الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً، أَيْ إِنَّمَا السَّبِيلُ الْمَنْفِيُّ عَنِ الْمُحْسِنِينَ مُثبت للَّذين يَسْتَأْذِنُونَك وَهُمْ أَغْنِيَاءُ.
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي سُورَةِ الشُّورَى [42] . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّبِيلِ الْعَذَابُ.
وَالْمَعْنَى لَيْسَتِ التَّبِعَةُ وَالْمُؤَاخَذَةُ إِلَّا عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ، الَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَلَا عُذْرَ لَهُمْ يُخَوِّلُهُمُ التَّخَلُّفُ. وَقَدْ سَبَقَتْ آيَةُ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ [90] ، وَأُحِيلَ هُنَالِكَ تَفْسِيرُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
وَجُمْلَةُ: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ مُسْتَأْنَفَةٌ لِجَوَابِ سُؤَالٍ يَنْشَأُ عَنْ عِلَّةِ اسْتِيذَانِهِمْ فِي التَّخَلُّفِ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ، أَيْ بَعَثَهُمْ عَلَى ذَلِكَ رِضَاهُمْ بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ مِنَ النِّسَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ آنِفًا.
وَأُسْنِدَ الطَّبْعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ إِلَى اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِخِلَافِ مَا فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ [التَّوْبَة: 87] لَعَلَّهُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ طَبْعٌ غَيْرُ الطَّبْعِ الَّذِي جُبِلُوا عَلَيْهِ بَلْ هُوَ طَبْعٌ عَلَى طَبْعٍ أَنْشَأَهُ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ لِغَضَبِهِ عَلَيْهِمْ فَحَرَمَهُمُ النَّجَاةَ مِنَ الطَّبْعِ الْأَصْلِيِّ وَزَادَهُمْ عَمَايَةً، وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى فُرِعَ عَلَيْهِ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لِنَفْيِ أَصْلِ الْعِلْمِ عَنْهُمْ، أَيْ يَكَادُونَ أَنْ يساووا العجماوات.
[94]
[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 94]
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِأَنَّ هَذَا الِاعْتِذَارَ لَيْسَ قَاصِرًا على الَّذين يستأذنون فِي التَّخَلُّفِ فَإِنَّ الْإِذْنَ لَهُمْ يُغْنِيهِمْ عَنِ التَّبَرُّؤِ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ، فَضَمِيرُ يَعْتَذِرُونَ عَائِدٌ إِلَى أَقْرَبِ
مُعَادٍ
وَهُوَ قَوْلُهُ: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التَّوْبَة: 90] فَإِنَّهُمْ فَرِيقٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَهُمُ الَّذِينَ اعْتَذَرُوا بَعْدَ رُجُوعِ النَّاسِ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَجُعِلَ الْمُسْنَدُ فِعْلًا مُضَارِعًا لِإِفَادَةِ التَّجَدُّدِ وَالتَّكْرِيرِ.
وإِذا هُنَا مُسْتَعْمَلَةٌ لِلزَّمَانِ الْمَاضِي لِأَنَّ السُّورَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ الْقُفُولِ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَجُعِلَ الرُّجُوعُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْخَبَرِ عِنْدَ الرُّجُوعِ.
وَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ يَقْصِدُونَ بِأَعْذَارِهِمْ إِلَى النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم وَيُعِيدُونَهَا مَعَ جَمَاعَاتِ الْمُسْلِمِينَ. وَالنَّهْيُ فِي قَوْلِهِ: لَا تَعْتَذِرُوا مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّأْيِيسِ.
وَجُمْلَةُ: لَنْ نُؤْمِنَ فِي مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ عَنِ الِاعْتِذَارِ لِعَدَمِ جَدْوَى الِاعْتِذَارِ، يُقَالُ: آمَنَ لَهُ إِذَا صَدَّقَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [61] قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ.
وَجُمْلَةُ: قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ تَعْلِيلٌ لِنَفْيِ تَصْدِيقِهِمْ، أَيْ قَدْ نَبَّأْنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ بِمَا يَقْتَضِي تَكْذِيبَكُمْ، فَالْإِبْهَامُ فِي الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِ نَبَّأَنَا السَّادِّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْنِ تَعْوِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَقَامَ يُبَيِّنُهُ.
ومِنْ اسْمٌ بِمَعْنَى بَعْضٍ، أَوْ هِيَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: قَدْ نَبَّأْنَا اللَّهُ الْيَقِينَ مِنْ أَخْبَارِكُمْ.
وَجُمْلَةُ: وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ لَا تَعْتَذِرُوا، أَيْ لَا فَائِدَةَ فِي اعْتِذَارِكُمْ فَإِنْ خَشِيتُمُ الْمُؤَاخَذَةَ فَاعْمَلُوا الْخَيْرَ لِلْمُسْتَقْبَلِ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ إِنْ أَحْسَنْتُمْ فَالْمَقْصُودُ فَتْحُ بَابِ التَّوْبَةِ لَهُمْ، وَالتَّنْبِيهُ إِلَى الْمِكْنَةِ مِنِ اسْتِدْرَاكِ أَمْرِهِمْ. وَفِي ذَلِكَ تَهْدِيدٌ بِالْوَعِيدِ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا.
فَالْإِخْبَارُ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَمَلَهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْكِنَايَةِ عَنِ التَّرْغِيبِ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالتَّرْهِيبِ مِنَ الدَّوَامِ عَلَى حَالِهِمْ. وَالْمُرَادُ: تُمَكُّنُهُمْ مِنْ إِصْلَاحِ ظَاهِرِ