الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجَعْلُ (إِلَى) بِمَعْنَى اللَّامِ بُعْدٌ عَنْ بَلَاغَةِ هَذَا النَّظْمِ وَخَلْطٌ لِلِاعْتِبَارَاتِ الْبَلَاغِيَّةِ.
وَجُمْلَةُ: كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ تَذْيِيلٌ يَعُمُّ مَا تَقَدَّمَ وَغَيْرُهُ، أَيْ هَكَذَا التَّزْيِينُ الشَّيْطَانِيُّ زَيَّنَ لَهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ فِي مَاضِي أَزْمَانِهِمْ فِي الدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ ضَلَالَاتِهِمْ.
وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى موقع (كَذَلِكَ) فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ
جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً
فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [143] وَقَوْلِهِ: كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [108] ، فَالْإِشَارَةُ إِلَى التَّزْيِينِ الْمُسْتَفَادِ هُنَا وَهُوَ تَزْيِينُ إِعْرَاضِهِمْ عَنْ دُعَاءِ اللَّهِ فِي حَالَةِ الرَّخَاءِ، أَيْ مِثْلُ هَذَا التَّزْيِينِ الْعَجِيبِ زُيِّنَ لِكُلِّ مُسْرِفٍ عَمَلُهُ.
وَالْإِسْرَافُ: الْإِفْرَاطُ وَالْإِكْثَارُ فِي شَيْءٍ غَيْرِ مَحْمُودٍ. فَالْمُرَادُ بِالْمُسْرِفِينَ هُنَا الْكَافِرُونَ. واختير لفظ لِلْمُسْرِفِينَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى مُبَالَغَتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ، فَالتَّعْرِيفُ فِي الْمُسْرِفِينَ لِلِاسْتِغْرَاقِ لِيَشْمَلَ الْمُتَحَدَّثَ عَنْهُمْ وَغَيْرَهُمْ.
وَأُسْنِدَ فِعْلُ التَّزْيِينِ إِلَى الْمَجْهُولِ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْمُزَيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ خَوَاطِرُهُمُ الشَّيْطَانِيَّةُ، فَقَدْ أُسْنِدَ فِعْلُ التَّزْيِينِ إِلَى الشَّيْطَانِ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَوْ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْمُزَيِّنِ لَهُمْ غَيْرُ مُهِمَّةٍ هَاهُنَا وَإِنَّمَا الْمُهِمُّ الِاعْتِبَارُ وَالِاتِّعَاظُ بِاسْتِحْسَانِهِمْ أَعْمَالَهُمُ الذميمة اسْتِحْسَانًا شنيطا.
وَالْمَعْنَى أَنَّ شَأْنَ الْأَعْمَالِ الذَّمِيمَةِ الْقَبِيحَةِ إِذَا تَكَرَّرَتْ مِنْ أَصْحَابِهَا أَنْ تَصِيرَ لَهُمْ دُرْبَةً تُحَسِّنُ عِنْدَهُمْ قَبَائِحَهَا فَلَا يَكَادُونَ يَشْعُرُونَ بِقُبْحِهَا فَكَيْفَ يُقْلِعُونَ عَنْهَا كَمَا قِيلَ:
يُقْضَى عَلَى الْمَرْءِ فِي أَيَّامِ مِحْنَتِهِ
…
حَتَّى يَرَى حَسَنًا مَا لَيْسَ بالْحسنِ
[13]
[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 13]
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)
عَادَ الْخِطَابُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ عَوْدًا عَلَى بَدْئِهِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ- إِلَى قَوْلِهِ- لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ [يُونُس: 3- 5] بِمُنَاسَبَةِ التَّمَاثُلِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ فِي الْغُرُورِ بِتَأْخِيرِ الْعَذَابِ
عَنْهُمْ حَتَّى حَلَّ بِهِمُ الْهَلَاكُ فَجْأَةً. وَهَذِهِ الْآيَةُ تَهْدِيدٌ وَمَوْعِظَةٌ بِمَا حَلَّ بِأَمْثَالِهِمْ.
وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ [يُونُس: 11] بِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْإِنْذَارِ بِأَنَّ الشَّرَّ قَدْ يَنْزِلُ بِهِمْ وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ غَيْرُ مُعَجَّلٍ، فَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا بِمَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ مِنْ قَبْلِهِمْ فَقَضَى إِلَيْهِمْ بِالْعَذَابِ أَجَلُهُمْ وَقَدْ كَانُوا يَعْرِفُونَ أُمَمًا مِنْهُم أَصَابَهُم الاستيصال مِثْلَ عَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ نُوحٍ.
وَلِتَوْكِيدِ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ أُكِّدَتِ الْجُمْلَةُ بِلَامِ الْقَسَمِ وَقد الَّتِي للتحقيق.
والإهلاك: الاستيصال وَالْإِفْنَاءُ.
وَالْقُرُونُ: جَمْعُ قَرْنٍ وَأَصْلُهُ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ مِنَ الزَّمَانِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا أَهْلُ الْقُرُونِ.
وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [6] .
وَقَوْلُهُ: مِنْ قَبْلِكُمْ حَالٌ مِنَ الْقُرُونِ.
ولَمَّا اسْمُ زَمَانٍ بِمَعْنَى حِينَ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَتُضَافُ إِلَى الْجُمْلَةِ.
وَالْعَرَبُ أَكْثَرُوا فِي كَلَامِهِمْ تَقْدِيمَ (لَمَّا) فِي صَدْرِ جُمْلَتِهَا فَأُشِمَّتْ بِذَلِكَ التَّقْدِيمِ رَائِحَةَ الشَّرْطِيَّةِ فَأَشْبَهَتِ الشُّرُوطَ لِأَنَّهَا تُضَافُ إِلَى جُمْلَةٍ فَتُشْبِهُ جُمْلَةَ الشَّرْطِ، وَلِأَنَّ عَامِلَهَا فِعْلُ مُضِيٍّ فَبِذَلِكَ اقْتَضَتْ جُمْلَتَيْنِ فَأَشْبَهَتْ حُرُوفَ الشَّرْطِ.
وَالْمَعْنَى: أَهْلَكْنَاهُمْ حِينَمَا ظَلَمُوا، أَيْ أَشْرَكُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِثْلُ هُودٍ وَصَالِحٍ وَلَمْ يُؤْمِنُوا.
وَجُمْلَةُ: وَجاءَتْهُمْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ ظَلَمُوا.
وَالْبَيِّنَاتُ: جَمْعُ بَيِّنَةٍ، وَهِيَ الْحُجَّةُ عَلَى الصِّدْقِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ