الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالرَّهَقُ: الْغَشَيَانُ. وَفِعْلُهُ مِنْ بَابِ فَرح.
والقتر: لؤن هُوَ غُبْرَةٌ إِلَى السَّوَادِ. وَيُقَالُ لَهُ قَتَرَةٌ وَالَّذِي تَخَلَّصَ لِي من كَلَام الْأَئِمَّة والاستعمال أَن الفترة لَوْنٌ يَغْشَى جِلْدَةَ الْوَجْهِ مِنْ شِدَّةِ الْبُؤْسِ وَالشَّقَاءِ وَالْخَوْفِ. وَهُوَ مِنْ آثَارِ تَهَيُّجِ الْكَبِدِ مِنِ ارْتِجَافِ الْفُؤَادِ خَوْفًا وَتَوَقُّعًا.
وَالذِّلَّةُ: الْهَوَانُ. وَالْمُرَادُ أَثَرُ الذِّلَّةِ الَّذِي يَبْدُو عَلَى وَجْهِ الذَّلِيلِ. وَالْكَلَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي صَرِيحِهِ وَكِنَايَتِهِ، أَيْ لَا تَتَشَوَّهُ وُجُوهُهُمْ بِالْقَتَرِ وَأَثَرِ الذِّلَّةِ وَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ مَا يُؤَثِّرُ الْقَتَرَ وَهَيْئَةَ الذِّلَّةِ.
وَلَيْسَ مَعْنَى نَفْيِ الْقَتَرِ وَالذِّلَّةِ عَنْهُمْ فِي جُمْلَةِ أَوْصَافِهِمْ مَدِيحًا لَهُمْ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْطُرُ بِالْبَالِ وُقُوعًا بَعْدَ أَنْ أَثْبَتَ لَهُمُ الْحُسْنَى وَزِيَادَةً بَلِ الْمَعْنَى التَّعْرِيضُ بِالَّذِينَ لَمْ يَهْدِهِمُ اللَّهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَهُمُ الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ تَعْجِيلًا لِلْمَسَاءَةِ إِلَيْهِمْ بِطَرِيقِ التَّعْرِيضِ قَبْلَ التَّصْرِيحِ الَّذِي يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ إِلَى قَوْله: مُظْلِماً [يُونُس: 27] .
وَجُمْلَةُ: أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ نَتِيجَةٌ لِلْمُقَدِّمَةِ، فَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا كَمَالُ الِاتِّصَالِ وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَنْهَا وَلَمْ تُعْطَفْ.
وَاسْمُ الْإِشَارَةِ يَرْجِعُ إِلَى الَّذِينَ أَحْسَنُوا. وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا الْخُلُودَ لِأَجْلِ إِحْسَانِهِمْ نَظِيرَ قَوْلِهِ: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: 5] .
[27]
[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 27]
وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (27)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى [يُونُس: 26] . وَعَبَّرَ فِي جَانِبِ الْمُسِيئِينَ بِفِعْلِ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ دُونَ فِعْلِ أَسَاءُوا الَّذِي عَبَّرَ بِهِ فِي جَانِبِ الَّذِينَ أَحْسَنُوا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ إِسَاءَتَهُمْ مِنْ فِعْلِهِمْ وَسَعْيِهِمْ فَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
وَالْمَوْصُولُ مُرَادٌ بِهِ خُصُوصُ الْمُشْرِكِينَ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. فَإِنَّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ لَا يَقَعُ إِلَّا لِلْكَافِرِينَ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ الْمُتَظَافِرَةُ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ.
وَجُمْلَةُ: جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها خَبَرٌ عَنْ الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ. وَتَنْكِيرُ (سَيِّئَةٍ) لِلْعُمُومِ، أَيْ جَزَاءُ كُلِّ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَالْعُمُومُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْمَقَامِ وَهُوَ مَقَامُ عُمُومِ الْمُبْتَدَأِ. كَقَوْلِ الْحَرِيرِيِّ:
يَا أَهْلَ ذَا الْمَغْنَى وُقِيتُمُ ضُرًّا أَيْ كُلَّ ضُرٍّ. وَذَلِكَ الْعُمُومُ مُغْنٍ عَنِ الرَّابِطِ بَيْنَ الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ وَالْمُبْتَدَأِ، أَوْ يُقَدَّرُ مَجْرُورٌ، أَيْ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ مِنْهُمْ، كَمَا قُدِّرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ [الْبَقَرَة: 196] أَيْ فَعَلَيْهِ.
وَاقْتَصَرَ عَلَى الذِّلَّةِ لَهُمْ دُونَ زِيَادَةِ وَيَرْهَقُهُمْ قَتَرٌ، لِأَنَّهُ سَيَجِيءُ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً.
وَجُمْلَةُ: مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ خَبَرٌ ثَانٍ، أَوْ حَالٌ مِنَ الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ أَوْ مُعْتَرِضَةٌ. وَهُوَ تَهْدِيدٌ وَتَأْيِيسٌ.
وَالْعَاصِمُ: الْمَانِعُ وَالْحَافِظُ. وَمَعْنَى مِنَ اللَّهِ مِنِ انْتِقَامِهِ وَجَزَائِهِ. وَهَذَا مِنْ تَعْلِيقِ الْفِعْلِ بِاسْمِ الذَّاتِ، وَالْمُرَادُ بَعْضُ أَحْوَالِ الذَّاتِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ مِثْلَ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [الْمَائِدَة: 3] .
وَجُمْلَةُ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَخْ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ: تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ بَيَانَ تَمْثِيلٍ، أَوْ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: وَتَرْهَقُهُمْ.
وأُغْشِيَتْ مُعَدَّى غَشِيَ إِذَا أَحَاطَ وَغَطَّا، فَصَارَ بِالْهَمْزَةِ مُعَدًّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ مِنْ بَابِ كَسَا. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ فِي الْأَعْرَافِ [54]، وَقَوْلِهِ: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ فِي الْأَنْفَالِ