الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما تناولت الأمثال أيضا البعد عن موجبات غضب الله التى تصيب الفرد والجماعة، ودعتهم إلى الإيمان بالبعث، والحساب، واليوم الآخر، وأظهرت قدرة الله فى عقاب من يستحق العقاب، ونددت بموقف الكفار من الرسول، وعنادهم، ومعاملتهم له
…
إلخ.
دارت كل هذه المعانى فى أثواب الآيات القرآنية وأساليبها، وكان للمثل المكى دوره البارز فى هذا المجال، يعالج السلوك الإنسانى إزاء رسالة الله ودعوته.
أما فى المجتمع المدنى، فالأمر مختلف، فقد عالجت الأمثال الكثير من العيوب التى تبرز فى هذا المجتمع المتحضر من نفاق، وخداع، وبخل، وشح، وجبن، وقعود عن الجهاد.
لم تتعرض مباشرة لسلوك الناس وتصرفاتهم إزاء الرسالة، وإنما هى بيان لما فى الكون والملكوت الواسع الذى يدبر الله أمره، فهذه الحياة الدنيا مثلها كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ [يونس: 24].
اختلفت البيئة، فاختلف الاتجاه والعلاج، واختلف الزمان، فكان لكل وقت دواء، واختلف الناس، فكان لكل دواء.
الأمثال العربية:
من خلال دراستنا للأمثال القرآنية، وما تناولته من اتجاهات عليا لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها؛ لأنها من التنزيل، تنزيل رب العالمين، الرحيم بعباده الذى خلقهم، وعرف احتياجاتهم، وما يعلى من مكانتهم وشأنهم، فوضع لهم الأسس الحكيمة التى يسيرون عليها، ورسم للإنسان طريق النجاة بما ساقه له من قيم، وقدمه من مثل، ودعا إليه من أوامر، وما وضعه من تكاليف.
من خلال هذا كله، اشرأبت النفس إلى محاولة إيجاد علاقة وترابط بين الأمثال القرآنية وما تعرضه علينا كتب التراث والأدب من تراث إنسانى نطقت به الألسنة، وحفظته العقول، وسجلته فى صفحات التاريخ من أمثال كان لها صداها وتأثيرها فى الفكر الإسلامى، حقيقة ما روته الكتب الأدبية يحوى بين جنباته الكثير من الأمثال العربية التى وصلت إلينا من العصر الجاهلى، وفيها ما فى هذا العصر من عادات وأمور قد لا تتفق مع القيم الإسلامية وما يدعو إليه القرآن، ولذا فإننا سنحاول بإذن
الله أن نعرض نماذج من بعض الأمثال التى تتشابه فى نزعاتها واتجاهاتها البناءة فى الحياة مع الأمثال القرآنية فى سمو أهدافها، ونبل أغراضها، وهذه الأمثال عاشت وتعيش فى أفكارنا، وترتبط بعقائدنا، وتصلنا بماضينا.
وقد يكون فيما نذهب إليه من إيجاد علاقة فى الهدف والاتجاه، لون من التكلف والعسر؛ لأن المصادر القديمة لم تتعرض لهذه المناحى ولم تقدم لنا ما يرضى عقولنا من موازنات ومقارنات بين هذا وذاك، ولكن ما دامت النية قد خلصت لخدمة هذا الطريق، فإن فى إفراد باب بتعلق بالمنهج القرآنى وارتباطه بالأمثال العربية المتفقة معه فى الاتجاه والمأخذ، ما قد يغنى القارئ اللبيب الذى يستطيع أن يتبين من التقارب الذى نطقت به الألسنة التى تشربت حب الإسلام، وتعلقت به أرواحها وقلوبها، وعقولها،
وعقائدها، فنطقت بذلك معبرة، وجرى على ألسنتها من لفظها الخاص ما ينبئ عن شدة الحب والارتباط بتعاليم الإسلام، وارتباط الناس به فى حياتهم الخاصة والعامة، وفيما يجرى بينهم من تعامل وعلاقات.
وفيما أسوقه من نماذج أمثال، إنما أعطى دليلا على أن الخلق المسلم إنما استوحى فيما نطق وفيما عمل طريق القرآن، ودعوته، ومنهجه.
وقبل أن نعرض لهذه النماذج المختارة التى تعتبر نواة لدراسة أوسع فى أنواعها، وأقسامها، وأغراضها، والتى عقدنا العزم بمشيئة الله أن نجعلها مبسوطة بين يدى القراء فى دراسة مستقلة، أن نعرض لبعض الحقائق العامة التى تنير الطريق لما سيطرح من أمثال عربية، تعالج مواقف الحياة، وتعرض أحداثها، ووقائعها، وعظاتها، وهى تكمن فى الآتى:
1 -
هذه الأمثال فى أغلبها مجهولة الصاحب، لا يعرف لها قائل، ولا تسند إلى شخص معروف، ولكنها سلكت طريقها إلى الحياة عن طريق المشافهة والرواة حتى وصلت إلينا فى تراث له فى النفس إعزاز وتقدير، قد استحوذ على هذا الفضل، وهذه المكانة بالنظر إلى مضمونه ومعناه، أما معرفة الصاحب، وكيف نشأ المثل، فلم يحظ ذلك باهتمام الرواة.
2 -
كان من أساليب بقاء هذه الأمثال، والمحافظة عليها، ما تتسم به من صدق، ومن توافق مع الحياة فى تطبيقاتها، وما تحويه من قيم رفيعة، واتجاهات بناءة مقتبسة من القرآن الكريم، والحديث النبوى.