الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ [يُونُس: 24] تَذْيِيلًا وَكَانَ شَأْنُ التَّذْيِيلِ أَنْ يَكُونَ كَامِلًا جَامِعًا مُسْتَقِلًّا جُعِلَتِ الْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفَةُ عَلَيْهَا مِثْلَهَا فِي الِاسْتِقْلَالِ فَعُدِلَ فِيهَا عَنِ الْإِضْمَارِ إِلَى الْإِظْهَارِ إِذْ وُضِعَ قَوْله: وَاللَّهُ يَدْعُوا مَوْضِعَ نَدْعُو لِأَنَّ الْإِضْمَارَ فِي الْجُمْلَةِ يَجْعَلُهَا مُحْتَاجَةً إِلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي فِيهَا الْمُعَادُ.
وَحذف مفعول يَدْعُوا لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ، أَيْ يَدْعُو كُلَّ أَحَدٍ. وَالدَّعْوَةُ هِيَ: الطَّلَبُ وَالتَّحْرِيضُ. وَهِيَ هُنَا أَوَامِرُ التَّكْلِيفِ وَنَوَاهِيهِ.
وَدَارُ السَّلَامِ: الْجَنَّةُ، قَالَ تَعَالَى: لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [127] .
وَالْهِدَايَةُ: الدَّلَالَةُ عَلَى الْمَقْصُودِ النَّافِعِ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا خَلْقُ الِاهْتِدَاءِ إِلَى الْمَقْصُودِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: مَنْ يَشاءُ بَعْدَ قَوْله: وَاللَّهُ يَدْعُوا الْمُفِيدِ التَّعْمِيمَ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى الْجَنَّةِ دَلَالَةٌ عَلَيْهَا فَهِيَ هِدَايَةٌ بِالْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ فَتَعَيَّنَ أَنَّ يَهْدِي هُنَا مَعْنَاهُ إِيجَادُ الْهِدَايَةِ بِمَعْنًى آخَرَ، وَهِيَ حُصُولُ الِاهْتِدَاءِ بِالْفِعْلِ، أَيْ خَلْقُ حُصُولِهِ بِأَمْرِ التَّكْوِينِ، كَقَوْلِهِ: فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ [الْأَعْرَاف: 30] وَهَذَا التَّكْوِينُ يَقَعُ إِمَّا فِي كُلِّ جُزْئِيَّةٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الِاهْتِدَاءِ عَلَى طَرِيقَةِ الْأَشَاعِرَةِ، وَإِمَّا بِخَلْقِ الِاسْتِعْدَادِ لَهُ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى الِاهْتِدَاءِ عِنْدَ حُصُولِ الْأَدِلَّةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ فِي الْحَال، وشؤون الْغَيْبِ خَفِيَّةٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الْفَاتِحَة: 6] .
والصراط الْمُسْتَقِيمَ: الطَّرِيق الْموصل.
[26]
[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 26]
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (26)
هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [يُونُس: 25] لِأَنَّ الْهِدَايَةَ
بِمَنْ يَشَاءُ تُفِيدُ مَهْدِيًّا وَغَيْرَ مَهْدِيٍّ. فَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ ذِكْرُ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهَا بَدَلَ مُفَصَّلٍ مِنْ مُجْمَلٍ.
وَلَمَّا أَوْقَعَ ذِكْرَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي جُمْلَةِ الْبَيَانِ عَلِمَ السَّامِعُ أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَأَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ هُوَ الْعَمَلُ الْحَسَنُ، وَأَنَّ الْحُسْنَى هِيَ دَارُ
السَّلَامِ. وَيَشْرَحُ هَذِهِ الْآيَةَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [125- 127] : فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.
وَالْحُسْنَى: فِي الأَصْل صفة أثنى الْأَحْسَنِ، ثُمَّ عُومِلَتْ مُعَامَلَةَ الْجِنْسِ فَأُدْخِلَتْ عَلَيْهَا لَامُ تَعْرِيفِ الْجِنْسِ فَبَعُدَتْ عَنِ الْوَصْفِيَّةِ وَلَمْ تَتْبَعْ مَوْصُوفَهَا.
وَتَعْرِيفُهَا يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ، مِثْلَ الْبُشْرَى، وَمِثْلَ الصَّالِحَةِ الَّتِي جَمْعُهَا الصَّالِحَاتُ.
وَالْمَعْنَى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا جِنْسُ الْأَحْوَالِ الْحُسْنَى عِنْدَهُمْ، أَيْ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ. وَبِذَلِكَ تعين أَن مَا صدقهَا الَّذِي أُرِيدَ بِهَا هُوَ الْجَنَّةُ لِأَنَّهَا أَحْسَنُ مَثُوبَةً يَصِيرُ إِلَيْهَا الَّذِينَ أَحْسَنُوا وَبِذَلِكَ صَيَّرَهَا الْقُرْآنُ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَى الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا مِنْ حُصُولِ الْمَلَاذِّ الْعَظِيمَةِ.
وَالزِّيَادَةُ يَتَعَيَّنُ أَنَّهَا زِيَادَةٌ لَهُمْ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي نَوْعِ الْحُسْنَى بِالْمَعْنَى الَّذِي صَارَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ، فَلَا يَنْبَغِي أَن تَفْسِير بِنَوْعٍ مِمَّا فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّهَا تَكُونُ حِينَئِذٍ مِمَّا يَسْتَغْرِقُهُ لَفْظُ الْحُسْنَى فَتَعَيَّنَ أَنَّهَا أَمْرٌ يَرْجِعُ إِلَى رِفْعَةِ الْأَقْدَارِ، فَقِيلَ: هِيَ رِضَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ: وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التَّوْبَة: 72]، وَقِيلَ: هِيَ رُؤْيَتُهُمُ اللَّهَ تَعَالَى. وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ
عَنِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم فِي «صَحِيح مُسلم» و «جَامع التِّرْمِذِيِّ» عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ نَادَى مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ، قَالُوا: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَتُنْجِنَا مِنَ النَّارِ وَتُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، قَالَ: فَيُكْشَفُ الْحجاب، قَالَ: فو الله مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ
. وَهُوَ أَصْرَحُ مَا وَرَدَ فِي تَفْسِيرِهَا.