الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدعية جمع القراءات فى سورة أو آية واحدة
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، عن جمع القراءات السبعة، هل هو سنة أم بدعة؟ وهل جمعت على عهد رسول الله أم لا؟ وهل لجامعها مزية ثواب على من قرأ برواية أم لا؟ فأجاب بقوله: الحمد لله، أما نفس معرفة القراءة وحفظها فسنة، فإن القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول، فمعرفة القراءات التى كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، أو يقرهم على القراءة بها، أو يأذن لهم وقد أقرئوا بها سنة، والعارف بالقراءات الحافظ لها، له مزية على من لم يعرف ذلك، ولا يعرف إلا قراءة واحدة، وأما جمعها فى الصلاة أو فى التلاوة، فهو بدعة مكروهة، وأما جمعها لأجل الحفظ والدرس، فهو من الاجتهاد الذى فعله طوائف فى القراءة، وأما الصحابة والتابعون، فلم يكونوا يجمعون، والله أعلم.
وقال فى موضع آخر: وأما الجمع فى كل القراءة المشروعة المأمور بها، فغير مشروع باتفاق المسلمين، بل يخير بين تلك الحروف، وإذا قرأ بهذه تارة وبهذه تارة كان حسنا.
وقال بعد حديث الصحاح وهو: «أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف، فاقرءوا بما تيسر» ، ومعلوم أن المشروع فى ذلك أن يقرأ أحدها أو هذا تارة وهذا تارة لا الجمع بينهما، فإن النبى صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين هذه الألفاظ فى آن واحد، بل قال هذا تارة وهذا تارة. أ. هـ.
بدع وضلالات متعلقة بالقرآن العظيم
فمن ذلك أخذ الفأل والبخت من المصحف، ولا أدرى ماذا يصنع صاحب البخت إن وقف على آية: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ [البقرة: 279]، أو: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ [العلق: 15]، أو: ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ [العلق: 16]، أو: سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [العلق: 18] مثلا. وفى كتاب أدب الدنيا والدين، أن الوليد بن يزيد تفاءل يوما فى المصحف، فخرج له قوله تعالى: وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ [إبراهيم: 15]، فمزق المصحف وأنشأ يقول:
أتوعد كل جبار عنيد
…
فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر
…
فقل يا رب مزقنى الوليد
فلم يلبث إلا أياما حتى قتل شر قتلة، وصلب رأسه على قصره، فنعوذ بالله.
وهذا فعل مذموم جدا يجب تركه ومحاربته، وكذا قولهم: إن النبى صلى الله عليه وسلم يحزن ويتألم من قراءة سورة: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد: 1] لأجل عمه، فلا تقرأ ولا يصلى بها، وكيف ذلك وقد أنزل الله: لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ [الممتحنة: 1] الآية، واعتقادهم أن من حلف على المصحف يصاب بالعمى والكساح هو من خرافاتهم وجهالاتهم المضحكة، وإنما هو يمين يكفر عنها إن رأى أن غيرها خير منها على بعض المذاهب، وإلا فهو يمين غموس، أى يغمس صاحبه فى النار، وقراءتهم سورة يس أربعين مرة بدعائها المخترع المحدث لإهلاك شخص، أو فك مسجون، أو قضاء حاجة، جهل أيضا وبعد عن اتباع الحقائق الشرعية.
وحديث: «يس لما قرئت له» . قال الحافظ السخاوى: لا أصل له، وكذا حديث:«خذ من القرآن ما شئت لما شئت» ، فتشت عنه كثيرا فى الكتب، فلم أجد له أصلا، وفى آخر تفسير سورة يس من البيضاوى والنسفى أحاديث موضوعة فى فضلها، فينبغى أن لا يعول عليها، وجمع آى سجدات القرآن والسجود عند كل آية بدعة تقدم الكلام عليها، وجمع تهليلات القرآن كما فى حزب البيومى، ابتداع فى الدين، واختراع لا يرضى، وقراءة النساء القرآن على الرجال فى المحافل وغيرها ممنوع شرعا، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«إذا نابتكم نائبة فى صلاتكم فسبحوا، إنما جعل التصفيق للنساء» ، كذا فى الصحيح، أينها هن الرسول عن التلفظ بسبحان الله فى الصلاة ونجلسهن بيننا للتغنى بالقرآن على مقعد خاص فى محافل الرجال؟ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ [ص: 5]، وكتب آيات السلام ك سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ [الصافات: 79] بدعة ضلالة أيضا.
وجعلهم المصحف حجابا يعلقونه على أنفسهم، وعلى مواشيهم جهل شنيع وبدعة، وحمل النساء له أيام حيضهن، ونفاسهن، ووقت جنابتهن، ضلال كبير، وامتهان لكتاب الله القدير، وخبر نزول دم عثمان عند قتله على كتاب الله على لفظ: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: 137] باطل لا أصل له، كما فى أسنى المطالب، وحديث شمهورش قاضى الجن الذى فيه: حدثنى سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم قال:
«حدثنى جبريل، قال: حدثنى إسرافيل عن رب العزة أن من قرأ سورة الفاتحة فى نفس واحد لقضاء حاجة قضيت» ، هذا باطل معارض بما عرف من أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ يقف على رءوس الآى ويمدها، ثم لماذا وما فائدة قراءتها فى نفس واحد؟ إن هذا لمن أفرى الفرى على الله ورسوله، ولو كان صحيحا لثبت فى الصحاح والسنن، واشتهر على
ألسنة الصحابة والتابعين، ولم تقتصر روايته على شمهورش الجنى.
وإننى لأعجب كيف يروج هذا على عقول العلماء؟ وكيف يقبلونه؟ وكيف يحفظونه ويقرءونه على الناس، وفى مصنفاتهم يكتبونه؟ وقد سمعت هذا الحديث من شيخ أزهرى يقال له: عالم، وقرأته على ظهر كتاب لشيخ من المتأخرين، فيا للأسف على فساد عقول رؤساء الدين، ورواج الأباطيل والأضاليل والترهات على من اشتهر من بين الناس بأنهم كبار المسلمين، وعلى عدم معرفتهم بين الصحيح والمكذوب على الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم.
وإننى والله لا أثق أبدا بعلم ولا دين هؤلاء ما داموا لا يفرقون بين الحق والباطل، والصحيح والموضوع، ولا بين الأنوار الربانية المحمدية، والظلمات الشيطانية.
والدعاء الذى فى آخر المصاحف لا يجوز التعبد به قطعا، بل هو مذموم وممنوع شرعا؛ لأنه مخترع وليس مأثورا، بل كله بدع ضلالات، وتوسلات موضوعات، فلا تحل قراءته، بل ولا كتابته فى آخر المصاحف، والقرآن والسنة كافيان شافيان، قال الله تعالى مسفها وعائبا أحلام من لم يكتفوا بكتاب الله: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [العنكبوت: 51]، وفى الحديث:«كفى بقوم ضلالة أن يتبعوا كتابا غير كتاب نبيهم أنزل على نبى غير نبيهم» رواه أبو داود فى مراسيله.
فكيف بكم وقد أصبحت جل عباداتكم لا هى عن نبى من أنبياء الله المتقدمين، ولا هى عن نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، بل أوحى بها الشيطان على بعض المتعالين، فحذار من التعبد بما لم ينزل على نبيكم، ولا فعله أصحاب نبيكم، إذ المتعبد به بدعى، جاهل، غبى.
وقراءة الختمات التى يعملونها للأموات ويجتمع لها القراء ويفرقون على بعضهم أجزاء الأربعة- المصحف- ثم يستفتحون القراءة ويختمونها جميعا فى ساعة، ثم يهدون ثواب ما قرءوه للمتوفى، بدعة ضلالة فاعلها غاية الجهالة، ولو عاشوا عمر نوح يبحثون فى الشريعة الغراء على دليل يدل على ذلك لما وجدوه، وهؤلاء لو أن الداعى لهم أخرج لهم الغداء أو العشاء قليلا، أو أعطاهم قروشا قليلة، لفضحوه وسبوه ولعنوه لعنا كبيرا، فنعوذ بالله من الجهل والشقاء والخيبة.
والقارئ، الفقى، الراتب فى البيوت دائما وفى رمضان بدعة، ودخولهم على النساء
حال غياب الرجال مفسدة ودياثة، وشحذ القراء بالقرآن فى الشوارع والطرقات ضلال كبير، وشر خطير، ولو استغنوا بتجارة أو صناعة لغناهم الله قطعا: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: 2، 3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق: 4]، وفى الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال:«لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا» رواه الإمام أحمد، والترمذى، وابن ماجة، والحاكم، عن عمر بسند صحيح كما فى الجامع، فاتقوا الله أيها القراء، وتوكلوا على الله وتحرفوا لدنياكم، «فإن الله يحب العبد المؤمن المحترف، واعرفوا ربكم وادعوه، فإنكم لو عرفتم الله حق معرفته لزالت لدعائكم الجبال» وذكرهما فى الجامع.
وقراءة الفاتحة زيادة فى شرف النبى صلى الله عليه وسلم بدعة لا أصل لها، وقد قال تعالى: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب: 56]، ولم يقل: اقرءوا عليه، وقراءة الفاتحة بنية قضاء الحاجات، وتفريح الكربات، وهلاك الأعداء، بدعة لم يأذن بها الدين، وقراءة الفاتحة بالسماح كما يفعله الفقراء بدعة، وقراءة الفاتحة عند شرط خطبة الزواج واعتقادهم أن قراءتها عهد لا ينقض بدعة واعتقاد فاسد وجهل.
وقراءة سورة الفيل إلى كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل: 5] ثم تكرير كَعَصْفٍ مرات لأجل إسكات الكلاب عن النباح، واعتقادهم أنها تمنع الكلب عن عض الإنسان، وأنه إذا قرأ لفظة مَأْكُولٍ عضه الكلب، هذا هو كلام واعتقاد من لا عقل له ولا دين.
والمسبعات: الفاتحة، والمعوذتان والإخلاص، والكافرون سبعا سبعا بدعة، لم يرد فيها ولا حديث ضعيف، ولم يتعبد بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من خلفائه، ولا أصحابه، فما هى إلا منام رآه إبراهيم التيمى، وليست المنامات شريعة يتعبد بها.
والفائدة التى يعملونها لجلب الرزق، ويصومون عن أكل كل ذى روح أياما، ويحتجبون عن الناس فى الخلوة فى مكان مظلم، ويكررون عقب كل صلاة مئات المرات آية: وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ [يس: 72] هى باطلة قطعا، ولا تعود على صاحبها بأدنى فائدة، بل بالخيبة الدائمة، والذى يجلب الرزق حقا، ويفتح لك بركات السماء والأرض، إنما هو تقوى الله، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف: 96].
وقولهم: كان السيوطى إذا أراد أن يفسر القرآن، خرج إلى الجبل ففسره هناك خوفا من الخطأ فى التفسير، فإنه ينزل الغضب على أهل البلد، كلام باطل لا أصل له البتة، وما ألقى هذا بين الناس إلا الشيطان، ليصدهم به عن سبيل الله، وقد قال الله تعالى:
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر: 17]، أى متذكر ومتعظ به، وقال تعالى: كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ [فصلت: 1 - 4]، وقال تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ [ص: 29].
ولهذا الجهل الفاشى بينهم، ترى الناس جميعا، حتى حملة القرآن، يتحاملون عن التكلم فى معنى آية من كتاب الله، وإن كان أحدهم حافظا لمعناها، وإن كان سمع تفسيرها عشرين مرة، وإن كان قرأها فى التفسير مائة مرة، فتراهم يتناهون بحدة وشدة، يقولون: ارجع ارجع أحسن تنزل علينا الغضب، ما لك وما للتفسير، خلى التفسير لأصحابه يا عم.
ومن هنا عم فينا الجهل وطم، وساءت أخلاقنا، وسفهت أحلامنا، وقسمت قلوبنا، فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة: 74]، وعصى الله ورسوله جهارا، وبعدنا عن كل فضيلة، ووقعنا فى كل رذيلة، حتى صرنا أذل وأحقر الأمم بعد أن كانت العزة والسلطان لنا، وكل هذا بسبب هجرنا وبعدنا من تعاليم القرآن السامية، وعدم اعتناقنا لأوامره ونواهيه، وإعراضنا عن فهمه وتدبر معانيه، قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه: 124]، وقوله: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف: 36] وقوله: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً [الجن: 17]، وقوله: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ [الكهف: 57].
واعتقادهم كفر من غلط، أو لحن فى قراءة سورة الكافرين اعتقاد باطل فظيع شنيع، ومتى يتعلم الإنسان دينه، وكتاب ربه، إذا كان بغلطة ينزل عليه وعلى أهل بلدته المقت والغضب، وبلحنه يكفر ويخرج من الدين؟ نعوذ بالله من ضلال المضلين، ومن الشيطان الرجيم، لما علم الشيطان عظم أجر هذه السورة ألقى هذا بين الناس.
فقد روى الطبرانى، والحاكم، أنه صلى الله عليه وسلم قال:«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تعدل ثلث القرآن، وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ تعدل ربع القرآن» حديث صحيح، كما فى الجامع، وقد تقدم فى الحديث المتفق عليه أن: «الذى يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له