الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واعلم أن المقصودَ هنا: بيانُ تحريم الحيل، وأن صاحبها يتعرض لسخط الله وأليم عقابه، ويترتَّب على ذلك أن ينقض على صاحبها مقصودَه منها بحسب الإمكان، وما لا يمكن نقضُه فيجب ضمان ذلك على المفسد له، بمنزلة ضمان الأموال بالتَّلَف.
وهذا مثل من يطأ امرأةَ أبيه [أو ابنه] لينفسِخَ نكاحُه، عند من يرى تحريم ذلك، فيغرم ذلك ما فَسَد بفعله، وأما غير ذلك فَيُعامَل بنقيض قصده؛ فمن أراد أن يؤخِّر الصومَ بأن يسافر في الحرِّ ليصوم في الشتاء - مثلًا -، فنقول: يجب عليه الصوم في هذا السفر، ونحو ذلك.
ومن قَصَد قتلَ رجلٍ ليتزوَّج امرأتَه؛ لم تحل له، ونحوه.
وتلخيص ذلك: أنَّ
الحِيلَ نوعان؛ أقوال وأفعال
.
فالأقوال؛ يشترط لثبوت أحكامها العقل، ويُعتَبر فيها القَصْد، وتكون صحيحةً تارة، وهو: ما ترتَّب حكمه عليه، وفاسدةً أخرى، فلم يترتَّب حكمه عليه.
ثم ما ثبت حكمه؛ منهُ ما يمكنُ فسخُه ورفعه بعد وقوعه؛ كالبيع والنكاح، ومنه ما لا يمكن رفْعُه بعد وقوعه؛ كالعتق والطلاق
(1)
، فهذا الضرب إذا قصد به الاحتيال على فعل محرَّم أو إسقاط واجب = أمْكَنَ إبطاله؛ إما من جميع الوجوه، وإما من الوجه الذي يُبْطِلُ مقصودَه، بحيث لا يترتَّب عليه أثره الذي احتيل عليه، كما حكم به
(1)
زاد في "الإبطال": "مع أن في ذلك نزاعًا".
الصحابةُ في طلاق الفارِّ
(1)
.
وأما الأفعال؛ فإن اقتضت الرخصة للمحتال لم تحصل، كالسفر للقصر أو الفِطْر. وإن اقتضت تحريمًا على الغير، فإنه قد يقع ويكون بمنزلة إتلاف النفس والمال. وإن اقتضت حِلًّا عامًّا إما بنفسها أو بواسطة زوال الملك؛ فهذه مسألة القتل وذبح الصيد للحلال، وذبح المغصوب للغاصب.
وبالجملة؛ فإن قَصَد (167/ ب) بالفعل استباحةَ محرَّم؛ لم يحل، وإن قصد إزالة ملك الغير ليحلّ له؛ فالأقْيَس أن لا يحل - أيضًا - له، ويحل لغيره.
وهنا مسائل كثيرة لا يمكن ذكرها هنا، نبَّهنا على هذا القَدْر من الحِيَل وإبطالها، والكلامُ في التفاصيل ليس هذا موضعه، وهذا القدر أنموذج منه يُسْتَدل به على غيره، وأما الكلام في إبطال الحِيَل؛ فباب واسع، يحتمل كتبًا كثيرة
(2)
، وإنما الغرض هنا التنبيهُ على إبطالها وتمهيدُ القاعدة لمسألة التحليل.
وقد استدلَّ [عليه] البخاريُّ
(3)
بقوله [صلى الله عليه وسلم]: "لا يُجمع بينَ متفرِّقٍ ولا يُفَرَّق بين مُجْتمِع خَشْيَةَ الصَّدَقة"، فإن النهيَ عامٌّ قبل
(1)
طلاق الفارّ (أو الفرار) هو: أن يطلق امرأته طلاقًا بائنًا في مرض موته.
انظر "مجموع الفتاوى": (31/ 369)، و"القاموس الفقهي":(ص/ 231).
(2)
"الإبطال": "كتابًا كبيرًا".
(3)
في كتاب الحيل، بابٌ في الزكاة، وأن لا يُفرَّق بين مجتمع ولا يُجمع بين متفرّق خشية الصدقة، رقم (6955).
الحولِ وبعدَه.
وبقوله صلى الله عليه وسلم في الطاعون: "إذا وَقَعَ بأرضٍ وأَنْتُم بها فلا تَخْرجوا فِرارًا منه"
(1)
، فإذا كان قد نهى عن الفرار من قَدَر اللهِ - سبحانه - إذا نزل بالعبد؛ رضًى بقضاء الله وتسليمًا لحكمه؛ فكيف بالفرار من أمره ودينه إذا نزل بالعبد؟!.
وبأنه صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بَيعْ فَضْل الماء؛ ليمنع به الكلأ
(2)
.
فعُلِمَ أن الشيء الذي هو في نفسِه غير مقصودٍ إذا قُصِد به أمرٌ محرَّم صار محرَّمًا.
فإن قيل: ما ذكرتموه معارَضٌ بقوله: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا
…
} [ص: 44]، فهذا قد أذن الله لأيوب أنْ يضرب بالضِّغْثِ، وكان يلزمه أن يضرب ضرباتٍ متفرِّقة، وهذا نوعٌ من الحيلة؟.
قلنا أوَّلًا:
ليس هذا مما نحن فيه، فإن الفقهاء في موجب هذه اليمين في شرعنا عند الإطلاق على قولين:
أحدهما: قول من يقول: موجبها الضرب مجموعًا أو مفرَّقًا،
(1)
في كتاب الحيل - أيضًا - باب ما يُكره من الاحتيال في الفرار من الطاعون، رقم (6973).
(2)
كتاب الحيل، باب ما يُكره من الاحتيال في البيوع، ولا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ، رقم (6717).
فعلى هذا يكون هذا موجب اللفظ عند الإطلاق، والحيلة: صرف اللفظ عن موجبه.
الثاني: أنَّ موجبه الضرب المفرَّق، وهذا موجب شرعنا، فلا يُستدل بشرع من قبلنا؛ لأن شرْعَنا وَرَد بخلافه.
وقلنا ثانيًا:
من تأمَّل الآية علم أن هذه الفُتيا خاصة الحكم، فإنها لو كانت عامةً لم يَخْفَ على نبيٍّ كريم موجبُ يمينه، ولم يكن في اقْتِصاصها علينا كبير عبرة، فإنه إنما يُقَصُّ ما خرج عن نظائره ليُعْتَبَر به.
وأيضًا: قال عقيبها: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ} [ص: 44]، فخرجت هذه الجملة مخرج التعليل، فعُلِم أنَّ اللهَ جازاه على صبره تخفيفًا عنه ورحمةً به، لا أن هذا موجب هذه اليمين.
وقلنا ثالثًا:
معلوم أنَّ اللهَ إنما أفتاه بهذا؛ لئلا يحنث، كما أخبر الله، وكما نقله أهلُ التفسير، وهذا يدلُّ على أن كفارة الأيمان لم تكن مشروعةً في تلك الشريعة، بل ليس إلا البر أو الحنث، كنذر التبرُّر في شرعنا.
وكان أبو بكر لا يحنث في يمينه حتى [أنزل] الله كفارة الأيمان
(1)
، فعُلِم أنها لم تكن مشروعة، فصار كأنه قد (168/ أ) نَذَر
(1)
أخرجه البخاري رقم (4614) عن عائشة بنت الصديق أبي بكر رضي الله عنهما.
ضربها، وهذا نذرٌ لا يجب الوفاءُ به؛ لما فيه من الضرر عليها، وما وجب بالنذر يُحْتَذَى [به] حَذْو الواجب بالشرع.
[فإذا كان] يجب تفريق الضرب عند الصحة لخوف الضرر، ويُضرب بالعُثْكُول ونحوه عند المرض
(1)
= جاز أن يُقام الواجب بالنذر مُقام ذلك، وقد كانت امرأته ضعيفة وكريمة على ربها، فخفَّفَ عنها الواجب بالنذر بجمع الضربات كما يُخَفَّف على المريض.
ألا ترى أنَّ السنةَ فيمن نَذَر الصدقة بماله يُجْزئه الثلث، وهذا كثير، كمن نذر أن يطوف على أربعة يُجْزئه أن يطوف أُسبوعين
(2)
، أفتى به ابن عباس
(3)
، ومن نذر ذَبْحَ ولده يجزئه شاة
(4)
، فيكون هذا من هذا الباب، والله أعلم.
ولا يحتاج في شرعنا إلى هذا، فإن من حَلَف أن يضربَ امرأته، أمكنه أن يُكَفِّر يمينه من غير احتياج إلى تخفيف الضرب، ولو نذره أجزأه كفارة يمين عند أحمد وغيره.
وقيل: لا يلزمه شيءٌ، يوضِّح ذلك: أن المُطْلَق من كلام
(1)
كتب فوقها في "الأصل" علامة (×)، ولعله استشكل العبارة؛ لكن بعد زيادة "فإذا كان" فى أول العبارة زال الإشكال.
(2)
يعني: طوافين.
(3)
أخرجه عبد الرزاق: (8/ 457).
(4)
أفتى به ابن عباس - أيضًا - أخرجه عبد الرزاق: (8/ 460)، وابن أبي شيبة:(3/ 104).
الناس محمول على
(1)
ما فُسِّر به المُطْلَق من كلام الله، خصوصًا في الأيْمان، فإن الرجوع فيها إلى عُرْف الخطاب شرعًا أو عادةً أولى من الرجوع إلى أصل اللغة.
ثم إن الله - سبحانه - لما أوجب الجلدَ على الزاني والقاذف، فَهِم المسلمون من ذلك أنَّه إن كان صحيحًا وجب ضربُه متفرِّقًا
(2)
، وإن كان مريضًا مأيوسًا من بُرْئه؛ ضُرِب بعثكُوْل ونحوه.
وإن كان مرجَوَّ البُرْءِ؛ فهل يؤخَّر أو يضرب بذلك؟ على الخلاف، فكيف يقال: إنَّ من حلَفَ ليضربنَّ، يكونُ موجب يمينه الضرب المجموع مع صحة المضروب وجلده
(3)
؟ ! هذا خلاف القاعدة.
فيعلم أن قصة أيوب كان فيها معنًى يوجبُ جوازَ الجمع، وإن كان ذلك ليس موجب الإطلاق، وهو المقصود.
فإن قيل: فحديث بلال
(4)
؟ .
قلنا: قد تقدم الكلام عليه، وأنه ليس من الحيلة المحرَّمة بوجهٍ في الوجه السادس عشر
(5)
، وأن قولَه: "بِعِ التَّمْرَ
…
"
(1)
تكررت في "الأصل".
(2)
"الإبطال": "مفرَّقًا".
(3)
كذا في "الأصل" و"الإبطال"، وعلّق عليه في "الأصل" بقوله:"كذا في الأصل، ولعله: المفرّق مع صحة المضروب ومرضه"، وكذا علق في (م)، ومثله إحدى نسخ "الإبطال".
(4)
انظر ص/ 65.
(5)
ص/ 87.
يُصرف إلى البيع الصحيح المتفق عليه، فإنَّ المطلق يَصْدُق بصورة الوفاق ولا يُحتجُّ به على صورة الخلاف، وتقدَّم الكلامُ عليه وعلى غيره من الأدلة، وفيه كفاية.
* * *
فصلٌ
(1)
وأما الطريق الثاني في إبطال التحليل في النكاح، فهو الدلالة على عين المسألة، وذلك من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس، والواجب تقديم أدلة الكتاب
(2)
، ولكن أدِلَّة السنة أبْيَن فتقدَّم لذلك، وفي هذه الطريق مسالك:
الأول
ما روى ابن مسعود قال: "لَعَنَ رسولُ اللهِ الواشِمَةَ والمُوْتَشِمَةَ، والواصِلَةَ والمَوْصُوْلَةَ، والمُحِلَّ والمُحَلَّلَ له، وآكِلَ الرِّبا ومُوْكِلَه" رواه أحمد والنسائي
(3)
.
وروى الترمذيُّ
(4)
: "لَعَنَ [اللهُ] المحلِّلَ والمُحَلَّلَ له" وحسَّنه
(5)
. وقال: "عليه العمل (168/ ب) عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: عمر وعثمان وعبد الله بن عمر، وهذا قول الفقهاء من
(1)
"الإبطال": (ص/ 285).
(2)
عند تساوي الدلالة، كما قيده شيخ الإسلام.
(3)
أخرجه أحمد: (7/ 314 رقم 4283)، والنسائي:(6/ 149)، والطبراني في "الكبير":(9/ رقم 9878)، والبيهقي:(7/ 208).
قال الحافظ في "التلخيص": (3/ 194): "وصححه ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري". وانظر: "نصب الراية": (3/ 239).
(4)
رقم (1120).
(5)
في "الإبطال": "وقال: حديث حسن صحيح" وكذا في "السنن".
التابعين، ورُوِي عن علي وابن مسعود وابن عباس".
ورُوي من طرق كثيرة، وروي ما يعضده ويقويه، مثل قوله:"ألا أُنْبِئكم بالتيسِ المُسْتَعار"؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال:"هو المحلِّلَ والمحلَّل له"
(1)
- وتكلَّمَ على طرقه وقال في آخر ذلك -: فثبتَ أَنَّه حديث حسن وإسناد جيّد.
فهذه سُنن رسول الله بيِّنَة في لعن المُحِلّ والمُحَلَّل له، وذلك من أبين الأدلة على أنه حرام باطل؛ إذ اللعن لا يكون إلا على معصية، بل لا يكاد يلعن إلا على كبيرة؛ لأن الصغيرة تقعُ مُكَفَّرةً بالحسنات.
واللعنة هي: الإقصاء والإبعاد عن رحمة الله، ولن يستوجب ذلك إلا بكبيرة، قال ابن عباس: كلُّ ذنبٍ خُتِم بغضب أو لعنة أو عذاب أو نار؛ فهو كبيرة
(2)
. والعقدُ محرَّم، والنكاح المحرَّم باطل باتفاق الفقهاء، ولعنُه للمحلل له يدلُّ على أنها لم تحل له وإلا لم يَكُن للعنةِ وَجْه.
فإن قيل
(3)
: يُحمل الحديث على من شَرَطَ التحليل في نفس
(1)
أخرجه ابن ماجه رقم (1936)، والحاكم:(2/ 198)، والبيهقي:(7/ 208) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
والحديث حسَّنه عبد الحق الإشبيلي، وصححه المؤلف وابن القطان، وقوّاه الزيلعي، وقال في "مصباح الزجاجة":(2/ 112): "إسناده مختلف فيه".
انظر: "نصب الراية": (3/ 239 - 240)، و"التلخيص":(3/ 195).
(2)
رواه ابن جرير: (4/ 44).
(3)
"الإبطال": (ص/ 339).
العقد، فيُخَصَّص؛ لأن الشروط إنما تؤثِّر في العقد إذا قارنَتْه، كالبيع، أو يُحمل على من أظهر التحليل دون من نواه؛ لأن العقد إنما يعتبر فيه الظاهر دون الباطن، وإلا لكان فيه ضرر
(1)
على العاقد الآخر، فإنه لا اطلاع له على نيَّة الآخر، هذا إن سُلِّم أنَّ لفظ التحليل يَعُم ذلك كلَّه، وإلا [فقد] يقال: لا نُسَلِّم أنَّ المحلل غير من شرط، فلا يكون حينئذٍ ثَم تخصيص أصلًا، ولا بُدَّ من دليل على أنَّ القاصد للتحليل يُسمى محلِّلًا حتى يدخل في العموم، وإلا فالأصل عدم دخوله.
قلنا: الكلامُ في مقامين:
أحدُهما: أن اسم المُحَلِّل يعمّ القاصد وغيره.
والثاني: أنه يجب إجراء الحديث على عمومه.
أما الأول؛ فدليله من وجوه:
أحدها: أن السلفَ كانوا يسمون القاصد محلِّلًا وإن لم يشرطه، والأصل في الإطلاق الحقيقة، قال ابن عمر
(2)
: "لا يزالان زانيين وإن مكثا عشرين سنة إذا عَلِم اللهُ أنهما أرادا التحليل". وفي لفظ: "إذا علم الله أنه محلِّل". وفي لفظ: سُئل عمن قَصَد التحليل؟ فقال: "لعن الله المُحِلّ والمحلَّل له"(2)، فقد أدخل القاصد في اسم المحلِّل، وهذا مأخوذ من كلام السلف كما قدمناه.
(1)
"الأصل" و (م): "ضررًا".
(2)
سيأتي تخريجه ص/ 137.
الثاني: قال أهلُ اللغة - منهم الجوهري
(1)
-: المُحَلِّل الذي يتزوج المطلقة ثلاثًا حتى تحلّ للأول.
الثالث: استعمال الخاصة والعامة إلى اليوم، والأصل بقاء اللغة وتقريرها، وكذا عُرْف الفقهاء، فإن فيهم من يقول: نكاح المُحَلِّل باطل، وفيهم من يقول: نكاحُه باطل إذا شرط، وفيهم من يقول: هو صحيح.
الرابع: أن المُحَلِّل اسم لمن حَلَّل الشيءَ الحرام، فإنه اسم فاعل من (169/ أ) أحلَّ المرأة وحلَّلها إذا جعلها حلالًا.
وإذا كان قياس التصريف واللغة يوجب تسمية ذلك القاصد محلِّلًا لم يجز سلبَ الاسم عنه، وإذا ثبت أنه مراد لرسول الله ثبت أن اللفظ يشمله، ويبين ذلك أنه مراد.
المقام الثاني: أن الحديثَ أُريدَ به كل محلِّل أظهر التحليل أو أضمره؛ فدليله من وجوه:
أحدها: أن الحديث أدنى أحواله أن يشمل [التحليل] المشروط والمقصود؛ لأنا قد بيَّنا أن المراد جعل المرأة حلالًا؛ لأن المتكلم إذا تكلم بكلام يشمل صورًا كثيرة وأراد بعضَها، فلا بدَّ أن ينصبَ دليلًا يبين خروجَ ما لم يُرِدْه، فلما لم يجيء في شيءٍ من النصوص التقييد؛ عُلِمَ أنه أرادَ عمومَه.
الثاني: أنه لو قَصَد التحليلَ المشروطَ خاصة؛ لَلَعَن الزوجة
(1)
في "الصحاح": (4/ 1675).
والولي، كما لعن آكلَ الربا وموكِلَه وشاهديه وكاتِبَه، ولعن في الخمر عشرة
(1)
، فلما خصَّ الزوجين باللعن علم أنه عنى التحليل المقصود [المكتوم]
(2)
من المرأة ووليها، وهو ما كان يفعله الصَّدِيْقُ مع صديقه.
الثالث: أنه لعن شاهِدَي الربا وكاتبه، ولعن المُحِلَّ والمحلَّل له، فلو كان التحليل ظاهرًا للعن الشاهدين
(3)
.
الرابع: أن التحليل المشروط لم يتم ولم يقع بين المسلمين، لا سيما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يظهر للناس، فيحولون بين المرأة والرجل، فلما لعن المحل زجرًا له عُلِم أنه من الأمور التي تخفى على العامة، كالزنا ونحوه.
الخامس
(4)
: أنه قرنه بالواشمة والمُوْتَشمة والواصلة، فعُلِم أنه لا بد من قدرٍ مشتركٍ بينهما، وهو - والله أعلم - التدليس والتلبيس.
السادس: أنا سنذكر ما نصَّ الرسولُ في التحليل المقصود، وأن أصحابَه بيَّنوا ذلك، وأنه من التحليل، وهم أعلم بمقصوده وأعرف بمراده.
(1)
جاء ذلك من حديث جماعة من الصحابة، منهم أنس أخرج حديثه الترمذي رقم (1295)، وابن ماجه رقم (3381).
انظر "نصب الراية": (4/ 263 - 264).
(2)
زيادة من "الإبطال": (ص/ 344).
(3)
ينظر الأصل (ص/ 344) لزيادة إيضاح هذا الوجه.
(4)
هو في "الإبطال": الوجه الثامن، والذي يليه التاسع. والوجوه المذكورة في الأصل عشرة.