الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه السابع عشر
(1)
: أن الحِيَل مع أنها محدثة فإنها من باب الرأي، وإنما أحدثها من كان الغالبُ عليهم اتِّباعَ الرأي، فيدلُّ على بطلانها ما ورد من الحديث والأثر في ذمِّ الرأي وأهله؛ لأنها رأي محض، ليس فيها أثر ولا لها نظير.
وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ لا يَنْزعُ العلمَ بعد أن أعطاهُمُوه ولكنْ بقبْضِ العلماء، فيَبْقَى ناسٌ جُهَّال يُسْتَفتَونَ فَيُفْتُوْنَ برَأْيهم فيَضِلُّون ويُضِلُّون" رواه البخاري
(2)
، وهو مشهور في "الصحيحين"
(3)
وغيرهما.
إلى أحاديث أُخَر، مثل قوله:"سَتَفْترق أُمَّتي على بضعٍ وسبعين فرقة؛ أعظمها فتنةً الذين يقيسون الأمورَ برأيهم، فيُحِلُّون الحرامَ ويُحَرِّمون الحلالَ"
(4)
. وهذا مشهور عن نُعَيم بن حماد،
(1)
"الإبطال": (ص/ 209).
(2)
رقم (7307) بهذا اللفظ.
(3)
من حديث عبد الله بن عَمرو بن العاص رضي الله عنهما البخاري تقدم ومسلم رقم (2673).
(4)
أخرجه البزار في "مسنده": (7/ 186)، والطبراني في "الكبير":(18/ رقم 90)، وابن عدي:(3/ 429)، والحاكم في "المستدرك":(3/ 547)، وابن عبد البر في "الجامع":(2/ 1038) وغيرهم من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه.
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا حدّث به إلا نُعيم بن حماد، ولم يُتابع عليه" اهـ.
وهذا الحديث مما أُنكر على نعيم بن حماد، وضُعّف بسببه.
ورواه عدة من الثقات عنه، وإسناده في الظاهر جيد
(1)
، ومعناه شبيه بالواقع.
إلى غيره من الأحاديث التي اشتهرت بِرَدِّ مذهب أهل الأهواء. ورُوِيَ عن ابن مسعود أنه قال: "ليسَ عامٌ إلا والذي بعده شرٌّ منه، لا أقولُ: عامٌ أَمْطر من عام ولا أَخْصَب، ولا أَميرٌ خيرٌ من أمير؛ ولكن ذهابُ خيارِكم وعلمائكم، ثمَّ يحدثُ قومٌ يقيسونَ الأمورَ برأيهم، فَيُهدم الإسلامُ ويُثْلَم"
(2)
.
وفي ذم الرأي آثار مشهورة عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس وابن عمر وغيرهم. وهذا إنما يُحمل على قياس عارض الكتابَ والسنةَ وما كان عليه سلفُ الأمة، فهذا هو الذي يهدم الإسلام، بأن يضع الاسم على غير موضعه، أو يُراعَى (163/ ب) مجرَّدُ اللفظ دون موضوعه، ولا يخفى أن الحِيَل تندرج في ذلك.
ولا يُراد بهذا اجتهاد الرأي على الأصول من الكتاب والسنة والإجماع، ممن يعرف الأشباهَ والنظائرَ، مثل قياس تشبِيهٍ وتمثيل، أو قياس تعليل وتأصيل، قياسًا لم يُعارضْه ما هو أولى منه، فإن أدلة جواز هذا كثيرة جدًّا.
وأيضًا: ليس في هذا القياس تحليل ولا تحريم بخلاف
(1)
وبقية عبارة الشيخ: "إلا أن يكون قد اطّلع فيه على علة خفية".
(2)
أخرجه الدارمي: (1/ 76)، والطبراني في "الكبير":(رقم 8551)، والداني في "السنن الواردة في الفتن":(3/ 517)، والبيهقي في "المدخل":(1/ 186).