الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليس من هذا، فإنه من نيَّتِه أن يطلِّقها عقيب وطئها، فلا معاشرة هناك تحتاج إلى إقامة حدود الله، فلا يكون هذا الظن شرطًا فيه، وهو خلاف القرآن.
يبينُ ذلك: أن غالب المحلِّلين لا يظنان أنهما يُقيمان حدود الله؛ لأن كلَّ واحدٍ منهما لا رغبةَ له في صاحبه، ورُوِي عن مجاهد في قوله:{إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 230] قال: إن عَلِما أنَّ نكاحهما على غير دُلْسَة
(1)
، وأراد بالدُّلْسة: التحليل.
ومعنى كلامه: إنْ عَلِم المطلِّق الأول والزوجة أن النكاح الثاني كان على غير دُلْسة
(2)
، ولهذا لم يجعل الظنَّ علمًا هنا (171/ ب) فلم يرفع الفعل حتى تكون [أن] الخفيفة من الثقيلة الدالة على أن الظن يقين، بل نَصبَ بـ "أن" الخفيفة؛ ليعلم أنه على بابه، ولأن كون الزوج الثاني لم يكن محلِّلًا قد لا يُتيَقَّن، وإنما يُعْلَم بغالب الظن، وعلى هذا ففي الآية حجة ثانية من هذا الوجه.
المسلك الثامن
قوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: 231].
(1)
أخرجه ابن جرير: (2/ 492).
(2)
انظر بقية التقرير لهذا الاستدلال في "الإبطال": (ص/ 380).
وقد روى ابن ماجه
(1)
وابن بطة
(2)
بإسنادٍ جيَّد عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بالُ أقوامٍ يلعبونَ بحدود اللهِ، ويَسْتَهْزِئون بآيات الله؛ طَلَّقْتُكِ راجَعْتُكِ، طَلَّقْتُكِ راجَعْتُكِ".
وفي لفظٍ لابن بطة: "خلعتك راجعتك".
وقد رُوِيَ مرسلًا عن أبي بردة.
فوجه الدلالة: أن الله - سبحانه - حرم على الرجل أن يرتجع المرأةَ يقصد بذلك مضارَّتها، بأن يطلِّقها ثم يمهلها حتى تشارف انقضاء العدة، ثم يرتجعها، ثم يطلقها قبل جماع أو بعده، ويمهلها حتى تشارف انقضاء العدة، ثم يرتجعها، ثم يطلقها، فتصير العدة تسعة أشهر.
وهكذا فسَّره عامة العلماء من الصحابة والتابعين، وجاء فيه حديث مسند.
ومعلومٌ أنه لو وقع هذا اتفاقًا من غير قصد منه، بأن يرتجعها راغبًا ثم يبدو له فيطلِّقها، ثم يبدو له فيراجعها راغبًا، ثم يبدو له فيطلقها، لم يحرم ذلك، لكن لما فعله لا لرغبةٍ، بل لمقصود آخر وهو أن يطلِّقها بعد ذلك ليُطِيل العِدَّة عليها = حَرُم ذلك، فالضرر حصل لها؛ لأنه قصد بالعقد فُرْقة توجب ضررًا، لو حصل بغير قصد إليه، لم يكن سببه حرامًا.
(1)
رقم (2017).
(2)
في "إبطال الحيل": (ص/ 40، 41).