الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحزيب القرآن
قال فى المغنى: يستحب أن يقرأ القرآن فى كل سبعة أيام ليكون له ختمة فى كل أسبوع.
قال عبد الله بن أحمد: كان أبى يختم القرآن فى النهار فى كل سبعة، يقرأ فى كل يوم سبعا لا يتركه نظرا. وقال حنبل: كان أبو عبد الله يختم من الجمعة إلى الجمعة، وذلك ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمر:«اقرأ القرآن فى سبع، ولا تزيدن على ذلك» رواه أبو داود.
وعن أوس بن حذيفة، قال: قلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أبطأت عنا الليلة، قال:«إنه طرأ علىّ حزبى من القرآن، فكرهت أن أخرج حتى أتمه» . قال أوس: سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاث (1)، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده. رواه أبو داود.
ويكره أن يؤخر القرآن أكثر من أربعين يوما؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم سأله عبد الله بن عمرو:
كم تختم القرآن؟ قال: «فى أربعين يوما» ، ثم قال:«فى شهر» ، ثم قال:«فى عشرين يوما» ، ثم قال:«فى خمس عشرة» ، ثم قال:«فى عشر» ، ثم قال:«فى سبع» ، لم ينزل من سبع (2) أخرجه أبو داود. قال أحمد: أكثر ما سمعت أن يختم القرآن فى أربعين، ولأن تأخيره أكثر من ذلك يفضى إلى نسيان القرآن، والتهاون به، فكان ما ذكرنا أولى، وهذا إذا لم يكن عذر، فأما مع العذر فواسع له. أ. هـ.
لا تعرض عن قراءة القرآن
إذا عرفت فضل القرآن العظيم، وفضل بعض سوره وآياته، وعرفت وافر وجزيل أجر تلاوته، وعلمت كيفية تحزيب النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه للقرآن، وترتيبهم له على الأيام والليالى، حق لنا أن نقول لك أيها المسلم المتبع لأعظم رسول: لا تعرض عن قراءة كتاب ربك إلى قراءة أوراد المشايخ وأحزابهم، فإن الأجر كله، والثواب كله، والفضل العظيم كله، والنصح، والإرشاد، والوعظ، والهدى، والنور كله، والصراط المستقيم إنما هو فى تلاوة كتاب الله تعالى.
(1) أى نقرأه فى ثلاث إلخ.
(2)
أى عن سبع.
فيا متبع الرسول الأعظم، إياك ثم إياك وما ابتدع، فإنه ضلالة، واعلم أنه لا يجوز لك أن تقرأ دعاء البسملة، ولا ورد الجلالة ودعاءها للجيلانى؛ لأنه يصدك عن القرآن، ولا يجوز لك أن تقرأ مسبعات، ولا منظومة الدردير، ولا ورد السحر، والميمية، والمنهجة الكبرى، بل اقرأ بدل هذا أحزابا من القرآن تنفعك قراءتها يوم لقاء ربك، ولا سيما قراءة التدبر والتفقه.
أيها العاقل، هل حزب البر، والبحر، والنصر، وحزب الرفاعى الكبير والصغير، وحزب الدسوقى الكبير والصغير أيضا، وحزب النووى والبيومى، وحزب الوقاية المسمى بالدور الأعلى، بل وجميع مجموع الأوراد، خير أو حزب واحد، أو سورة واحدة من القرآن العظيم؟! لا بل آية واحدة، بل حرف واحد من كتاب الله، لا شك أنك تعترف أنه أعظم وأجل ألف مرة، بل لا مناسبة بالكلية، وأنت تشهد وتقر معى بذلك، ولا أظنك تنكره، إن جميع ما فى مجموع الأذكار الطيبة للطرق السبعة، وجميع ما فى كتاب مجموع أوراد الخلوتية والمرغنية، وأوراد الخليلية، وحرز الجوشنى، وحرز الغاسلة، والجلجلوتية، والبرهتية، لا شك أنه من عند غير الله، ولا شك أنه شرع لم يشرعه الله ولا رسوله، فصار بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ولعلك تقول: إن هذه الأحزاب والأوراد لا تخلو من آيات قرآنية فيها، فنقول لك:
القرآن كاللبن النقى الخالص، وأحزابكم وأورادكم كاللبن المخلوط بالدم، أو كاللبن الاصطناعى، فأيهما ترتضيه لنفسك؟ الأول لا شك، بل ما فى القرآن من الموعظة، والشفاء، والرحمة، والتذكير، والهداية، والعبرة، والأمر، والنهى، والترغيب، والترهيب، وذكر عظمة الله وكبريائه، وتعريفك برسول الله، ورسوله، وقصص الأنبياء
وأتباعهم، وما فعل الله بالطاغين والعاصين، وما أعده لأهل طاعته من النعيم المقيم، وغير ذلك مما لا يمكننا عده، ولا حصر بعضه، وليس يوجد من ذلك حرف واحد فى أورادكم ولا أحزابكم، فما هى إلا عبادات مخترعات.
وشىء آخر هو أنك لا تقرأ بحرف واحد من كتاب الله إلا أوتيت أجره، كما فى الحديث الصحيح:«من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف، والله يضاعف لمن يشاء» ، فما هو ثواب من قرأ حزب الجيلانى كله من أوله إلى آخره ألف مرة، وما ثواب من يقرأ حزب الكبرى، بل وما ثواب من يقرأ جميع مجاميع الأوراد كلها حرفا حرفا؟ لا يمكنكم أصلا أن تقدروا لقارئها ثوابا كثواب قراءة أصغر سورة فى القرآن، بل ولا آية،
ولا حرف واحد، فإن قدرتم وقلتم فظن وإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً [يونس: 36]، بل إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات: 12]، بل يكون افتراء وكذبا على الله، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ [الصف: 7].
فيها أيها المسلمون اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ [الزمر: 23]، وقص عليكم أحسن القصص فى كتابه، فلا تعدلوا عنه وتتبعوا هؤلاء، فإنهم قد هوكوا وتهوكوا (1)، يا قوم «كفى بقوم ضلالة أن يتبعوا كتابا غير كتاب ربهم الذى أنزل على نبيهم» ، كذا فى الحديث، يا قوم حذار حذار من الإعراض عن كتاب الله، فإن الله يقول: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى [طه: 124]، ويقول: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (2) [الزخرف:
36]، ويقول لنبيه: وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا [طه: 99 - 101]، ويقول: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (3)[الجن: 17].
يا قوم، إنى أقول والحق أقول: إنه لا يرغب عن كتاب ربه إلى مخترعات الشيوخ إلا من سفه نفسه، وضل سعيه، وزين له الشيطان عمله، فصده عن السبيل، فحزبوا وجزءوا القرآن، وقسموه على أيامكم ولياليكم، وحلوا وارتحلوا فيه من أوله إلى آخره، واجعلوا المصحف فى جيوبكم دائما وأبدا، بدل المجموع، ولكن أكبر ما تمعنون فيه النظر بعد القرآن أحاديث الرسول، والتعبد بالأدعية والأذكار المروية عنه فى الكتب التى ذكرناها لكم، وهذا فيه الغنية التامة، والكفاية العظمى عن جميع ما تقرءونه من الأوراد، والأحزاب، والدلائل، والتوسلات التى لم يتعبد بحرف واحد منها أحد من الصحابة، ولا التابعين، ولا أئمة الدين، أسأل الله لى ولكم الهداية والاعتصام بكتابه وسنة نبيه، آمين.
(1) التهوك: كالتهور وهو الوقوع فى الأمر بغير روية، وقيل: هو التحير. اه. نهاية.
(2)
قرين: أى صاحب ملازم له.
(3)
صعدا: أى متزايدا؟.