المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فقد قال بعد ذلك: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا - شفاء العليل في اختصار إبطال التحليل

[بدر الدين البعلي]

الفصل: فقد قال بعد ذلك: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا

فقد قال بعد ذلك: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)} [البقرة: 66]، قالوا: للمتقين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلا تفعلوا مثل فعالهم. فحقيق بالمؤمن أن يحذر استحلال محارم الله بأدنى الحِيَل، وأن يعلم أن ذلك أشد

(1)

أسباب العقوبة.

ومن العجب العُجاب: أن هذه الحيلة التي احتالها أصحاب السبت في الصيد قد فعلها طوائف من المفتِيْن، حتى تعدَّى ذلك إلى الحنبلية، فقالوا: إن الرجل إذا نصب شبكةً قبل أن يُحْرِم ليقع فيه الصيد بعد إحرامه ثم أخذه بعد حِلِّه لم يَحْرُم، وهذه بعينها حيلة أصحاب السبت. وفي ذلك تصديق قوله تعالى:{فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعنَّ سَنَنَ من كان قبلكم حَذْو القُذَّة بالقذة

" الحديث

(2)

، وهو صحيح.

وهذا كله يدلّ على أن الحِيَل من أعظم المحرمات في دين الله تعالى.

‌الوجه الخامس:

قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّما الأعمالُ بالنياتِ وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هِجْرته إلى اللهِ ورسوله فهجرتُه إلى اللهِ ورسولِه

" الحديث

(3)

.

(1)

"الإبطال": "من أشد".

(2)

أخرجه البخاري رقم (3456)، ومسلم رقم (2669) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(3)

أخرجه البخاري رقم (1)، ومسلم رقم (1907) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ص: 38

وهو أصلٌ في إبطال الحِيَل، وبه احتجَّ البخاريُّ على ذلك

(1)

، فإن من أراد أن يعامل الرجلَ معاملةً يُعطيه فيها ألفًا بألف وخمس مئة إلى أجلٍ، فأقرضه تسع مئة وباعه ثوبًا بست مئة يساوي مئة، إنما نوى بإقراضِه التسع مئة تحصيلَ ما ربحه في الثوب، وإنما نوى بالستِّ مئة التي أظهر أنها ثمن أن أكثرها ربح التسع مئة، فلا يكون له من عمله إلا ما نواه بقول النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا مقصودٌ فاسد غير جائز، فإذا كان إنما باع الثوب بستّ مئة مثلًا؛ لأن الخمس مئة ربح التسع مئة التي أعطاه أياها دراهم، فهذا مقصودٌ محرم، فيكون مهدرًا، فلا تترتَّب عليه أحكام البيع الصالح والقرض، كما أن مُهاجِر أُم قيس ليس له من أحكام الهجرة الشرعية شيءٌ. وكذا المحلل إنما نوى أن يطلِّق المرأة لتحلَّ للأول، ولم ينو أن يتخذها زوجة، فلا تكون له بزوجة، فلا تحلُّ له ولا للأوَّل، وهذا ظاهر.

الوجه (150/ أ) السادس: ما روى سفيان بن حسين وسعيد بن بشير، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من أدْخَلَ فرسًا بين فرسينِ وهو لا يأْمَنُ أنْ يَسْبِق فليسَ بقمارٍ، وإن أَمِنَ أنْ يَسْبِق فهو قِمار" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

(2)

.

(1)

في الصحيح رقم (6953) كتاب الحِيل، بابٌ في ترك الحيل، وأنّ لكل امرئٍ ما نوى في الأيمان وغيرها. ثم ساق الحديث.

(2)

أخرجه أحمد: (16/ 327 رقم 10557)، وأبو داود رقم (2579)، وابن =

ص: 39

وابنُ حسين قد خرَّج له مسلم، وقال فيه ابن معين: ثقة، وقال مرَّةً: ليس به بأس

(1)

. وقال الإمام أحمد: ليس هو بذاك في حديثه عن الزهري

(2)

. وكذلك قال ابن معين: في حديثه ضعف ما روى عن الزهري

(3)

.

وهذا الذي قالوه؛ لأنه قد يروي أشياء يخالف فيها الناس، وهذا يوجب التوقُّف في روايته إذا خالفه من هو أوثق منه، فأما إذا روى حديثًا مستقلًّا وقد وافقه عليه غيره فقد زال المحذور، وظهر أن للحديث أصلًا بمتابعة غيره له.

ووجه الدلالة: أنه حرَّم إخراج السبق من المتسابقين معًا؛ لأنه قمار، إذ كان كل منهما بين أن يأخذ من الآخر أو يعطيه، فإذا أدخلا ثالثًا كان لهما حالٌ ثانية، وهو: أن يُعطيا جميعًا الثالث، فيكون الثالث له جُعْل على سَبْقه، فيكون من جنس الجعالة، فلما كان الأمر كذلك لم يرض النبي صلى الله عليه وسلم بصورة الثالث، حتى يكون فرسًا يحصل معه المقصود وهو انتفاء القمار، بأن يكون يخاف منه أن يسبق فيأخذ السبقين.

= ماجه رقم (2876)، والدارقطني:(4/ 111)، والبيهقي:(10/ 20)، والحاكم:(2/ 114) وغيرهم.

انظر في الكلام على الحديث: "الكامل": (3/ 372) لابن عدي، و"التلخيص":(4/ 180).

(1)

"التاريخ - رواية الدوري": (2/ 210 - 211).

(2)

"العلل - رواية المروذي" رقم (28).

(3)

رواية الدارمي رقم (19).

ص: 40