الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - دع امرأ وما اختار:
يرى ذلك التنديد بمن يهدرون قيمة الإنسان فى فكره المتحرر، ورأيه الذى ينبع من عقله، ويحاولون السيطرة عليه بالإرهاب الفكرى، وإملاء الإرادة، حتى لا تكون هناك شخصية متميزة متحررة، إنهم بذلك يمسخون هذه الشخصية، ويلغون صفاتها المتميزة فى فكرها الحر، وعملها المنطلق فى رحاب الحياة دون قيد أو عائق، يريدون أن يرسموا له الطريق، ويحددوا له الاتجاه، حتى يكون كالآلة الصماء التى تدور وتعمل تبعا لأوامر صانعيها.
وما هكذا الإنسان وما خلق له من تعمير للكون والحياة، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى [النجم: 39 - 41].
فالإنسان مجزى بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، والجزاء من جنس العمل، ف كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر: 38]، وقد عبر عن ذلك مثل عربى آخر بقوله:
2 - يداك أوكتا وفوك نفخ:
ويضرب هذا المثل لمن يجنى على نفسه بأفعاله وأعماله، فهو بقصوره وتقصيره يتسبب فى إيذاء نفسه.
والإنسان بمسئولياته، وبتحمله لأعباء الحياة، وتفكيره، والجزاء فى الدنيا والآخرة مبنى على ما قدم بنفسه وبتفكيره الحر، دون سيطرة أو رقيب إلا من داخله، من أعماق نفسه، ومن معتقده، وهكذا تكون الانطلاقة الحرة المتمثلة مع الحياة المتطورة، وما تستدعيه من الفكر الحر، والاختيار المطلق الذى لا يتقيد إلا بتعاليم الدين وما يضعه من قواعد وتكاليف يحاسب عليها الإنسان من رب الإنسان ورب الأرض والسماء، رب العالمين يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [آل عمران: 30].
وأصل هذا المثل أن رجلا كان بجزيرة، فأراد أن يعبر على زقّ قد نفخ فيه، فلم يحسن إحكامه، حتى إذا توسط البحر خرج منه الهواء المضغوط، فغرق الزق، فاستغاث صاحب الزق برجل، فقال له: يداك أوكتا وفوك نفخ.
وإذا كانت الانغلاقة فى الفكر، والتقوقع فى الزمان والمكان، من الأمور المرفوضة
فى حياتنا الحاضرة، فالانطلاقة البهيمية فى الشذوذ الفكرى، والتحرر من كل معتقد صائب، ومن كل دين وقيمة، لها من الخطورة والضياع ما للأولى من المهانة والاستخفاف بالإنسان وإمكانياته، وأولى بالإنسان أن يأخذ طريقه فى الحياة دون جهالة مميتة، أو عجب قاتل، حتى يكون كما قال الشاعر:
إذا المرء لم يدر ما أمكنه
…
ولم يأت من أمره أزينه
وأعجبه العجب فاقتاده
…
وتاه به العجب فاستحسنه
فدعه فقد ساء تدبيره
…
سيضحك يوما ويبكى سنه
وإذا كانت الحرية هى اللبنة الأولى فى بناء الإنسان، فإنها لا تكمل إلا إذا صحبتها عزمات قوية، وإحساسات بالكرامة التى ترتقى بالإنسان إلى عزة تنزهت عن الهون، وابتعدت عما يشين خلق الإنسان، أو يجعله مضغة فى الأفواه، أو يصمه بوصمة عار تنتقل من نفسه إلى عقبه، قوانين للحياة ليست غريبة عن دعوات الأديان، بل هى فى صميمها وجوهرها.
فكم من نداء ودعوة سمعناها من أفواه الرسل، عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام، وهم يدعون قومهم إلى الحق وإلى صراط مستقيم دون انتظار لمكسب مادى رخيص، أو ابتغاء أجر على دعوتهم، لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ [الأنعام: 90]، فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ [غافر: 44].
وما لنا لا نذكر هذا الموقف لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستعرض ما تفتقت عنه حيل المشركين وتفكيرهم المريض، ليثنوه عن طريقه ودعوته، وقوله:«والله يا عم، لو وضعوا الشمس فى يمينى، والقمر فى يسارى، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه» ، مغريات الدنيا بما فيها من مال، ومكانة، وملك، لا تقف بصاحب العقيدة عن طريقه، أو تبعده عن مسلكه الذى هيأه الله.
وهكذا طريق الإنسان الحر الكريم على نفسه وعلى قومه، سواء كان رجلا أو امرأة، طريق سلكه أولئك العظماء من الذين مهدوا الطريق وساروا، فلم يهنوا ولم يضعفوا، ولم يقفوا أمام مغريات الدنيا بمختلف ألوانها وصنوفها، موقف الخاضع لها، الذليل أمام مغرياتها، وقد نطقت بذلك أمثال العرب فى هذا المنحى الكريم، فقالت كما روت ذلك كتب الأدب: