المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوجه الحادي عشر: - شفاء العليل في اختصار إبطال التحليل

[بدر الدين البعلي]

الفصل: ‌الوجه الحادي عشر:

الأمة

(1)

من استحلال المحرَّمات (152/ أ) بأن يسلبوا عنها اسمها الذي حَرُمت به، وما فعلته اليهود علمَ قطعًا أنَّ هذين من مشكاةٍ واحدة، وأن ذلك تصديق قوله:"لتتبعُنَّ سَنَن من كان قَبْلَكُم"

(2)

، وعلم أن أكثر الحِيَل من هذا الجنس، لا سيما مع قوله صلى الله عليه وسلم:"لا ترتكبوا ما ارتكبتِ اليهودُ فتَسْتَحِلُّوا محارمَ اللهِ بأدنى الحِيَل"

(3)

، والله الهادي إلى الحق.

‌الوجه الحادي عشر:

ما روى ابن عمر قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ظنَّ الناسُ بالدينارِ والدِّرْهم، وتبايعوا بالعِيْنَة، واتَّبعوا أذنابَ البقر، وتركوا الجهادَ في سبيلِ اللهِ؛ أنزلَ اللهُ بهم بلاءً فلا يرفعه حتى يُرَاجِعوا دينَهم" رواه الإمام أحمد في "المسند"

(4)

، وأبو داود

(5)

بإسنادٍ حسن.

قال أحمد: ثنا أسود بن عامر، ثنا أبو بكر، عن الأعمش، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر.

وإسناد أبي داود صحيح إلى حَيْوة بن شريح، عن إسحاق أبي عبد الرحمن الخراسانى، أن عطاءً الخراسانى حدَّثه أن نافعًا حدَّثه عن ابن عمر

(6)

.

(1)

الأصل: "الأ" وهو سهو.

(2)

تقدم تخريجه ص/ 38.

(3)

تقدم تخريجه ص/ 42.

(4)

(8/ 440 رقم 4825).

(5)

رقم (3462).

(6)

وانظر بقية كلام شيخ الإسلام على الحديث في الإبطال: ص/ 71 - 72.

ص: 49

ورُوِي من طريق ثالث من حديث السَّرِي بن سهل

(1)

، فتبيَّنَ أنَّ للحديث أصلًا محفوظًا عن ابنِ عُمر.

قال أهل اللغة: العِيْنة في أصل اللغة للسَّلَف، والسلفُ يعمُّ تعجيل الثمن وتعجيل المثمن، وهو الغالب هنا، يقال: اعتانَ الرجلُ وتعيَّن إذا اشترى الشيءَ بنسيئةٍ، كأنها مأخوذة من العين وهو المعَجَّل.

قال أبو إسحاق الجُوْزجاني: أنا أظن أنها مشتقَّة من حاجة الرجل إلى العَيْن يعني: الذهب والوَرِق، فيشتري السلعةَ ويبيعها بالعين التي احتاجها.

فالحديث يدلُّ على أنَّ من العِيْنة ما هو محرَّم، وإلا لما أدخلها في جملة ما استحلُّوه واستحقُّوا به العقوبة.

وكذلك الأخذ بأذناب البقر، وهو على ما قيل: الدخولُ في أرض الخراج بدلًا عن أهل الذمة.

وقد تقدَّم

(2)

قولُه: "ليأتينَّ على الناسِ زمانٌ يستحلُّون الربا بالبيع" يعني: العينة، فهذا شاهد وعاضد لهذا الحديث.

وعن أنسٍ أنه سئل عن بيع العينة - يعني بيع الحريرة -؟ فقال: "إن الله لا يُخْدَع، هذا مما حرَّم اللهُ ورسولُه" رواه محمد بن

(1)

قال حدثنا عبد الله بن رشيد، ثنا عبد الرحمن بن محمد، عن ليث عن عطاء، عن ابن عمر قال

الحديث، أخرجه الطبراني في "الكبير": رقم (13583)، وأبو نعيم في "الحلية":(1/ 313 - 314 و 3/ 319)، وغيرهما.

(2)

(ص/ 47).

ص: 50

عبد الله الحافظ المعروف بمطَيَّن

(1)

.

وقوله: "هذا مما حرَّم الله" هو في حكم المرفوع.

وعن ابن عباسٍ أنه سُئل عن العينة؟ فقال: "إن الله لا يُخْدَع"، [وقال]

(2)

: "اتقوا هذه العينة دراهم بدراهم متفاضلة بينهما حريرة" ذكره القاضي أبو يعلى وغيره، ومطيَّن - أيضًا - وأبو محمد النخشبي الحافظ.

والأثر المعروف عن أبي إسحاق السَّبِيْعي عن امرأته أنها دخلت على عائشة هي وأمُّ ولد زيد بن أرقم وامرأة أخرى، فقالت لها أمُّ ولد زيد: إني بعتُ من زيد غلامًا (152/ ب) بثمان مئة درهم نسيئة، واشتريته بست مئة نقدًا، فقالت عائشة:"أَبْلِغي زيدًا أنْ قد أبطلَ جهادَه مع رسول الله إلا أن يتوب. بئس ما اشتريتِ وبئس ما شريتِ".

رواه أحمد

(3)

: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق.

(1)

في "كتاب البيوع"، كما في الإبطال.

(2)

زيادة لازمة، وبدونها يصبح الأثر مركبًا من أثرين.

(3)

ظاهر هذا العزو أنه في "المسند"، وقد عزاه إليه الزيلعى فى "نصب الراية":(4/ 16)، ولم أجده فيه، فلعله مما سقط من المطبوعة.

والحديث أخرجه الدارقطنيُّ: (2/ 311)، والبيهقي في "الكبرى":(5/ 330)، وغيرهم.

قال ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق": (2/ 558) عن إسناد أحمد: "هذا إسناد جيد، وإن كان الشافعي قال: لا يثبت مثله عن عائشة، وكذلك الدارقطني، =

ص: 51

ورواه حرب

(1)

من حديث إسرائيل.

فهذه أربعة أحاديث تُبَيِّن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرَّم هذا، ولولا أن عند أم المؤمنين علمًا من رسول الله لا تستريب فيه أن هذا محرم لم تستجِزْ أن تقول مثل هذا الكلام بالاجتهاد، لا سيما إن قصدت أن العمل يبطلُ بالرِّدة، واستحلال مثل هذا كُفْر؛ لأنه من الرِّبا، ولكن عُذْر زيد أنه لم يعلم أن هذا محرَّم، ولهذا أمرت بإبلاغه.

وإن لم تكن قصدت هذا، فإنها قصدت أن هذا من الكبائر التي يقاوم إثمها ثواب الجهاد، فتصير بمنزلة من عمل حسنة وسيئة بقدرها، فما كأنَّه عملَ شيئًا، ولو كان هذا مما يسوغ فيه الاجتهاد لم يكن مأثمًا، فضلًا عن أن يكون صغيرة، فضلًا عن أن يكون من الكبائر، فلما قطعت بذلك و [أمرَتْ بـ] إبلاغه عُلِم أنها علمت أن هذا لا يسوغ فيه الاجتهاد، وما ذاك إلا عن علم، وإلا فالاجتهاد لا يحرِّم الاجتهاد

(2)

. وكون العمل يُبْطِل الجهادَ لا يُعْلَم إلا بتوقيفٍ من رسول الله، لا يُعْلَم بالاجتهاد.

ثم من هذه الآثار حجة أُخرى، وهو:

= قال في العالية: هي مجهولة لا يُحتج بها، ففيه نظر، فقد خالفه غيره

وانظر: "نصب الراية": (4/ 15 - 16)، و"الدر النقي":(5/ 330 - بحاشية السنن الكبرى).

(1)

أي: الكرماني، لعله في مسائل لأحمد.

(2)

في هامش الأصل: "إذ ليس اجتهادها أولى من اجتهاده".

ص: 52