الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول التمهيد القرآن الكريم وظيفته الأصلية، وكيف يتخذه المسلمون
(1)
يقولون: إذا كان الحى ينتفع بالقرآن فى حياته الدنيوية، فإن الميت كذلك لا يحرم من الانتفاع بالقرآن فى مماته، بدليل قوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82]، فمثلا إذا قرأ إنسان الفاتحة أو آية من سور القرآن على روح ميت له، فهذا جائز، والميت ينتفع به كانتفاع الحى تماما.
كما يوردون حديثا نسبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدعون أنه يقول فيه:«خذ من القرآن ما شئت لما شئت» ، ويتخذون هذا دليلا لعمل الأحجبة والأدوية لشفاء المرضى، ودليلا على جواز قراءة القرآن على الأموات.
ونرد عليهم، فنقول: إن الله تعالى أنزل القرآن للأحياء، ليتخذوه هاديا لهم يهديهم إلى سعادة الدنيا وفلاح الآخرة إن هم آمنوا به، أو ليكون حجة عليهم إن هم ظلوا على باطلهم، كما يقول المولى: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ [يس:
70]، فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ [ق: 45]، وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ [الأنعام: 19].
وقد أخطأ الناس فهم العبارة التى جاءت بالآية الكريمة وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82]، فظنوا أو أفهمهم الشيوخ أن الرحمة هنا هى للموتى، كما أفهمهم تجار الأحجبة أن عبارة شِفاءٌ لِلنَّاسِ [النحل: 69] فى الآية هى خاصة بشفاء أمراض الأجسام، ولكن هذا التفسير للآية تحريف لمعناها، وإخراج لها عن مواضعها، فإن الرحمة والشفاء فى الآية هى للمؤمنين الأحياء.
وفى آية أخرى يقول الله عز وجل: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس: 57]، ويقول الشيخ محمد رشيد رضا
فى تفسير المنار فى تفسيره لهذه الآية: أى قد جاءكم كتاب جامع لكل ما
(1) كتاب صراع بين الحق والباطل، وكتابنا الإبداعات فى مضار الابتداعات.
تحتاجون إليه من موعظة حسنة لإصلاح أخلاقكم وأعمالكم الظاهرة، وحكمة بالغة لإصلاح خفايا أنفسكم وشفاء أمراضها الباطنية، وهداية واضحة للصراط المستقيم الموصل إلى سعادة الدنيا والآخرة، ورحمة خاصة للمؤمنين يتراحمون بها فيما بينهم. فمن هذا التفسير نعرف أن الآية خاصة بالأحياء، وليس للموتى نصيب فيها.
ثم نرد أن نسأل هؤلاء: هل الآيات التى تأمرنا بتأدية الصلاة والزكاة والصوم، وتشرح لنا أصول مناسك الحج تنفع الميت بشيء؟ هل الآيات التى تبين لنا أحكام الوصية عند الموت، والتى تبين لنا المباحات والمحرمات من النساء فى الزواج، والتى تبين لنا أحكام الطلاق تفيد الميت بشيء؟ هل الآيات التى تتحدث عن عاقبة المفسدين والمنحرفين عن سبيل الله تفيد الميت بشيء؟
هل الآيات التى تبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالجنة، وتبين مكانهم من نعيم الله، تفيد الميت بشيء؟ هل الآيات التى تخبرنا بقصص أقوام نوح، وعاد، وثمود، وكفار قريش، وهلاك أولئك الأقوام، وجاءت تحذرنا من اتباع سبل الانحراف والغواية التى سلكها هؤلاء الأقوام حتى استحقوا غضب الله ولعنته مثلهم، هل هذه الآيات تنفع الميت بشيء؟ هل الآيات التى تأمرنا بالإصلاح والتعاون والتآخى، وتحثنا على الصبر والجهاد فى سبيل الله تنفع الميت بشيء؟
بالطبع كل هذه الآيات وما حملت إلينا من معان وأحكام وعظات وإنذار لا تنفع الميت بشيء، ولو كتبت بماء الذهب على صحائف من ذهب وعلقت على قبر الميت.
معنى سورة الفاتحة: وسورة الفاتحة شأنها شأن سور القرآن، لا تنفع الميت بشيء، وإلى القارئ الدليل على هذا من كتب السنة:
روى مسلم، عن أبى هريرة، رضى الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال:«من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فصلاته خداج، خداج، خداج، غير تام» ، فقيل لأبى هريرة: إنما نكون وراء الإمام، فقال: اقرأ بها فى نفسك، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالى: قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين، ولعبدى ما سأل، فإذا قال العبد:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، قال الله تعالى: حمدنى عبدى، وإذا قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قال تعالى: أثنى علىّ عبدى، وإذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قال الله تعالى:
مجدنى عبدى، وإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قال الله تعالى: هذه بينى وبين عبدى، ولعبدى ما سأل
…
» إلخ الحديث.
ومن هذا الحديث نفهم أن الفاتحة هى مناجاة بين الله وبين عبده، وليس للميت فيها شىء تفيده أو تضره.
الميت لا ينفعه إلا عمله: أما الذى يفيد الميت وينفعه، هو أعماله وسعيه فى الدنيا، وذلك كما يقول المولى جل شأنه: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى [النجم: 39 - 41]، كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر: 38]، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ [آل عمران: 30]، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7، 8].
فهذه كلها نصوص تشهد بأن الميت لن ينتفع إلا بعمله وسعيه فى الدنيا؛ لأنها دار عمل، وبموته انقطع عمله، وليس له من عمل سوى ما بينه حديث النبى صلى الله عليه وسلم.
سوء استعمال القرآن: ولقد أساء كثير من المسلمين استعمال آيات القرآن، فهم يستأجرون المشايخ ليقرءونه فى المآتم، وعلى قبور الموتى؛ لجلب الرحمة والغفران لهم، ويضعون القرآن فى بيوتهم فى مجلد فاخر ليحفظ البيت من العفاريت، أو شبح الفقر، أو ليدفع عن العائلة شر الحاسدين، أو يعلقونه على أبواب المحلات التجارية أو الصناعية، أو بسيارتهم بقصد جلب الرزق ودفع الكساد عنهم، ويعلقونه فى شكل حجاب بجسم المريض ليشفيه، أو بجسم طفل وحيد أبويه ليحفظه من المرض، أو من عيون الحاسدين، أو ليطيل عمره؛ لأن من سبقوه من إخوته ماتوا أطفالا.
على هذا النحو السيئ يستعمل أكثر المسلمين آيات القرآن الكريم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، مع أن الإسلام ينكر هذه العادات الذميمة، ويأمر بتركها، كما جاء فى كثير من الأحاديث النبوية.
حديث: «خذ من القرآن ما شئت لما شئت» : أما هذا الحديث، فلا أصل له، وهو مبتدع، حتى أنه لم يرد له ذكر فى كتب المحققين الذين بينوا لنا الأحاديث الصحيحة والمكذوبة والموضوعة، ويكفى هذا دليلا دامغا قويّا على أن هذا الكلام المنسوب لرسولنا صلى الله عليه وسلم ابتدعه تجار القرآن؛ ليكون لهم مورد رزق ومصدر عيش؛ لأنهم وجدوا فى هذا العمل حياة سهلة وناعمة، لا عمل فيها، ولا جهد، ولا عرق.