الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمُرَادُ بِ السَّمِيعُ الْعَالِمُ بِأَقْوَالِهِمُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُسْمَعَ، وَبِ الْعَلِيمُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ أَحْوَالِهِمُ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَسْمُوعَاتٍ فَلَا يُطْلَقُ عَلَى الْعِلْمِ بِهَا اسْم (السّميع) .
[66]
[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 66]
أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَاّ يَخْرُصُونَ (66)
الْمَقْصُودُ بِتَوْجِيهِ هَذَا الْكَلَامِ هُمُ الْمُشْرِكُونَ لِتَأْيِيسِهِمْ مِنْ كُلِّ احْتِمَالٍ لِانْتِصَارِهِمْ عَلَى النَّبِيءِ- عليه الصلاة والسلام وَالْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ حِينَ يَفْهَمُ مَا فِي الْآيَاتِ الْخَمْسِ السّابقة من قَوْلهم: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ [يُونُس: 61] إِلَى هُنَا مِنَ التَّصْرِيحِ بِهَوَانِ، شَأْنِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ وَمِنَ التَّعْرِيضِ بِاقْتِرَابِ حُلُولِ الْغَلَبَةِ عَلَيْهِمْ يُخَامِرُهُمْ بَعْضُ الشَّكِّ فِي صِدْقِ الرَّسُولِ وَأَنَّ مَا تَوَعَّدَهُمْ بِهِ حَقٌّ، ثُمَّ يُغَالِطُونَ أَنْفُسَهُمْ وَيُسَلُّونَ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُ إِنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ سَيَجِدُونَ مِنْ آلِهَتِهِمْ وَسَاطَةً فِي دَفْعِ الضُّرِّ عَنْهُمْ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ: لِمِثْلِ هَذَا عَبَدْنَاهُمْ، وَلِلشَّفَاعَةِ عِنْدَ اللَّهِ أَعَدَدْنَاهُمْ، فَسِيقَ هَذَا الْكَلَامُ لِقَطْعِ رَجَائِهِمْ مِنْهُمْ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّهُمْ دُونَ مَا يُظَنُّ بِهِمْ.
فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا وَمُنَاسَبَةُ وُقُوعِهَا عَقِبَ جُمْلَةِ وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ [يُونُس: 65] أَنَّ أَقْوَالَهُمْ دُحِضَتْ بِمَضْمُونِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ. وَأَمَّا وُقُوعُهَا عَقِبَ جُمْلَةِ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً [يُونُس: 65] فَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ لِأَنَّ الَّذِي لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ تَكُونُ لَهُ الْعِزَّةُ الْحَقُّ.
وَافْتِتَاحُ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ مَقْصُودٌ مِنْهُ إِظْهَارُ أَهَمِّيَّةِ الْعِلْمِ بِمَضْمُونِهَا وَتَحْقِيقِهِ وَلِذَلِكَ عَقَّبَ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ، وَزِيدَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا بِتَقْدِيمِ الْخَبَرِ فِي قَوْلِهِ: لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ
وَبِاجْتِلَابِ لَامِ الْمِلْكِ.
وَ (مَنْ) الْمَوْصُولَةُ شَأْنُهَا أَنْ تُطْلَقَ عَلَى الْعُقَلَاءِ وَجِيءَ بِهَا هُنَا مَعَ أَنَّ الْمَقْصِدَ الْأَوَّلَ إِثْبَاتُ أَنَّ آلِهَتَهُمْ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ جَمَادَاتٌ غَيْرُ عَاقِلَةٍ، تَغْلِيبًا وَلِاعْتِقَادِهِمْ تِلْكَ الْآلِهَةَ عُقَلَاءَ وَهَذَا مِنْ مُجَارَاةِ الْخَصْمِ فِي الْمُنَاظَرَةِ لِإِلْزَامِهِ بِنُهُوضِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ حَتَّى عَلَى لَازِمِ اعْتِقَادِهِ. وَالْحُكْمُ بِكَوْنِ الْمَوْجُودَاتِ الْعَاقِلَةِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِلْكًا لِلَّهِ تَعَالَى يُفِيدُ بِالْأَحْرَى أَنَّ تِلْكَ الْحِجَارَةَ مِلْكُ اللَّهِ لِأَنَّ مَنْ يَمْلِكُ الْأَقْوَى أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَمْلِكَ الْأَضْعَفَ
فَإِنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ عَبَدَ الْمَلَائِكَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَدُوا الْمَسِيحَ، وَهُمْ نَصَارَى الْعَرَبِ.
وَذِكْرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لِاسْتِيعَابِ أَمْكِنَةِ الْمَوْجُودَاتِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: أَلَا إِنَّ لِلَّهِ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ.
وَجُمْلَةُ: وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِلَخْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ: لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ. وَهِيَ كَالنَّتِيجَةِ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى إِذِ الْمَعْنَى أَنَّ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ مِلْكٌ لِلَّهِ، وَاتِّبَاعُ الْمُشْرِكِينَ أَصْنَامَهُمُ اتِّبَاعٌ خَاطِئٌ بَاطِلٌ.
وَ (مَا) نَافِيَةٌ لَا مَحَالَةَ، بِقَرِينَةِ تَأْكِيدِهَا بِ (إِنِ) النَّافِيَةِ، وَإِيرَادِ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَهُمَا.
وشُرَكاءَ مَفْعُولُ يَدْعُونَ الَّذِي هُوَ صِلَةُ الَّذِينَ.
وَجُمْلَةُ: إِنْ يَتَّبِعُونَ تَوْكِيدٌ لَفْظِيٌّ لِجُمْلَةِ مَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ وَأُعِيدَ مَضْمُونُهَا قَضَاءً لَحِقِّ الْفَصَاحَةِ حَيْثُ حَصَلَ مِنَ الْبُعْدِ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِسَبَبِ الصِّلَةِ الطَّوِيلَةِ مَا يُشْبِهُ التَّعْقِيدَ اللَّفْظِيَّ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِأَفْصَحِ كَلَامٍ مَعَ إِفَادَةِ تِلْكَ الْإِعَادَةِ مُفَادَ التَّأْكِيدِ لِأَنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِي الْإِمْعَانَ فِي إِثْبَاتِ الْغَرَضِ.
والظَّنَّ مَفْعُولٌ لِكِلَا فِعْلَيْ يَتَّبِعُ، ويَتَّبِعُونَ فَإِنَّهُمَا كَفِعْلٍ وَاحِدٍ. وَلَيْسَ هَذَا مِنَ التَّنَازُعِ لِأَنَّ فِعْلَ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ لَا يَطْلَبُ عَمَلًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ تَكْرِيرُ اللَّفْظِ دُونَ الْعَمَلِ فَالتَّقْدِيرُ: وَمَا يَتِّبِعُ الْمُشْرِكُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ.