الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَعَهُ الْمَنَالُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: فَلا يُؤْمِنُوا إلَخْ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ وَجُمْلَةُ الدُّعَاءِ بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضَةٌ.
وَالْمَعْنَى: لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ فَيَسْتَمِرُّ ضَلَالُهُمْ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ. وَهَذَا تَأْوِيلُ
الْمُبَرِّدِ وَالزَّجَّاجِ. وَالْمُرَادُ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ عَذَابُ الْفَقْرِ وَالْجُوعِ وَعَذَابُ النَّكَدِ فِي النَّفْسِ.
وَالرُّؤْيَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْإِحْسَاسِ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ، أَوْ مُسْتَعْمَلَةٌ كِنَايَةً عَنْ حُلُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ مُلَازِمَةٌ لِحُلُولِ الشَّيْء الْمشَاهد.
[89]
[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 89]
قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)
جَوَابٌ مِنَ اللَّهِ لِكَلَامِ مُوسَى جَرَى عَلَى طَرِيقَةِ حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ أَنْ لَا تُعْطَفَ جُمَلُهَا كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَافْتِتَاحُ الْجُمْلَةِ بِ قَدْ وَالْفِعْلِ الْمَاضِي يُفِيدُ تَحْقِيقَ الْحُصُولِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَشُبِّهَ بِالْمُضِيِّ.
وَأُضِيفَتِ الدَّعْوَةُ إِلَى ضَمِيرٍ التَّثْنِيَةِ الْمُخَاطَبِ بِهِ مُوسَى وَهَارُونُ وَإِنْ كَانَتِ الدَّعْوَةُ إِنَّمَا حُكِيَتْ عَنْ مُوسَى- عليه السلام وَحْدَهُ لِأَنَّ مُوسَى- عليه السلام دَعَا لَمَّا كَانَ هَارُونُ مُوَاطِئًا لَهُ وَقَائِلًا بِمِثْلِهِ لِأَنَّ دَعْوَتَهُمَا وَاحِدَةٌ. وَقِيلَ: كَانَ مُوسَى- عليه السلام يَدْعُو وَهَارُونُ- عليه السلام يُؤَمِّنُ.
وَمَعْنَى إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِعْطَاءُ مَا سَأَلَهُ مُوسَى رَبَّهُ أَنْ يَسْلِبَ عَن فِرْعَوْن وملئه النِّعَمَ، وَيُوَالِيَ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبَ حَتَّى يَسْأَمُوا مُقَاوَمَةَ دَعْوَةِ مُوسَى وَتَنْحَطُّ غَلْوَاؤُهُمْ،
قَالَ تَعَالَى:
وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الْأَعْرَاف: 130] وَقَالَ:
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ [الْأَعْرَاف: 133] .
وَفَرَّعَ عَلَى إِجَابَةِ دَعْوَتِهِمَا أَمَرَهُمَا بِالِاسْتِقَامَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الِاسْتِقَامَةَ شُكْرٌ عَلَى الْكَرَامَةِ فَإِنَّ إِجَابَةَ اللَّهِ دَعْوَةَ عَبْدِهِ إِحْسَانٌ لِلْعَبْدِ وَإِكْرَامٌ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ تَسْتَحِقُّ الشُّكْرَ عَلَيْهَا وَأَعْظَمُ الشُّكْرِ طَاعَةُ الْمُنَعِّمِ.
وَإِذْ قَدْ كَانَ مُوسَى وَهَارُونُ مُسْتَقِيمِينِ، وناهيك باستقامة النبوءة كَانَ أَمْرُهُمَا بِالِاسْتِقَامَةِ مُسْتَعْمَلًا فِي الْأَمْرِ بِالدَّوَامِ عَلَيْهَا. وَأَعْقَبَ حَثَّهُمَا عَلَى الِاسْتِقَامَةِ بِالنَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِ طَرِيقِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَشْمُولًا لِلِاسْتِقَامَةِ تَنْبِيهًا عَلَى تَوَخِّي السَّلَامَةِ مِنَ الْعُدُولِ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ اهْتِمَامًا بِالتَّحْذِيرِ مِنَ الْفَسَادِ.
وَالِاسْتِقَامَةُ: حَقِيقَتُهَا الِاعْتِدَالُ، وَهِيَ ضِدُّ الِاعْوِجَاجِ، وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ كَثِيرًا فِي مَعْنَى مُلَازِمَةِ الْحَقِّ وَالرُّشْدِ، لِأَنَّهُ شَاعَ تَشْبِيهُ الضَّلَالِ وَالْفَسَادِ بِالِاعْوِجَاجِ وَالِالْتِوَاءِ. وَقِيلَ لِلْحَقِّ:
طَرِيقٌ مُسْتَقِيمٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الْفَاتِحَة: 6] ، فَكَانَ أَمْرُهُمَا بِالِاسْتِقَامَةِ جَامِعًا لِجَمِيعِ خِصَالِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَمْرَةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ. قَالَ: قُلْ: آمَنَتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ
. وَمِنَ الِاسْتِقَامَةِ أَنْ يَسْتَمِرَّا عَلَى الدَّعْوَةِ إِلَى الدِّينِ وَلَا يَضْجَرَا.
وَالسَّبِيلُ: الطَّرِيقُ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعْمِلٌ لِلسِّيرَةِ وَالْعَمَلِ الْغَالِبِ.
وَقَوْلُهُ: وَلا تَتَّبِعانِّ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِتَشْدِيدِ النُّونِ مَكْسُورَةً. وَهُمَا نُونَانِ: إِحْدَاهُمَا نُونُ الْمُثَنَّى وَالْأُخْرَى نُونُ التَّوْكِيدِ. وَقَرَأَ ابْنُ ذَكْوَانَ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ وَلا تَتَّبِعانِّ بِنُونٍ خَفِيفَةٍ مَكْسُورَةٍ. وَهِيَ نُونُ رَفْعِ الْمُثَنَّى لَا نُونُ التَّوْكِيدِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ (لَا) عَلَى هَاتِهِ الْقِرَاءَةِ نَافِيَةً غَيْرَ نَاهِيَةٍ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَالْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ، لِأَنَّ جُمْلَةَ الْحَالِ الْمُضَارِعَةِ الْمُفْتَتَحَةِ بِحَرْفِ نَفْيٍ يَجُوزُ اقْتِرَانُهَا بِالْوَاو وَعَدَمه.