المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة يونس (10) : آية 11] - التحرير والتنوير - جـ ١١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 95]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 99]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 101]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : الْآيَات 107 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 112]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 118]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 121]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 122]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 123]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : الْآيَات 124 إِلَى 125]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : الْآيَات 128 إِلَى 129]

- ‌10- سُورَةُ يُونُسَ

- ‌أَغْرَاضِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 22 الى 23]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 42 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 62 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 79 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 84 إِلَى 86]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 91 إِلَى 92]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 96 إِلَى 97]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 99]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 101]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 102 إِلَى 103]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 109]

- ‌11- سُورَةُ هُودٍ

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 5]

الفصل: ‌[سورة يونس (10) : آية 11]

وَسِيَاقُ الْكَلَامِ وَتَرْتِيبُهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُمْ يَدْعُونَ مُجْتَمِعِينَ، وَلِذَلِكَ قُرِنَ ذِكْرُ دُعَائِهِمْ بِذِكْرِ تَحِيَّتِهِمْ، فَلَعَلَّهُمْ إِذَا تَرَاءَوُا ابْتَدَرُوا إِلَى الدُّعَاءِ بِالتَّسْبِيحِ فَإِذَا اقْتَرَبَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ سَلَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. ثُمَّ إِذَا رَامُوا الِافْتِرَاقَ خَتَمُوا دُعَاءَهُمْ بِالْحَمْدِ، فَأَنْ تَفْسِيرِيَّةٌ لِآخِرِ دَعْوَاهُمْ، وَهِيَ مُؤْذِنَةٌ بِأَنَّ آخِرَ الدُّعَاءِ هُوَ نَفْسُ الْكَلِمَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

وَقَدْ دَلَّ عَلَى فَضْلِ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ

قَوْلُ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم «كَلِمَتَانِ حبيبتان إِلَى الرحمان

خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ الله الْعَظِيم»

. [11]

[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 11]

وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)

مَجِيءُ حَرْفِ الْعَطْفِ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْآيَةِ يَقْتَضِي فِي عِلْمِ الْبَلَاغَةِ خُصُوصِيَّةً لِعَطْفِهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا وَمَزِيدَ اتِّصَالِهَا بِمَا قَبْلَهَا فَتَعَيَّنَ إِيضَاحُ مُنَاسَبَةِ مَوْقِعِهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا مِنْ غُرُورِهِمْ يَحْسَبُونَ تَصَرُّفَاتِ اللَّهِ كَتَصَرُّفَاتِ النَّاسِ مِنَ الِانْدِفَاعِ إِلَى الِانْتِقَامِ عِنْدَ الْغَضَبِ انْدِفَاعًا سَرِيعًا، وَيَحْسَبُونَ الرُّسُلَ مَبْعُوثِينَ لِإِظْهَارِ الْخَوَارِقِ وَنِكَايَةِ الْمُعَارِضِينَ لَهُمْ، وَيُسَوُّونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشَعْوِذِينَ وَالْمُتَحَدِّينَ بِالْبُطُولَةِ وَالْعَجَائِبِ، فَكَانُوا لَمَّا كَذَّبُوا النبيء صلى الله عليه وسلم وركبوا رؤوسهم وَلَمْ تُصِبْهُمْ بِأَثَرِ ذَلِكَ مَصَائِبُ مِنْ عَذَابٍ شَامِلٍ أَوْ مُوتَانٍ عَامٍّ ازْدَادُوا غُرُورًا بِبَاطِلِهِمْ وَإِحَالَةً لِكَوْنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ دَلَّتْ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى هَذَا كَقَوْلِهِ: وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الْأَنْفَال: 32] وَقَوْلِهِ: يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ [الْحَج:

47] وَقَوْلِهِ: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ [الذاريات: 59] وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَفِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ.

ص: 105

وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ رُبَّمَا تَمَنَّوْا نُزُولَ الْعَذَاب بالمشركين واستبطأوا مَجِيءَ النَّصْرِ لِلنَّبِيءِ- عليه الصلاة والسلام وَأَصْحَابِهِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ. وَرُبَّمَا عَجِبَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنْ يَرْزُقَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِهِ. فَلَمَّا جَاءَتْ آيَاتُ هَذِهِ السُّورَةِ بِقَوَارِعِ التَّهْدِيدِ لِلْمُشْرِكِينَ أُعْقِبَتْ بِمَا يُزِيلُ شُبُهَاتِهِمْ وَيُطَمْئِنُ نُفُوسَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا يَجْمَعُهُ قَوْلُهُ: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ.

وَهُوَ إِجْمَال ينبىء بِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ نِظَامَ هَذَا الْعَالَمِ عَلَى الرِّفْقِ بِالْمَخْلُوقَاتِ وَاسْتِبْقَاءِ الْأَنْوَاعِ إِلَى آجَالٍ أَرَادَهَا، وَجَعَلَ لِهَذَا الْبَقَاءِ وَسَائِلَ الْإِمْدَادِ بِالنِّعَمِ الَّتِي بِهَا دَوَامُ الْحَيَاةِ، فَالْخَيْرَاتُ الْمُفَاضَةُ عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ فِي هَذَا الْعَالَمِ كَثِيرَةٌ، وَالشُّرُورُ الْعَارِضَةُ نَادِرَةٌ وَمُعْظَمُهَا مُسَبَّبٌ عَنْ أَسْبَابٍ مَجْعُولَةٍ فِي نِظَامِ الْكَوْنِ وَتَصَرُّفَاتِ أَهْلِهِ، وَمِنْهَا مَا يَأْتِي عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ عِنْدَ مَحَلِّ آجَالِهِ الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ [يُونُس: 49] وَقَوْلِهِ: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ [الرَّعْد: 38] .

فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا [يُونُس: 7] الْآيَةَ، فَحَيْثُ ذُكِرَ عَذَابُهُمُ الَّذِي هم آئلون إِلَيْهِ نَاسَبَ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ سَبَبَ تَأْخِيرِ الْعَذَابِ عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا لِتُكْشَفَ شُبْهَةُ غُرُورِهِمْ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ آمَنُوا حِكْمَةً مِنْ حِكَمِ تَصَرُّفِ اللَّهِ فِي هَذَا الْكَوْنِ.

وَالْقَرِينَةُ عَلَى اتِّصَالِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِجُمْلَةِ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا [يُونُس: 7] قَوْلُهُ فِي آخِرِ هَذِهِ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ.

فَبَيَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّ الرِّفْقَ جَعَلَهُ اللَّهُ مُسْتَمِرًّا عَلَى عِبَادِهِ غَيْرَ مُنْقَطِعٍ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ أَقَامَ عَلَيْهِ نِظَامَ الْعَالَمِ إِذْ أَرَادَ ثَبَاتَ بِنَائِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْ تَوَازِيَ الشَّرِّ فِي هَذَا الْعَالَمِ بِالْخَيْرِ لُطْفًا مِنْهُ وَرِفْقًا، فَاللَّهُ لِطَيْفٌ بِعِبَادِهِ، وَفِي ذَلِكَ مِنَّةٌ عَظِيمَةٌ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ الشَّرَّ لَوْ عُجِّلَ لَهُمْ مَا اسْتَحَقُّوهُ لَبَطَلَ النِّظَامُ الَّذِي وُضِعَ عَلَيْهِ الْعَالَمُ.

وَالنَّاسُ: اسْمٌ عَامٌّ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْكَلَامُ عَلَى إِبْطَالِ شُبْهَةِ الْمُشْرِكِينَ وَكَانُوا الْمُسْتَحِقِّينَ لِلشَّرِّ كَانُوا أَوَّلَ مَنْ يَتَبَادَرُ مِنْ عُمُومِ النَّاسِ، كَمَا زَادَهُ تَصْرِيحًا قَوْلُهُ:

فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ.

ص: 106

وَقَدْ جَاءَ نَظْمُ الْآيَةِ عَلَى إِيجَازٍ مُحْكَمٍ بَدِيعٍ، فَذُكِرَ فِي جَانِبِ الشَّرِّ يُعَجِّلُ الدَّالُّ عَلَى أَصْلِ جِنْسِ التَّعْجِيلِ وَلَوْ بِأَقَلِّ مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَاهُ، وَعُبِّرَ عَنْ تَعْجِيلِ اللَّهِ الْخَيْرَ لَهُمْ بِلَفْظِ اسْتِعْجالَهُمْ الدَّالِّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّعْجِيلِ بِمَا تفيده زِيَاد السِّينِ وَالتَّاءِ لِغَيْرِ الطَّلَبِ إِذْ لَا يَظْهَرُ الطَّلَبُ هُنَا، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِمُ: اسْتَأْخَرَ وَاسْتَقْدَمَ وَاسْتَجْلَبَ وَاسْتَقَامَ وَاسْتَبَانَ وَاسْتَجَابَ وَاسْتَمْتَعَ وَاسْتَكْبَرَ وَاسْتَخْفَى وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ [نوح:

7] . وَمَعْنَاهُ: تَعَجُّلَهُمُ الْخَيْرَ، كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِي «الْكَشَّافِ» لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ تَعْجِيلَ الْخَيْرِ مِنْ لَدُنْهِ.

فَلَيْسَ الِاسْتِعْجَالُ هُنَا بِمَعْنَى طَلَبِ التَّعْجِيلِ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَسْأَلُوا تَعْجِيلَ الْخَيْرِ وَلَا سَأَلُوهُ فَحَصَلَ، بَلْ هُوَ بِمَعْنى التَّعْجِيل الْكَثِيرِ، كَمَا فِي قَوْلِ سُلْمِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ:

وَإِذَا الْعَذَارَى بِالدُّخَانِ تَقَنَّعَتْ

وَاسْتَعْجَلَتْ نَصْبَ الْقُدُورِ فَمَلَّتِ

(أَيْ تَعَجَّلَتْ) ، وَهُوَ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْآخَرِ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ، كَمَا فِي الْبَيْتِ وَكَمَا

فِي الْحَدِيثِ «فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ»

. وَانْتَصَبَ اسْتِعْجالَهُمْ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ الْمُفِيدَةِ لِلتَّشْبِيهِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ يُعَجِّلُ.

وَالْمَعْنَى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرّ كَمَا يَجْعَل لَهُمُ الْخَيْرَ كَثِيرًا، فَقَوْلُهُ:

اسْتِعْجالَهُمْ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى مَفْعُولِهِ لَا إِلَى فَاعِلِهِ، وَفَاعِلُ الِاسْتِعْجَالِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ.

وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِالْخَيْرِ لِتَأْكِيدِ اللُّصُوقِ، كَالَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [الْمَائِدَة: 6] . وَأَصْلُهُ: اسْتِعْجَالَهُمُ الْخَيْرَ، فَدَلَّتِ الْمُبَالَغَةُ بِالسِّينِ وَالتَّاءِ وَتَأْكِيدُ اللُّصُوقِ عَلَى الِامْتِنَانِ بِأَنَّ الْخَيْرَ لَهُمْ كَثِيرٌ وَمَكِينٌ. وَقَدْ كَثُرَ اقْتِرَانُ مَفْعُولِ فِعْلِ الِاسْتِعْجَالِ بِهَذِهِ الْبَاءِ وَلَمْ يُنَبِّهُوا عَلَيْهِ فِي مَوَاقِعِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ. وَسَيَجِيءُ فِي النَّحْلِ.

وَقَدْ جُعِلَ جَوَابُ (لَوْ) قَوْلَهُ: لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ، وَشَأْنُ جَوَابِ (لَوْ) أَنْ يَكُونَ فِي حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ، أَيْ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ لِآجَالِ انْقِرَاضِهِمْ مِيقَاتًا مُعَيَّنًا مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ [الْحجر: 5] .

ص: 107

وَالْقَضَاءُ: التَّقْدِيرُ.

وَالْأَجَلُ: الْمُدَّةُ الْمُعَيَّنَةُ لِبَقَاءِ قَوْمٍ. وَالْمَعْنَى: لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ حُلُولُ أَجَلِهِمْ. وَلَمَّا ضُمِّنَ (قُضِيَ) مَعْنَى بَلَغَ وَوَصَلَ عُدِّيَ بِ (إِلَى) . فَهَذَا وَجْهُ تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَسِرُّ نَظْمِهَا، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى غَيْرِهِ فِي فَهْمِهَا. وَهَذَا الْمَعْنَى مِثْلُ مَعْنَى قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [58] .

وَجُمْلَةُ: فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا إِلَخْ مُفَرَّعَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ إِلَى آخِرِهَا.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ لَقُضِيَ بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ وَرُفِعَ أَجَلُهُمْ عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ الْفَاعِلِ.

وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالضَّادِ وَنَصْبِ أَجَلُهُمْ عَلَى أَنَّ فِي (قَضَى) ضَمِيرًا عَائِدًا إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ إِلَخْ.

وَجُمْلَةُ: فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا مُفَرَّعَةٌ عَلَى جُمْلَةِ (لَوْ) وَجَوَابِهَا الْمُفِيدَةِ انْتِفَاء أَن يَجْعَل اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ بِانْتِفَاءِ لَازِمِهِ وَهُوَ بُلُوغُ أَجَلِهِمْ إِلَيْهِمْ، أَيْ فَإِذَا انْتَفَى التَّعْجِيلُ فَنَحْنُ نَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا يَعْمَهُونَ، أَيْ نَتْرُكُهُمْ فِي مُدَّةِ تَأْخِيرِ الْعَذَابِ عَنْهُمْ مُتَلَبِّسِينَ بِطُغْيَانِهِمْ، أَيْ فَرْطِ تَكَبُّرِهِمْ وَتَعَاظُمِهِمْ.

وَالْعَمَهُ: عَدَمُ الْبَصَرِ. وَإِنَّمَا لَمْ يُنْصَبِ الْفِعْلُ بَعْدَ الْفَاءِ لِأَنَّ النَّصْبَ يَكُونُ فِي جَوَابِ النَّفْيِ الْمَحْضِ، وَأَمَّا النَّفْيُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ (لَوْ) فَحَاصِلٌ بِالتَّضَمُّنِ، وَلِأَنَّ شَأْنَ جَوَابِ النَّفْيِ

أَنْ يَكُونَ مُسَبَّبًا عَلَى الْمَنْفِيِّ لَا عَلَى النَّفْيِ، وَالتَّفْرِيعُ هُنَا عَلَى مُسْتَفَادٍ مِنَ النَّفْيِ. وَأَمَّا الْمَنْفِيُّ فَهُوَ تَعْجِيلُ الشَّرِّ فَهُوَ لَا يُسَبِّبُ أَنْ يَتْرُكَ الْكَافِرِينَ يَعْمَهُونَ، وَبِذَلِكَ تَعْرِفُ أَنَّ قَوْلَهُ:

فَنَذَرُ لَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى كَلَامٍ مُقَدَّرٍ وَإِنَّمَا التَّقْدِيرُ تَقْدِيرُ مَعْنًى لَا تَقْدِيرُ إِعْرَابٍ، أَيْ فَنَتْرُكُ الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ فِي ضَلَالِهِمُ اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ.

وَقَوْلُهُ: فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ: وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [15] . وَالطُّغْيَانُ: الْكُفْرُ.

ص: 108