الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الثاني عشر
(1)
: وهو أن هذه
(2)
الصحابة؛ عائشة وابن عباس وأنس أفتوا بتحريم ذلك، وغَلَّظوا فيه في أوقاتٍ مختلفة، ولم يبلغنا أن أحدًا من الصحابة، بل ولا من التابعين رخَّصَ في ذلك، فتكون حجة راجحة، بل إجماعًا على تحريم ذلك.
ولا يقال: فزيد بن أرقم فعلَه؛ لأنه لم يقل: إن هذا حلال، بل يجوز أن يكون فعلَه جريًا على العادة من غير تأمُّلٍ ولا نظرٍ ولا اعتقاد.
ولهذا قيل: أضعفُ العلمِ الرؤية. يعني أن يقال: رأيتُ فلانًا يفعل كذا، ولعلَّه قد فعله ساهيًا. وقال إياس: لا تنظر إلى عمل الفقيه، ولكن سَلْه يَصْدُقك، ولهذا لم يذكر عنه أنه أصرَّ على ذلك بعد بلوغِه إنكار عائشة.
وقد يفعل الرجلُ النبيلُ الشيءَ مع ذهوله عنه فإذا نُبِّه انتبَهَ، وإذا احتمل
(3)
ذلك لم يَجُز نسبةُ اعتقادِ حلِّه إلى زيد - رضى الله عنه -. وفي تلاوة عائشة عليها: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] دليلٌ على أن الإنكار لأجل الاستحلال، لا لأجل جهل الأجل، فإن هذه الآية إنما هي في التائب من الربا، وهذا دليل على بطلان العقد الأول إذا قصد به التوسُّل إلى الثاني، وهذا هو الصحيح من مذهبنا وغيره.
(1)
كذا في الأصل و (م)، وفي "الإبطال":(ص/ 76) لم يجعل هذا وجهًا جديدًا، بل هو تابع للوجه الحادي عشر.
(2)
كذا في الأصل و (م)، وفي "بيان الدليل":"هؤلاء".
(3)
أي: الفعل.
وأما إذا باع السلعةَ لغير البائع الأوَّل بيعًا بتاتًا
(1)
، فهي مسألة (153/ أ) التوَرُّق؛ لأن مقصوده الورق، وكان عمر بن عبد العزيز يكرهه، وقال: التورُّق آخِيَّة
(2)
الربا. وإياس بن معاوية يُرخِّص فيه، وعن الإمام أحمد في ذلك روايتان، وأشار في رواية الكراهة إلى أنه مضطرٌّ.
ولعل قوله [صلى الله عليه وسلم]: "إنّما الرِّبا في النسيئة"
(3)
إشارة إلى هذا ونحوه، وهو كما يُقال: إنما العالم زيد، و: لا سيفَ إلا ذو الفقار، يعني: أنه هو الكامل في بابه.
وروي عن ابن عباس أنه قال: "إذا استقمتَ بنقد فبعت بنقد فلا بأس، وإذا استقمتَ بنقد فبعتَ بنسيئة فلا خير فيه، تلك ورق بورق" رواه سعيد وغيره
(4)
.
وهذا شأن المورِّقين، فإن الرجل يأتيه فيقول: أُريد ألف درهم فيخرج له سلعة تُسَاوي ألفًا، وهذا هو الاستقامة، يقال: أقمتُ السلعة وقومتها واستقمتها بمعنًى، وهي لغة مكيَّة بمعنى التقويم
(5)
.
(1)
كذا في الأصل و (م)، و"بيان الدليل":"باتًّا".
(2)
الآخِيَّة: بالمدّ والتشديد، حبل مثل العروة التي تشدّ إليها الدابة، واستعير هنا لشدة شبه التورق بالربا.
(3)
أخرجه البخاري رقم (2179)، ومسلم رقم (1596) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
(4)
أخرجه عبد الرزاق: (8/ 236).
(5)
انظر: "الصحاح": (5/ 2017).