المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي الإشارة إلى أطراف الأدلةفي معرفة الله عز وجل وفي حدث العالم - شعب الإيمان - ت زغلول - جـ ١

[أبو بكر البيهقي]

فهرس الكتاب

- ‌تصدير

- ‌مخطوطات الكتابوالمطبوع منه

- ‌المقدمة

- ‌مقارنة بين هذا الكتابوالطبعة الوحيدة التي طبعت منه

- ‌منهج العمل في الكتاب

- ‌نبذة عن كتابشعب الإيمان

- ‌نبذة عن الحافظ البيهقيومصنفاته

- ‌وفاته:

- ‌تحقيق تسمية الكتاب

- ‌باب ذكر الحديث الذي ورد في شعب الإيمان

- ‌باب حقيقة الإيمان

- ‌باب الدليل على أن التصديق بالقلب والإقرارباللسان أصل الإيمان، وأن كليهما شرط فيالنقل عن الكفر عند عدم العجز

- ‌باب الدليل على أن الطاعات كلها إيمان

- ‌باب الدليل على أن الإيمان والإسلام علىالإطلاق عبارتان عن دين واحد

- ‌باب القول في زيادة الإيمان ونقصانه وتفاضلأهل الإيمان في إيمانهم

- ‌باب الاستثناء في الإيمان

- ‌باب ألفاظ الإيمان

- ‌فصل فيمن كفّر مسلما

- ‌باب القول في إيمان المقلّد والمرتاب

- ‌باب القول فيمن يكون مؤمنا بإيمان غبره

- ‌باب القول فيمن يصحّ إيمانه أو لا يصحّ

- ‌باب الدعاء إلى الإسلام

- ‌فصل في معرفة الله عز وجل ومعرفة صفاتهوأسمائه

- ‌بيان معاني أسماء الذات

- ‌أسامي صفات الذاتفمن أسامي صفات الذات الذي عاد إلى القدرة

- ‌ومن أسامي صفات الذات ما هو للعلم ومعناه

- ‌ومن أسامي صفات الذات ما يعود إلى الإرادة

- ‌أسامي صفات الفعل

- ‌فصلفي الإشارة إلى أطراف الأدلةفي معرفة الله عز وجل وفي حدث العالم

- ‌فصل«في معرفة الملائكة»

- ‌ذكر حديث جمع القرآن

- ‌فصلوإذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال

- ‌فصل«في بيان كبائر الذنوب وصغائرها وفواحشها»

- ‌فصل«في أصحاب الكبائر من أهل القبلة إذا وافواالقيامة بلا توبة قدموها»

- ‌فصل«فيما يجاوز الله عن عباده ولا يؤاخذهم به فضلا منه ورحمة

- ‌فصل«في القصاص من المظالم»

- ‌فصل«في كيفية انتهاء الحياة الأولى وابتداء الحياة الأخرىوصفة يوم القيامة»

- ‌فصلقد روينا عن ابن عباس أنّه قال:

- ‌فصلقال البيهقي رحمه الله:

- ‌فصل«في معنى قول الله عز وجل»

- ‌فصل«في قوله عز وجل»

- ‌فصل«في فداء المؤمن»

- ‌فصل«في أصحاب الأعراف»

- ‌فصلفيما يحق معرفته في هذا الباب أن تعلم أنّ الجنة والنار مخلوقتان معدّتانلأهلهما

- ‌فصل«في عذاب القبر»

- ‌معاني المحبة

- ‌فصل«في إدامة ذكر الله عز وجل»

- ‌الفصل الثانيفي ذكر آثار وأخبار وردتفي ذكر الله عز وجل

- ‌فصلقال الحليمي رحمه الله تعالى:

الفصل: ‌فصلفي الإشارة إلى أطراف الأدلةفي معرفة الله عز وجل وفي حدث العالم

المخاطب يحيى وليس اسمه، وهو اسمه واسمه هو، وكذلك قال:

{ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها} [يوسف:40].

وأراد المسميات. ولأنه لو كان غيره أو لا هو المسمى لكان للقائل إذا قال:

عبدت الله-والله اسمه-أن يكون عبد اسمه، أما غيره وأمّا لا. يقال: إنه هو وذلك محال.

وقوله «إن لله تسعة وتسعين اسما» معناه تسميات العباد لله لأنه في نفسه واحد، قال الشاعر:

إلى الحول ثم اسم السّلام عليكما

قال أبو عبيد: أراد ثمّ السّلام عليكما، لأن اسم السّلام هو السّلام. ومن أصحابنا من أجرى الأسماء مجرى الصفات. وقد مضى الكلام فيها. والمختار من هذه الأقاويل ما اختاره الشيخ أبو بكر بن فورك-رحمه الله تعالى-.

103 -

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل-وسئل عن قوله تعالى «تبارك» -فقال ارتفع وعلا.

‌فصل

في الإشارة إلى أطراف الأدلة

في معرفة الله عز وجل وفي حدث العالم

العالم عبارة عن كل شيء غير الله، هو جملة الأجسام والأعراض، وجميع ذلك موجود عن عدم بايجاد الله عز وجل واختراعه إياه. قال الله عز وجل:

{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}

103 - حسان بن محمد الفقيه أبو الوليد (سير 15/ 492)، وسعيد بن إسماعيل أبو عثمان الحيري (سير 14/ 62).

ص: 126

وسئل نبينا صلى الله عليه وسلم عن بدء هذا الأمر فقال:

«كان الله ولم يكن شيء غيره-ثم ذكر الخلق» .

فإن قال قائل: فهل في العقل دليل على حدث الأجسام؟

قيل: نعم، وقد وجدنا الأجسام لا تنفك عن الحوادث المتعاقبة عليها كالاجتماع والافتراق، والسكون والحركة، والألوان، والمطعوم والأرايح وما لم ينفكّ من الحوادث ولم يسبقها، محدث مثلها

وإن قال: وهل فيه دليل على حدث الأعراض؟

قيل: نعم. قد وجدناها تتضاد في الوجود ولا يصح وجود جميعها معا في محلّ، فثبت أن بعضها يبطل ببعض، وما يجوز عليه البطلان لا يكون إلاّ حادثا، لأن القديم لم يزل ولا يصح عليه العدم.

فإن قال: فهل فيه دليل على أن الحوادث لا بد لها من محدث؟

قيل: نعم. حقيقة المحدث ما وجد عن عدم، ولولا أن موجودا أوجده لم يكن وجوده أولى من عدمه؛ وإنه يتقدّم بعضها على بعض، فلولا أن مقدّما قدّم ما تقدم منه، لم يكن حدوثه متقدّما أولى من حدوثه متأخرا، وكذلك وجود بعضه على بعض الهيئات المخصوصة يدل على جاعل خصّه بذلك، لو لاه لم يكن بعض الهيئات بأولى من بعض، ولأنا نشاهد الأجسام يتنقل أسبابها، ويتبدل أحوالها، فلولا أن منقّلا نقلها، لم يكن انتقالها أولى من بقائها. وفي ذلك دليل على أن تعلقها بمن نقلها، وحاجتها إلى من غيّرها، أنّها مصنوعة، وأن لها صانعا غيرها، ونحن نصوّره في الإنسان الذي هو في غاية الكمال والتمام، فإنه كان نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظاما ولحما ودما وقد علمنا أنه لم ينقل نفسه من حال إلى حال، لأنّا نراه في حال كمال قوته وتمام عقله لا يقدر على أن يحدث لنفسه سمعا ولا بصرا، ولا أن يخلق لنفسه جارحة، فدلّ ذلك على أنه قبل تكامله واجتماع قوّته عن ذلك اعجز. وقد رأيناه طفلا ثم شابّا، ثم كهلا ثم شيخا. وقد علمنا أنه لم ينقل نفسه من حال إلى حال (فدلّ على أن ناقلا نقله من حال إلى حال) ودبّره على ما هو عليه. ومما يبيّن ذلك أن القطن لا يجوز أن يتحوّل غزلا مفتولا ثم ثوبا منسوجا من غير صانع ولا مدبّر. والطين والماء لا

ص: 127

يجوز أن يصيرا بناء مشيدا من غير بان. وكما لا يجوز صانع لا صنع له. لا يجوز صنع لا من صانع. وقد نبّهنا الله تعالى في غير موضع من كتابه العزيز على ما ذكرناه من العبر، فقال عز وجل:

{وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ* وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ* وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ* وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ* وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} [الروم:20 - 25].

وإن قال قائل: ومن لكم بأن أثر الصّنع موجود في السماوات والأرض؟ قال الحليمي-رحمه الله تعالى-.

قيل له إن السماء جسم محدود متناه، والمحدود المتناهي لا يجوز أن يكون قديما، لأن القديم هو الموجود الذي لا سبب لوجوده، وما لا سبب لوجوده، فلا جائز أن يكون له نهاية، لأنه لا يكون وجوده إلى تلك النهاية أولى به من وجوده دونها أو وراءها. ولأن المتناهي لا يكون خالص الوجود لأنه إلى نهايته يكون موجودا ثم يكون وراء نهايته معدوما، والقديم لا يعدم، فصحّ أن المتناهي لا يجوز أن يكون قديما، والسماء متناهية. فثبت أنها ليست بقديم.

فإن قيل: وما الدليل على أنها متناهية؟

قيل: الدليل على أنها متناهية عيانا من الجهة التي تلينا، فدل ذلك على أنها متناهية من الجهات التي نراها ولا نشاهدها لأن تناهيها من هذه الجهة قد أوجب أن لا يكون ما يلينا منها قديما موجودا إلا لسبب، فصح أن ما لا يلينا منها فهي كذلك أيضا، لأنه لا يجوز أن يكون شيء واحد بعضه قديم وبعضه غير قديم.

وأيضا فإن السماء جسم ذو أجزاء، وكلّ جزء منه محدود متناه، فدلّ ذلك

ص: 128

على أن جميعها محدود متناه.

-ثم ساق الكلام إلى أن قال

(1)

-

وما قلته في السماء فهو في الأرض مثله وأبين، لأنّ أجزاء الأرض تقبل في العيان أنواعا من الاستحالة، وكذلك الماء والهواء لأنّ أجزاء كل واحد من هذه الأشياء يجتمع مرة ويفترق أخرى، وينتقل من حال إلى حال، فصار حكمها حكم غيرها من الأجسام التي ذكرنا في الحاجة إلى مغيّر غيّرها، وناقل نقلها، وهو الواحد القهار.

قال البيهقي-رحمه الله

فإن قال قائل: وهل في العقل دليل على أنّ محدثها واحد؟

قيل: نعم وهو استغناء الجميع في حدوثه بمحدث واحد، والزيادة عليه لا ينفصل منها عدد من عدد ولأنه لو كان للعالم صانعان لكان لا يجري تدبيرهما على نظم ودلا على أحكام، كما قال الله عز وجل:

{لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ} [الأنبياء:22].

ولكان العجز يلحقهما أو أحدهما، وذلك أنّه لو أراد أحدهما أحياء جسم وأراد الآخر إماتته، كان لا يخلو من أن يتمّ مرادهما. وهذا مستحيل، أو لا يتم مرادهما، أو مراد أحدهما دون صاحبه.

ومن لم يتم مراده كان عاجزا. والعاجز لا يكون الها قديما وعبارة أخرى وهي أن حال الاثنين لا يخلو من صحة المخالفة، أو تعذر المنازعة، فإن صحت المخالفة أو تعذرت المنازعة بأن صحت المخالفة كان الممنوع من المراد موصوفا بالقهر، وان تعذرت المنازعة كان كل واحد منهما موصوفا بالنقص والعجز، وذلك يمنع من التثنية. وقد دعانا الله عز وجل إلى توحيده في غير موضع من كتابه بما أرانا من الآيات، وأوضح لنا من الدلالات فقال عزّ من قائل:

{وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ} -قرأها إلى قوله- {لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة:163،164].

(1)

المنهاج للحليمي (1/ 214 - 215).

ص: 129

إلى سائر ما ورد في الكتاب من الدلالات على صنعه وتوحيده.

104 -

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس الأصم، ثنا أحمد بن الفضل الصائغ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفر الرازي، ثنا سعيد بن مسروق، عن أبي الضحى:

{وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ}

لما نزلت هذه الآية عجب المشركون وقالوا ان محمدا يقول: والهكم إله واحد فليأتنا بآية إن كان من الصادقين. فأنزل الله عز وجل:

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ .. } . [البقرة:

164] الآية.

يقول: إن في هذه الآيات

{لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .

105 -

حدثنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني محمد بن يوسف الدقيقي قال وجدت في كتابي للشافعي رحمه الله:

فيا عجبا كيف يعصى الاله

أم كيف يجحده جاحد؟

ولله في كل تحريكة

وتسكينة أبدا شاهد

في كل شيء له آية

تدل على أنه واحد

ويقال إن هذه الأبيات لأبي العتاهية.

104 - أحمد بن الفضل بن الصايغ (جرح 2/ 67).

آدم بن أبي أياس (ت 221) تقريب.

سعيد بن مسروق الثوري والد سفيان (ت 126) تقريب أبو الضحى هو: مسلم بن صبيح (ت 100) تقريب.

أخرجه الطبري (3/ 269 [2401]) عن المثنى عن إسحاق بن الحجاج عن ابن أبي جعفر عن أبيه به.

وعزاه السيوطي في الدر المنثور (1/ 163) لوكيع، والفريابي، وآدم بن أبي أياس، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة، والمصنف في شعب الإيمان عن أبي الضحى.

ص: 130

106 -

أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، قال سمعت أبا الحسين عبد الواحد بن أبي عبد الرحمن-ناقله أبي القاسم المذكور-يقول حكى جدي في كتبه عن شيوخه أن أبا العتاهية إسماعيل بن القاسم جاء إلى دكان سقيفة الوراق فجلس وتحدث ثم ضرب بيده إلى دفتر فكتب في ظهره:

فيا عجبا كيف يعصى الاله

أم كيف يجحده الجاحد

ولله في كل تحريكة

وتسكينة أبدا شاهد

وفي كل شيء له آية

تدلّ على أنّه واحد

ثم ألقاه ونهض. فلما كان من الغد أو بعد ذلك جاء أبو نواس فجلس وتحدث وضرب بيده إلى ذلك الدفتر فقال:

أحسن، قاتله الله! والله لوددته لي بجميع ما قلته. لمن هي؟

قلنا: لأبي العتاهية.

فقال: هو أحق به.

ثم أخذ أبو نواس الدفتر فكتب:

سبحان من خلق الخلق

من ضعيف مهين.

يسوقه من قرار

إلى قرار مكين

يجوز شيئا فشيئا

في الحجب دون العيون

حتى بدت حركات

مخلوقة من سكون

فلما عاد أبو العتاهية نظر فيه فقال: أحسن، قاتله الله! والله لوددت أنها لي بجميع ما قلت وما أقول. لمن هي؟

فقلنا لأبي نواس.

فقال: الشيطان، ثم كتب أبو العتاهية:

فإن اك حالكا فالمسك أحوى

وما لسواد جلدي من بقاء

ولكنّي عن الفحشاء ناء

كبعد الأرض عن جوّ السماء

106 - أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم (سير 10/ 195) وانظر ديوان أبي العتاهية (ص 104) - سيبويه (1/ 153).

ص: 131

107 -

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبا أبو جعفر محمد بن صالح بن هاني، ثنا السريّ بن خزيمة، ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى:

{وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ} [الأعراف:11].

قال: خلقوا في أصلاب الرجال، ثم صوّروا في أرحام النساء.

108 -

حدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان، أنبا عبد الله بن محمد بن علي بن زياد الدقيقي، ثنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المديني، ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أنبا بقية بن الوليد، ثنا بحير بن سعيد عن خالد بن معدان قال: قال أبو ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«قد أفلح من أخلص الله قلبه للإيمان، وجعل قلبه سليما، ولسانه صادقا، ونفسه مطمئنّة، وخليقته مستقيمة، وجعل أذنه مستمعة وعينه ناظرة. فأما الأذن فقمع، وأما العين فمقرّة لما يوعى القلب، وقد أفلح من جعل الله قلبه واعيا» .

109 -

أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أنبا إسماعيل بن محمد الصفّار، ثنا

107 - أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 319) عن أبي جعفر محمد بن صالح بن هانئ به.

وعزاه السيوطي في الدر (3/ 72) لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، والمصنف في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما.

108 -

سهل بن محمد بن سليمان أبو الطيب طبقات الشافعية (4/ 393)، عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المديني (بيان خطأ 175)، خالد بن معدان الكلاعي أبو عبد الله ثقة تقريب.

أخرجه أحمد 5/ 147 عن إبراهيم بن أبي العباس، والأصبهاني في الترغيب (101) من طريق الوليد بن عتبة كلاهما عن بقية به.

وعزاه السيوطي في اللآلئ (1/ 97) لابن السنى في الطب. قلت ومن طريقه أخرجه الأصبهاني في الترغيب.

109 -

أحمد بن منصور الرمادي (جرح 2/ 78).

عزاه العراقي لأبي نعيم في الطب النبوي والطبراني في مسند الشاميين والمصنف في الشعب من حديث أبي هريرة كذا بالاتحاف (7/ 224).

وقال الزبيدي: قوله رواه أبو نعيم في الطب ظاهره أنه من حديث عائشة وليس كذلك وإنما أخرجه من حديث أبي سعيد.

ص: 132

أحمد بن منصور الرمادي، ثنا عبد الرزاق، أنبا معمر، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

القلب ملك، وله جنود، فإذا صلح الملك صلحت جنوده، وإذا فسد الملك فسدت جنوده. والأذنان قمع والعينان مسلحة، واللسان ترجمان، واليدان جناحان، والرّجلان بريد، والكبد رحمة، والطحال ضحك، والكليتان مكر، والرية نفس».

قال البيهقي رحمه الله:

هكذا جاء موقوفا، ومعناه في القلب جاء في حديث النعمان بن بشير مرفوعا.

وقد رواه عبد الله بن المبارك عن معمر بإسناده وقال رفعه.

110 -

أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، أنبا أبو سعيد أحمد بن النسوي، ثنا إسماعيل بن إبراهيم النيسابوري قال سئل الحسن بن عيسى عن حديث ابن المبارك، فقال حدثني أبو الأسود، ثنا عبد الله ثنا معمر، عن عاصم بن أبي

110 - الحسن بن عيسى بن ماسرجس الماسرجسي أبو علي (تهذيب 2/ 313).

قول البيهقي ورواه أيضا الحكم بن فضيل

الخ.

رواه ابن عدي في الكامل في الضعفاء 2/ 633 من طريق سويد بن سعيد عن الحكم بن فضيل عن عطية عن أبي سعيد.

وقال ابن عدي هذا الحديث لا أعلم يرويه عن عطية غير الحكم بن فضيل والحكم هذا قد روى عن غير عطية مثل خالد الحذاء وغيره وهو قليل الرواية وما تفرد به لا يتابعه عليه الثقات. قلت: تعقبه السيوطي في اللآلئ 1/ 96 بقوله:

(الحكم) وثقه أبو داود وغيره.

(وسويد) وإن وهاه ابن معين فقد وثقه أحمد وأبو حاتم وأبو زرعة والبغوي وصالح حرزه والدارقطني وآخرون واحتج به مسلم في صحيحه وكفى بذلك، غاية أمره أنه عمي وعمره مائة سنة فاختل حفظه.

وله متابع أخرجه أبو الشيخ وفي العظمة عن علي بن الصباح عن يحيى بن واقد عن هشام بن محمد بن السائب عن أبي الفضل العبدي من آل حرب بن مصقلة عن عطية عن أبي سعيد به.

وعطية لم ينته أمره إلى أن يحكم على حديثه بالوضع بل الترمذي يحسن له.

ص: 133

النجود، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رفعه فذكره.

ورواه أيضا الحكم بن فضيل عن عطية عن أبي سعيد مرفوعا.

111 -

أخبرنا أبو علي الروذباري، أنبا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا عباس بن محمد، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن محمد بن المرتفع عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما:

{وَفِي أَنْفُسِكُمْ، أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21].

قال: سبيل الخلاء والبول.

112 -

أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أنبا أبو جعفر الرزاز، أنبا أحمد بن الوليد الفحام، ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير عن ابن الزبير:

{وَفِي أَنْفُسِكُمْ، أَفَلا تُبْصِرُونَ} .

قال: سبيل الخلاء والبول. كذا قال.

113 -

وأخبرنا أبو طاهر الفقيه، أنبا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر، ثنا السري بن خزيمة الأبيوردي، ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان، عن ابن جريج عن محمد بن المرتفع عن ابن الزبير فذكره.

114 -

أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، حدثني محمد بن محمد بن عبيد الله الأديب، ثنا محمود بن محمد، ثنا عبد الله بن الهيثم، ثنا الأصمعي قال سمعت ابن السمّاك يقول لرجل:

«تبارك من خلقك فجعلك تبصر بشحم، وتسمع بعظم، وتتكلم بلحم» .

111 - 113 - أبو جعفر الرزاز هو محمد بن عمرو بن البختري (ت 339)(خط 3/ 132) أخرجه الطبري في التفسير 26/ 126 عن ابن حميد عن مهران عن سفيان به.

وعزاه السيوطي في الدر المنثور للفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير والمنذري وابن أبي حاتم والمصنف في شعب الإيمان عن ابن الزبير رضي الله عنه.

114 -

عبد الله بن الهيثم هو أبو عبد الله البصري، الأصمعي هو: أبو سعيد عبد الملك بن قريب (ت 215)، وابن السماك هو: أبو العباس محمد بن صبيح العجلي (ت 183)(سير 8/ 328).

ص: 134

115 -

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا ثنا أبو العباس الأصم، ثنا أبو أمية، ثنا أبو عاصم، ثنا صالح الناجي، عن ابن جريج، عن ابن شهاب في قوله تعالى:

{يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ} [فاطر:1].

قال: حسن الصوت.

116 -

قال وحدثنا أبو أمية الطرسوسي، حدثنا محمد بن سليمان البصري، ثنا إبراهيم بن الجنيد، عن عمر بن حفص العسقلاني، عن خليد بن دعلج، عن قتادة في قوله:

«يزيد فى الخلق ما يشاء»

قال: الملاحة في العينين.

117 -

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبا الحسن بن محمد بن إسحاق قال سمعت أبا عثمان الخياط يقول ثنا ذو النون بن إبراهيم المصري قال:

«إنّ الله عز وجل خلق القلوب أوعية للعلم، ولولا أنّ الله سبحانه وبحمده أنطق اللسان بالبيان، وافتتحه بالكلام، ما كان الإنسان إلاّ بمنزلة البهيمة، يومئ بالرّأس، ويشير باليد» .

118 -

أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أنبا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا سعدان بن نصر، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش عن عمرو بن مرة، عن سالم بن

115 - أبو أمية الطرسوسي هو: محمد بن إبراهيم وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد.

وعزاه السيوطي في الدر المنثور (5/ 244) لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والمصنف في الشعب عن الزهري به.

116 -

خليد بن دعلج (تقريب) ضعيف.

عزاه السيوطي في الدر المنثور (5/ 244) للمصنف فقط.

117 -

أبو عثمان الخياط هو: سعيد بن عثمان (خط 9/ 99).

118 -

أخرجه أحمد في الزهد (ص 172) من طريق أبي معاوية به.

وأخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 209) من طريق قيس بن عمار الدهني عن سالم أبي الجعد عن معدان عن أبي الدرداء به

ص: 135

أبي الجعد، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال:

«تفكر ساعة خير من قيام ليلة» .

119 -

وأخبرنا أبو الحسين بن بشران، أنبا إسماعيل بن محمد الصفار قال ثنا سعدان بن نصر، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد:

«قيل لأم الدرداء: ما كان أفضل أعمال أبي الدرداء؟

قالت: التفكر».

120 -

أخبرنا حمزة بن عبد العزيز، أنبا أبو الفضل عبدوس بن الحسين بن منصور، حدثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي، حدثنا محمد بن حاتم الزمّي المؤدب، أنبا علي بن ثابت، عن الوازع بن نافع، (عن سالم)، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«تفكروا في آلاء الله-يعني عظمته-ولا تفكروا في الله» .

هذا إسناد فيه نظر.

121 -

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبا علي بن محمد المروزي، ثنا محمد بن إبراهيم الرازي، ثنا يحيى بن معاذ قال:

«جملة التوحيد في كلمة واحدة، وهي أن لا تتصور في وهمك شيئا إلا

119 - أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 208) من طريق أحمد بن حنبل عن أبي معاوية به.

وانظر الزهد لابن المبارك (ص 302).

120 -

حمزة بن عبد العزيز (ت 407)(سير 17/ 264)، وعبدوس بن الحسين بن منصور أبو الفضل، ومحمد بن إدريس الرازي أبو حاتم (ت 277) تقريب، وعلي بن ثابت هو: أبو أحمد الجزري، والوازع بن نافع (ميزان 4/ 327). أخرجه ابن عدي (7/ 2556) من طريق الصلت بن مسعود عن الوازع به.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 81) للطبراني في الأوسط وقال:

فيه الوازع بن نافع وهو متروك.

121 -

علي بن محمد المروزي (ت 351)(سير 16/ 48)، ويحيى بن معاذ هو: الرازي (ت 258)(سير 13/ 15).

ص: 136

واعتقدت أن الله عز وجل هو مالكه من جميع الجهات».

قال البيهقي رحمه الله تعالى:

فإن قال قائل: وايش الدليل على أنه سبحانه موجود؟

قيل: قد بينّا أنه أوجد العالم وأحدثه، والفعل لا يصح وقوعه إلاّ من ذوي قدرة. والقدرة لا تقوم بنفسها، فوجب أنها تقوم بقادر موجود.

ولأن استحالة وقوع الفعل من معدوم كاستحالة وقوعه لا من فاعل. فلما استحال فعل لا من فاعل، استحال فعل من معدوم. وفي ذلك دليل على وجوده.

فإن قال قائل: وما الدليل على أنه سبحانه قديم لم يزل؟

قيل: قد ثبت أنه موجود، ولو كان محدثا لتعلّق بغيره لا إلى نهاية، والموجود لا ينفكّ من أن يكون قديما أو محدثا. فلما فسد كونه محدثا ثبت أنه قديم.

وإن شئت قلت: قد بيّنّا احتياج المحدثات إلى مقدّم يقدّم ما تقدّم منها، ومؤخّر يؤخّر ما تأخّر منها، ومخصّص يخصّص بعضها ببعض الهيئات دون بعض. فلو كان الذي يفعل ذلك بها مشاركا لها في الحدوث لشاركها في الحاجة إلى المقدّم المؤخّر المخصّص. ولو كان بهذا الوصف لاقتضى كلّ محدثا قبله، ويستحيل وجود محدثات واحد قبل واحد لا إلى أوّل لاستحالة الجمع بين الحدوث ونفي الابتداء فثبت أنه قديم لم يزل.

فإن قال قائل: فما الدليل على أنه ليس بجسم، ولا جوهر، ولا عرض؟

قيل: لأنّه لو كان جسما لكان مؤلّفا. والمؤلّف شيئان، وهو سبحانه شيء واحد، لا يحتمل التأليف.

وليس بجوهر، لأن الجوهر هو الحامل للأعراض، المقابل للمتضادّات، ولو كان كذلك، لكان ذلك دليلا على حدوثه، وهو سبحانه تعالى قديم لم يزل.

وليس بعرض لأن العرض لا يصحّ بقاؤه، ولا يقوم بنفسه-وهو-سبحانه قائم بنفسه لم يزل موجودا ولا يصحّ عدمه.

فإن قال قائل: فإذا كان القديم سبحانه شيئا لا كالأشياء، ما انكرتم أن يكون جسما لا كالأجسام؟

ص: 137

قيل له: لو لزم ذلك للزم أن يكون صورة لا كالصّور، وجسدا لا كالأجساد، وجوهرا لا كالجواهر: فلما لم يلزم ذلك، لم يلزم هذا.

وبعد: فإن الشيء سمة لكل موجود، وقد سمى الله-سبحانه وتعالى نفسه شيئا قال الله عز وجل:

{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً؟ قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام:19].

ولم يسم نفسه جسما ولا سماه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا اتفق المسلمون عليه ونحن فلا نسمي الله عز وجل باسم لم يسم هو به نفسه ولا رسوله ولا اتفق المسلمون عليه، قال الله عز وجل:

{وَلِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها، وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180].

فإن قال قائل: وما الدليل على أنه لا يشبه المصنوعات، ولا يتصور في الوهم؟

قيل: لأنه لو أشبهها لجاز عليه جميع ما يجوز على المصنوعات من سمات النقص وامارات الحدث، والحاجة إلى محدث غيره. وذلك يقتضي نفيه، فوجب أنه كما وصف نفسه:

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11].

ولأنا نجد كل صنعة فيما بيننا لا تشبه صانعها كالكتابة لا تشبه الكاتب، والبناء لا يشبه الباني، فدلّ ما ظهر لنا من ذلك على ما غاب عنّا. وعلمنا أن صنعة الباري لا تشبهه.

فإن قال قائل: وما الدليل على أنه قائم بنفسه، مستغن عن غيره؟

قيل: لأن خالق هذا الوصف يوجب حاجته إلى غيره، والحاجة دليل الحدث، لأنها تكون إلى وقت ثم تبطل بحدوث ضدها. وما جاز دخول الحوادث عليه كان محدثا مثلها. وقد قامت الدلالة على قدمه.

فإن قال قائل: وما الدليل على أنه حيّ عالم قادر؟

قيل: ظهور فعله دليل على حياته وقدرته وعلمه، لأنّ ذلك لا يصحّ وقوعه

ص: 138

من ميّت ولا عاجز ولا جاهل به وإذا وقع في شيء لم يصح وقوعه من ميت ولا عاجز ولا جاهل دل ذلك على أنّه بخلاف وصف من لا يتأتى ذلك منه، ولا يكون بخلاف ذلك إلا وهو حيّ قادر عالم.

فإن قال قائل: وما الدليل على أنه مريد؟

قيل: لأنه حيّ، عالم، ليس بمكره ولا مغلوب، ولا به آفة تمنعه من ذلك وكل حيّ خلا مما يضادّ العلم، ولم يكن به آفة تخرجه من الإرادة، كان مريدا مختارا قاصدا.

فإن قال قائل: وما الدليل على أنه سميع بصير؟

قيل: لأنه حيّ، ويستحيل وجود حيّ يتعرّى عن الوصف بما يدرك المسموع والمرئي، أو بالآفة المانعة منه، ويستحيل تخصيصه من أحد هذين الوصفين بالآفة لأنها منع، والمنع يقتضي مانعا وممنوعا، ومن كان ممنوعا كان مغلوبا. وذلك صفة الحدث. والباري قديم لم يزل وهو سميع بصير، لم يزل ولا يزال.

فإن قال قائل: وما الدليل على أنه متكلّم؟

قيل: لأنّه حيّ ليس بساكت، ولا به آفة تمنعه من الكلام، وكل حيّ كان كذلك، كان متكلما. ولأنه يستحيل لزوم الخطاب، ووجود الأمر عمن لا يصحّ منه الكلام، فوجب أن يكون متكلما.

فإن قال قائل: وما الدليل على أنه لم يزل حيّا، قادرا، عالما، مريدا، سميعا. بصيرا، متكلما؟

قيل: لأنه لو لم يكن كذلك لكان موصوفا بأضدادها من موت أو عجز أو آفة، ولو كان كذلك لاستحال أن يقع منه فعل، وفي صحة الفعل منه دليل على أنه لم يزل كذلك، ولا يزال كذلك.

فإن قال قائل: وما الدليل على أنّه حيّ، قادر، عالم، مريد، سميع، بصير، متكلم، له الحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر والكلام؟

قيل: لأنه يستحيل إثبات موجود بهذه الأوصاف مع نفي هذه الصفات

ص: 139

عنه، وحين لزم إثباته بهذه الأوصاف لزم إثبات هذه الصفات له.

قال الله عز وجل:

{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ} [البقرة:255].

وقال تعالى:

{وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} [طه:98].

وقال: {وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق:12].

أي علمه قد أحاط بالمعلومات كلها-إلى سائر الآيات التي وردت في هذا المعنى. وقال:

{إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58].

فأثبت القوّة لنفسه، وهي القدرة، وأثبت العلم، فدلّ على أنه عالم بعلم، قادر بقدرة. ولأنّه لو جاز عالم لا علم له لجاز علم لا عالم به. كما أنه لو جاز فاعل لا فعل له، لجاز فعل لا لفاعل فلما استحال فاعل لا فعل له كما استحال فعل لا فاعل له، كذلك يستحيل عالم لا علم له كما يستحيل علم لا لعالم.

ولأنّ العلم لو لم يكن شرطا في كون العالم عالما لم يضرّ عدمه في كل عالم، حتى يصحّ كل عالم أن يكون عالما مع عدم العلم. وحين كان شرطا في كون بعضهم عالما وجب ذلك في كل عالم لامتناع اختلاف الحقائق من الموصوفين.

ولأن إحكام الفعل يمتنع مع عدم العلم منّا به كما يمتنع مع كوننا غير عالمين به، فكما وجب استواء جميع المحكمين في كونهم علماء، كذلك يجب استواءهم في كون العلم لهم لاستحالة وقوعه من غير ذي علم به منّا كاستحالة وقوعه من غير عالم به منّا.

ولأن حقيقة العلم ما يعلم به العالم، وبعدمه يخرج عن كونه عالما فلو كان القديم عالما بنفسه كانت نفسه علما له. ولا يجوز أن يكون العالم في معنى العلم. فإن عارضوا ما ذكرناه من الآيات بقول الله عز وجل:

{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:76].

ص: 140

قلنا: لسنا نقول إنّ الله ذو علم على التنكير، وإنما نقول أنه ذو العلم على التعريف. كما نقول انه ذو الجلال والإكرام، على التعريف ولا نقول انه ذو جلال وإكرام على التنكير.

فمعنى الآية إذا «وفوق كل ذي علم محدث من هو أعلم منه» .

فإن قالوا: فيقولون ان علمه قديم وهو قديم.

قيل: من أصحابنا من لا يقول ذلك مع إثباته له أزليا. ومنهم من يقول ذلك ولا يجب به الاشتباه، لأن القديم هو المتقدم في وجوده بشرط المبالغة، والمتقدم في الوجود هو الوجود، والوجود لا يوجب الاشتباه عند أحد فكذلك المتقدم في الوجود لا يوجب الاشتباه ولأن القدم وصف مشترك. يقال «شيخ قديم» و «بناء قديم» و «عرجون قديم» .

فالاشتباه لا يقع بالاشتراك في الوصف المشترك.

ولأنه لو كان الاشتباه يقع بالاشتراك في القدم، لكان يقع بالاشتراك في الحدث. فلما لم يقع بالاشتراك في الحدث، لم يقع بالاشتراك في القدم.

ولأن عندنا حقيقة المشتبهين هما الغيران اللذان يجوز على أحدهما جميع ما يجوز على صاحبه وينوب منابه، وصفات الله تعالى ليست باغيار له.

فإن قالوا: لو كان له علم لم يخل من أن يكون هو أو غيره أو بعضه؟

قيل: هذه دعوى بل ما ينكر من علم لا يجوز أن يقال هو هو لاستحالة أن يكون العلم عالما، ولا يجوز أن يقال غيره لاستحالة مفارقته له ومعنى الغيرين ما لا يستحيل مفارقة أحدهما لصاحبه بوجه.

ولا يجوز أن يقال بعضه إذ ليس الموصوف به متبعضا.

فإن قال: لو كان له علم لكان عرضا مكتسبا أو مضطرا إليه، وكان اعتقادا من جنس علومنا لأن ذلك حكم العلم المعقود.

قيل: ليس الأمر كذلك لأن العلم لم يكن علما لأنه عرض أو بصفة مما ذكرتم وإنما كان علما، لأنّ العلم به يعلم ثم يضطر فإن كان العلم محدثا، كان علمه عرضا مكتسبا أو مضطرّا إليه.

ص: 141

وإن لم يكن محدثا لم يصحّ وصفه بما يوجب الحدث، ولما وجب أن يكون عالما غير معتقد ولا مكتسب ولا مضطر، وجب أن يكون له علم لا يصح وصفه بشيء مما ذكرتم.

فإن قالوا: لو كان عالما بعلم لكان محتاجا إلى علمه.

قيل: لا يجوز عليه الحاجة لأنه غنيّ، ليس علمه ولا سائر صفاته الذاتية أغيارا له، ولا ابعاضا حتّى يصحّ وصفه بالحاجة إلى غيره أو إلى بعضه.

فإن قالوا: فيقولون إن علمه علم بكل ما يصحّ أن يعلم.

قيل: كذلك نقول، ولذلك وصف الله تعالى علمه فقال:

{لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق:12].

وأما غير الله عز وجل فإنّه لا يصح أن يكون عالما بكل معلوم، فلم يصحّ أن يكون له علم بذلك. فالله سبحانه وتعالى يجب كونه عالما بكل معلوم، فكذلك يجب أن يكون علمه علما بكل ما يصح أن يعلم.

والكلام في سائر الصفات الذاتية كالكلام في العلم، ولا يجوز في شيء من ذلك أن يقال إنه يجاوره لأن المجاورة تقتضي المماسة أو المقاربة في المكان وذلك صفة الأجسام التي هي محل الحوادث ولا يقال إنها تحلّه، لأن الحلول يقتضي المجاورة، وقد قامت الدلالة على بطلانها. ولا يقال إنها تخالفه أو تفارقه، لأن المفارقة والمخالفة فرع للغيرية والتغاير بينه وبين صفاته محال.

ولا يقال إنه ملكه لأن ما يملك يصحّ أن يفعل، وصفاته أزلية لا يصح أن تفعل، ولا يقال في صفات ذاته إنها في أنفسها مختلفة ولا متفقة لأنها ليست بمتغايرة.

ولا يقال إنها مع الله أو في الله، بل هي مختصّة بذاته قائمة به لم يزل موصوفا بها ولا يزال هو موصوفا بها.

ولله تعالى صفات خبرية منها الوجه واليد.

طريق إثباتها ورود خبر الصادق بها فنثبتها ولا نكيّفها.

ص: 142

وأما صفات الفعل كالخلق والرزق فإنها أغيار وهي فيما لا يزال، ولا يصح وصفه بها في الأزل.

وأبى المحققون من أصحابنا أن يقولوا في الله جلّ ثناؤه أنّه لم يزل خالقا ورازقا، ولكن يقولون خالقنا لم يزل، ورازقنا لم يزل، قادرا على الخلق والرزق. لأنه لم يخلق في الأزل ثم خلق، وإذا سمّي خالقا بعد وجود الخلق، لم يوجب ذلك تغيّرا في ذاته، كما أن الرجل إذا سمّي أبا بعد أن لم يسمّ أبا، لم يوجب ذلك تغيّرا في نفسه.

ومن أصحابنا من قال: يجوز القول لم يزل خالقا، رازقا على معنى أنه سيخلق وسيرزق، وبالله التوفيق.

122 -

أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أنبا أبو الحسن الطرائفي، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله:

{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65].

هل تعلم للرب عز وجل مثلا أو شبها.

123 -

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبا أبو العباس محمد بن يعقوب «ح»

122 - معاوية بن صالح الحضرمي هو: أبو عمرو (ت 158) تقريب.

علي بن أبي طلحة، أرسل عن ابن عباس ولم يره (تقريب).

أخرجه ابن جرير في التفسير (16/ 80) عن علي عن عبد الله عن معاوية به.

وعزاه السيوطي في الدر المنثور (4/ 279) لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.

123 -

أبو الحسين بن الفضل هو محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل أبو الحسين الأزرق القطان سبق برقم 84، وخالد بن يزيد هو الكاهلي أخرجه الحاكم (2/ 375) عن أبي زكريا العنبري عن محمد بن عبد السّلام عن إسحاق بن إبراهيم عن وكيع ويحيى بن آدم قالا: ثنا إسرائيل به.

وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

وعزاه السيوطي في الدر المنثور (4/ 279) لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والمصنف في الشعب.

ص: 143

وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، ثنا علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن ماتي، قالا ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاري، حدثنا خالد بن يزيد، ثنا اسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل:

{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65].

قال: ليس أحد يسمّى الرحمن غيره.

ص: 144

(2)

الثاني من شعب الإيمان

وهو باب في الإيمان برسل الله صلوات الله عليهم عامة

اعتقادا، وإقرارا إلا انّ الإيمان بمن عدا نبيّنا صلى الله عليه وسلم هو الإيمان بأنهم كانوا مرسلين إلى الذين ذكروا لهم أنّهم رسل الله إليهم. وكانوا في ذلك صادقين محقين.

والإيمان بالمصطفى نبينا صلى الله عليه وسلم هو التصديق بأنه نبيّه ورسوله إلى الذين بعث فيهم، وإلى من بعدهم من الجنّ والإنس إلى قيام الساعة.

قال الله تعالى:

{آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ} [الحديد:7].

فقرن الإيمان برسوله بالإيمان به. وقال:

{وَالْمُؤْمِنُونَ، كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة:285].

وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ .. } . [النساء:150] الآية إلى آخرها.

وفي هذه الآية أن الله جل وعز جعل الكفر ببعض رسله كفرا بجميعهم ثم جعل الكفر بجميعهم كفرا به. وقال بعد ذلك:

{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ} [النساء:152] الآية.

فثبت أن حسن المآب إنّما يكون لمن لم يفرّق بين رسل الله عز وجل وآمن بجماعتهم.

وقد روينا في حديث ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإيمان فقال:

«أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر كلّه، خيره وشرّه» .

ص: 145

124 -

أخبرناه أبو الحسين بن بشران، أخبرنا أبو جعفر الرزاز، ثنا عيسى بن عبد الله الطيالسي، ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، ثنا كهمس بن الحسن قال سمعت عبد الله بن بريدة يحدث عن يحيى بن يعمر، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنهما بذلك.

أخرجه مسلم في الصحيح من حديث كهمس.

125 -

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري، ثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي، ثنا أمية بن بسطام، ثنا يزيد بن زريع، ثنا روح بن القاسم، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

«أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك، عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحقّها، وحسابهم على الله، عز وجل» .

رواه مسلم في الصحيح عن أمية بن بسطام.

126 -

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبا أبو الحسن علي بن محمد بن سختويه، ثنا عبد الله بن محمد بن الليث، ثنا إسحاق بن منصور، ثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم-ومعاذ بن جبل رديفه على الرحل-فقال:

«يا معاذ! قال: لبّيك يا رسول الله، وسعديك!» .

124 - عيسى بن عبد الله الطيالسي (ت 277)(تذكرة الحفاظ 2/ 610) أخرجه مسلم (ص 37).

125 -

يحيى بن محمد العنبري أبو زكريا (ت 344)(سير 15/ 533)، وأمية بن بسطام (ت 231) تقريب، يزيد بن زريع هو أبو معاوية (تقريب).

أخرجه مسلم (ص 52).

126 -

علي بن محمد بن سختويه أبو الحسن (ت 338)(شذرات 2/ 348)، وإسحاق بن منصور هو: أبو يعقوب التميمي (ت 251) ومعاذ بن هشام هو: ابن أبي عبد الله الدستوائي (ت 200)(تقريب).

أخرجه مسلم (ص 61).

ص: 146

قال: ما من عبد يشهد أن لا إله إلاّ الله، وإنّ محمدا عبده ورسوله إلا حرّمه الله على النّار.

قال: يا رسول الله! أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا؟

قال: إذا يتّكلوا.

قال فأخبر بها معاذ عند موته تأثّما.

رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن منصور.

127 -

أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي ببغداد، ثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك، ثنا عبد الله بن روح المدائني، ثنا عثمان بن عمر بن فارس، ثنا شعبة، عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يحدث عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«من شهد أن لا إله إلاّ الله مخلصا من قلبه، وأنّ محمّدا رسول الله، دخل الجنّة» .

128 -

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس بن يعقوب، ثنا أبو قلابة/

ح-وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، ثنا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف القاضي، ثنا عبد الملك بن محمد-يعني أبا قلابة-ثنا قريش بن أنس، ثنا حبيب بن الشهيد، عن حميد بن هلال، عن هصّان بن كاهل، عن

127 - علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي أبو الحسن (سير 17/ 321)، وعثمان بن أحمد بن السماك أبو عمرو (ت 344)(سير 15/ 444)، وعبد الله بن روح المدائني (ت 277)(سير 13/ 5)، وعثمان بن عمر بن فارس (ت 199)(تقريب).

والحديث سبق برقم (7).

128 -

أحمد بن كامل بن خلف أبو بكر القاضي (ت 350)(خط 4/ 357) تحفة الاشراف (8/ 405).

أخرجه النسائي في اليوم والليلة، وابن ماجة (3796) كلاهما من طريق يونس عن حميد بن هلال به.، وأخرجه النسائي في اليوم والليلة من طريق ابن أبي عدي عن حبيب بن الشهيد به.

ص: 147

عبد الرحمن بن سمرة، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«من مات يشهد أن لا إله إلا الله وانّي رسول الله، يرجع ذلك إلى قلب موقن، دخل الجنّة» .

129 -

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ، ثنا إبراهيم بن عبد الله السعدي، ثنا قريش بن أنس .... فذكره بإسناده نحوه.

غير أنه قال عن عبد الرحمن بن سمرة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

130 -

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ومحمد بن موسى قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا وكيع، عن المسعودي، قال أنبأني أبو عمر الدمشقي عن عبيد بن الخشخاش عن أبي ذر.

«قال: قلت يا رسول الله! كم المرسلون؟

قال: ثلاثمائة وبضعة عشر جمّا غفيرا.

قال: قلت آدم نبيّ كان؟

قال: نعم، نبيّ مكلّم».

131 -

قال وحدثنا وكيع، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن ثابت، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

130 - أحمد بن عبد الجبار (سير 13/ 55)، المسعودي هو:

عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي (ت 165)(تقريب)

عبيد بن الخشخاش هو أبو عمرو الدمشقي

أخرجه أحمد (5/ 178) عن وكيع به.

131 -

موسى بن عبيدة بن نشيط أبو عبد العزيز (ت 153) محمد بن ثابت عن أبي هريرة مجهول (تقريب).

أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 8/ 105 من طريق أبي عاصم عن موسى بن عبيدة به.-

ص: 148

«صلّوا على أنبياء الله ورسله فإنّ الله بعثهم كما بعثني» .

وروى يحيى بن سعيد السعدي البصري-وهو ضعيف-عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير الليثي، عن أبي ذر رضي الله عنه:

«قال: قلت:

يا رسول الله! كم النبيّون؟

قال: مائة ألف نبي، وأربعة وعشرون ألف نبيّ.

قال: قلت:

كم المرسلون منهم؟

قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر».

132 -

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبا أبو الحسن علي بن الفضل السامري ببغداد، ثنا الحسن بن عرفة، ثنا يحيى بن سعيد السعدي البصري فذكره.

وروي ذلك من وجه آخر غير قوي عن أبي ذر.

133 -

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو زكريا العنبري، ثنا محمد بن

-المطالب العالية (3327) وعزاه الحافظ (لابن أبي عمر) وزاد البوصيري في عزوه لأحمد بن منيع وقال البوصيري:

في إسناده موسى بن عبيدة وهو ضعيف.

والحديث ضعفه الحافظ في فتح الباري 11/ 169 وعزاه للقاضي إسماعيل.

وعزاه السيوطي في الدر المنثور 5/ 220 لعبد الرزاق والقاضي إسماعيل وابن مردويه والمصنف في الشعب.

132 -

علي بن الفضل السامري الستوري أبو الحسن، الحسن بن عرفة (ت 257)(تقريب).

أخرجه المصنف في السنن الكبرى 9/ 4 وقال: تفرد به يحيى بن سعيد السعيدي.

وقال الذهبي في الميزان 4/ 377:

يحيى بن سعيد القرشي العبشمي السعدي وقيل السعيدي الشهيد عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن أبي ذر بحديثه الطويل قال العقيلي لا يتابع عليه، وقال ابن حبان يروي المقلوبات والملزقات لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.

ص: 149

عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبا عمرو بن محمد، ثنا إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن عكرمة. عن ابن عباس في قوله عز وجل:

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ، إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا} [مريم:41].

قال: كان الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوح، وصالح، وهود، ولوط، وشعيب، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ومحمد صلى الله عليه وسلم.

ولم يكن من الأنبياء من له اسمان إلا إسرائيل وعيسى، فإسرائيل يعقوب، وعيسى: المسيح.

قال البيهقي-رحمه الله

والإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم يتضمّن الإيمان له، وهو قبول ما جاء به من عند الله عنه والعزم على العمل به، لأنّ تصديقه في أنّه رسول الله إلزام لطاعته، وهو راجع إلى الإيمان بالله، والإيمان له. لأنه من تصديق الرسل وفي طاعة الرسول طاعة المرسل. لأنه بأمره اطاعه.

قال الله تعالى:

{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ} [النساء:80].

قال: والنبوة اسم مشتق من النبأ، وهو الخبر إلا أنّ المراد به في هذا الموضع خبر خاص وهو الذي يكرم الله عز وجل به أحدا من عباده فيميّزه عن غيره بإلقائه إليه، ويوقفه به على شريعته بما فيها من أمر، ونهي، ووعظ، وإرشاد، ووعد، ووعيد. فتكون النبوّة على هذا الخبر والمعرفة بالمخبرات الموصوفة فالنبي صلى الله عليه وسلم هو المخبر بها. فإن انضاف إلى هذا التوقيف أمر بتبليغه الناس ودعائهم إليه كان نبيا رسولا.

وإن ألقي إليه ليعمل به في خاصّته، ولم يؤمر بتبليغه والدعاء إليه، كان نبيّا ولم يكن رسولا فكل رسول نبيّ، وليس كل نبيّ رسولا.

قال

(1)

: وقد أرشد الله تعالى إلى أعلام النبوة في القرآن، كما أرشد إلى آيات الحدث الدالة على الخالق والخلق فقال عزّ اسمه:

(1)

انظر المنهاج (1/ 255،256).

ص: 150

{لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ، وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد:25].

وقال: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165].

وقال: {وَلَوْ أَنّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى} [طه:134].

فأخبر تعالى انه بعث الرّسل لقطع حجّة العباد.

وقيل في ذلك وجوه:

أحدها: ان الحجة التي قطعت على العباد هي أن يقولوا ان الله جلّ ثناؤه إن كان خلقنا لنعبده، فقد كان ينبغي أن يبيّن لنا العبادة التي يريدها منّا ويرضاها لنا، ما هي؟ وكيف هي؟

فإنه وإن كان في عقولنا الاستجداء له، والشكر على نعمه التي أنعمها علينا فلم يكن فيها أن التذلّل والعبودية منا بماذا ينبغي أن تكون وعلى أي وجه ينبغي أن تظهر فقطعت حجّتهم بأن أمروا ونهوا وشرعت لهم الشرائع، ونهجت لهم المناهج فعرفوا ما يراد منهم وزالت الشبهة عنهم.

والآخر: ان الحجة التي قطعت هي ألاّ يقولوا إنا ركّبنا تركيب شهوة وغفلة وسلط علينا الهوى، ووضعت فينا الشهوات فلو أمددنا بمن إذا سهونا نبّهنا، وإذا مال بنا الهوى إلى وجه قوّمنا لما كان منا إلا الطاعة. ولكن لما خلّينا ونفوسنا، ووكلنا إليها وكانت أحوالنا ما ذكرنا، غلبت الأهواء علينا، ولم نملك قهرها وكانت المعاصي منّا لذلك.

والثالث: أن الحجة التي قطعت هي أن لا يقولوا قد كان في عقولنا حسن الإيمان والصدق والعدل وشكر المنعم، وقبح الكذب والكفر والظلم ولكن لم يكن فيها انّ من ترك الحسن إلى القبيح عذّب بالنار خالدا مخلّدا فيها وأن من ترك القبيح إلى الحسن اثيب بالجنة خالدا مخلدا فيها لأنه إذا كان لا يدرك بالعقل أن لله جل جلاله خلقا هو الجنة أو خلقا هو النار الغائبة.

ص: 151

فكيف يدرك أن أحدهما معدّ للعصاة والآخر لأهل طاعته.

ولو علمنا أنا نعذّب على معاص وذنوب متناهية عذابا متناهيا أو غير متناه، أو نثاب بالطاعات المتناهية ثوابا غير متناه لما كان منا إلا الطاعة.

فقطع الله تبارك وتعالى هذه الحجج كلها ببعثة الرسل وبالله التوفيق.

ثم إن الحليمي

(1)

-رحمه الله تعالى-احتج في صحة بعث الرسل بما عرف من بروج الكواكب وعددها وسيرها، ثم بما في الأرض مما يكون قوتا، وما يكون دواء لداء بعينه، وما يكون سمّا وما يختصّ بدفع ضرر السّم، وما يختص بجبر الكسر وغير ذلك من المنافع والمضار التي لا تدرك إلا بخبر.

ثم بوجود الكلام من الناس، فإن من ولد أصمّ لم ينطق أبدا ومن سمع لغة ونشأ عليها تكلم بها. فبان بهذا أنّ أصل الكلام سمع، وأن أول من تكلّم من البشر تكلم عن تعليم ووحي كما قال الله عز وجل:

{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها} [البقرة:31].

وقال تعالى:

{خَلَقَ الْإِنْسانَ، عَلَّمَهُ الْبَيانَ} [الرحمن:3،4].

ثم إن كلّ رسول أرسله الله تعالى إلى قوم فلم يخلّه من آية أيّده بها، وحجّة آتاها إيّاه، وجعل تلك الآية مخالفة للعادات، إذ كان ما يريد الرسول إثباته بها من رسالة الله عز وجل أمرا خارجا عن العادات ليستدل باقتران تلك الآية بدعواه انه رسول الله.

وبسط الحليمي-رحمه الله تعالى-الكلام في ذلك إلى أن قال: والكذب على الله تعالى والافتراء عليه بدعوى الرسالة من عنده من أعظم الجنايات فلا يليق بحكمة الله تعالى أن يظهر على من تعاطى ذلك آية ناقضة للعادات فيفتتن العباد به. وقد تبرأ الله عز وجل من هذا الصنيع نصا في كتابه فقال يعني نبيه صلى الله عليه وسلم -:

(1)

المنهاج 1/ 256 - 260.

ص: 152

{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة:44 - 46].

قال

(1)

: وكلّ آية آتاها الله رسولا، فإنّه يقرّر بها عند الرسول أولا أنه رسوله حقا، ثم عند غيره، وقد يجوز أن يخصه بآية يعلم بها نبوة نفسه ثم يجعل له على قومه دلالة سواها.

ومعجزات الرّسل كانت أصنافا كثيرة. وقد أخبر الله عز وجل أنه أعطى موسى عليه أفضل الصلاة والسّلام تسع آيات بينات: العصا، واليد، والدم، والطوفان، والجراد، والقمّل، والضفادع والطمس، والبحر.

فأما العصا فكانت حجّته على الملحدين والسحرة جميعا، وكان السحر في ذلك الوقت فاشيا. فلما انقلبت عصاه حية تسعى وتلقفت حبال السحرة وعصيّهم، علموا أن حركتها عن حياة حادثة فيها بالحقيقة وليست من جنس ما يتخيّل بالحيل، فجمع ذلك الدلالة على الصانع وعلى نبوته جميعا.

وأما سائر الآيات التي لم يحتج إليها مع السحرة، فكانت دلالات على فرعون وقومه القائلين بالدهر، فأظهر الله تعالى بها صحة ما أخبرهم به موسى عليه أفضل الصلاة والسّلام من أن له ولهم ربّا وخالقا.

وألان الله عز وجل الحديد لداود وسخّر له الجبال والطّير وكانت تسبّح معه بالعشيّ والإشراق.

واقدر عيسى بن مريم عليه أفضل الصلاة والسّلام على الكلام في المهد، وكان يتكلم فيه كلام الحكماء، وكان يحيي له الموتى ويبرئ-بدعائه أو بيده إذا مسح الأكمه والأبرص، وجعل له أن يجعل من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه، فيكون طيرا بإذن الله ثم أنه رفعه من بين اليهود لما أن أرادوا قتله وصلبه، فعصمه الله تعالى بذلك من أن يخلص ألم القتل والصلب إلى بدنه، وكان الطب عاما غالبا في زمانه. فأظهر الله تعالى بما أجراه على يديه وعجز الحذاق من الأطباء عما هو أقل من ذلك بدرجات كثيرة، أن التعويل على الطبائع

(1)

المنهاج 1/ 260 - 265.

ص: 153

وإمكان ما خرج عنها باطل بأن للعالم خالقا ومدبرا، ودل بإظهاره ذلك له وبدعائه على صدقه. وبالله التوفيق.

وأما المصطفى نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين صلوات الله عليهم وعليه وعلى آله الطيبين وصحبه أجمعين، فإنه أكثر الرسل آيات بينات. وذكر بعض أهل العلم أنّ أعلام نبوّته تبلغ ألفا. فأما العلم الذي اقترن بدعوته، ولم يزل يتزايد أيّام حياته، ودام في أمته بعد وفاته فهو القرآن المعجز المبين وحبل الله المتين الذي هو كما وصفه به من أنزله فقال:

{وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:41،42].

وقال تعالى:

{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} [الواقعة:77 - 80].

وقال: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:21،22].

وقال: {إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [آل عمران:62].

وقال: {وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام:155].

وقال: {إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ. فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرامٍ بَرَرَةٍ} [عبس:11 - 16].

وقال: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88].

فأبان-جلّ ثناؤه-أنه أنزله على وصف مباين لأوصاف كلام البشر لأنه منظوم وليس بمنثور، ونظمه ليس نظم الرسائل ولا نظم الخطب، ولا نظم الأشعار، ولا هو كأسجاع الكهّان. وأعلمه أن أحدا لا يستطيع أن يأتي بمثله، ثم أمره أن يتحدّاهم على الإتيان بمثله إن ادعوا أنهم يقدرون عليه أو ظنّوه.

فقال تعالى:

ص: 154

{قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ} [هود:13].

ثم نقصهم تسعا فقال:

{فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23].

فكان من الأمر ما نصفه غير أن من قبل ذلك دلالة: وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان غير مدفوع عند الموافق والمخالف عن الحصافة والمتانة وقوّة العقل والرأي.

ومن كان بهذه المنزلة، وكان مع ذلك قد انتصب لدعوة الناس إلى دينه، لم يجز بوجه من الوجوه أن يقول للناس: أن ائتوا بسورة من مثل ما جئتكم به من القرآن ولن تستطيعوه. إن أتيتم به فأنا كاذب وهو يعلم من نفسه أن القرآن لم ينزل عليه ولا يأمن أن يكون في قومه من يعارضه، وإن ذلك إن كان بطلت دعواه.

فهذا إلى إن يذكر ما بعده دليل قاطع على أنه لم يقل للعرب: أن أئتوا بمثله إن استطعتموه، ولن تستطيعوه إلا وهو واثق متحقق أنهم لا يستطيعونه، ولا يجوز أن يكون هذا اليقين وقع له إلا من قبل ربّه الذي أوحى إليه به، فوثق بخبره-وبالله التوفيق.

وأما ما بعد هذا فهو أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لهم ائتوا بسورة من مثله إن كنتم صادقين، فطالت المهلة والنظرة لهم في ذلك، وتواترت الوقائع والحروب بينه وبينهم فقتلت صناديدهم، وسبيت ذراريهم ونساؤهم، وانتهبت أموالهم، ولم يتعرّض أحد لمعارضته. فلو قدروا عليها لافتدوا بها أنفسهم وأولادهم وأهاليهم وأموالهم، ولكان الأمر في ذلك قريبا سهلا عليهم إذ كانوا أهل لسان وفصاحة وشعر وخطابة، فلمّا لم يأتوا بذلك ولا ادعوه صحّ أنهم كانوا عاجزين عنه. وفي ظهور عجزهم بيان أنه في العجز مثلهم إذ كان بشرا مثلهم، لسانه لسانهم، وعادته عادتهم، وطباعه طباعهم، وزمانه زمانهم، وإذا كان كذلك، وقد جاء القرآن فوجب القطع بأنه من عند الله تعالى جدّه لا من عنده، وبالله التوفيق.

فإن ذكروا سجع مسيلمة، فكلّ ما جاء به مسيلمة لا يعدو أن يكون بعضه محاكاة وسرقة، وبعضه كأساجيع الكهّان وأراجيز العرب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما هو أحسن لفظا، وأقوم معنى، وأبين فائدة، ثم لم تقل له العرب ها أنت تتحدّانا على الإتيان بمثل القرآن وتزعم أن الإنس والجن لو اجتمعوا على أن

ص: 155

يأتوا بمثله لم يقدروا عليه ثم قد جئت بمثله مفترى بأنه ليس من عند الله، وذلك قوله:

أنا النبيّ لا كذب

أنا ابن عبد المطّلب

وقوله:

تالله لولا الله ما اهتدينا

ولا تصدّقنا ولا صلّينا

فأنزلن سكينة علينا

وثبّت الأقدام إن لاقينا

وقوله:

إن العيش عيش الآخره

فارحم الأنصار والمهاجره

وقوله:

«تعس عبد الدّينار والدّرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي منها رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس (وإن شيك) فلا انتقش» .

فلم يدّع أحد من العرب أن شيئا من هذا يشبه القرآن وأن فيه كثيرا كقوله

(1)

.

وحكى الأستاذ أبو منصور الأشعري-رحمه الله-فيما كتب إليّ عن بعض أصحابنا أنه قال: يجوز أن يكون هذا النظم قد كان فيما بينهم فعجزوا عنه عند التحدّي، فصار معجزة لأنّ إخراج ما في العادة عن العادة نقض للعادة كما أن إدخال ما ليس في العادة في الفعل نقض للعادة.

وبسط الكلام في شرحه.

وأيّهما كان فقد ظهرت بذلك معجزته، واعترفت العرب بقصورهم عنه وعجزهم عن الإتيان بمثله.

134 -

حدثنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو عبد الله محمد بن علي الصنعاني

(1)

انظر المنهاج (1/ 265).

134 -

أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 506 و 507) عن أبي عبد الله محمد بن علي الصنعاني به وصححه على شرط البخاري ووافقه الذهبي.

ص: 156

بمكة، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب السختياني، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأن رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل-فذكر ما جرى بينهما-إلى أن قال الوليد:

«والله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيدته مني، ولا بأشعار الجن. والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، والله إنّ لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته» وذكر الحديث.

قال البيهقي-رحمه الله-هكذا حدثناه موصولا.

ورواه حماد بن زيد عن أيوب، عن عكرمة مرسلا، وذكر الآية التي قرأها:

{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ} [النحل:90].

وروينا من وجه آخر عن ابن عباس أتمّ من ذلك حين اجتمع الوليد بن المغيرة ونفر من قريش، وقد حضّر الموسم ليجتمعوا على رأي واحد فيما يقولون في محمد صلى الله عليه وسلم لوفود العرب فقالوا:

«فأنت يا أبا عبد شمس! فقل وأقم رأيا نقوم به» .

فقال: بل أنتم فقولوا، أسمع.

فقالوا: نقول كاهن.

فقال: ما هو بكاهن. لقد رأيت الكهّان، فما هو بزمزمة الكاهن وسحره.

فقالوا: نقول: هو مجنون.

فقال: ما هو بمجنون، ولقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته.

فقالوا: نقول: شاعر.

قال: ما هو بشاعر، ولقد عرفنا الشّعر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر.

ص: 157

قالوا: فنقول: هو ساحر.

قال: فما هو بساحر لقد رأينا السّحّار وسحرهم، فما هو بنفثه ولا عقده.

فقالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟

قال: والله إنّ لقوله لحلاوة، وإن أصله لمغدق، وإن فرعه لجنى فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل. وإن أقرب القول أن تقولوا: ساحر يفرق بين المرء وبين أبيه، وبين المرء وبين أخيه، وبين المرء وبين زوجه، وبين المرء وبين عشيرته فتفرّقوا عنه بذلك. فأنزل الله عز وجل في الوليد بن المغيرة:

{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} . إلى قوله {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:11 - 26].

135 -

أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس-رضي الله عنهما-أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر من قريش

فذكره.

وقد ذكرناه في كتاب «دلائل النبوة» في الجزء الثامن منه مع سائر ما ورد عن النضر بن الحارث وعتبة بن ربيعة وغيرهما فيما قالوا عند سماع القرآن واعترفوا به من أنهم لم يسمعوا بمثله.

وفي القرآن وجهان من الإعجاز:

أحدهما: ما فيه من الخبر عن الغيب وذلك في قوله عز وجل:

{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:33، والصف:

9].

وقوله:

{لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور:55].

135 - محمد بن أبي محمد هو: مولى زيد بن ثابت.

أخرجه المصنف في دلائل النبوة (2/ 199 - 201) عن أبي عبد الله الحافظ به.

ص: 158

وقوله في الروم: [الآيتان:3 و 4].

{وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ} .

وغير ذلك من وعده إياه بالفتوح في زمانه وبعده، ثم كان كما أخبر.

ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يعلم النجوم ولا الكهانة ولا يجالس أهلها.

والآخر: ما فيه من الخبر عن قصص الأولين من غير خلاف ادعي عليه فيها فيما وقع الخبر عنه ممن كان من أهل تلك الكتب.

ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان أمّيّا لا يقرأ كتابا ولا يخطّه ولا يجالس أهل الكتاب للأخذ عنهم.

وحين زعم بعضهم أنه يعلّمه بشر ردّ الله تعالى ذلك عليه فقال:

{لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:

103].

136 -

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في التفسير، أنبا عبد الرحمن بن الحسن القاضي، ثنا إبراهيم بن الحسين، ثنا آدم بن أبي اياس، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال:

قالت قريش: إنما يعلّم محمدا عبد لآل الحضرمي روميّ. وكان صاحب كتب. يقول الله عز وجل:

{لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ} -أي يتكلم بالرومية- {وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} .

137 -

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ في «كتاب المستدرك» وقال عن مجاهد، عن ابن عباس-رضي الله عنهما.

138 -

وبهذا الإسناد ثنا ورقاء، عن حصين بن عبد الرحمن، عن

136 - إبراهيم بن الحسين (سير 13/ 184)، ورقاء هو: ابن عمر بن كليب أبو بشر الكوفي، وابن أبي نجيح هو عبد الله.

137 -

أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 357) عن عبد الرحمن بن الحسن بن أحمد الأسدي به.

138 -

أخرجه الطبري في التفسير (14/ 120) من طريق هشيم عن حصين به.

ص: 159

عبيد الله بن مسلم بن الحضرمي، قال: كان لنا غلامان نصرانيان من أهل عين التمر يسمى أحدهما يسار والآخر جبر وكانا يقرآن كتابا لهما فربما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عليهما فقال المشركون: إنما يتعلم محمد منهما. فأنزل الله عز وجل هذه الآية.

وزعم الكلبي فيما روى عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهما كانا أسلما فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهما فيحدثهما ويعلمهما، وكانا يقرآن كتابهما بالعبرانية.

قال البيهقي-رحمه الله-ومن تعلق بهذا الضعيف لم يسكت عن شيء يتهمه به فدل على أنهم لو اتهموه بشيء مما نفيناه عنه لذكروه ولم يسكتوا عنه.

وبالله التوفيق.

وبسط الحليمي

(1)

-رحمه الله تعالى-كلامه في الإشارة الى ما في كتاب الله عز وجل من أنواع العلوم وما في ذلك من الإعجاز.

ثم إن له صلى الله عليه وسلم وراء القرآن من الآيات الباهرة إجابة الشجرة إياه لما دعاها، وتكلم الذراع المسمومة إياه. وازدياد الطعام لأجله حتى أصاب منه ناس كثير، وخروج الماء من بين أصابعه في المخضب حتى توضأ منه ناس كثير، وحنين الجذع، وظهور صدقه في مغيبات كثيرة أخبر عنها، وغير هذه مما قد ذكر ودوّن، وفي الواحد منها كفاية غير أن الله-جل ثناؤه-لما جمع له بين أمرين:

أحدهما: بعثه إلى الجن والإنس عامة.

والآخر: ختمه النبوة به، ظاهر له بين الحجج حتى إن شذّت واحدة عن فريق، بلغتهم أخرى. وإن لم تنجع واحدة نجعت أخرى، وإن درست على الأيام واحدة بقيت أخرى.

ولله في كل حال الحجة البالغة، وله الحمد على نظره لخلقه ورحمته إياهم كما يستحقه.

وذكر الحليمي

(2)

رحمه الله-فصولا في الكهنة ومسترقي السمع.

(1)

المنهاج (1/ 272 - 276).

(2)

المنهاج (1/ 276 - (281).

ص: 160

وقد ذكرنا في كتاب «دلائل النبوة» ما ورد في ذلك من الأخبار ما وجد من الكهنة والجن في تصديق نبينا صلى الله عليه وسلم وإشاراتهم إلى أوليائهم الإنس بالإيمان به.

ولا يجوز على مؤمني الجن أن يحملوا أولياءهم على الكذب على الله، أو على متابعة من يكذب على الله، وعلى كفارهم أن يأمروا أولياءهم بالإيمان بمن كفروا به، فدلّ على أن أمر من آمن به منهم إنما هو لمعرفة وقعت له بصدقه لمن آمن به من الإنس. وبالله التوفيق.

139 -

أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا عبيد بن شريك، ثنا يحيى-هو ابن بكير-، ثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، أنه قال: قال سعيد بن المسيب: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

«بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرّعب، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي» .

قال أبو هريرة: فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتثلونها.

قال ابن شهاب: وبلغني أن جوامع الكلم أن الله تعالى جمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك.

رواه البخاري في الصحيح عن ابن بكير.

وأخرجه مسلم من حديث يونس عن ابن شهاب.

140 -

أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمد آبادي، ثنا أبو بكر عمر بن حفص السدوسي، ثنا عاصم بن علي، ثنا جويرية بن بشير الهجيمي، قال سمعت الحسن قرأ يوما هذه الآية:

{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ .. } . [النحل:90] إلى آخرها.

139 - أخرجه البخاري (6/ 128) فتح، مسلم (ص 371).

140 -

عمر بن حفص السدوسي أبو بكر (ت 239)(خط 11/ 216)، وعاصم بن علي بن عاصم الواسطي هو أبو الحسين.

عزاه السيوطي في الدر المنثور (4/ 128) للمصنف في الشعب فقط.

ص: 161

ثم وقف فقال: إن الله عز وجل جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة فو الله ما ترك «العدل والإحسان» من طاعة الله شيئا إلاّ جمعه، ولا ترك «الفحشاء والمنكر والبغي» من معصية الله شيئا إلاّ جمعه.

ص: 162