الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها} [الزلزلة:1،2].
معناه وقد أخرجت الأرض أثقالها وسياق الآية تدل (خطأ) على ذلك وقوله:
{فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً} [الحاقة:13].
فمعناه النفخة الآخرة والله أعلم.
فصل
{تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4].
روينا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صاحب الكنز إذا لم يؤدّ زكاته جيء به يوم القيامة وبكنزه فيحمى صفائح من نار جهنم فيكوى بها جبهته وجبينه وظهره حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
وروينا عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال في قوله:
{يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} [السجدة:5].
قال هذا في الدنيا وقوله:
{فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4].
فهذا يوم القيامة جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة.
وروينا عن أبي هريرة قال: يوم القيامة على المؤمن كقدر ما بين الظهر والعصر. ويروى ذلك مرفوعا.
وروي في حديث ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال:
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ما طول هذا اليوم؟ فقال:
«والّذي نفسي بيده إنه ليخفّف على المؤمن حتى يكون أهون عليه من الصلوة المكتوبة يصليها في الدنيا» وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في «كتاب البعث» .
362 -
أخبرنا أبو نصر بن قتادة، أنا أبو عمرو بن مطر، أنا حمزة بن محمد بن عيسى الكاتب، أنا نعيم بن حماد، ثنا ابن المبارك، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة أظنّه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«إنّ الله يخفّف على من يّشاء من عباده طول يوم القيامة كوقت صلاة مكتوبة» .
قال البيهقي رحمه الله: هذا وجدته في فوائد أبي عمرو ولا أدري من القائل «أظنّه» وكذلك رواه أبو سهل الأسفراييني عن حمزة.
363 -
وذلك فيما أخبرنا به أبو الحسن العلاء بن محمد بن أبي سعيد عنه. أخبرنا أبو إسحاق الأسفراييني الإمام، أنبا عبد الخالق بن الحسن، ثنا عبد الله بن ثابت، حدثني أبي، عن الهذيل، عن مقاتل بن سليمان أنّه قال في هذه الآية:{تَعْرُجُ} يعني تصعد {الْمَلائِكَةُ} من السماء إلى سماء إلى العرش {وَالرُّوحُ} يعني جبريل عليه السلام {إِلَيْهِ} من الدنيا {فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ} عندكم يا بني آدم {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} يعني بقوله: {فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} يقول: ولو ولّى حساب الخلائق وعرضهم غيري لم يفرغ منه إلاّ في مقدار خمسين ألف سنة. فإذا أخذ الله في عرضهم يفرغ الله منه في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا فلا ينتصف ذلك اليوم حتى يستقرّ أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النّار وذلك قوله تعالى:
{أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} [الفرقان:24].
يقول: ليس مقيلهم كمقيل أهل النار.
وإلى معنى هذا ذهب الكلبي في تفسيره الذي يرويه عن أبي صالح عن ابن عباس، يعني لو ولّى محاسبة العباد غير الله عز وجل لم يفرغ منه في خمسين ألف سنة.
قال البيهقي رحمه الله: وروينا عن الفراء أنّه قال: في هذه الآية يقول: لو صعد غير الملائكة لصعدوا في قدر خمسين ألف سنة.
362 - عزاه في الكنز (39016) للمصنف فقط.
وإلى معنى هذا ذهب الحليمي رحمه الله وقال: التقدير إنما هو لعروج الملائكة والروح من الأرض يعني إلى العرش.
وقد قال في غير هذه الآية:
فيحتمل أن يكون المعنى أنّها تنزل من السماء إلى الأرض، ثم تعرج من الأرض إلى السماء الدنيا من يومها، فتقطع مالو احتاج الناس إلى قطعها من المسافة لم يقطعوها إلاّ في ألف سنة ممّا تعدون؛ وينزل من عند العرش إلى الأرض ثم يعرج منها إليه من يومها، ولو احتاج الناس إلى قطع هذا المقدار من المسافة لم يقطعوها إلاّ في خمسين ألف سنة ممّا تعدّون، وليس هذا من تقدير يوم القيامة بسبيل وإنّما هو من صلة قوله «ذي المعارج» وقوله:
{إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً} [المعارج:7].
عاد إلى ذكر العذاب الذي وصفه في أوّل السورة وأكّد هذا فما حكي عن وهب بن منبه أنه قال: ما بين الأرض والعرش خمسين ألف سنة من أيّامنا وشهورنا وسنينا.
قال ويمكن أن يقال أنّ الملائكة كانت تستطيع قبل يوم القيامة أن تنزل إلى الأرض من أعلى مقام لهم في السموات وفوقها، ثمّ يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة فأما يوم القيامة فلا تستطيع ذلك، إمّا لأنّ السموات إذا طويت لم يكن لهم يومئذ مصعد يقرون فيه، وأمّا لما يشاهدون من عظمة الله وشدّة غضبه ذلك اليوم على أهل العناد من عباده، فيفتر قواهم فيحتاجون إلى العروج إلى مدّة أطول مما كانوا يحتاجون إليه منها قبله فقدّر الله ذلك بخمسين ألف سنة، على معنى أنّ غيرهم لو قطعها لم يقطعها إلاّ في خمسين ألف سنة وهكذا كما جاءت به الأخبار من أنّ العرش على كواهل أربعة من الملائكة ثمّ أخبر الله عز وجل أنّهم يكونون يوم القيامة ثمانية.
ويشبه أن يكون ذلك لأنّه يفتر قواهم يومئذ إلى ما ذكرنا فيؤيدون بغيرهم والله أعلم بجميع ذلك نسأل الله خير ذلك اليوم ونعوذ به من شرّ ذلك اليوم.
364 -
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، ثنا أبو العباس الأصم، ثنا العباس بن الوليد بن مزيد قال: أخبرني أبي قال: سمعت الأوزاعي قال: حدثني هارون بن رئاب قال: حملة العرش يتجاوبون بصوت حسن رخيم يقول الأربعة:
(سبحانك وبحمدك على حلمك بعد علمك).
ويقول الأربعة الآخرون:
(سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك).
(9)
التاسع من شعب الإيمان
«وهو باب في أنّ دار المؤمنين ومأواهم الجنّة، ودار
الكافرين ومآبهم النّار»
قال الله عز وجل:
وقال تعالى في وصفه يوم القيامة:
{يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ} قرأ إلى قوله تعالى {عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:105 - 108].
وقوله تعالى:
يريد به-والله أعلم-من وقفهم حيث كانوا فيه إلى أن حوسبوا، ووزنت أعمالهم، وسيق كلّ فريق إلى حيث قضي له به.
وقوله: {ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ} .
يريد به التأبيد على ما كانت العرب تعرف من طول مقامها فكأن يعبر عن التأبيد بدوامها.
وقيل معناه ما دامت السموات والأرض إلاّ ما شاء ربّك من الزيادة عليها.
و «إلاّ» بمعنى سوى، وذلك يحسن إذا كان المستثنى أكثر من المستثنى منه كرجل يقول:«لفلان عليّ ألف درهم إلاّ ألفين التي هي إلى سنة» يريد سوى الألفين وقد بسطنا الكلام في ذلك في كتاب «البعث» عن الفراء وعن الحليمي رحمهما الله تعالى.
365 -
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، ثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، ثنا قرة بن خالد ح.
وأخبرنا أبو طاهر الفقيه، أنا أبو حامد بن بلال، ثنا أبو الأزهر، ثنا يحيى بن أبي الحجاج، ثنا قرة بن خالد.
وأخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري، أنا جدّي يحيى بن منصور القاضي، ثنا أحمد بن سلمة، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا أبو عامر العقدي، ثنا قرة بن خالد، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«من لقي الله وهو لا يشرك به شيئا دخل الجنّة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النّار» .
وذكر الحديث في رواية أبي طاهر وذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنّة، ومن لقيه يشرك به دخل النّار» .
ورواه مسلم في الصحيح عن حجاج بن الشاعر وأبي أيوب سليمان بن عبد الله الغيلاني عن أبي عامر.
قال الحليمي رحمه الله وإذا ظهر أنّ مآب المسلمين الجنّة، ومآب الكافرين النّار فقد قال الله عز وجل:
{إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين:7].
و {إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين:18].
وكان المعنى ما كتب لهؤلاء ولهؤلاء، علمنا إنّ السجّين خلاف العلّيّين، كما أنّ الفجّار خلاف الأبرار؛ وسمّي الله جلّ ثناءه النّار الهاوية، ووصف الجنّة أنّها عالية، وجاء في الحديث «أنّ أرواح (خطأ) المؤمن تعلى به، وروح الكافر تهوى به» ولم نعلم أحدا قال: إنّ الجنة في الأرض، ثبت أنّ الجنة فوق السموات ودون العرش ويحتمل قول الله عز وجل:
{وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ} [التكوير:11].
365 - أخرجه مسلم (1/ 94) عن أبي أيوب سليمان بن عبيد الله الغيلاني وحجاج بن الشاعر كلاهما عن أبي عامر العقدي-به.
أنّها تكشط عّما وراءها من الجنان ننظر آثارها، وأن يكون ذلك إزلافها في قوله:
{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الشعراء:9].
قال البيهقي رحمه الله.
366 -
وقد أخبرنا أبو الحسن المقرئ، أنا الحسن بن محمد بن إسحاق، ثنا يوسف بن يعقوب، ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، ثنا مهدي بن ميمون، ثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن بشر بن شغاف، قال كنّا جلوسا مع عبد الله بن سلام فذكر الحديث إلى أن قال:
(وإنّ أكرم الخلائق على الله تعالى أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وإنّ الجنّة في السماء، وإنّ النّار في الأرض؛ فإذا كان يوم القيامة بعث الله الخلائق أمّة أمة ونبيّا ونبيّا، ثم يوضع الجسر على جهنّم، ثم ينادي مناد أين أحمد وأمّته؟ فيقوم وتتبعه أمّته: برّها وفاجرها، فيأخذون الجسر، فيطمس الله أبصار أعدائه، فيتهافتون فيها من يمين وشمال، وينجو النبي صلى الله عليه وسلم والصالحون معه، وتتلقّاهم الملائكة وثبا، يرونهم منازلهم من الجنة: على يمينك، على يسارك، ثم ذكر مرور كلّ نبي وأمته).
قال: الحليمي رحمه الله وفي ورود الأخبار بذكر الصراط وهو جسر جهنّم بيان أنّ الجنة في العلوّ، كما أنّ جهنّم في السفل إذ لو لم يكن كذلك لم يحتج الصائر إليها إلى جسر.
قال وروي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«إنّ على جهنّم جسرا أدقّ من الشعر من السيف أعلاه نحو الجنة، دحض مزلة، بجنبيه كلاليب، وحسك النار، يحبس الله به من يشاء من عباده، الزالّون والزالاّت يومئذ كثير، والملائكة بجانبيه قيام ينادون: اللهم سلّم، الّلهم سلّم فمن جاء بالحق جاز، ويعطون النّور يومئذ على قدر إيمانهم وأعمالهم، فمنهم من يمضي عليه كلمح البرق، ومنهم من يمضي عليه كمرّ الريح ومنهم من يمضي عليه كمر الفرس السابق ومنهم من يسير عليه، ومنهم من يهرول، ومنهم
366 - سبق برقم (150).
من يعطى نورا إلى موضع قدميه، ومنهم من يحبو حبوا، وتأخذ النار منه بذنوب أصابها، وهي تحرق من يشاء الله منهم على قدر ذنوبهم حتّى تنجو، وتنجو أوّل أوّل زمرة سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، كأنّ وجوههم القمر ليلة البدر، والّذين يلونهم كأضواء نجم في السماء، حتى يبلغوا إلى الجنة برحمة الله تعالى».
قال: البيهقي رحمه الله وهذا الحديث فيما:
367 -
أنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد، ثنا إسماعيل بن محمد، حدثنا مكي بن إبراهيم، ثنا سعيد بن زربّي عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك حدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره.
قال: البيهقي رحمه الله وهذا إسناد ضعيف غير أن معنى بعض ما روي فيه موجود في الأحاديث الصحيحة التي وردت في ذكر الصراط، وقد ذكرناها في كتاب «البعث» .
قال: الحليمي رحمه الله: قوله في الصراط إنّه أدقّ من الشّعرة معناه أنّ أمر الصراط والجواز عليه أدقّ من الشعر، أي يكون عسره ويسره على قدر الطاعات والمعاصي، ولا يعلم حدود ذلك إلاّ الله عز وجل لخفائها وغموضها، وقد جرت العادة بتسمية الغامض الخفي دقيقا، وضرب المثل له بدقة الشعرة، وقوله إنّه «أحدّ من السيف» فقد يكون معناه-والله أعلم-أنّ الأمر الدقيق الذي يصدر من عند الله إلى الملائكة في إجازة الناس على الصراط يكون في نفاذ حدّ السيف، ومضيّه منهم إلى طاعته وامتثاله، ولا يكون له مردّ، كما أنّ السيف إذا نفذ بحدّه وقوة ضاربه في شيء، لم يكن له بعد ذلك مردّ.
قال: البيهقي رحمه الله وهذا اللفظ من الحديث لم أجده في الروايات الصحيحة.
وروي عن زياد النميري عن أنس مرفوعا: «الصراط كحدّ الشفرة أو كحدّ السيف» . وهي أيضا رواية ضعيفة.
وروي بعض معناه عن عبيد بن عمير عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وجاء عنه من قوله.
وروى عن عبد الله بن مسعود أنّه قال: (الصراط في سواء جهنّم مدحضة من له (خطأ) كحد السيف المرهف).
وروي عن سعيد بن أبي هلال أنه قال: بلغنا أنّ الصراط يوم القيامة وهو الجسر يكون على بعض الناس أدقّ من الشعر وعلى بعضهم مثل الدار والوادي الواسع.
فيحتمل أن يكون لشدّة مروره عليه وسقوطه عنه يشبه بذلك والله أعلم.
وأمّا ما قيل في رواية أنس من «أن أعلى الجسر نحو الجنة» ففيه بيان أنّ أسفله نحو طرف الأرض وذلك لما مضى بيانه من أنّ جهنّم سافلة والجنة عالية.
368 -
أخبرنا أبو الحسن المقرئ، أنا الحسن بن محمد بن إسحاق، أنبا محمد بن أحمد بن البراء، أنبا عبد المنعم بن إدريس، حدثني أبي، عن وهب بن منبه، قال: إذا قامت القيامة، وقضي الله بين أهل الدارين، أمر بالفلق، فيكشف عن سقر، وهو غطاؤها فيخرج منه نار، فتحرق جهنم وتأكلها، كما تأكل النار في الدنيا القطن المندوف، فإذا وصلت البحر المطبق على شفير جهنّم-وهو بحر البحور-نسفته أسرع من طرفة العين نسفا فنضب كأن لم يكن مكانه ماء قط، وهو حاجز بين جهنّم والأرضين السبع فإذا انشقت ماء ذلك البحر اشتعلت في الأرضين السبع فتدعها جمرة واحدة.
وقد روينا عن علي بن أبي طالب أنّه قال ليهودي: أين جهنّم قال: تحت البحر فقال عليّ: صدق ثم قرأ:
{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور:6].
قال: البيهقي رحمه الله ويحتمل ما حكيناه عن وهب بن منبه معنى ما قال الله عز وجل:
{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ} [إبراهيم:48].
ويكون ذلك بعد ركوب الناس الصراط.
كما روينا عن عائشة انّها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقالت فأين الناس يومئذ؟ قال: «على الصراط» .
ثم قد قال بعض العلماء أن الكفار لا يجاوزون على الصراط لأنهم في معدن النار فإذ خلص المؤمنون وخلصوا على الصراط انفرد الكفار بمواقفهم وصار مواقفهم من النار.
قال غيرهم إنهم يركبون الصراط ثم قد تكون أبواب جهنم فروجا في الحشر كأبواب السطوح فهم يقذفون منها في جهنّم، ليكون غمّهم أشدّ وأفظع، وإلقاؤهم من الجسر أخوف وأهول، وفرح المؤمنين بالخلاص أكثر وأعظم، ولعلّ قول الله عز وجل:
{وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [يس:59].
يكون في هذا الوقت. وما في القرآن من قول الله عز وجل:
{كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك:8].
وقوله: {أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ} [ق:24].
كالدليل على هذا، لأن الإلقاء في الشيء أكثر ما يستعمل في الطرح من علّو إلى سفل والله أعلم بكيفية ذلك.
وأما المنافقون فالأشبه أنّهم يركبون الجسر مع المؤمنين ليمشوا في نورهم فيظلم الله عز وجل على المنافقين فيقولون للمؤمنين:
{اُنْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً} [الحديد:
13].
فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور على قدر إيمانهم وأعمالهم فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم وقد:
ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم الم نكن معكم نصلّي بصلاتكم ونغزو مغازيكم. {قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} [الحديد:14].
فيحتمل-والله أعلم-أنّ هذا السّور إنّما يضرب عند انتهاء الصراط ويترك له باب يخلص منه المؤمنون إلى طريق الجنّة، فذلك هو الرحمة التي في باطنه، وأما ظاهره فإنّه يلي النار، وإن كانت النار سافلة عنه لا محاذيه إيّاه. ما