الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فنهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه المُقْرِضَ عن قبول هدية المُقْترض قبل الوفاء؛ لأن المقصود بالهدية أن يؤخر الاقتضاء، فيصير بمنزلة أن يأخذ الألف بهدية ناجزة وأَلْف مؤخَّرة، وهذا ربا.
ولهذا جاز أن يزيده عند الوفاء، ويُهدي له بعد الوفاء؛ لزوال المعنى، ومن لم ينظر إلى المقاصد أجاز وخالف السنة، وهذا بين لمن تدبَّره من غير هوى.
قال تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)} [المدثر: 6] وهو أن يُهْدي ليُهْدَى إليه أكثر مما أَهْدى، فهذا كلُّه دليل على أن صور العقد غير كافية، فكلّ ما لو شَرَطه في العقد كان عوضًا فاسدًا فقصده فاسد؛ لأنه لو كان صالحًا لما حَرُم اشتراطه؛ لقوله [صلى الله عليه وسلم]:"المُسْلِمونَ على شروطِهم إلا شَرْطًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا" رواه أبو داود
(1)
.
الوجه الثاني والعشرون:
أن أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم أجمعوا على تحريم هذه الحيل وإبطالها، وإجماعُهم حجةٌ قاطعة يجب اتباعُها، وليس في ذلك خلاف بين الفقهاء ولا بين سائر المؤمنين الذين هم
(1)
رقم (3594).
وأخرجه الدارقطني: (3/ 27)، والحاكم:(2/ 49)، والبيهقي:(6/ 79) وغيرهم من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.
والحديث صححه الحاكم وقوَّاه الحافظ في "التغليق": (3/ 281 - 282)، لكن ليس فيه زيادة "إلا شرطًا أحلّ حرامًا
…
"، وهذه الزيادة إنما هي في حديث عمرو بن عوف أخرجه الترمذي رقم (1352)، وابن ماجه رقم (2353)، والحاكم:(4/ 49)، وغيرهم، وفي سنده كثير بن عبد الله المزني ضعيف، وقد تفرّد به، وإن صححه الترمذي.
مؤمنون، وإنما خالف فيه بعض أهل البدع.
وبيانُ إجماعهم ما سنذكره
(1)
إن شاء الله عن عمر أنه خطب الناسَ على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، وقال:"لا أُوتى بمحلِّل ولا محلَّل له إلا رجمتهما".
ويُذكر عن عثمان وعلي وابن عمر وابن عباس وغيرهم: أنهم نهوا عن التحليل وإن لم يشترط في العقد ولا قبله، وهذه أقوالٌ قيلت في أوقات مختلفة، وأماكن متعددة، وقضايا متفرِّقة (165/ أ)، ولم يُنكِرْ ذلك أحد مع طول الأزمنة وانتفاء الموانع.
وقد تقدَّم
(2)
عن غير واحد من أعيانهم، مثل أُبَيِّ بن كعب وابن مسعود وعبد الله بن سلام وابن عمر وابن عباس: أنهم نهوا المُقْرِض عن قبول الهدية إلا إذا كافأه عليها، أو حسبها من دينه، وجعلوا قبولها ربًا. وهذه أيضًا أقوال اشتهرت ولم تُنكر فيكون ذلك إجماعًا.
وأيضًا: قد تقدم
(3)
ما رُوِيَ عن عائشة في مسألة العينة.
فكيف يكون قول هؤلاء في إسقاط الزكاة والشفعة وتأخير الصوم، وإخراج الأبضاع والأموال عن ملك صاحبها، وتصحيح العقود الفاسدة
(4)
؟ ! .
(1)
(ص/ 136 - 139) في المسلك الرابع، وستأتي ألفاظهم في ذلك ومن أخرجها.
(2)
(ص/ 109).
(3)
(ص/ 51).
(4)
أى: إذا كان هذا قولهم في المسائل المتقدمة، فكيف يكون في هذه المذكورة؟ ! .