المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة يونس (10) : آية 39] - التحرير والتنوير - جـ ١١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 95]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 99]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 101]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : الْآيَات 107 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 112]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 118]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 121]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 122]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 123]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : الْآيَات 124 إِلَى 125]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : الْآيَات 128 إِلَى 129]

- ‌10- سُورَةُ يُونُسَ

- ‌أَغْرَاضِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 22 الى 23]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 42 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 62 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 79 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 84 إِلَى 86]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 91 إِلَى 92]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 96 إِلَى 97]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 99]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 101]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 102 إِلَى 103]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 109]

- ‌11- سُورَةُ هُودٍ

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 5]

الفصل: ‌[سورة يونس (10) : آية 39]

[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 39]

بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)

بَلْ إِضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ لِبَيَانِ كُنْهِ تَكْذِيبِهِمْ، وَأَنَّ حَالَهُمْ فِي الْمُبَادَرَةِ بِالتَّكْذِيبِ قَبْلَ التَّأَمُّلِ أَعْجَبُ مِنْ أَصْلِ التَّكْذِيبِ إِذْ أَنَّهُمْ بَادَرُوا إِلَى تَكْذِيبِهِ دُونَ نَظَرٍ فِي أَدِلَّةِ صِحَّتِهِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا قَوْلُهُ: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ [يُونُس: 37] .

وَالتَّكْذِيبُ: النِّسْبَةُ إِلَى الْكَذِبِ، أَوِ الْوَصْفُ بِالْكَذِبِ سَوَاء كَانَ من اعْتِقَادٍ أَمْ لَمْ يَكُنْهُ.

وَاخْتِيَارُ التَّعْبِيرِ عَنِ الْقُرْآنِ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ لِمَا تُؤْذِنُ بِهِ صِلَةُ الْمَوْصُولِ مِنْ عَجِيبِ تِلْكَ الْحَالَةِ الْمُنَافِيَةِ لِتَسْلِيطِ التَّكْذِيبِ، فَهُمْ قَدْ كَذَّبُوا قَبْلَ أَنْ يَخْتَبِرُوا، وَهَذَا مِنْ شَأْنِ الْحَمَاقَةِ وَالْجَهَالَةِ.

وَالْإِحَاطَةُ بِالشَّيْءِ: الْكَوْنُ حَوْلَهُ كَالْحَائِطِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ [يُونُس: 22] . وَيُكَنَّى بِهَا عَنِ التَّمَكُّنِ مِنَ الشَّيْءِ بِحَيْثُ لَا يَفُوتُ مِنْهُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً [طه: 110] وَقَوْلُهُ: وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ [الْجِنّ: 28] أَيْ عَلِمَهُ، فَمَضَى بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ بِمَا لَمْ يُتْقِنُوا عِلْمَهُ.

وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ. وَشَأْنُهَا مَعَ فِعْلِ الْإِحَاطَةِ أَنْ تَدْخُلَ عَلَى الْمُحَاطِ بِهِ وَهُوَ الْمَعْلُومُ، وَهُوَ هُنَا الْقُرْآنُ. وَعَدَلَ عَنْ أَنْ يُقَالَ بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِهِ عِلْمًا أَوْ بِمَا لَمْ يُحِطْ عِلْمُهُمْ بِهِ إِلَى بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ لِلْمُبَالَغَةِ إِذْ جُعِلَ الْعِلْمُ مَعْلُومًا. فَأَصْلُ الْعِبَارَةِ قَبْلَ النَّفْيِ أَحَاطُوا بِعِلْمِهِ أَيْ أَتْقَنُوا عِلْمَهُ أَشَدَّ إِتْقَانٍ فَلَمَّا نُفِيَ صَارَ لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ، أَيْ وَكَانَ الْحَقُّ أَنْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ لِأَنَّ تَوَفُّرَ أَدِلَّةِ صِدْقِهِ يَحْتَاجُ إِلَى زِيَادَةِ تَأَمُّلٍ وَتَدْقِيقِ نَظَرٍ بِحَيْثُ يَتَعَيَّنُ عَلَى النَّاظِرِ عِلْمُ أَدِلَّتِهِ ثُمَّ إِعَادَةُ التَّأَمُّلِ فِيهَا وَتَسْلِيطُ عِلْمٍ عَلَى عِلْمٍ وَنَظَرٍ عَلَى نَظَرٍ بِحَيْثُ تَحْصُلُ الْإِحَاطَةُ بِالْعِلْمِ. وَفِي هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي فَرْطِ احْتِيَاجِهِ إِلَى صِدْقِ التَّأَمُّلِ، وَمُبَالَغَةٌ فِي تَجْهِيلِ الَّذِينَ بَادَرُوا إِلَى التَّكْذِيبِ مِنْ دُونِ تَأَمُّلٍ فِي شَيْءٍ حَقِيقٍ بِالتَّأَمُّلِ بَعْدَ التَّأَمُّلِ.

ص: 171

وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ سَارَعُوا إِلَى التَّكْذِيبِ بِالْقُرْآنِ فِي بَدِيهَةِ السَّمَاعِ قَبْلَ أَنْ يَفْقَهُوهُ وَيَعْلَمُوا كُنْهَ أَمْرِهِ وَقَبْلَ أَنْ يَتَدَبَّرُوهُ. وَإِنَّمَا يَكُونُ مِثْلُ هَذَا التَّكْذِيبِ عَنْ مُكَابَرَةٍ وَعَدَاوَةٍ لَا عَنِ اعْتِقَادِ كَوْنِهِ مَكْذُوبًا. ثُمَّ إِنَّ عَدَمَ الْإِحَاطَةِ بِعِلْمِهِ مُتَفَاوِتٌ: فَمِنْهُ عَدَمٌ بَحْتٌ وَهُوَ حَالُ الدَّهْمَاءِ، وَمِنْهُ عَدَمٌ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ مَا يَكُونُ بِضَرْبٍ مِنَ الشُّبْهَةِ وَالتَّرَدُّدِ أَوْ يَكُونُ مَعَ رُجْحَانِ صِدْقِهِ وَلَكِنْ لَا يُحِيطُ بِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ التَّكْذِيبُ مِنْ شَدِيدِ الْعِقَابِ. وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ النَّمْلِ [84] قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

وَجُمْلَةُ: وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الصِّلَةِ، أَيْ كَذَّبُوا بِمَا لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ.

وَهَذَا ارْتِقَاءٌ فِي وَصْفِهِمْ بِقِلَّةِ الْأَنَاةِ وَالتَّثَبُّتِ، أَيْ لَوِ انْتَظَرُوا حَتَّى يَأْتِيَهُمْ تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ، أَيْ مَا يَحْتَاجُ مِنْهُ إِلَى التَّأْوِيلِ بَلْ هُمْ صَمَّمُوا عَلَى التَّكْذِيبِ قَبْلَ ظُهُورِ التَّأْوِيلِ.

وَالتَّأْوِيلُ: مُشْتَقٌّ مِنْ آلَ إِذَا رَجَعَ إِلَى الشَّيْءِ. وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى تَفْسِيرِ اللَّفْظِ الَّذِي خَفِيَ مَعْنَاهُ تَفْسِيرًا يظْهر الْمَعْنى، فيؤول وَاضِحًا بَعْدَ أَنْ كَانَ خَفِيًّا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمرَان: 7] الْآيَةَ. وَهُوَ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى التَّفْسِيرِ. وَقَدْ مَرَّ فِي

سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَفِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ. وَيُطْلَقُ التَّأْوِيلُ عَلَى اتِّضَاحِ مَا خَفِيَ مِنْ مَعْنَى لَفْظٍ أَوْ إِشَارَةٍ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ [يُوسُف: 100] وَقَوْلِهِ: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ [الْأَعْرَاف: 53] أَيْ ظُهُورَ مَا أَنْذَرَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ.

وَالتَّأْوِيلُ الَّذِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ وَلَعَلَّ كِلَيْهِمَا مُرَادٌ، أَيْ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُ مَا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوهُ مِنْ مَعَانِي الْقُرْآنِ لِعَدَمِ اعْتِيَادِهِمْ بِمَعْرِفَةِ أَمْثَالِهَا، مِثْلَ حِكْمَةِ التَّشْرِيعِ، وَوُقُوعِ الْبَعْثِ، وَتَفْضِيلِ ضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صَنَادِيدِ الْكَافِرِينَ، وَتَنْزِيلِ الْقُرْآنِ مُنَجَّمًا، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَهُمْ كَانُوا يَعْتَبِرُونَ الْأُمُورَ بِمَا أَلِفُوهُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ وَكَانُوا يَقِيسُونَ الْغَائِبَ عَلَى الشَّاهِدِ فَكَذَّبُوا بِذَلِكَ وَأَمْثَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ تَأْوِيلُهُ. وَلَوْ آمَنُوا وَلَازَمُوا النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم لَعَلِمُوهَا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ. وَأَيْضًا لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُ مَا حَسِبُوا عَدَمَ التَّعْجِيلِ بِهِ دَلِيلًا عَلَى الْكَذِبِ كَمَا قَالُوا: إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الْأَنْفَال: 32] ظَنًّا أَنَّهُمْ إِنِ اسْتَغْضَبُوا اللَّهَ عَجَّلَ لَهُمْ بِالْعَذَابِ فَظَنُّوا تَأَخُّرَ حُصُولِ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ حَقًّا مِنْ عِنْدِهِ. وَكَذَلِكَ كَانُوا يَسْأَلُونَ آيَاتٍ مِنَ

ص: 172

الْخَوَارِقِ، كَقَوْلِهِمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [الْإِسْرَاء:

90] الْآيَةَ. وَلَوْ أَسْلَمُوا وَلَازَمُوا النَّبِيءَ- عليه الصلاة والسلام لَعَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْبَأُ بِاقْتِرَاحِ الضَّلَالِ.

وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَحَرْفُ لَمَّا مَوْضُوعٌ لِنَفْيِ الْفِعْلِ فِي الْمَاضِي وَالدَّلَالَةِ عَلَى اسْتِمْرَارِ النَّفْيِ إِلَى وَقْتِ التَّكَلُّمِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْفِيَّ بِهَا مُتَوَقَّعُ الْوُقُوعِ، فَفِي النَّفْيِ بِهَا هُنَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ سَيَجِيءُ بَيَانُ مَا أَجْمَلَ مِنَ الْمَعَانِي فِيمَا بَعْدُ، فَهِيَ بِذَلِكَ وَعْدٌ، وَأَنَّهُ سَيَحُلُّ بِهِمْ مَا تَوَعَّدَهُمْ بِهِ، كَقَوْلِهِ: يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا [الْأَعْرَاف: 53] الْآيَةَ. فَهِيَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ وَعِيدٌ.

وَجُمْلَةُ: كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ اسْتِئْنَافٌ. وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم أَوْ لِمَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ السماع. وَالْإِشَارَة ب كَذلِكَ إِلَى تَكْذِيبِهِمُ الْمَذْكُورِ، أَيْ كَانَ تَكْذِيبُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَتَكْذِيبِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الْأُمَمُ الْمُكَذِّبُونَ رُسُلَهُمْ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمُشَبَّهُ بِهِ.

وَمِمَّا يُقْصَدُ مِنْ هَذَا التَّشْبِيهِ أُمُورٌ:

أَحَدُهَا: أَنَّ هَذِهِ عَادَةُ الْمُعَانِدِينَ الْكَافِرِينَ لِيَعْلَمَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّهُمْ مُمَاثِلُونَ لِلْأُمَمِ الَّتِي كَذَّبَتِ الرُّسُلَ فَيَعْتَبِرُوا بِذَلِكَ.

الثَّانِي: التَّعْرِيضُ بِالنِّذَارَةِ لَهُمْ بِحُلُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ كَمَا حَلَّ بِأُولَئِكَ الْأُمَمِ الَّتِي عَرَفَ

السَّامِعُونَ مَصِيرَهَا وَشَاهَدُوا دِيَارَهَا.

الثَّالِثُ: تَسْلِيَةُ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ مَا لَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ إِلَّا مِثْلَ مَا لَقِيَ الرُّسُلُ السَّابِقُونَ مِنْ أَقْوَامِهِمْ.

وَلِذَلِكَ فُرِّعَ عَلَى جُمْلَةِ التَّشْبِيهِ خِطَابُ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ: فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ أَيْ عَاقِبَةُ الْأُمَمِ الَّتِي ظَلَمَتْ بِتَكْذِيبِ الرُّسُلِ كَمَا كَذَّبَ هَؤُلَاءِ.

ص: 173