، وكذلك إن كان على سبيل القمار فإن كان المأخوذ شيئا تافها والمأخوذ منه غنيا لا بأس عليه من ذلك فذلك صغيرة.

وشرب الخمر من الكبائر، فإن استكثر الشارب منه حتى سكر أو جاهر به فذلك من الفواحش فإن مزج خمرا بمثلها من الماء، فذهبت شرّتها وشدتها فذلك من الصغائر.

وترك الصلاة من الكبائر فإن صار عادة فهو من الفواحش، فإن كان أقامها ولم يؤتها حقها من الخشوع لكنه التفت فيها، أو فرقع أصابعه، أو استمع إلى حديث الناس، أو سوّى الحصى أو أكثر من مسّ الحصى من غير عذر فذلك من الكبائر، فإن اتخذه عادة فهو من الفواحش.

وإن ترك إتيان الجماعة لغيرها فهو من الصغائر فإن اتخذ ذلك عادة وقصد به مباينة الجماعة والانفراد عنهم فذلك كبيرة، وإن اتفق على ذلك أهل قرية أو أهل بلد فهو من الفواحش.

ومنع الزكاة كبيرة وردّ السائل صغيرة، فإن اجتمع على منعه، أو كان المنع من واحد إلاّ أنّه زاد على المنع الانتهار والاغلاظ فذلك كبيرة، وهكذا إن رأى محتاج رجلا موسعا على الطعام فرآه فتاقت إليه نفسه فسأله منه فردّه فذلك كبيرة.

قال والأصل في هذا الباب أنّ كل محرم بعينه منهيّ عنه لمعنى في نفسه فإنّ تعاطيه على وجه يجمع وجهين أو أوجها من التحريم فاحشة، وتعاطيه على وجه يقصر به عن رتبة المنصوص أو تعاطي ما دون المنصوص الّذي لا يستوفي معنى المنصوص أو تعاطي المنصوص الّذي نهى عنه لأن لا يكون ذريعة إلى غيره فهذا كله من الصغائر.

وتعاطي الصغير على وجه يجمع وجهين أو أوجها من التحريم كبيرة ومثال ذلك موجود فيما مضى ذكره وأعاده ها هنا وزاد فيما ذكره من الذريعة أن يدلّ رجلا على مطلوب ليقتل ظلما أو يحضره سكّينا وهذا يحرم لقوله:

{وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ} [المائدة:2].

ص: 268

لكنّه من الصغائر لأنّ النهي عنه لئلا يكون ذريعة للظالم للتمكن من ظلمه وكذلك سؤال الرجل لغيره الّذي لا يلزمه طاعة أن يقتل آخر ليس من الكبائر لأنّه ليس فيه إلاّ إرادة هلاكه من غير أن يكون معها فعل والله أعلم.

قال البيهقي رحمه الله: وقد نجد اسم الفاحشة واقعا على الزنا وإن لم ينضمّ إليه زيادة حرمة لكنه لمّا رأى الله عز وجل فرق بين الكبائر والفواحش في الذكر فرق هو أيضا بينهما فكلّ ما كان أفحش ذكرا جعله زائدا على الكبيرة والله أعلم.

وقد فسّر مقاتل بن سليمان: الكبائر بكل ذنب ختم بالنار، والفواحش ما يقام فيه الحد في الدنيا وقد دلّ كلام الحليمي رحمه الله وغيره من الأئمة على أن الإصرار على الصغيرة كبيرة.

وقد وردت أخبار وحكايات على التحريض على اجتناب الصغائر خوفا من الإصرار عليها فتصير من الكبائر.

285 -

أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك رحمه الله، ثنا عبد الله بن جعفر الأصبهاني، ثنا يونس بن حبيب، أنا أبو داود، ثنا عمران القطان، عن قتادة، عن عبد ربّه، عن أبي عياض، عن عبد الله بن مسعود أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«إياكم ومحقرات الأعمال إنّهنّ ليجتمعن على الرّجل حتّى يهلكنه وأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهنّ مثلا كمثل قوم نزلوا بأرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل يجيء بالعود والرجل يجيء بالعويد حتّى جمعوا من ذلك سوادا ثم أججوا نارا فأنضجت ما قذف فيها» .

286 -

أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أنا دعلج بن أحمد بن دعلج، ثنا محمد بن إسماعيل بن مهران الإسماعيلي ثنا عمرو بن عثمان، ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، قال؛ سمعت بلال بن سعد يقول:

(لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر من عصيت).

285 - أخرجه البيهقي من طريق أبي داود الطيالسي في مسنده (400).

ص: 269

287 -

أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت منصور بن عبد الله، يقوله: سمعت أبا العباس بن عطاء يقول:

تولّد ورع المتورّعين من ذكر الذرّة والخردلة وأنّ ربّنا الذي يحاسب على اللحظة والهمزة والّلمزة لمستقص في المحاسبة، وأشدّ منه أن يحاسبه على مقادير الذّرّة وأوزان الخردلة ومن يكن هكذا حسابه لحريّ أن يتّقى.

288 -

أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان. ثنا عبد الله بن جعفر، ثنا يعقوب بن سفيان، ثنا زيد بن بشر، أنا ابن وهب، ثنا ابن زيد وذكر عمر وأبا بكر ابني المنكدر قال:

فلمّا حضر أحدهما الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك؟ إن كنا لنغبطك لهذا اليوم! قال: أما والله ما أبكي أن أكون أتيت شيئا ركبته من معاصي الله اجتراء على الله، ولكني أخاف أن أكون أتيت شيئا أحسبه هيّنا وهو عند الله عظيم.

قال: وبكى الآخر عند الموت فقيل له مثل ذلك، فقال: إني سمعت الله يقول لقوم: {وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47].

فأنا أنظر ما ترون والله ما أدري ما يبدو لي، قال: وكان يقال محمد أخوهم أدناهم في العبادة وأيّ شيء كان محمد في زمانه!

289 -

أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أنا أبو الحسن أحمد بن إسحاق الطيبي، ثنا إبراهيم بن الحسين الهمداني، ثنا آدم بن أبي أياس، ثنا ضمرة بن ربيعة، عن سفيان الثوري في قوله عز وجل:

{فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ} [البقرة:284].

قال: يغفر لمن يشاء العظيم، ويعذب من يشاء على الصغير.

وروي عن ابن عباس الفرق بين الصغائر والكبائر ويروى عنه أنه لم يفرق بينهما

290 -

أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي، ثنا أبو الحسن

289 - عزاه السيوطي في الدر المنثور (1/ 376) لابن أبي حاتم عن مجاهد.

290 -

عزاه السيوطي في الدر المنثور (2/ 146) لابن أبي حاتم عن ابن عباس.

ص: 270

الطرائفي، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة. عن ابن عباس في قوله:

{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء:31].

قال: الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو عذاب أو لعنة.

291 -

وبهذا الإسناد عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الشرك بالله لأنّ الله يقول:

{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [المائدة:72].

واليأس من روح الله لأنّ الله يقول:

{لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ} [يوسف:87].

والأمن من مكر الله لأنّ الله يقول:

{فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ} [الأعراف:99].

ومنها عقوق الوالدين لأنّ الله تعالى جعل العاقّ جبّارا شقيا عصيا.

وقتل النفس التي حرم الله بغير حق لأنّ الله سبحانه يقول:

{فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء:92].

وقذف المحصنات لأنّ الله يقول:

{لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ} [النور:23].

وأكل مال اليتيم لأنّ الله يقول:

{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء:10].

والفرار من الزحف لأن الله تعالى يقول:

{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ} [الأنفال:16].

291 - عزاه السيوطي في الدر المنثور (2/ 148) لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس.

ص: 271

ومنها أكل الربا لأنّ الله يقول:

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275].

والسحر لأنّ الله يقول:

{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:102].

والزنا لأنّ الله يقول:

{وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً} [الفرقان:69].

واليمين الغموس الفاجرة لأنّ الله تعالى يقول:

{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ} [آل عمران:77].

والغلول لأنّ الله يقول:

{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ} [آل عمران:161].

ومنع الزكاة المفروضة لأنّ الله يقول:

{فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ} [التوبة:35].

وشهادة الزور وكتمان الشهادة فإن الله يقول:

{وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة:283].

وشرب الخمر لأنّ الله عدل بها الأوثان، وترك الصلاة متعمدا، أو أشياء مما فرض الله تعالى لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«ومن ترك الصلاة متعمّدا فقد برئ من ذمّة الله ورسوله» .

ونقض العهد، وقطيعة الرحم لأنّ الله تعالى يقول:

{لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ} [الرعد:25].

قال البيهقي رحمه الله: وأما ترك الفرق بينهما ففيما:

ص: 272