الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إفتاء العالم بما يخالف الفتوى السائدة
المجيب د. سعيد بن متعب القحطاني
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 08/05/1427هـ
السؤال
إذا خالف المجتهد أو العالم من هو أعلم منه، أو انفرد بفتوى خالف فيها أكثر العلماء المعاصرين والمتقدمين! فهل يجوز له إعلان فتواه للعامة أرجو الإفادة المفصلة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا خالف المجتهد، أو العالم، من هو أعلم منه، أو انفرد بفتوى خالف فيها أكثر العلماء فلا يخلو حال تلك الفتوى من أحد أمرين:
الأول: أن يكون ذلك القول أو تلك الفتوى مخالفة لما هو مقطوع به في الشريعة، أو يكون المفتي ماجناً أو مشهوراً بالتساهل والتوسع في الرخص، أو يقول بالقول لهوى في النفس ليرضي غيره، أو ليحمد من الناس وينال الغلبة على أقرانه عند الحكام ونحو ذلك؛ فهذا ينبغي الإنكار عليه ومنعه، وقد نص فقهاء الأحناف على الحجر على المفتي الماجن لأنه يفسد دين الناس، ومن عرف بذلك لم يجز أن يستفتى، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون إلا بعد أن يبين له الخطأ ووجهه بالأدلة الشرعية التي يجب قبولها؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وليس لأحد أن يحكم على عالم بإجماع المسلمين بل يبين له أنه قد أخطأ، فإن بين له بالأدلة الشرعية التى يجب قبولها أنه قد أخطأ وظهر خطؤه للناس، ولم يرجع بل أصر على إظهار ما يخالف الكتاب والسنة والدعاء إلى ذلك، وجب أن يمنع من ذلك، ويعاقب إن لم يمتنع، وأما إذا لم يبين له ذلك بالأدلة الشرعية لم تجز عقوبته باتفاق المسلمين، ولا منعه من ذلك القول، ولا الحكم عليه بأنه لا يقوله، إذا كان يقول إن هذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة، كما قاله فلان وفلان من علماء المسلمين، فهذا إذا اجتهد فأخطأ لم يحكم عليه إلا بالكتاب والسنة والمنازع له يتكلم بلا علم". مجموع الفتاوى (35/382) .
الثاني: أن يكون ما قاله ذلك العالم أو قضى به القاضي وفق النصوص الشرعية، فلا يجوز منعه، وإن خرج عن أقوال الأئمة الأربعة؛ فإن أقوال الأئمة كالفقهاء الأربعة وغيرهم ليست حجة لازمة، ولا إجماعاً باتفاق المسلمين؛ بل قد ثبت عنهم أنهم نهوا الناس عن تقليدهم وأمروهم إذا رأوا قولاً في الكتاب والسنة أقوى من قولهم أن يأخذوا بما يدل عليه الكتاب والسنة ويدعوا أقوالهم؛ وغيرهم أولى بترك قوله إذا جانبه الدليل، لأن الأئمة الأربعة قد حازوا مرتبة الاجتهاد المطلق، ومع ذلك ساغت مخالفتهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن المفتي يخرج عن أقوال الأئمة الأربعة:"ولو قضى أو أفتى بقول سائغ يخرج عن أقوال الأئمة الأربعة في مسائل الأيمان والطلاق وغيرهما مما ثبت فيه النزاع بين علماء المسلمين ولم يخالف كتابا ولا سنة ولا معنى ذلك، بل كان القاضي به والمفتي به يستدل عليه بالأدلة الشرعية كالاستدلال بالكتاب والسنة، فإن هذا يسوغ له أن يحكم به ويفتي به، ولا يجوز باتفاق الأئمة الأربعة نقض حكمه ولا منعه من الحكم به ولا من الفتيا به ولا منع أحد من تقليده، ومن قال: إنه يسوغ المنع من ذلك فقد خالف إجماع الأئمة الأربعة بل خالف إجماع المسلمين مع مخالفته لله ورسوله فإن الله تعالى يقول في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] ، فأمر الله المؤمنين بالرد فيما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، وهو الرد إلى الكتاب والسنة، فمن قال: إنه ليس لأحد أن يرد ما تنازعوا فيه إلى الكتاب والسنة؛ بل على المسلمين اتباع قولنا دون القول الآخر من غير أن يقيم دليلا شرعيا كالاستدلال بالكتاب والسنة على صحة قوله فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع المسلمين وتجب استتابة مثل هذا وعقوبته كما يعاقب أمثاله"[مجموع الفتاوى (33/133-134) ] .