المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة التوبة (9) : آية 106] - التحرير والتنوير - جـ ١١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 95]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 99]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 101]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : الْآيَات 107 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 112]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 118]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 121]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 122]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 123]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : الْآيَات 124 إِلَى 125]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : الْآيَات 128 إِلَى 129]

- ‌10- سُورَةُ يُونُسَ

- ‌أَغْرَاضِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 22 الى 23]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 42 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 62 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 79 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 84 إِلَى 86]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 91 إِلَى 92]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 96 إِلَى 97]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 99]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 101]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : الْآيَات 102 إِلَى 103]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 109]

- ‌11- سُورَةُ هُودٍ

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 5]

الفصل: ‌[سورة التوبة (9) : آية 106]

وَعَطْفُ الْمُؤْمِنُونَ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَلِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَمَّا تَابُوا قَدْ رَجَعُوا إِلَى حَضِيرَةِ جَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ فَإِنْ عَمِلُوا مِثْلَهُمْ كَانُوا بِمَحَلِّ الْكَرَامَةِ مِنْهُمْ وَإِلَّا كَانُوا مَلْحُوظِينَ مِنْهُمْ بِعَيْنِ الْغَضَبِ وَالْإِنْكَارِ. وَذَلِكَ مِمَّا يَحْذَرُهُ كُلُّ أَحَدٍ هُوَ مِنْ قَوْمٍ يَرْمُقُونَهُ

شَزْرًا وَيَرَوْنَهُ قَدْ جَاءَ نُكْرًا.

وَالرُّؤْيَةُ الْمُسْنَدَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى رُؤْيَةٌ مَجَازِيَّةٌ. وَهِيَ تَعَلُّقُ الْعِلْمِ بِالْوَاقِعَاتِ سَوَاءً كَانَتْ ذَوَاتِ مُبْصِرَاتٍ أَمْ كَانَتْ أَحْدَاثًا مَسْمُوعَاتٍ وَمَعَانِيَ مُدْرَكَاتٍ، وَكَذَلِكَ الرُّؤْيَةُ الْمُسْنَدَةُ إِلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِينَ الْمَعْنَى الْمُجْزَى لِقَوْلِهِ: عَمَلَكُمْ.

وَجُمْلَةُ: وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقُولِ. وَهُوَ وَعْدٌ وَوَعِيدٌ مَعًا عَلَى حَسَبِ الْأَعْمَالِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ فِيهِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيره آنِفا.

[106]

[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 106]

وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)

هَذَا فَرِيقٌ آخَرُ عُطِفَ خَبَرُهُ عَلَى خَبَرِ الْفِرَقِ الْآخَرِينَ. وَالْمُرَادُ بِهَؤُلَاءِ مَنْ بَقِيَ مِنَ الْمُخَلَّفِينَ لَمْ يَتُبِ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَمْرُهُمْ مَوْقُوفًا إِلَى أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ بِمَا يَشَاءُ. وَهَؤُلَاءِ نَفَرٌ ثَلَاثَةٌ، هُمْ: كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَمُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَثَلَاثَتُهُمْ قَدْ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ. وَلَمْ يَكُنْ تَخَلُّفُهُمْ نِفَاقًا وَلَا كَرَاهِيَةً لِلْجِهَادِ وَلَكِنَّهُمْ شُغِلُوا عِنْدَ خُرُوجِ الْجَيْشِ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يَلْحَقُونَهُ وَانْقَضَتِ الْأَيَّامُ وَأَيِسُوا مِنَ اللِّحَاقِ. وَسَأَلَ عَنْهُمُ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي تَبُوكَ. فَلَمَّا رَجَعَ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم أَتَوْهُ وَصَدَقُوهُ، فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ، وَنَهَى الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِهِمْ وَمُخَالَطَتِهِمْ، وَأَمَرَهُمْ بِاعْتِزَالِ نِسَائِهِمْ، فَامْتَثَلُوا وَبَقُوا كَذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَهُمْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ. وَفِي تِلْكَ الْمُدَّةِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الْمَائِدَة:

71] . وَأُنْزِلَ فِيهِمْ قَوْلُهُ: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيءِ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ- إِلَى قَوْلِهِ- وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التَّوْبَة: 117- 119] .

وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّتِهِ هَذِهِ حَدِيثٌ طَوِيلٌ أَغَرُّ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» .

ص: 26

عَلَى التَّوْبَةِ وَالتَّنْبِيهِ إِلَى فَتْحِ بَابِهَا. وَقَدْ جَوَّزَ الْمُفَسِّرُونَ عَوْدَ ضَمِيرِ أَلَمْ يَعْلَمُوا [التَّوْبَة: 104] إِلَى الْفَرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ أَشَرْنَا إِلَيْهِمَا.

وَقَوْلُهُ: هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ [التَّوْبَةَ: 104](هُوَ) ضَمِيرُ فَصْلٍ مُفِيدٌ لِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ. وعَنْ عِبادِهِ [التَّوْبَة: 104] مُتَعَلِّقَةٌ بِ يَقْبَلُ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى يَتَجَاوَزُ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّ قَبُولَ التَّوْبَةِ هُوَ التَّجَاوُزُ عَنِ الْمَعَاصِي الْمَتُوبِ مِنْهَا.

فَكَأَنَّهُ قِيلَ: يَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَيَتَجَاوَزُ عَنْ عِبَادِهِ. وَكَانَ حَقُّ تَعْدِيَةِ فِعْلِ (يَقْبَلُ) أَنْ يَكُونَ بِحَرْفِ (مِنْ) . وَنَقَلَ الْفَخْرُ عَنِ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ أَنَّهُ قَالَ: لَعَلَّ (عَنْ) أبلغ لِأَنَّهُ ينبىء عَنِ الْقَبُولِ مَعَ تَسْهِيلِ سَبِيلِهِ إِلَى التَّوْبَةِ الَّتِي قُبِلَتْ. وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ ذَلِكَ، وَأَحْسَبُ أَنَّهُ يُرِيدُ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ تَضْمِينِ مَعْنَى التَّجَاوُزِ.

وَجِيءَ بِالْخَبَرِ فِي صُورَةٍ كُلِّيَّةٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْمِيمُ الْخطاب، فَالْمُرَاد ب عِبادِهِ جَمِيعُ النَّاسِ مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنَ الْكُفْرِ هِيَ الْإِيمَانُ.

وَالْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ التَّوْبَةِ قَطْعًا إِذَا كَانَتْ تَوْبَةً صَحِيحَةً لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ. وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لِتَوْبَةِ الْكَافِرِ عَنْ كُفْرِهِ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ بَلَغَتْ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ. وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِتَوْبَةِ الْمُؤْمِنِ مِنَ الْمَعَاصِي لِأَنَّ أَدِلَّتَهُ لَا تَعْدُو أَنْ تَكُونَ دَلَالَةَ ظَوَاهِرَ فَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ. مَقْبُولَةٌ قَطْعًا. وَنُقِلَ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَأَبُوهُ وَهُوَ الْحَقُّ. وَادَّعَى الْإِمَامُ فِي «الْمَعَالِمِ» الْإِجْمَاع عَلَيْهِ وَهِي أَوْلَى بِالْقَبُولِ. وَقَالَ الْبَاقِلَّانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمَازِرِيُّ: إِنَّمَا يُقْطَعُ بِقَبُولِ تَوْبَةِ طَائِفَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، يَعْنُونَ لِأَنَّ أَدِلَّةَ قَبُولِ جِنْسِ التَّوْبَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ مُتَكَاثِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ بَلَغَتْ مَبْلَغَ الْقَطْعِ وَلَا يُقْطَعُ بِقَبُولِ تَوْبَةِ تَائِبٍ بِخُصُوصِهِ. وَكَأَنَّ خِلَافَ هَؤُلَاءِ يَرْجِعُ إِلَى عَدَمِ الْقَطْعِ بِأَنَّ التَّائِبَ الْمُعَيَّنَ تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا. وَفِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي تَوْبَةٍ مُسْتَوْفِيَّةٍ أَرْكَانَهَا وَشُرُوطَهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ (1) السُّوءَ بِجَهالَةٍ الْآيَةَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [17] .

وَالْأَخْذُ فِي قَوْلِهِ: وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ [التَّوْبَة: 104] مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْقَبُولِ، لِظُهُورِ أَنَّ اللَّهَ لَا يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ أَخْذًا حَقِيقِيًّا، فَهُوَ مُسْتَعَارٌ لِلْقَبُولِ وَالْجَزَاءِ عَلَى الصَّدَقَةِ.

(1) فِي المطبوعة (يعلمُونَ) وَهُوَ خطأ.

ص: 27

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَخَلَفٌ مُرْجَوْنَ بِسُكُونِ الْوَاوِ بِدُونِ هَمْزٍ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَرْجَاهُ بِالْأَلِفِ، وَهُوَ مُخَفَّفُ أَرْجَأَهُ بِالْهَمْزِ إِذَا أَخَّرَهُ، فَيُقَالُ فِي مُضَارِعِهِ الْمُخَفَّفِ: أَرْجَيْتُهُ بِالْيَاءِ، كَقَوْلِهِ: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ [الْأَحْزَاب: 51] بِالْيَاءِ، فَأَصْلُ مُرْجَوْنَ مُرْجَيُونَ. وَقَرَأَ الْبَقِيَّة مُرْجَوْنَ بِهَمْزٍ بَعْدَ الْجِيمِ عَلَى أَصْلِ الْفِعْل كَمَا قرىء ترجيء من تشَاء [الْأَحْزَاب: 51] . وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِأَمْرِ اللَّهِ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ مُؤَخَّرُونَ لِأَجْلِ أَمْرِ اللَّهِ فِي شَأْنِهِمْ. وَفِيهِ حَذْفٌ مُضَافٌ، تَقْدِيرُهُ: لِأَجْلِ انْتِظَارِ

أَمْرِ اللَّهِ فِي شَأْنِهِمْ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ مُشْعِرٌ بِانْتِظَارِ شَيْءٍ.

وَجُمْلَةُ: إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِ خَبَرِهَا وَهُوَ لِأَمْرِ اللَّهِ، أَيْ أَمْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ إِمَّا تَعْذِيبُهُمْ، وَإِمَّا تَوْبَتُهُ عَلَيْهِمْ.

وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ يَتُوبُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ تَابُوا.

وَالتَّعْذِيبُ مُفِيدٌ عَدَمَ قَبُولِ تَوْبَتِهِمْ حِينَئِذٍ لِأَنَّ التَّعْذِيبَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ ذَنَبٍ كَبِيرٍ.

وَذَنْبُهُمْ هُوَ التَّخَلُّفُ عَنِ النَّفِيرِ الْعَامِّ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ [التَّوْبَة: 38] الْآيَةَ. وَقَبُولُ التَّوْبَةِ عَمَّا مَضَى فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ.

وإِمَّا حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ. وَمَعْنَاهَا قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى (أَوِ) الَّتِي لِلتَّخْيِيرِ، إِلَّا أَنَّ (إِمَّا) تَدْخُلُ عَلَى كِلَا الِاسْمَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَ مَدْلُولَيْهِمَا وَتَحْتَاجُ إِلَى أَنْ تُتْلَى بِالْوَاوِ، وَ (أَوْ) لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى ثَانِي الِاسْمَيْنِ. وَكَانَ التَّسَاوِي بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ مَعَ (إِمَّا) أَظْهَرَ مِنْهُ مَعَ (أَوْ) لِأَنَّ (أَوْ) تُشْعِرُ بِأَنَّ الِاسْمَ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ مَقْصُودٌ ابْتِدَاءً. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا يَا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [115] .

ويُعَذِّبُهُمْ- ويَتُوبُ عَلَيْهِمْ فِعْلَانِ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ حُذِفَتْ (أَنِ) الْمَصْدَرِيَّةُ مِنْهُمَا فَارْتَفَعَا كَارْتِفَاعِ قَوْلِهِمْ: «تَسْمَعُ بِالْمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ» لِأَنَّ مَوْقِعَ مَا بَعْدَ (إِمَّا) لِلِاسْمِ نَحْوَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ [مَرْيَم: 75] وإِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً [الْكَهْف: 86] .

وَجُمْلَةُ: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ تَذْيِيلٌ مُنَاسِبٌ لِإِبْهَامِ أَمْرِهِمْ عَلَى النَّاسِ، أَيْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَلِيقُ بِهِمْ مِنَ الْأَمْرَيْنِ، مُحْكَمٌ تَقْدِيرُهُ حِينَ تَتَعَلَّقُ بِهِ إِرَادَته.

ص: 28