الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تزويج البكر بغير رضاها
المجيب وليد بن علي الحسين
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/05/1427هـ
السؤال
أجمع أغلب الأئمة والفقهاء على إباحة إجبار البكر غير البالغة على الزواج بحجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "البكر تستأذن" وكان المقصود هنا البالغة لأن الصغيرة لا تعرف الاستئذان، أيضاً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين! وقال تعالى "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة".
كيف نضمن أن الصغيرة عندما تبلغ وتكبر سترتاح نفسياً، وتشعر بالقبول لاختيار الولي؟ وفي هذه الحالة أمامها خياران، إما أن تحمل لقب مطلقة في مجتمع لا يرحم، وإما أن تحيا حياة بائسة تعيسة تشجعها على الانحراف بدلاً من أن تصونها؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبي الرحمة، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإنما أجاز الفقهاء تزويج البنت الصغيرة غير البالغة دون إذنها لمصلحتها وليس لمصلحة وليها، فقد علل الفقهاء الجواز بقولهم:"لئلا يفوتها الزوج الكفء"، وهذا ما ترجوه كل عروس، وجواز تزويج الصغيرة لا ينافي حقها في اختيار الزوج؛ لأن الشرع جعل ذلك إلى أبيها الذي ينوب عنها في اختيار الزوج، كما ينوب عنها في التصرف بمالها وغير ذلك من المصالح المتعلقة بها، نظراً لعجزها عن التصرف بنفسها؛ لعدم اكتمال عقلها وقدرتها على الاختيار لصغر سنها، فحتى لا يفوتها الزوج الكفء الذي تقدم لخطبتها أجاز الشارع للأب تزويجها بغير إذنها، لأن الزواج أمر فطري وإذا فاتها الزوج الكفء قد لا يتقدم إليها مرة أخرى، كما هو واقع اليوم من الذين يردون الزوج الكفء بحجة إكمال الدراسة، أو غير ذلك، فيقلُّ بعد ذلك الخُطَّاب وقد لا يتقدم لها بعد ذلك إلا من لا تراه أهلاً للزواج فتضطر لقبوله أو تمكث بلا زواج.
فالجواز مقيد بمصلحتها، ولهذا ذكر الفقهاء أنه لا يجوز للأب أن يزوجها بغير الكفء لعدم مصلحتها في ذلك، فإن زوجها بغير كفء فالنكاح باطل؛ لأنه عقد لها عقداً لاحظ لها فيه، كما لو أهدى مالها أو تصدق به، فإن ذلك لا يصح، ولأنه نائب عنها شرعاً فلا يصح تصرفه لها شرعاً بما لا حظ لها فيه، ولأن نظر الأب منوط بالمصلحة وهذا مخالف لها.
وعلى هذا فإن كان تزويج الأب لابنته الصغيرة لا يفضي إلى مصلحة، كما لو زوجها طمعاً في المال فإن ذلك لا يصح؛ لأنه لم ينظر في عقد النكاح إلى مصلحتها.
كما قد قيد الفقهاء أيضاً جواز تزويج البنت الصغيرة بالأب فقط، نظراً لشدة شفقته وحرصه على مصلحة موليته، وغير الأب لا يقوم مقامه في ذلك، فلم يجيزوا له تزويج الصغيرة.
وجواز تزويج الصغيرة لا ينافي الآية، لأن اختيار الأب مبني على النظر إلى مصلحتها وما يؤول إليه هذا الزواج في المستقبل من تحقيق مقاصد النكاح، وحصول السكن، والألفة، والمودة بينهما، فيوافق على تزويجها إن رأى مصلحتها في ذلك، ولا تسلم البنت إلى الزوج إلا بعد بلوغها وقدرتها جسمياً، ومن الخطأ أن يحكم على تزويج الصغيرة ابتداءً بالفشل إذ لا يعلم ما يؤول إليه الزواج في المستقبل إلا الله عز وجل وكل زواج محتمل للفشل ووقوع الطلاق، حتى في الزواج المبني على اختيار الزوجة وقبولها، وإنما على الزوجين فعل الأسباب والتوكل على الله سبحانه وتعالى ودعاءه بالتوفيق، فحصول المودة بين الزوجين يعود إليه سبحانه وتعالى، ولا يعيب المرأة وقوع الطلاق، لأنه لا يلجأ إليه إلا إذا خاف الزوجان ألا يقيما حدود الله تعالى ولم يستطع أحدهما معاشرة الآخر بالمعروف، ففيه رحمة بهما.
ومن الخطأ اعتقاد كون زواج الصغيرة يعارض تعليمها، فللزوجة أن تشترط على زوجها مواصلة تعليمها، وهذا عائد إلى الاتفاق بين الزوجين، وكثيراً ما يكون الزواج من الأسباب التي تعين البنت على التفوق في دراستها لاستقرارها.
وقد يقع من بعض الأولياء اليوم إغفال مصلحة البنت وتزويجها لأجل مصالحهم وتتضرر البنت من الزواج، فهذا تقصير من الولي، فيمنع من التصرف الذي يضر بموليته.
والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.