الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن تيقَّن هذا لم تَطِبْ [نفسُه]
(1)
أن يحتالَ على سقوط واجبٍ في فِعله صلاحٌ له، ولا على فِعْل محرَّم في تركه صلاح له - أيضًا -، فإنما تنشأ الحِيَل من ضَعْف الإيمان، فلهذا كانت من النفاق، وصارت نفاقًا في الشرائع، كما أن النفاق الأكبر نفاق في الدين.
فإذا كانت الحِيَل مستلزمةً لكراهة أمر الله ونهيه، وذلك محرَّم بل نفاق، فحُكْم المستلزم كذلك، فتكون الحيل محرمة بل نفاقًا؛ لأنها تجر إلى كراهة الأمر والنهي اللذَيْن يحبهما الله ورسوله.
الوجه السادس عشر
(2)
: أن نقول: الشارع لما حرَّم المطلَّقة ثلاثًا على زوجها حتى تنكح زوجًا غيره، ثم يُفارقها، لم يكن مقصوده وجودَ الحلِّ للزوج الأول، فإنه لم ينصب سببًا
(3)
يُفضي إليه غالبًا، حيث علَّق وجود الحل بأن تنكح زوجًا غيره، ثم يفارقها، والثاني قد يفارقها وقد لا يُفارقها، فَعُلِم أن الشارع نَفَى الحِلَّ إما عقوبة على الطلاق أو امتحانًا للعباد، أو لما شاء - سبحانه -، ولو كان مقصوده وجوده إذا أراده المكلَّف؛ لنصب له سببًا يُفضي إليه غالبًا، كما نصب البيع للملك إذا أرادَه (160/ أ) المكلَّف، ولذلك
(1)
زيادة من (م)، وفي "الإبطال":"لم يطلب (كذا وصوابه: يَطب، وإن كان ما أثبتَه في نسخةٍ) نفسًا .. ".
(2)
"الإبطال": (ص / 157، 167).
(3)
"الإبطال": "شيئًا"، وكذا بعد أسطر.
نصب لحلِّ المرأة بعد الطلقتين إذا أراده المكلَّف سببًا غالبًا وهو تناكُح الزوجَين، فإنهما إذا أراداه فعلاه، ولهذا قال:{وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] و {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43].
فعلَّق قُربان الصلاة على علمه بما يقوله، وقربان المرأة على الطهر، فعلق ذلك بسببٍ يتيسَّر غالبًا؛ لأنه - سبحانه - أراد وجودَ الحلِّ ووجودَ قربانِ الصلاة، بخلاف قوله:{فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] لم
(1)
يُيَسِّر ذلك له، بل علَّقه على سبب لا يوجد غالبًا ولا يتيسَّر كما أراده المكلَّف ولا في الغالب، فيجب الفرق بين هذا وهذا، أعني: بين ما يُقْصَد وجودُه لكن بشرط وجود غيره، وبين ما يُقْصَد عدمُه لكن بشرط أن لا يوجد غيره.
فمثال الأول: [أسباب] حل المال والوطء واللحم، فإن ذلك حرام حتى توجد هذه الأسباب، وهي مقصودة الوجود؛ لأنها [من] مصلحة الخلق.
ومثال الثاني: أسباب حل العقوبات من القتل والجَلْد والقَطْع، فإن الدماء والأبشار حرام حتى توجد الجنايات، وهي مقصودة العدم؛ لأن المصلحة عدمها.
ومن الثاني: تحريم الخبائث حتى توجد الضرورة، ونكاح
(1)
في "الأصل": "لم ـر ييسر"! .
المحلِّل ليس من القسم الأول؛ لأن السبب المبيح ليس منصوبًا لحصول الحل، أعني: حلها للأول، بل لحصول ما يُنافيه، فلا يكون حلُّها للأول مقصودًا للشارع إذا أراده المكلَّف.
إذا تبيَّن هذا، فإذا نَكَحَها ليُحِلَّها لم يقصد النكاح وإنما قَصَد أثر زوال النكاح، وهذا لم يقصده الشارع ابتداءً، وإنما أثبته عند زوال النكاح الثاني، فلا تتفق إرادة الشارع والمحلِّل على واحدٍ من الأمرين، إذ نكاحه إنما أراده للحل، والشارع إنما أراد ثبوت الحل تبعًا للنكاح المتعقِّب للطلاق، فلا يكون واحد منهما مرادًا لهما، فيكون عَبَثًا من جهة الشارع والعاقد، وما لا يُطابق إرادة الشارع غير معتبر.
وكذا الخُلْع لحلِّ اليمين، فإن الخلع إنما جعله الشارع لأجل البينونة التي يحصل بها مقصود المرأة من الافتداء، وحل اليمين يقع تبعًا لحصول البينونة، فإذا خالَعَ امرأتَه ليفعل المحلوفَ عليه لم [يكن]
(1)
قصدهما البينونة، بل حل اليمين، وحلها إنما جاء تبعًا، فتصير البينونة لأجل حلّ اليمين، وحلّ اليمين لأجل البينونة، فلا يصير واحد منهما مقصودًا منهما، فلا يُشرع عقدٌ ليس مقصودًا في نفسه، ولا مقصودًا (160/ ب) لما هو مقصود في نفسه من الشارع والعاقد جميعًا؛ لأنه عبث.
وتفاصيل الكلام فيها طول لا يسعه هذا الموضع.
(1)
سقطت من "الأصل"، وهي في (م) و"الإبطال".
وأيضًا: فالمحلِّل يقصد أن ينكح ليُطلِّق، وكذا المخالع يقصد أن يُخالع ليُراجع، والعقدُ لا يُقْصَد به ضدُه ونقيضُه، فإن الطلاقَ لا يُقصد
(1)
بالنكاح، كما أن البيع لا يُعْقَد للفسخ، والهبة لا تُعقد للرجوع فيها قط، وليس له أن يحرم مفرِدًا أو قارنًا لقَصْد فسخ الحج والتمتُّع بالعمرة، فإن الفسخ إعدام العقد ورفعه، فإذا عقد العقد لأن يفسخه، كان المقصود هو عدمُ العقد، فلا يكون العقد مقصودًا أصلًا، فيكون عبثًا.
ولا يقال: مقصوده ما يحصل بعد الفسخ من الحل للمطلِّق؛ لأن الحل إنما يثبت إذا ثبت العقد ثم انفسخ، ومقصود العقد حصول موجِبِه، ومقصود الفسخ زوال موجبه، فإذا لم يقصد ذلك فلا عقد فلا فسخ، فلا يترتَّبْ عليه تابُعِه، وهذا بيِّن لمن تأمَّله، ولهذا سُمِّي هذا متلاعِبًا مستهزءًا، ولهذا يظهر الفرق بين هذا وبين المقاصد الفرعيَّة في النكاح، مثل من يقصد أن يتزوَّج امرأةً لمصاهرةِ أهلها أو لترَبِّي أولادَه، فإن هذا لا يُنافي النكاح، بل يستدعي بقاءَه ودوامَه، فإن الشيءَ يُفْعَل لأغلب فوائدِه، ولأنْدَرِ فوائده
(2)
بحيث لا تكون تلك المقاصد مُنافية لحقيقته بل مُجامعة لها، أما أن يَفْعَل لرفع حقيقته، ويوجد لمجرَّد أن تعدم؛ فهذا باطل.
(1)
في "الإبطال": "يعقد".
(2)
كذا في الأصل و (م) وبعض نسخ الإبطال، وفي الأخرى:"فوائده" و: "مفاسده".
فإن قيل: لا شك أن قصد تراجعهما قصد صالح؛ لما فيه من المنفعة لهما ولولدهما.
قيل: هذه مناسبة شهد الشارعُ لها بالإلغاء والإهدار، ومثل هذا هو الذي يُحل الحرام ويُحرِّم الحلال، وما جاء الشرعُ بإلغائه فاعتبارُه مراغمةً للشارع، تصدر من عدم ملاحظة حكمته، أو عدم مقابلته بالرضى والتسليم
(1)
، وهي في الحقيقة لا تكون مصالح
(2)
وإن ظنَّها الظَّانُّ أنها مصالح، بل حكمة الله التي شَرَع قد عَلِمَها الله ورسولُه ومن شاءَ من خلقه، خلافَ ما رآه هذا القاصِر، ولهذا كان الواجب طاعة الله ورسوله فيما ظهر لنا حُسْنُه وفيما لم يظهر، فإن خير الدنيا والآخرة طاعة الله ورسوله.
ومن رأى أن الشارع قد حرَّم هذه على مُطَلِّقها ثلاثًا حتى تنكح زوجًا غيره، وعَلِم أن النكاح الحسن الذي لا ريب في حِلِّه هو نكاح الرغبة = عَلِم قطعًا أن الشارع لم يكن متشوِّفًا إلى ردِّ هذه إلى زوجها إلا أن يقضي الله ذلك بقضاءٍ يُيَسِّره ليس للخَلْقِ فيه صُنْع، ولو كان هذا المعنى مطلوبًا لسَنَّه وندبَ إليه كما نَدَب إلى الإصلاح بين (161/ أ) الخَصْمَين. وقد قال من لا ينطق عن الهوى: "ما تركتُ من شيءٍ يُقرِّبُكُم إلى الجنَّة إلا وَقَد حدَّثْتُكُمْ به، ولا مِن شيءٍ يُباعِدُكم عن النَّارِ إلا وقد حَدَّثتكم به، تَرَكْتُكم على البَيْضاءِ
(1)
العبارة في "الإبطال": "مصدرها عدم ملاحظة حكمة التحريم، وموردها عدم مقابلته بالرضا والتسليم".
(2)
في "الأصل" و (م): "مصالحًا".