المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسلك الثاني عشر - شفاء العليل في اختصار إبطال التحليل

[بدر الدين البعلي]

الفصل: ‌المسلك الثاني عشر

لا أصل له في الدين أصلًا، ولا هو مأخوذ عن السابقين ولا عن التابعين، بل قد حرَّمه الله ورسوله، وهذا بيِّن لمن تأمله.

‌المسلك الثاني عشر

هو: أن جواز التحليل قد أفضى إلى مفاسد عظيمة كثيرة، وصار مظنة لها ولما هو أكثر منها.

[منها]: أن بعض التيوس المستعارة صار يحلِّل الأمَّ وبنتَها - على ما أخبرني به مَنْ صدَّقْتُه - وذلك أنه قد نصبَ نفسَه لهذا السِّفاح، فلا يُمَيِّزُ مَنِ المنكوحة، ولا له غرض في المصاهرة حتى يَجْتَنِب ما حرَّمَتْه.

ومنها: أنه يجمع ماءَه في أكثر من أربع نسوة، بل أكثر من عشرة، وهو مما أَجْمَع الصحابةُ على تحريمه، وأجمعَ المسلمونَ على تحريمه إذا كان الطلاق رجعيًّا.

ومنها: أنه كثيرًا ما

(1)

يتواطأ هو والمرأة على أن لا يطأها؛ إذ ليس له ولا لها رغبة في ذلك، والمرأة لا تعده زوجًا.

ومنها: كونه غير كفءٍ غالبًا، ونكاحُه إما باطل أو مكروه أو مشروط فيه رضى الأولياء.

وآل الأمر إلى [أن] صار كثير من الناس يحسب أن مجرَّد وطء الذكر يحلها، حتى اعتقد بعضُهم أنها إذا ولدت ذكرًا حلَّت!!

(1)

"الأصل" و (م): "أن كثيرًا مما

" والمثبت من "الإبطال".

ص: 149

واعتقد بعضُهم أنه إذا وطئها بقدمه حلَّت! ! فهذه فضائح فيها انهدام شريعة الإسلام.

ومن فضائحه: أن المرأة ربما قتلت الولد إذا حملت من التيس لعدم رغبتها فيه، بل هذا واقع كثيرًا [أ] ودائمًا، وحدَّثني بعضُهم أن رجلًا ترك من حلَّل امرأتَه في بيته، فلما خرج من عندها دعته نفسُه إلى أن راودها عن نفسها، وقال: إن الحلَّ لا يتمُّ إلا برجلين، وما ذاك إلا أنه لما رأى غيرَه قد أتى بالسفاح دعته نفسُه إلى التشبُّه به، إذ النفوس مجبولة على التشبُّه.

إلى غير ذلك من المفاسد.

ومن شرح الله صدْرَه للإسلام علم أن الفعل إذا كان مظنة لبعض هذه المفاسد حَسَم الشارعُ الحكيمُ مادَّتَه بتحريمه جميعَه.

واعلم أنه ليس في المتعة شرٌّ إلا وفي التحليل ما هو شر منه، فإن المتعةَ - مثلًا - مضادة لمقتضى النكاح بكونها مؤقَّته؛ لأن الشارع جعل موجب لفظ النكاح هو الوصل المؤبَّد ومنع التوقيت، لما أنه يُخلّ بمقاصد النكاح، ويُشبه الإجارة والسِّفاح، فكيف بالتحليل؟ ! .

فالمنع من دلالة هذا اللفظ على المتعة شرعى، ولأجل ذلك ورد الشرعُ بإباحته في ذلك الوقت. والمنع من دلالته على التحليل عقلىّ، فلم يَرِد به الشرع قط، بل لعنَ فاعله.

فتبيّن فقه المسألة، وأنه في غاية الفساد والمناقضة للشرع

ص: 150

والعقل واللغة والعُرْف، وأنه لا حظَّ له من نظرٍ ولا أثرٍ أصلًا، فإن من تزوَّج ليطلِّق لم يكن النكاحُ مقصودًا له، كما أن [من] تواضع ليُرْفَع لم يكن تواضعًا.

وبالجملة؛ فعلينا أن ننهى [الناس عما نهاهم اللهُ]

(1)

(173/ أ) عنه ورسولُه من النيات الباطنة، وإن لم نعتقد أنها فيهم، وأن لا نكتم ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بيَّنَه للناس في الكتاب، الذي تضمَّن طاعة الرسول واتباعَ سبيل السابقين الأولين، وأن لا نعين أحدًا

(2)

بنوع من الإعانة على عقد يغلب على الظن أنه تحليل، كما لا نعين أحدًا على ما يتوسّل به إلى قَتْل معصوم أو وطئ محرم.

والغرضُ: بيان بطلان التحليل وفساده باطنًا، وأما ترتّب الحكم عليه في الظاهر فسيأتي إن شاء الله.

فصلٌ

وقد أخرج الشيطان للتحليل حيلةً أخرى، وهي: أن يزوَّجها المطلِّق من عبدِه بنيَّة أن يبيعه منها أو يهبه [لها] بعد أن يطأها العبد فيبطل النكاح.

ويؤثرون هذا؛ لأن الفرقةَ تكون بيد الزوج المطلِّق والزوجة، فلا يتمكن الزوج من الامتناع من الفرقة، بخلاف الصورة الأولى،

(1)

ما بين المعكوفين مطموس في "الأصل".

(2)

"الأصل" و (م): "أحد" وكذا ما بعدها.

ص: 151

فإنه قد يمتنع من الطلاق.

وأيضًا: زعموا أن هذا استر لهما من رجل أجنبي؛ لأن وطء عبده ليس كوطء من يُساميه في الحرِّية.

ثم ذهب بعضُ الشذوذِ إلى أن وطء الصغير الذي لا يجامِعُ مثلُه يُحِلُّها، فإذا انضمَّ إلى ذلك أن يجبره على النكاح صار بيد المطلِّق العقد والفسخ، وإن كان كبيرًا، فمنهم من يخيِّره، فيصير بيد السيد العقد والفسخ أيضًا.

وجعل بعض أصحابنا في هذه الصورة - أعني إذا زوَّجها من عبده الكبير - احتمالًا؛ لأن الزَوْج لم ينوِ التحليل، وإنما نواه غيره. وهذه الصورة أبلغ في المخادعة لله تبارك وتعالى والاستهزاء بآياته تعالى، فإن

(1)

هناك كان المحلِّل هو الذي بيده الفُرْقة، وهنا جُعلت الفرقة بيَد المطلِّق والمرأة، لا سيما إن كانت الزوجة تحت حجر الزوج، بَأن يكون وصيًّا لها، فيرى أن يهبها العبد ويقبله هو، فيبقى المطلِّق مستقلًّا بفسخ النكاح، والعبدُ لا يمكنه أن يتزوج إلا بإذن سيِّده، فيأذن له في النكاح، ومن نيته أن يفسخَ نكاحَه.

فيكون الزوج مخدوعًا ممكورًا به، حيث أذن له في نكاحٍ باشره وليس القصد به نكاحًا وإنما القصد به سفاح، فهناك وقعت المخادعة لله فقط، وهنا وقعت (173/ ب) في حق الله وفي حق آدميٍّ، وهو الزوج، وتصير اللعنة التي وجبت على المحلِّل والمحلَّل له

(1)

"الإبطال": "فإنه".

ص: 152

كلتاهما على هذا المطلِّق وعلى الزوجة، فيقتسمان لعنةَ المحلِّل، وينفرد المطلِّق بلعنة المحلَّل له، أو تشركه المرأةُ فيهما.

فلهذا قلنا: إن هذا أَغْلَظ وأشد، حيث اجتمع عليه لعنتان، فإن كان العبد قد واطأهم أخذ بنصيبه من اللعنة من غير أن ينقص من نصيب السيد شيئًا.

ويزيده قُبحًا أن الزوج هنا عبد ليس بكفءٍ، ونكاحه إما منقوض وإما باطل، على الخلاف فيه.

وقد يكون التحليل بالعبد من غير المطلق، مثل صديق أو غيره

(1)

.

وبالجملة؛ فلعنة المحلِّل والمحلَّل له تشمل كلَّ ذلك، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصِدْه

(2)

، فلا ريب أنه في معناه وأوْلَى.

وما ذُكِرَ من الاحتمال في مذهبنا؛ فغير محتمل أصلًا، فإن المعتبر في التحليل بنية من يملك الفُرْقة بقولٍ أو فعل، وإذا كان الزوج الذي يقصد التحليل ملعونًا فالذي يقصد أن يحلل بالزوج أولى بذلك، فإنه يخادع اللهَ ورسولَه وعبدَه المؤمن.

وقد تكون المرأة هي المحلِّلة وحدَها، بأن يقصد إرضاع امرأة له صغيرة، حتى تصير من أمهات النساء، أو يقصد مباشرة أبيه أو ابنه عند من يرى ذلك، لكن هذه الأسباب محرمة في

(1)

انظر "الإبطال": (ص/ 435) لمزيد الإيضاح.

(2)

أي: بلفظ المحلل.

ص: 153