الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمَ السَّامِعِينَ بِطَرِيقِ التَّعْرِيضِ لَا عِلْمَ الرَّسُولِ- عليه الصلاة والسلام لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْحَاجَةِ لِإِعْلَامِهِ بِأَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قُرِنَتِ الْجُمْلَةُ بِحَرْفَيِ
التَّأْكِيدِ، وَهُمَا: لَامُ الْقَسَمِ وَقَدْ، لِدَفْعِ إِنْكَار الْمُعَرَّضِ بِهِمْ.
وَبِذَلِكَ كَانَ تَفْرِيعُ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ تَعْرِيضًا أَيْضًا بِالْمُشْرِكِينَ بِأَنَّهُمْ بِحَيْثُ يَحْذَرُ الْكَوْنُ مِنْهُمْ.
وَالِامْتِرَاءُ: الشَّكُّ فِيمَا لَا شُبْهَةَ لِلشَّكِّ فِيهِ. فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الشَّكِّ.
وَكَذَلِكَ عَطَفَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَهُوَ أَصْرَحُ فِي التَّعْرِيضِ بِهِمْ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ خَاسِرُونَ. وَنَظِيرُهُ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ [الزمر: 65]، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: فَإِنْ كُنْتُمْ شَاكِّينَ فِي صِدْقِ مَا أَنْزَلْنَا عَلَى مُحَمَّدٍ مِمَّا أَصَابَ الْمُكَذِّبِينَ قَبْلَكُمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ يُخْبِرُوكُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ صِدْقٌ، لَقَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَلَا تَكُونُوا شَاكِّينَ وَلَا تُكَذِّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فتكونوا خاسرين.
[96، 97]
[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 96 إِلَى 97]
إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (97)
تَبَيَّنَ تَنَاسُبُ هَذِهِ الْآيَةِ مَعَ الَّتِي قَبْلَهَا بِمَا فَسَّرْنَا بِهِ الْآيَةَ السَّابِقَةَ فَإِنَّهُ لَمَّا سَبَقَ التَّعْرِيضُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ الشَّاكِّينَ فِي صدق النبيء صلى الله عليه وسلم وَالِاسْتِشْهَادُ عَلَيْهِمْ فِي صِدْقِهِ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ مِنْ زُمْرَةِ الْفِرَقِ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللَّهِ أَنْ لَا يُؤْمِنُوا، فَهُمْ لَا تُجْدِي فِيهِمُ الْحُجَّةُ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ مُكَابَرَةٍ، وَلَيْسُوا طَالِبِينَ لِلْحَقِّ لِأَنَّ الْفِطْرَةَ الَّتِي فُطِرَتْ عَلَيْهَا عُقُولُهُمْ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ، فَالَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِمَا يَجِيءُ مِنَ الْآيَاتِ هُمْ مِمَّنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، تِلْكَ أَمَارَاتُهُمْ. وَهَذَا مَسُوقٌ مَسَاقَ التَّأْيِيسِ مِنْ إِيمَانِهِمْ.
وَمَعْنَى (حقت) ثبتَتْ. و (على) لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ، وَهُوَ تَمَكُّنُ الْفِعْلِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ. وَالْمُرَادُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ: أَمْرُ التَّكْوِينِ، وَجُمِعَتِ الْكَلِمَاتُ بِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّ مُتَعَلِّقَهَا نَاسٌ كَثِيرُونَ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَحِقُّ عَلَيْهِ كَلِمَةٌ.
وَقَرَأَ غَيْرُ نَافِعٍ، وَابْن عَامر كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى مُرَاعَاةِ الْجِنْسِ إِذْ تَحِقُّ عَلَى كُلِّ أُمَّةٍ كَلِمَةٌ، وَهَذَا الْكَلَامُ عِظَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ. قَالَ غَيْرُهُمْ: وَتَحْذِيرٌ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مَظْهَرًا لِمَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الشِّقْوَةِ وَإِنْذَارٌ بِوَشْكِ حُلُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ.
فَالْمَوْصُولُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ مُرَادٌ بِهِ مَعْهُودٌ، وَالْجُمْلَةُ كلهَا مستأنفة، و (إنّ) لِلتَّوْكِيدِ
الْمَقْصُودِ بِهِ التَّحْقِيقُ، أَيْ لَا شَكَّ أَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أُولَئِكَ فَقَدِ اتَّضَحَ أَمْرُهُمْ وَالْيَأْسُ مِنْ إِيمَانِهِمْ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُجْعَلَ الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ لِلْقَصَصِ السَّابِقَةِ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ، وَالْمَوْصُولُ لِلْعُمُومِ الْجَامِعِ جَمِيعَ الْأُمَمِ الَّتِي هِيَ بِمَثَابَةِ الْأُمَمِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ وَتَكُونُ (إِنَّ) لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ، فَتُفِيدُ التَّعْلِيلَ وَالرَّبْطَ، وَتُغْنِي عَنْ فَاءِ التَّفْرِيعِ كَالَّتِي فِي قَوْلِ بِشَارٍ:
إِنَّ ذَاكَ النَّجَاحَ فِي التَّبْكِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَيَكُونُ فِي الْآيَةِ تَعْرِيضٌ آخَرُ بِالْمُشْرِكِينَ.
وَ (لَوْ) وَصَلْيَةٌ لِلْمُبَالَغَةِ، أَيْ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ فَكَيْفَ إِذَا لَمْ تَجِئْهُمْ إِلَّا بعض الْآيَات.
و (كل) مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَى الْكَثْرَةِ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ. كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ فِي سُورَةِ الْحَجِّ [31] وَقَوْلِهِ: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [27] ، أَيْ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ تُشْبِهُ فِي الْكَثْرَةِ اسْتِغْرَاقَ جَمِيعِ الْآيَاتِ الْمُمْكِنِ وُقُوعُهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ آنِفًا.